“إسرائيل – الاتحاد الأوروبي: الصدمة
تتفاعل قضية استطلاع الآراء الذي أجرته المفوضية الأوروبية حول بعض الأوضاع الدولية الراهنة، لاسيما القضية العراقية وتبعاتها الدولية.
ففي حين تتواصل الاحتجاجات في إسرائيل على اعتبار الدولة العبرية الأكثر خطرا على السلام في العالم، عاد الجدل في أوروبا حول انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية.
رغم محاولات التقليل من الصدمة السياسية التي أحدثتها نتائج استطلاع الرأي العام التي صنّـفت فيها غالبية الرأي العام الأوروبي إسرائيل بمثابة البلد الأكثر خطرا على السلام في العالم، فان المفاجأة لن تمر من دون أن تترك آثارها السلبية وتهز الثقة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وقد تُـوفّـر نتائج الاستطلاع الذي شمل الأوضاع في العراق والشرق الأوسط مادة كافية لإجراء تحليل سياسي مفيد للقيادات الأوروبية، وكذلك لحكومة إسرائيل.
والملاحظة نفسها تنسحب على الولايات المتحدة التي تأتي بعد إسرائيل، وتمثل إلى جانب إيران وكوريا الشمالية خطرا على السلام العالمي. وبينما جهدت المفوضية نفسها في تقديم التفسيرات التقنية للاستطلاع، وفي محاولات احتواء الأبعاد السياسية لنتائجه، فإن الرئاسة الإيطالية لم تتردد في تفنيد وجهات النظر التي عبر عنها الأوروبيون في الاستطلاع الذي شمل 7500 مواطنا في البلدان الأعضاء الـ 15.
ولم يُـخف توماس غيراسيموس، المتحدث الرسمي الأوروبي، الحَـرج الكبير الذي ساد المفوضية، وقال إنها “لا تُـولي أهمية كبرى لنتائج استطلاع وحيد، وأن وضع سياسة ما يستند إلى الكثير من العوامل والمُـعطيات”.
وذهب وزير الخارجية الإيطالي ورئيس المجلس الوزاري الأوروبي فرانكو فراتيني إلى حد تفنيده وجهات نظر الرأي العام قائلا إنها “لا تعكس موقف مؤسسات الاتحاد الأوروبي”، مشيرا إلى تضامن البلدان الأعضاء مع إسرائيل، عندما ضمت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في لوائح المنظمات الإرهابية.
ظلال النزاع الفلسطيني الإسرائيلي
ويتسم الموقف الرسمي الأوروبي بإدانة العمليات الانتحارية التي تنفذها عناصر المقاومة الفلسطينية في إسرائيل، ويحمّـل السلطة الفلسطينية مسؤوليات تفكيكها.
لكن الموقف الرسمي الأوروبي يؤكد أيضا بشكل موازي على وجوب وقف سياسات الاستيطان وعمليات الاغتيالات التي تنفذها إسرائيل، ووقف بناء الجدار الذي يدمّـر، حسب وجهة النظر الرسمية في بروكسل، فُـرص قيام دولة فلسطينية.
ومن المقرر أن تحتل مشكلة الجدار الإسرائيلي حيّـزا كبيرا في النقاشات التي سيُـجريها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ونظيرهم الإسرائيلي في 17 نوفمبر في بروكسل.
وقال خبير أوروبي إن “حاجة الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز دوره في جهود البحث عن الحل السلمي تقتضي من الدبلوماسية الأوروبية تقوية علاقات الحوار والثقة مع إسرائيل.
فالدولة العبرية، إن هي أقفلت الباب أمام المبعوثين الأوروبيين، فإنها ستُـقلل من فعالية دورهم”. لذلك، فإن قيمة الاستطلاع سوف لا تتجاوز أهميته كاستطلاع. لكن البعض يرى أنها قد تكون دليلا إضافيا على طاولة الاتحاد الأوروبي لإبلاغ إسرائيل بأن الناخبين الأوروبيين أصبحوا يملون دفع المعونات وتمويل المشاريع في أراضي الحكم الذاتي، ثم تأتي القوات الإسرائيلية لتدميرها.
الحرج الأوروبي
وترفض المفوضية الأوروبية بشدة، التساؤلات حول الانعكاسات السلبية المحتملة لنتائج الاستطلاع على العلاقات مع إسرائيل التي عهدت اتهام الاتحاد الأوروبي بالانحياز للفلسطينيين.
