“أغلقنا كل شيء في الخارج، وسمحنا بكل شيء داخل البيوت”
تعرف منطقة القبائل، شرق العاصمة الجزائرية، اشتباكات عنيفة بين الجيش من جهة ومسلحين ينتمون إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، من جهة أخرى.
ومع توفر الإمكانات لقوات الأمن في عهد الرئيس بوتفليقة، إلا أن نقص المعلومات بشأن المسلحين، وكيفية تفكيرهم وطرق تجنيدهم أضحى كابوسا (لجميع الأطراف) لا يمكن التهرب منه.
صرح مصدر أمني جزائري متقاعد لسويس إنفو بشأن هذا الموضوع قائلا: “المشكلة بشأن المُـنتمين الجُـدد إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي أضحت اليوم تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، أننا لا نعرف طرق تجنيدهم، لأننا أغلقنا على أنفسنا أغلب الطُّـرق التي تمكِّـننا من معرفة من يجند من”؟
وأضاف هذا المصدر: “لقد أغلقنا الجامعات وقررنا أن نغلق المساجد بعد انتهاء كل صلاة ومنعنا الحلقات التعليمية، التي تعقب الصلوات الخمس، ونحاول الآن عبر وزارة الشؤون الدينية، معرفة كل إمام على حدة، تفكيره وطريقة تعليمه للناس وهل ينتمي أم لا إلى أي حزب سياسي إسلامي”؟
ويختتم الضابط السامي المتقاعد تصريحه لسويس إنفو قائلا: “يبدو أن المُـنضَـوين الجُـدد إلى الجماعات المسلحة، يتجنّـدون في بيوتهم عبر القنوات الفضائية وما تبُـثه من صور عن العراق وأفغانستان وفلسطين، ثم ما تبُـثه أيضا من صور وتصريحات زعيم القاعدة والدروس الدينية، التي نمنعها في المساجد ونجدها في الفضائيات، كأننا أغلقنا كل شيء في الخارج، وسمحنا بكل شيء داخل البيوت، النتيجة ستكون واحدة، ولكن مع الاختلاف الجِـوهري، المتمثل في جهل مصالح الأمن بهَـوية كل من يُـريد الالتحاق بالجماعة السلفية للدعوة والقتال وغيرها من التنظيمات المسلحة”.
وضع ضبابي
وعلمت سويس إنفو أن مصالح الشرطة والدرك قد سجّـلت في الأشهر الستة الأخيرة مئات التصريحات الأسَـرية باختفاء أبنائها الذّكور على الخصوص، وأعمارهم ما بين السابعة عشرة والخامسة والعشرين، ولئن كانت الجهات الرسمية، تريد دوما بيان أن المختفين إنما توجّـهوا إلى أوروبا عبر قوارب الموت والهجرة غير الشرعية.
وفي مقابل هذا التفسير الحكومي، هناك حقيقة أن عشرات الشباب اختفوا من العاصمة وولايات البليدة وعين الدفلى وبومرداس وباتنة، من دون أن تكون لهم سوابق في التصرف تُـشير إلى أرجحية توجّـههم إلى جبال منطقة القبائل، التي تَـعرف التواجد الأهم لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
وفي هذا الصدد، تقول الإعلامية غنية عكازي: “الوضع الآن أعقد مما كان عليه في تسعينات القرن الماضي، وما نعيشه في الأشهر الأخيرة، وضْـع ضبابي لم نعرِفه من قبل، كأن هناك من يُـريد أن يُـخفي حقيقة ما نجهلها أو على الأقل، يريد أن يظهر الوضع كأنه كذلك”.
وفي السياق نفسه، تؤكِّـد غنية عكازي أنها “تستبعد أن تكون القنابل التي تستهدف الجيش من تدبير جهات غير الجماعة السلفية، وفي نفس الوقت، يؤدّي نقص المعلومات إلى وضع مليء بالتساؤلات، التي لا يمكن الإجابة عليها ببيان حكومي”.
سلوك مافياوي
من جهته، يرى المحلل السياسي وعضو منتدى دافوس أرسلان شيخاوي أن “العنف قد تحوّل من سلوك أيديولوجي إلى سلوك مافياوي، وتنظيم القاعدة بيْـن قوسين، أضحى المشجب التي تعلق عليه الكثير من الأزمات الاجتماعية التي تعيشها البلاد، بل كلما زاد الحديث عن مشكلة اجتماعية ما، زاد احتمال وقوع تفجير انتحاري أو هجوم مسلح”.
