أعمار تزداد وأجور تتراجع
يقل متوسط أجور النساء في سويسرا بحوالي الربع عن أجور الرجال ويزداد هذا الفارق ليصل إلى حوالي الثلث بعد سن الخامسة الأربعين.
وعلى الرغم من بعض التشريعات التي تحاول التقليص من هذه الفوارق إلا أن الخبراء يؤكدون أن المسار المؤدي إلى تماثل الأجور سيكون طويلا.
الحديث عن عدم تساوي الأجور بين النساء والرجال في سويسرا ليس أمرا جديدا أو مفاجئا لكن الدراسة التي أعدها البروفسور إيف فلوكيغر عن اليد العاملة النشيطة في القطاع الخاص بكانتون زيوريخ (التي تمثل خُمس القوى العاملة في سويسرا) كشفت عن وجه جديد من أوجه الخلل القائمة في هذا المجال.
فقد اتضح للفريق الذي أشرف على إعداد الدراسة أن السن يبقى – في ظل تماثل جميع المعطيات الأخرى – عاملا حاسما فيما يتعلق بأجور النساء. إذ تقل أجور النساء اللواتي تزيد أعمارهن عن 45 عاما بنسبة 34،5% عما يحصل عليه الرجال في نفس السن في حين أن معدل الأجور التي يتحصل عليها النساء في سويسرا – من جميع الفئات العمرية – يقل بنسبة 27،7% عن مداخيل الرجال.
ويشير إيف فلوكيغر إلى أن “هذه الفوارق أكثر أهمية في سويسرا مما هو عليه الحال في باقي الدول الأوروبية”.
ولا تتوقف الفوارق عند الأجور بل تتعداها إلى الحضور في المواقع القيادية. إذ لا يتجاوز تمثيل النساء من هذه الفئة العمرية(أي أكثر من 45 عاما) في صفوف الأطر العليا 7،7% (مقابل 18،9% بالنسبة للرجال) و9،7% في الأطر المتوسطة (مقابل 17،2% بالنسبة للرجال).
ومن الواضح أن النساء يجدن صعوبات كبيرة في الإرتقاء في السلم الوظيفي والوصول إلى المناصب القيادية العليا وهو الأمر الذي من شأنه أن يُـرفّع في أجورهن. ويذهب البروفسور فلوكيغر إلى أن “الأفكار المُسبقة لا زالت تمثل عقبة عند الترقيات” بالرغم من أن أحدث الدراسات أثبتت أن ما يُنسب مثلا للأمهات من تعدد الغيابات عن العمل “لا يستند إلى أساس” على حد تعبيره.
مشكل آسمه “الأمومة”
وفي الواقع هناك أسباب موضوعية تؤدي إلى وجود هذه الفوارق في الأجور بين الرجال والنساء في سويسرا. فالنساء المشمولات بالدراسة ينتمين إلى جيل تحصلت فيه الفتيات على مستوى أقل من التكوين مقارنة بالذكور (15،9% من النساء أكملن تكوينا جامعيا مقابل 36،8% من الرجال).
في المقابل، يشير البروفيسور إيف فلوكيغر إلى أنه “في ظرف جيل واحد تمكنت النساء اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 20 و30 سنة من اللحاق بالرجال على هذا المستوى” وهو تطور ينعكس بدوره على الفوارق في الأجور التي تتجه شيئا فشيئا نحو التراجع.
ويرتبط السبب الثاني الذي أدى إلى هذا الخلل بالتجربة المهنية. إذ عادة ما تضطر النساء إلى الإنقطاع مؤقتا عن مزاولة وظائفهن بسبب الحمل والرغبة في التفرغ للعناية بالأطفال مما يؤدي إلى يقلص من حظوظ الإرتقاء العادي ضمن السلم الوظيفي.
ولدى إجراء مقارنة مع بلدان الإتحاد الأوروبي، تبدو “الأمومة أكثر إضرارا بحظوظ المرأة العاملة في سويسرا نظرا لعدم توفر تأمين على الأمومة ولقلة عدد هياكل الإستقبال المخصصة للرضع والأطفال الصغار” على حد قول إيف فلوكيغر.
كما يمثل الزواج عاملا إضافيا يساهم في تراجع الأجور النسائية في حين أنه عادة ما يُتعامل معه بشكل إيجابي لدى الرجال.
لا يعملن كامل الوقت
وقد أكدت الدراسة مرة أخرى أن أكثر من نصف النساء لا يعملن كامل الوقت لأسباب عائلية في معظم الأحيان في حين لا تتعدى هذه النسبة 10% لدى الرجال. وتتفاقم الظاهرة في صفوف النساء اللواتي تجاوزت أعمارهن الخامسة والأربعين لتشمل 67% منهن.
