مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمريكا تُوسّـع نفوذها العسكري في شمال أفريقيا والصحراء

الجنرال ويليام وارد، رئيس القيادة العسكرية الأمريكية للقارة الإفريقية (أفريكوم) يتحدث في ندوة صحفية بالعاصمة التونسية يوم 28 مايو 2008 Keystone

أكدت جولة قائد القيادة الأفريقية للقوات الأمريكية الجنرال وليم وارد التي بدأها يوم 27 مايو وشملت كلا من تونس والمغرب، أن الولايات المتحدة ماضية في تعزيز حضورها في بلدان شمال أفريقيا والبلدان المتاخمة للصحراء الكبرى من دون المخاطرة بإقامة قواعد دائمة هناك.

وانبنت سياسة القيادة الجديدة الخاصة بأفريقيا منذ إنشائها على تقديم المساعدات المختلفة لجيوش البلدان الحليفة في “الحرب على الإرهاب” (التي تقودها الولايات المتحدة)، بما في ذلك تنظيم مناورات عسكرية واسعة في مطلع كل صيف مع قوات آتية من تسعة بلدان أفريقية، لكن من دون اللجوء لتمركز قوات أمريكية على أراضي البلدان الحليفة.

وفي هذا السياق أكد الجنرال وارد في تصريحات أدلى بها للصحفيين في ختام زيارته الأخيرة لتونس أنه “لم يطلب ولن يطلب من السلطات التونسية منح تسهيلات دائمة لقوات أمريكية في قاعدة بنزرت” (شمال البلاد)، كما لم يطلب استئجار قاعدة القنيطرة (التي أخضعت أخيرا لعمليات تجديد وتحديث).

وتشمل دائرة تدخل “أفريكوم” المؤلفة من ألف عنصر فقط موزعين على ثلاث قيادات فرعية، كل القارة الأفريقية (عدا مصر التي تتبع للقيادة المركزية في ميامي بولاية فلوريدا)، إلى جانب جزر في المحيط الهندي مثل سيشيل ومدغشقر وأرخبيل القُمر.

حزمة برامج

وتتولى “أفريكوم” متابعة تنفيذ البرامج المتعلقة بالأمن والإستقرار في القارة الأفريقية التي كانت وزارة الخارجية الإشراف على تنفيذها. وللولايات المتحدة في هذين المجالين حزمة من برامج التعاون العسكرية مع بلدان شمال أفريقيا ومنطقة الصحراء، نذكر منها ثلاثة برامج رئيسية على الأقل هي أولا تدريب القوات على حفظ السلام في إطار برنامج “أكوتا” أي للتدريب والمساعدة (African Contingency Operations Training and Assistance program) وثانيا “أيمت” أي برنامج التدريب والتعليم العسكري الدولي (International Military Education and Training program ) وثالثا البرنامج الرئاسي لمكافحة الأيدز (s Emergency Plan for AIDS Relief ‘President) وتُقدر موازنته بأكثر من 18 بليون دولار على مدى خمسة أعوام.

وكان الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش استجاب لضغوط استمرت سنوات في صلب المؤسسة العسكرية الأمريكية، بالإعلان يوم 6 فبراير 2007 عن تكوين مركز للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا بعدما كانت مرتبطة بقيادة القوات الأمريكية في أوروبا. وأضيفت القيادة الجديدة لأربع قيادات اقليمية سابقة هي القياد الأمريكية في أوروبا United States European Command ) ) والقيادة المركزية الأمركية (United States Central Command ) والقيادة الأمريكية للمحيط الهادي (United States Pacific Command ( .

ودل هذا التطور على مؤشرين جديدين أولهما إصرار الولايات المتحدة على دخول حلبة الصراع مع القوى الأوروبية على النفوذ والثروات في القارة الأفريقية خصوصا مع أهمية المواد الأولية التي تضاعفت أسعارها في الأسواق العالمية وخاصة النفط، وثانيهما تصاعد الأخطار التي باتت تهدد السفارات والشركات الأمريكية في أفريقيا منذ الهجوم المزدوج على السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام صيف عام 1998.

