إيـّـاك أعـنـي .. فاسمعي يـا جــارة!
مثل صدور أول تقرير حكومي حول حقوق الإنسان في اليمن حدثا هاما في مسار الاهتمام بهذا الملف.
التقرير الصادر عن وزارة حقوق الإنسان حفل برصد شمولي وتضمن انتقادات صريحة وجريئة لكثير من الممارسات والانتهاكات ضد حقوق وحريات الأفراد في البلاد لكنه ظل موضع تقويمات وتفسيرات متباينة.
يعزو المراقبون المكاشفة والمصارحة التي تميز بهما التقرير الأول الصادر عن وزارة حقوق الإنسان إلى عدد من الاعتبارات التي أدت إلى تدشين هذه البداية.
ومن تلك الاعتبارات الحرية بلفت الانتباه الدور الذي تلعبه وزيرة حقوق الإنسان السيدة أمة العليم السوسوة في مجال تدبير مهام وزارتها واضطلاعها بنشر ثقافة حقوق الإنسان من جهة، ثم المناخ الدولي الذي أضحى يولي اهتماما ملحوظا بهذا الملف، من جهة أخرى.
ومنذ الوهلة الأولى، يلحظ المتأمل في محتويات التقرير أنه حاول أن يتمثل مفهوما واسعا لحقوق الإنسان وظهر ذلك من خلال تناولها بشموليتها أي الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الاجتماعية الاقتصادية، وحقوق الطفل، وحقوق المرأة والحق في التنمية.
وقد تجنب التقرير إلى حد كبير النزعة الاختزالية لحقوق الإنسان في جانب سياسي صرف وهي نزعة غالبا ما تطغى عند التعامل مع هذا الملف خاصة من قبل البلدان التي لا ينفك تعاطيها مع هذه القضية عن مصالحها وأهدافها الإستراتيجية في المنطقة.
وقد عمدت بعض هذه الدول وفي حالات كثيرة إلى استخدام حقوق الإنسان للضغط على بعض البلدان والنموج الأبرز في هذا السياق هو الولايات المتحدة الأمريكية التي دأبت على استخدام هذه القضية بغية الضغط على سلطات البلدان التي لاتنصاع لها لسبب أو لآخر.
رصد انتهاكات
وكان التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية للعام 2004 قد جاء حافلا بالكثير من الإنتقادات للحكومة اليمنية مما دفع بوزارة حقوق الإنسان إلى تجشم عناء تفنيد ما ورد فيه والرد على ما سجله من مآخذ على سلطات صنعاء.
ويتعلق الأمر خاصة بما تضمنه التقرير من رصد لبعض الانتهاكات خاصة منها ما اعتبره “تراجعا في النهج الديمقراطي وحرية التعبير وحماية الحريات العامة، وتفشي الفساد والرشوة”. وقد اضطر كل ذلك الوزيرة أمة العليم السوسوة لعقد مؤتمر صحفي كرس لاستعراض ما ورد في ذلك التقرير.
ومن ثم يبدو حسب رأي كثير من المراقبين أن صدور التقرير الحكومي الأول يصب في سياق محاولة إجلاء بعض الحقائق التي تعتبرها السلطات غير منصفة في حقها.
وعلى ضوء تلك الخلفية، يعتقد مراقبون أن تقرير وزارة حقوق الإنسان جاء متضمنا لانتقادات صريحة لأداء بعض الأجهزة الحكومية خاصة منها شرطة الضبط الإداري والقضائي التي قال التقرير: “إن بعض الأفراد فيها ارتكبوا حالات انتهاك وخروقات تعذيب ضد المواطنيين ونتيجة لذلك خضع حوالي 54 من رجال الشرطة والأمن للمسألة والتحقيق جراء تجاوزات قانونية وإجرائية ضد مواطنيين واتخذت ضدهم عقوبات مختلفة تراوحت بين التوقيف عن العمل والحبس والفصل من الوظيفة والزم بعضهم بدفع تعويضات للمتضررين”
كما أشار التقرير إلى التدابير والاجراءات التي تبذلها السلطات من أجل معالجة قضايا ضحاياالإختفاءالقسري، وشدد على أن الوزارة تتواصل مع الجهات المعنية ومع أسر الضحايا للنظر في 94 حالة اختفاء لمواطنين يمنيين (غالبيتهم اختفوا قبل قيام الوحدة بين شطري البلاد)، وهذا الرقم يمثل إجمالي الحالات التي توصل الفريق العامل إلى حصرها حتى الآن.
وفيما يتعلق بحرية التعبير دعا التقرير إلى تحرير قطاع الإعلام الإذاعي والمتلفز أمام الخواص. واستعرض في السياق نفسه البيئة القانونية والتنظيمية لحرية الصحافة في البلاد مشيدا بالتحولات التي قطعها اليمن منذ عام تسعين في هذا المجال لكنه عاد وذكر بما تتعرض له الصحافة اليمنية من ملاحقات قضائية أجملها بـ 130 حالة خلال الفترة الممتدة من 1999 وحتى العام 2003.