ويضيف التقرير أن هناك فرقا في التعاطي مع العمل لجزء من الوقت. ففي حين ينعكس سلبا على وضع الرجال، يحظى باهتمام ويُتعامل معه بإيجابية عندما يتعلق الأمر بالنساء. وهو ما يقيم الدليل على أن أرباب العمل لا زلوا يعتبرون أن عمل الرجال لجزء من الوقت أمر “غير نمطي”، بل يشكل انتقاصا في إنتاجيتهم وطموحهم.
على العكس من ذلك، يبدو أن هذا الشكل من العمل لدى النساء يحظى بالتقدير ويعتبر دليلا على توفر قدر أكبر من المرونة وهو أمر محبذ من جانب المؤسسات الإقتصادية التي تجني منه أرباحا بدرجات متفاوتة في مختلف القطاعات.
لذلك يتزايد توجه النساء إلى شغل وظائف تمنح قيمة أكبر للعمل بجزء من الوقت حتى يتمكن من التوفيق بين متطلبات العائلة والشغل وهو وضع يؤدي بالضرورة إلى تقليص الخيارات المتاحة أمامهن.
وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، اكتشف الباحثون الإجتماعيون في جامعة جنيف الذين أعدوا الدراسة أن الهشاشة التي يتميز بها وضع النساء العاملات يرتبط أساسا باحتساب أجور العمل حسب الساعة وليس بظاهرة العمل لجزء من الوقت.
فقد اتضح أن هذه الصيغة لاحتساب الأجور تشمل 19،6% من النساء مقابل 6،4% لدى الرجال كما أنها ترتفع بعد سن الخامسة والأربعين لتتجاوز 20% منهن.
وتؤدي هذه الصيغة إلى انخفاض قيمة الأجر الشهري الذي تتحصل عليه المرأة بحوالي 10،1% (في سن تقل عن 45) وبـ 11،8% (فوق ذلك السن).
وتعني هذه الأرقام أن الأجور التي يتم الحديث عنها متدنية جدا، أي أننا بصدد وضع مفيد جدا للشركات والمؤسسات التي تتوفر بهذا الشكل على مرونة كبيرة فيما يتعلق باليد العاملة التي تحتاج إليها.
مسار طويل
ولا تتوقف الأمور عند هذه الحد. إذ يؤدي تجمع العوامل التمييزية السابقة من مرتبات متدنية وأجور تُحتسب بالساعة وعمل لجزء من الوقت لتؤثر في نهاية المطاف على قيمة جرايات التقاعد حيث أن انخفاض حجم المساهمات المدفوعة في سنوات النشاط يؤدي حتما إلى تراجع قيمة جراية التقاعد.
ومما يزيد الوضع تعقيدا قربُ بدء العمل خلال السنوات المقبلة ببعض التشريعات الجديدة (مثل الترفيع في سن التقاعد للنساء من 62 إلى 65 سنة بحلول عام 2009) والتغييرات العميقة التي تشهدها التركيبة العائلية (ارتفاع كبير في معدلات الطلاق) وما ينجم عنها من انعكاسات سلبية تضفي المزيد من الهشاشة على الأوضاع المالية للنساء بسبب القوانين التي تربط ما بين الزوجين في مسألة جرايات التقاعد.
لذلك ينصح البروفيسور إيف فلوكيغر بالفصل التام بين جرايات التقاعد وبين وضع العلاقات بين الزوجين لتتحول إلى مسألة فردية تماما.
ومع التنويه إلى بعض التحسينات التشريعية الأخيرة التي استفادت منها النساء (وخاصة في أسفل سلم الأجور) في مجال التقاعد ومع الإقرار بأن الفوارق القائمة في الأجور بين الرجال والنساء تتراجع في سويسرا من عام إلى آخر، يعتقد البرفسور فلوكيغر أنه من المحتمل جدا أن تستمر عملية توحيد الأجور بين الجنسين فترة طويلة قد تصل إلى قرن من الزمان.
سويس إنفو
صادقت سويسرا على المعاهدة الأممية من أجل القضاء على التمييز تُجاه النساء في عام 1997
بدأ العمل بقانون المساواة في سويسرا يوم 1 يوليو 1996
لا زالت سويسرا ضمن الدول الأوروبية القليلة التي لا تُوجد فيها تأمينات على الأمومة
على مستوى الأجور، تقل أجور النساء عادة بنسبة 27،7% عن أجور الرجال. أما بالنسبة لمن تزيد أعمارهن عن 45 سنة فإن هذه النسبة تصل إلى 34،5%.
نصف النساء السويسريات لا يشتغلن كامل الوقت، وهذه النسبة لا تزيد عن 10% في صفوف الرجال
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.