وأفاد ضابط كان يرافق الجنرال وارد في جولته المغاربية أن قرار إنشاء قيادة مستقلة خاصة بأفريقيا اتُخذ في سنة 2006 لكن الرئيس بوش لم يُعلن عنه سوى في 6 فبراير 2007 على أن تبدأ القيادة الجديدة عملها الرسمي اعتبارا من سبتمبر 2008.

وبناء على ذلك القرار تشكلت قيادة انتقالية واختير على رأسها نائب رئيس القيادة الأمريكية في أوروبا الجنرال وارد، وشرح المصدر أن ذلك الإختيار استند على معرفة وارد بالمنطقة الأفريقية التي كانت تتبع القيادة الأمريكية الخاصة بأوروبا في شتوتغارت.

وكان الأمريكيون قرروا في سنة 1983 جعل افريقيا تحت جناح قيادتهم المركزية في أوروبا بالنظر إلى أن معظم البلدان الأفريقية مستعمرات أوروبية سابقة حافظت على علاقات سياسية وثقافية متينة مع المستعمر السابق. واستنادا لهذا المصدر تشمل “أفريكوم” مساعدا للقائد العام مختصا في العمليات العسكرية هو الأميرال روبرت موللر R.Moeller ومساعدة للشؤون المدنية والعسكرية هي ماري كارلين ييتس.

منافسة مُستترة مع أوروبا

لا يمكن أن تكون كل هذه العناية المخصصة للقارة الأفريقية خالية من أي مصالح ومدفوعة بأهداف خيرة فقط، خاصة عندما يتعلق الأمر بتدريب جيوش البلدان الحليفة وتطوير أسلحتها وتحديث منشآتها. وإذا كان معظم البلدان الأفريقية مرتبطا إلى اليوم بالمستعمر السابق (الأوروبي) على صعيد تدريب كوادره العسكرية واقتناء الأسلحة والذخائر، فإن دخول الولايات المتحدة على الخط لعرض تعاون مُشابه في المجالات الأمنية والعسكرية يشكل مزاحمة للأوروبيين وتقليصا من نفوذهم المطلق في القارة، خصوصا بعد انكفاء النفوذ العسكري الروسي – الكوبي في القارة وخاصة في جنوبها (أنغولا والموزنبيق)، في أعقاب انهيار الإتحاد السوفياتي السابق. ومن المهم الإشارة هنا إلى المقولة التي أطلقها وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس لدى إطلاق قيادة “أفريكوم” حين أكد أن إنشاءها “سيمنح الولايات المتحدة مقاربة أكثر فعالية وتماسكا للقارة الأفريقية قياسا على المقاربة الحالية التي هي من مخلفات الحرب الباردة”.

أكثر من ذلك وجد الأمريكيون في تزايد نشاط تنظيم “القاعدة” في منطقة شرق أفريقيا منذ عهد الرئيس كلينتون مُبررا لتكثيف الإهتمام العسكري بالقارة وخاصة بعد الضربتين المُجهتين لسفارتيهم في كينيا وتنزانيا. ويعتقد المخططون الأمريكيون أن هذا الخطر لم يزُل اليوم بل تفاقم مع انتشار الفوضى في الصومال وتعفن الحرب في اقليم دارفور وتصاعد الخلافات بين دول المنطقة بأسرها.

غير أن انتشار “القاعدة” في شمال أفريقيا في السنوات الأخيرة بدءا من تبني الهجوم الإنتحاري الذي استهدف كنيس “الغريبة” في جزيرة جربة التونسية في أبريل 2002 وأسفر عن مقتل 22 شخصا بينهم 14 سائحا ألمانيا، وانتهاء بالهجوم على السفارة الإسرائيلية في نواق الشط في وقت سابق من العام الجاري، دفع الأمريكيين إلى الإنتقال إلى مرحلة أعلى من “التنسيق” العسكري والأمني مع حكومات المنطقة.

وتجلى ذلك شرقا في توسيع القاعدة التي يملكونها في جيبوتي والتي تضم 1800 جندي وضابط ونشر قطع بحرية وجوية حول حاملة الطائرات “أيزنهاور” في عرض الصومال (وهذا عبارة عن قاعدة عائمة). أما غربا وشمالا فتجلى من خلال الجولتين اللتين قام بهما كل من وزير الدفاع السابق رامسفيلد ورئيس مكتب التحقيقات الفدرالي في المنطقة (بشكل منفصل) واللذين تلتهما مطالبة ملحة للحكومات المغاربية بقبول استضافة مقر “أفريكوم”. وردت الجزائر علنا على هذه المساعي بالرفض، فيما اختارت العواصم الأخرى إحاطة الملف بالتكتم الذي تقتضيه الملفات الأمنية الدقيقة.