وقد أغفل هذا الرقم ما تعرضت له الصحافة اليمنية من ملاحقات قضائية خلال عام 2004 ومطلع العام الجاري الذي يشهد استمرار ملاحقة الصحف والصحفيين فضلا عن أنه لم يتطرق لأشكال شتى من المضايقات والملاحقات غير القضائية.
تعليقا على ذلك، قال الصحفي والكاتب اليمني محمد أحمد ناصر الغباري لـ “سويس انفو”: “لقد حظي التقرير الوطني الأول لحقوق الإنسان في اليمن بتقدير هيئات ومنظمات المجتمع المدني لما تميز به من مكاشفة في طرق بعض القضايا الحقوقية مع أنه في الحقيقة لم يطرقها إلأ على استحياء”.
وذكر الغباري بأن التقرير “خلا من ذكر عدد المتابعات القضائية للصحف والصحفيين عام 2004 التي تجاوز عددها حسب منظمات وهيئات غير حكومية 50 حالة ومنذ مطلع العام 2005 عرفت وتعرف أروقة المحاكم مقاضاة عدد من الصحف والصحفيين فيما تقرير الوزارة توقف عند حدود العام 2003 علاوة على ذلك فقد أغفل الجانب الأهم من الانتهاكات غير القضائية إذ خلا من الإشارة إلى تدخل السلطات والهيئات الأخرى ضد الصحافة والصحفيين كالمضايقات والملاحقات الإدارية مثل الحجز والتوقيف والمنع ومصادرة الصحف من الأسواق واعتراض وضرب الصحفيين إلى آخره من الممارسات”.
البحث عن الموازنة بين الداخل والخارج
ويرى مراقبون في صنعاء أنه إذا كان من البديهي أن الوزارة التي أصدرت التقرير هي معنية ومخولة بتتبع ورصد وتقييم كل ما يتصل بحقوق الإنسان في البلاد إلا أن اهتمامها لا يمكن فهمه بمعزل عن التطورات والتفاعلات العالمية التي كثيرا ما أصبحت تحيط بهذا الملف بحكم الطبيعة الكونية التي باتت تكتسيها في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يستدعي الحضور الدائم والفعال للهيئات المعنية لاسيما من قبل وزارة حقوق الإنسان المنوط بها معالجة وتدبير هذا الملف.
وحسب نفس المصادر، فإن من بين الدوافع الكامنة وراء صدور التقرير (من قبل الجهة الرسمية المعنية بمهام حكومية بتلك الكيفية) محاولة التأسيس لمنبر وطني يضمن لوجهة النظر الرسمية أن تكون حاضرة ضمن النقاش الدائر اليوم في الساحتين الوطنية والدولية حول هذه القضية، وبالتالي تسنح الفرصة للموقف الرسمي كي يُـسـمـع صوته في منبر يحظى بالقبول والمصداقية خاصة وأن وزارة حقوق الإنسان اليمنية أصبحت هي الفاعل الأهم لدى المنظمات والهيئات الأممية المعنية بحقوق الإنسان من جهة وأيضا لدى البلدان المانحة التي أصبحت تولي منذ فترة كبير أهمية لهذه المسألة في علاقاتها بالدول الأخرى.
وانسجاما مع تلك الدوافع والمنطلقات، يبدو أن بنية التقرير الأول الصادر عن وزارة حقوق الإنسان وضعت بعناية وجاءت حريصة على إبراز الميادين الأكثر تصدرا للاهتمام العالمي كحرية الصحافة، وحقوق الطفل، وتعليم المرأة، وختان الإناث ، ومسألة ضحايا الاختفاء القسري وكل ماله صلة بالمواثيق والعهود الدولية التي صادقت عليها الجمهورية اليمنية.
وكان واضحا أيضا أن معدي التقرير حرصوا إلى حد ما على الجمع بين رصد الحالات المثيرة للإنشغال وتوجيه الانتقاد غلى بعض الخروقات والتجاوزات وبين التذكير بما بذلته السلطات الرسمية من جهود لمعالجة بعض الممارسات. وهو ما أضفى على التقرير قدرا معقولا من المصداقية وأكسبه قبولا داخليا عكسه ترحيب بعض هيئات ومنظمات المجتمع المدني اليمني.
إجمالا، ورغم مايبذل من جهود في هذا الإطار، سوف تظل الموازنة بين ما يتم تحقيقه من مكاسب حقوقية فعلية وبين ما يُـراد توجيهه من رسائل لمخاطبة الأطراف الخارجية، المعيار الأساس للحكم على كل المواقف المرتبطة بملف حقوق الإنسان في اليمن.
عبدالكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.