ويضيف أرسلان شيخاوي لسويس إنفو: “ماذا نقول عن عملية انتحارية صادفت بداية غليان اجتماعي؟ هل هو تنظيم القاعدة، الذي يشارك في الحوار الاجتماعي عبر أسلوبه الخاص أم أنه تفجير يُـستهدف منه جلْـب الاهتمام في وقت حرج؟ والمشكلة الأخرى، أننا لا نعرف بالضرورة هوية المهاجمين والمفجّـرين، والصورة تتسارع أمام أعيننا بشكل لافت ومثير”.
وعلمت سويس إنفو من مصادر مطّـلعة، أن الدولة الجزائرية لا تريد أن تطبِّـق الأجندة الأمريكية بحذافيرها فيما يتعلّـق بمحاربة تنظيم القاعدة، وهي، وإن بادلت المعلومات بشأن القاعدة مع مصالح الأمن الأمريكية دون مشاكل، إلا أن إعلان الحرب الشاملة في منطقة القبائل غير ممكن عمليا، لاعتبارات وطنية بحتة، فهِـمها الأمريكيون أو لم يفهَـموها.
وفي رد على سؤال لسويس إنفو حول اختراق تنظيم القاعدة من قِـبل جواسيس غربيين أو عرب يعملون لصالح هذه الأجهزة، قال دبلوماسي فرنسي لسويس إنفو: “هذا أمر مُـستبعد بشكل هائل، لأن تطبيق حالة الحرب الباردة مُـستحيل في حالة تنظيم القاعدة، فمن هو هذا الجاسوس الذي سيقبل بالجوع والعرى واحتمالات الموت والتصفية المباشرة عند اكتشاف أمره”؟
ويضيف الدبلوماسي الفرنسي: “قد أوافق على أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي سهل الاختراق في الجزائر، بسبب المستوى التعليمي، لكن إيجاد رجال أو نساء يخترقون تنظيما لا يتحرّك ضمن قواعد واضحة، مستحيل، لأن قواعد التعامل الاستخباري المتعارف عليها دوليا، منعدمة عند تنظيم القاعدة”.
بريق انفجار وسط ظلام دامس
أما في منطقة القبائل، فالتواجد الأجنبي ضِـمن لفيف تنظيم القاعدة مثير للانتباه، والوقوف معه هنيهة ضروري، فهناك جزائريون وتونسيون ومغاربة ويمنيون أحيانا، وسعوديون أحيانا أخرى، ومن حين لآخر، ينمو إلى مسامع الإعلاميين أن قوات الأمن قتلت شيشانيين وهلُـم جرا…
والسؤال البديهي الأول: “كيف دخلوا”؟ يليه سؤال آخر، بما أن هناك تونسيون ومغاربة، هل يعني هذا أن شبكات التجنيد قد طالتهم في بلدانهم؟ وقد يعني هذا أيضا، أن استخبارات بُـلدانهم تُـعاني نفس ما تُـعانيه مصالح الأمن الجزائرية من نقص في المعلومات وفشل ملحوظ في عمليات الاختراق، التي لابد منها في أي عمل أمني يمكن تسميته كذلك.
وقد يأتي بعض العزاء من إعلان فصائل صغيرة، كانت تتبع الجماعة السلفية في جنوب الجزائر، قد انسحبت من الجماعة وهي تندد في نفس الوقت، بانضمامها إلى تنظيم القاعدة، مثل جماعة مختار بلمختار.
غير أن هذا التّـنديد ناقص من الناحية العملية، لأن تنظيم القاعدة إذا لم يثق في جهة ما، همّـشها بكل بساطة، وهي نفس السياسة التي تُـزعج أي جهة أمنية مَـهما كانت منظمة وذكية، فغلْـق مجال التحرّك معناه لا معلومة، وكم هو صعب انتظار بريق انفجار مُـدوٍّ وسط ظلام دامس.
وإلى حدِّ كتابة هذه السطور، لم تُكتشف بعدُ المخابر التي صنعت فيها المتفجرات التي استُـعملت في الأشهر الأخيرة ضد مقري وزارة الداخلية ورئاسة الوزراء، والهجوم لا زال مستمرا ضد مواقع الجماعة السلفية في بلاد القبائل، بلاد التناقضات والفرص الضائعة، ففيها ينشط تنظيم القاعدة وفيها يتحرك الإنجيليون الأمريكيون لتنصير من يستطيعون ومنها تمُـر المخدِّرات إلى كامل شرق البلاد، وفيها تقع أكبر الملاهي في البلاد وفيها أكبر الزوايا الصوفية العتيقة وفيها المعارضة السياسية الأشرس، منذ استقلال البلاد عام 1962.