مع ذلك يتفق المراقبون على أن إعلان انضمام “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية إلى شبكة “القاعدة” شكل علامة فارقة حسمت التجاذب بين الدول المطلة على الصحراء الكبرى والولايات المتحدة في اتجاه إرساء شراكة عسكرية وثيقة جسدتها المناورات السنوية المشتركة في أحد بلدان المنطقة، وإرساء “الشراكة العابرة للصحراء لمكافحة الإرهاب” (Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership/ TSCTP) والتي عقدت ندوتها الثالثة في داكار يوم 7 فبراير 2007 بمشاركة رؤساء أركان كل من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا (ليبيا غير مشاركة) والنيجر ومالي والتشاد والسينغال ونيجيريا، بإشراف الجنرال وارد الذي كان مايزال آنذاك مساعدا لقائد القوات الأمركية في أوروبا. وعزت مصادر أمريكية إشراك نيجيريا على رغم بعدها عن الصحراء إلى تنامي التيارات الإسلامية فيها على خلفية التنوع الإثني والديني اللذين يُميزانها.

وفسر القائد العسكري السينغالي عبد القادر غاي دوافع تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة بأن مكافحة التنظيمات الإرهابية “تقتضي تطوير التنسيق لتبادل المعلومات الإستخباراتية من أجل مواجهة الطابع العابر للبلدان الذي أصبح يكتسيه الإرهاب وتحديث الجيوش (المحلية) التي مازالت تُعتبر تقليدية وعودها غير صلب في مواجهة صراعات من نوع جديد تحتاج لمراس في مكافحة الإرهاب”. ووضع غاي الولايات المتحدة “في الصف الأول من القوى العظمى التي ينبغي إقامة شراكة معها في هذا المجال”. ولم يبخل الأمريكيون من جهتهم على البلدان التي تخطب ودهم فخصصوا لـ”الشراكة العابرة للصحراء” عند انطلاقها موازنة تراوح بين 80 و90 مليون دولار.

مناورات مشتركة

ويعتبر المحللون أن التجسيد الفعلي لتلك الشراكة بدأ مع المناورات المشتركة التي جرت في يونيو 2005 تحت مُسمى “فلينتلوك (Flintlock 2005 ) في السينغال، والتي باتت تقليدا سنويا. ورمت المناورات إلى تكريس الرؤية العسكرية التي صاغتها القيادة الأمريكية في سنة 2003 والتي تقول بأن حماية الولايات المتحدة من الأخطار الإرهابية لا تبدأ من الأراضي الأمريكية بل من “منابع الإرهاب” في آسيا وأفريقيا. وركزت تلك الخطة على تطوير قدرات الجيوش المحلية وتأهيل كوادرها كي تستطيع القيام بتلك المهمة بنفسها وليس بحلول قوات أمريكية محلها. ويأمل الأمريكيون أن تؤدي هذه الخطة إلى حرمان التنظيمات المرتبطة بـ”القاعدة” من العثور على ملاذ آمن في منطقة الصحراء، وخاصة في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومات المركزية مثل شمال مالي.

غير أن مراكز صنع القرار الأوروبية تشعر بضيق شديد من العلاقة الثنائية المتنامية الأمريكية – الأفريقية وترى فيها إزاحة “عسكرية” لنفوذها في القارة. وهي تتهم الأمريكيين في أكثر من مناسبة بكونهم يُضخمون خطر “القاعدة” من أجل تبرير تدخلهم في القارة. ويعزون هذا الإهتمام المُستجد باستقرارها وأمنها إلى المصالح الإقتصادية المتنامية للولايات المتحدة فيها وخاصة حماية إمداداتها النفطية الآتية من أفريقيا.