وقال المتحدث الرسمي إن عملية الاستطلاع لم تستهدف الفلسطينيين لأنهم لا ينتمون لدولة قائمة. وكدليل محدودية أبعاد الاستطلاع الأخير، أحصى وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم الامتيازات التي حصلت عليها إسرائيل في الفترة الأخيرة في نطاق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد:
إدارج حركة “حماس” في لوائح الإرهاب، اتفاقات التعاون العلمي والتكنولوجي، وإبرام اتفاقات تحسين شروط دخول المنتجات الزراعية الإسرائيلية في أسواق الاتحاد، وكذلك عدم مساندة الحكومات الأوروبية محاولات الدبلوماسية العربية في نيويورك بنقل ملف الجدار الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية.
ويتوقع سلفان شالوم أن يتم تعزيز موقع إسرائيل في القارة الأوروبية عندما سيتسع الاتحاد ويضم الأعضاء الجدد في مطلع مايو 2004.
ظواهر وخفايا!
وتؤكد نتائج استطلاع الرأي التي نشرت في مطلع الأسبوع في بروكسل، بأن غالبية الرأي العام في كافة بلدان الاتحاد، باستثناء إيطاليا، “تعتقد أن إسرائيل تمثل خطرا على السلام في العالم”.
وتبلغ نسبة الذين يُـسانِـدون هذا الرأي 59% في الاتحاد ككل، وترتفع إلى 74% في هولندا التي كانت تعرف تقليديا بانحيازها لإسرائيل. وبلغت النسبة 69% في النمسا و66 في اللكسومبورغ و65 في ألمانيا.
ويرى مراقبون بأن نتائج الاستطلاع “تؤكد إلى حد كبير بأن قطاعات واسعة من الأوروبيين قد تجاوزوا عقدة المحرقة اليهودية، وأصبحوا ينظرون إلى إسرائيل بعيون عادية مثل أي بلد، ويحكمون عليها من خلال سياسات التوسع والاستيطان وتدمير البنى التحتية وممتلكات الفلسطينيين”.
كما تفيد نتائج الاستطلاع أيضا أن نسبة الذين يعتقدون في إسرائيل خطرا على السلام العالمي ترتفع في صفوف كبار المثقفين (66%). لكن النسبة تظل مرتفعة في حدود 50% في صفوف الأوروبيين الذين توقّـفوا عن الدراسة، وأعمارهم تتراوح بين 16 و20 عاما.
وكانت تسريبات الأسبوع الماضي حول نتائج الاستطلاع قد أثارت مفاجأة في صفوف الأوساط الأوروبية، وخاصة غضب الأوساط اليمينية في صفوف الجاليات اليهودية وفي إسرائيل.
هواجس وعُـقَـد
واستخدمت بعض الأوساط اليهودية المحافظة، مثل مركز فيزنتال لملاحقة مجرمي الحرب خلال الحقبة النازية، والمتهمين بمعاداة السامية، نتائج الاستطلاع بمثابة دليل “تأصل عداء السامية في المجتمع الأوروبي”، إلا أن بعض الأصوات ترتفع داخل الجاليات اليهودية لإدانة سياسات حكومة إسرائيل ولا ترى خطرا في موقف الرأي العام الأوروبي.
ويعتقد رئيس اتحاد التقدميين اليهود في بلجيكا هنري فاشبلوم، إن نتائج الاستطلاع “تؤكد استياء الرأي العام الأوروبي، وقلقله من عواقب سياسات حكومة ارييل شارون”.
ولا ينف هنري فاشبلوم وجود بعض الأوساط المتطرفة التي تكِـنُّ دائما عداءها للسامية، لكنه يعتقد بأن هذه الأوساط لا تؤثر في نتائج الاستطلاع الأخير الذي شمل 7500 أوروبي. ويتراوح هامش الخطأ في الاستطلاع بنسبة لا تتجاوز 4%.
وشمل استطلاع الرأي عدة أقسام حول الحرب على العراق ودور الأمم المتحدة وسياسة الاتحاد في منطقة الشرق الأوسط، والأسئلة التي تعلّـقت بالبلدان التي تُـمثل خطرا على السلام في العالم.
وتعتقد غالبية الأوروبيين (68%) بأن الحرب على العراق كانت تفتقد للأسس الشرعية والقانونية، وبوجوب أن تتولى الأمم المتحدة دورا حيويا في إعادة الإعمار.
كما تساند غالبية 81% من الأوروبيين أن يضطلع الاتحاد الأوروبي بدور فاعل في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، وتعتقد غالبية الرأي العام (86%) “في أهمية تعزيز الحوار السياسي والثقافي مع البلدان العربية”.
نور الدين الفريضي – بروكسل
الدول المهددة للسلام بالترتيب وفقا لاستطلاع الرأي العام الأوروبي:
– إسرائيل (59%)
– إيران، كوريا الشمالية، الولايات المتحدة (53%)
– العراق (52%)
– أفغانستان (50%)
– باكستان (48%)
– سوريا (37%)
– ليبيا، المملكة العربية السعودية (36%)
– الصين (30%)
– الهند (22%)
– روسيا (21%)
– الصومال (16%)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.