هيثم رباني – الجزائر
الجزائر (رويترز) – أفادت صحف يوم السبت 4 أغسطس، بأن الجيش الجزائري قتل 16 متشددا بالقرب من الحدود مع تونس خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، مصعِّـدا هجوما مضادا بعد هجمات شنّـها مقاتلو القاعدة.
وقالت صحيفتا الخبر وليبرتيه المستقلتان، إن هؤلاء المتشددين وهم أعضاء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قتلوا في ولاية تبسّـة، التي تبعد نحو 634 كيلومترا شرقي الجزائر العاصمة.
ونسبت الصحيفتان إلى مصادر أمنية قولها أن الجيش كان يتحرك وفقا لمعلومات حصل عليها من متشدد جرى اعتقاله.
وقالت صحيفة الوطن، إنه في عملية منفصلة قتل الجيش ثلاثة من أعضاء الجماعة نفسها في بلدة العفرون في ولاية البليدة، التي تبعد نحو 70 كيومترا جنوبي الجزائر العاصمة، ولم تعلق السلطات على هذه العمليات.
وفي الشهر الماضي، قال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، إنه يخطِّـط لحملة عنيفة ضد “الكفّـار” والقوات الحكومية في منطقة المغرب، ودعا المسلمين للابتعاد عن الأهداف المحتملة، جاء ذلك في بيان وضع على موقع على الإنترنت.
وغيرت الجماعة، التي كانت تُـعرف باسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال أسلوبها من حرب العصابات والقتال في المناطق الريفية، إلى تفجيرات في المدن، وأدّى هجوم ثلاثي إلى مقتل 33 شخصا في العاصمة الجزائرية في أبريل الماضي.
وفي الشهر الماضي، قتل الجيش الجزائري وقوات الأمن 47 متشددا، مما رفع إجمالي عدد القتلى هذا العام في الاشتباكات بين المتشددين الإسلاميين والقوات الحكومية، إلى 265 وفقا لإحصاءات رويترز المُـستندة إلى أخبار الصحف.
وقُـتل ما يصل إلى 200 ألف شخص في الجزائر منذ إلغاء انتخابات عامة في عام 1992، كاد الإسلاميون يفوزون فيها.
وتراجعت حدّة العنف في الأعوام الأخيرة، ولكنه مستمر في بعض أنحاء البلاد، ولاسيما في منطقة القبائل والمناطق المحيطة بها.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 أغسطس 2007)
الجزائر (رويترز) – قالت صحيفة المجاهد الحكومية يوم الخميس 1 أغسطس، إن قوات الأمن الجزائرية قتلت العقل المدبِّـر للتفجيرات الانتحارية، والتي شملت هجوما ثلاثيا في العاصمة الجزائرية في ابريل الماضي، قتل فيه 33 شخصا.
وقالت الصحيفة، إن رشيد سيد علي، وهو مستشار عسكري لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي قتِـل يوم 30 يوليو في إقليم شرقي العاصمة الجزائرية، وأضافت الصحيفة نقلا عن مصدر أمني، أنه قتِـل مع مساعده هارون العشاشي بمساعدة من السكان المحليين في قرية قريبة من تيزي أوزو.
وتشمل الهجمات، التي خطط لها سيد علي، تفجيرات سيارات ملغومة في مقر الحكومة ومركزي شرطة في الجزائر العاصمة يوم 11 ابريل، قتل فيها 33 شخصا، وتفجير شاحنة ملغومة يوم 11 يوليو، قتل فيه ثمانية جنود على الأقل في ثكنات عسكرية.
وقالت الصحيفة، إنه أشرف على العمليات بأكملها وأعطى تعليمات لتصوير الهجمات وكان وراء حيازة سيارات ملغومة، وكان يخطط لشن هجمات واسعة النطاق.
وصعّـدت قوات الأمن الجزائرية هجماتها على مخابئ القاعدة، بعد أن حولت الجماعة تركيزها على شن تفجيرات كبيرة في بلدات وابتعدت عن شن هجمات خاطفة على الشرطة في الريف.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 2 أغسطس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.