ويشيرون في هذا السياق إلى أن 25 في المائة من مصادر الطاقة ستأتيها من القارة الأفريقية في غضون الإثني عشر سنة المقبلة، أي ضعف النسبة الحالية، بالإضافة للإمكانات التي ستُفتح في وجه منتوجاتها للوصول إلى الأسواق الأفريقية الذي ظلت تقليديا حكرا على الأوروبيين والصينيين.

ويذكر الخبراء الأوروبيون أن نيجيريا تضم احتياطات نفطية وغازية تُقدر بـ31 بليون برميل وليبيا احتياطات بـ40 بليون برميل والجزائر بـ12 بيلون برميل والتشاد 1 بليون برميل والسينغال 700 مليون والسودان 563 مليون برميل والنيجر وتونس وموريتانيا بـ300 مليون برميل لكل منها. ويُبرز هؤلاء الخبراء أن 87 في المائة من المبادلات التجارية الأمريكية الأفريقية متكونة من النفط ومشتقاته، مع الإشارة إلى أن الواجهة الأطلسية لأفريقيا تجعل نقل النفط والغاز منها أقل كلفة وأبعد خطرا عن النزاعات التي تهز الشرق الأوسط.

وبعيدا عن اعتبارات المنافسة الأوروبية – الأمريكية من الأكيد ان الوجود العسكري الأمريكي يُغذي في القارة الأفريقية، في ظل الحروب المستمرة في العراق وأفغانستان، المشاعر المعادية للولايات المتحدة والتي تستثمرها الجماعات المتشددة لكسب الأنصار وتوسيع رقعة عملياتها، مما يجعل هذه الشراكة الجديدة التي تُديرها “أفريكوم” تبدو دواء من الإرهاب، لكنها ربما هي أصل الداء.

رشيد خشانة – تونس

تونس (ا ف ب) – اعتبر رئيس القيادة العسكرية الاميركية لافريقيا (افريكوم) الجنرال وليام وارد الاربعاء 28 مايو 2008 ان التهديد الارهابي قائم في شمال افريقيا مستبعدا مع ذلك نقلا قريبا للقيادة العامة لافريكوم الى افريقيا.

وقال خلال مؤتمر صحافي في تونس “إن التهديد الارهابي حقيقي في شمال افريقيا. الارهابيون قالوا ذلك وانا اصدقهم انهم يريدون تدمير نمط عيشنا وسنعمل معا لمنعهم من ذلك”.

وكان الجنرال وارد يتحدث في ختام زيارة استمرت 24 ساعة لتونس قال انه حضر خلالها مناورات عسكرية مشتركة تونسية اميركية في بنزرت (60 كلم شمالي العاصمة) كما بحث مع وزير الدفاع التونسي كمال مرجان مهمة افريكوم والتعاون الثنائي.

واكد رئيس افريكوم الذي من المقرر ان يزور المغرب ايضا ضرورة المزيد من التعاون بين دول المنطقة خصوصا من خلال “برامج تدريب” الجيوش لتعزيز قدراتها في مجال مكافحة الارهاب.

وردا على سؤال استبعد الجنرال وارد “في المدى المنظور” نقل القيادة العامة لافريكوم التي تتخذ حاليا من شتوتغارت في المانيا مقرا الى افريقيا.

وقال “ليست لدينا الرغبة في المدى المنظور في نقل القيادة العامة لافريكوم” مضيفا ان شتوتغارت تبقى “موقعا ملائما جدا” لقيادة افريكوم.

واكد اهمية اقامة تعاون “طويل الامد” مع الدول الافريقية لضمان المزيد من الاستقرار في القارة. وقال “بوجود افريقيا مستقرة العالم سيكون اكثر استقرارا” مشيرا الى تعاون “اضافي” حول افريقيا بين الولايات المتحدة ودول اوروبية.

وافريكوم التي استحدثت في 2007 تهدف اساسا الى الاشراف على انشطة مكافحة الارهاب في دول الساحل والمغرب العربي وهي المنطقة التي تخشى واشنطن تمركزا محتملا فيها على نطاق واسع لانصار القاعدة.

وكانت واشنطن تعتزم تركيز مقر القيادة العامة لافريكوم في افريقيا غير ان العديد من العواصم ضمنها الجزائر ولاغوس رفضت استقبال هذه القوة التي من المفترض ان تكون عملانية في تشرين الاول/اكتوبر 2008.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 28 مايو 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية