اجتماع استانبول: “ألا قد بلّغت”!
باستثناء الاضافة "الخجولة" المتعلقة بالقضية الفلسطينية، جاء البيان الختامي لاجتماع "دول الجوار العراقي" مطابقا بصورة شبه كاملة للمسودة التي تسربت الى الصحف.
ويبدو البيان “نتاجا تركيا” بموافقة أردنية-مصرية وضبابية سعودية ومعارضة، لم تنجح، سورية-ايرانية.
اذا كانت نقاشات وزراء الخارجية المدعوين قد أظهرت خلافاً بين الوزراء العرب أنفسهم وبين تركيا ومصر من جهة وإيران وسوريا من جهة أخرى، وإنطلاقاً من رفض أنقرة تلبية مطالبة دشمق وطهران للإشارة إلى الولايات المتحدة مباشرة أو بصورة غير مباشرة في البيان الختامي، لأمكن القول إن مسودة البيان الختامي، كما البيان الختامي نفسه، هو “نتاج تركي”، بموافقة أردنية ـ مصرية وضبابية سعودية ومعارضة، لم تنجح، سورية ـ إيرانية.
وفي قراءة لظروف انعقاد المؤتمر مساء يوم الخميس 23 يناير الجاري، ولما تضمنه البيان الختامي نسجل الملاحظات التالية:
1 ـ إذا كان مؤتمر استانبول يهدف إلى إتخاذ موقف مشترك لدول الجوار العراقي لمنع الحرب، فإن الخلاف على بنود البيان الختامي حتى اللحظة الأخيرة والولادة العسيرة لهذا البيان، التي هي أقرب إلى الولادة الميتة منه إلى العسيرة، فإن هذا المؤتمر قد فشل فشلاً ذريعا.
2 ـ بل لنقل إن هذا المؤتمر قد فشل حتى قبل انعقاده وأثناء التحضير له. ذلك أن مبتدأ الفكرة هو انعقاد مؤتمر على مستوى رؤساء الدول المعنية أو على الأقل على مستوى رؤساء الحكومة. وبعد أيام على ظهور الفكرة تراجع الطموح التركي إلى إجتماع على مستوى وزراء الخارجية، أي أنه تحوّل إلى “بدل عن ضائع” وهذا يعكس عدم الجدوى من انعقاده على هذا المستوى، حتى من جانب الداعين والمشاركين فيه.
3 ـ إن مجرد دعوة تركيا إلى هذا الإجتماع ودعوتها كذلك ليكون مكانه في استانبول، وظهور هذه الفكرة في ختام جولة رئيس الحكومة التركية عبد الله غول إلى دول الجوار العراقي، أثار حساسيات بين هذه الدول التي تعتبر كل منها نفسها “قوة أقليمية”، من مصر إلى السعودية إلى إيران وحتى سوريا. ورغم الإنسجام الذي تعرفه العلاقات المصرية ـ التركية، فإن التردد الأول على مجرد عقد اجتماع قمة في استانبول جاء من القاهرة. فكون المبادرة تركية والإجتماع سيتم على أرض تركية، هو أمر كافٍ بحد ذاته لتتحسس دول الجوار العراقي بأن انقرة تسحب البساط من تحت أقدام هذه الدول وتجيّره لصالحها ومصالحها، ما يعطيها حجماً أكبر وتأثيراً مضاعفاً في هذه اللحظة الحساسة من تاريخ المنطقة. وهو ما لا يمكن للدول الإقليمية الأخرى القبول به.
4 ـ لقد رحبّت دول الجوار العراقي، ولا سيما سوريا وإيران والسعودية، بجولة عبد الله غول، إنطلاقاً من الرغبة في فتح صفحة جديدة إضافية في العلاقات مع تركيا في ظل حكومة “إسلامية”. هذه الجولة، لم يسبق لمسؤول تركي رفيع المستوى أن قام بمثلها لجهة اعطاء دور لدول إسلامية، ولجهة العنوان الذي حمله غول في جولته وهو منع إندلاع الحرب ضد العراق. وكانت موافقة هذه الدول تندرج كذلك في سياق جسّ نبض النظام الجديد في أنقرة حول مدى استعداده لتعزيز العلاقات الثنائية مع هذه الدول.
المصالح التركية أولا وأخيرا..
لكن اتجاهات السياسة التركية التي ظهرت متزامنة مع جولة غول لم تكن تشجع على إيجاد مناخ من التفاؤل:
أ ـ جاء غول رافعاً شعار “منع الحرب”، فيما كانت حكومته تتقدم تدريجياً في تعاونها العسكري مع واشنطن وتسمح للأميركيين بتفقد كل القواعد العسكرية التركية ويعلن مجلس الأمن القومي التركي أنه سيقدم مساعدة ولو “محدودة” لواشنطن في حال اندلعت الحرب.
ب ـ جاء غول إلى المنطقة بعباءة “الشيخ العربي”، فيما كان وزير خارجيته ياشار ياقيش “يتوسع” في مفهوم تركيا لحصتها في العراق، بصورة تجاوز في ذلك كل من سبقوه من وزراء علمانيين أو متشددين أو قوميين. حين لم يطالب فقط بحقوق للتركمان العراقيين أو حصة ما من نفط الموصل ـ كركوك، بل شملت مطالبته كل النفط العراقي وبموجب معاهدة 1926.
ج ـ لقد سبقت جولة غول، تصريحات له ينتقد فيها بشدة الرئيس العراقي صدّام حسين وفي الوقت نفسه كان يُرسل أحد وزراء حكومته، كورشاد توزمين، مع وفد من 300 من رجال الأعمال إلى بغداد ويلتقي صدام حسين شخصياً.
هذه “التناقضات” في السياسة التركية “الجديدة” لم تكن سوى سياسة متعددة الأوجه تحمل همّاً واحداً وهدفاً واحداً وهو تحقيق المصالح التركية أولاً وأخيراً. بحيث تسعى لمنع الحرب، بشكل جدي، وهو مصلحة تركية، وفي الوقت نفسه تستعد للمشاركة أو دعم الحرب الأميركية ضد العراق من موقع أقوى (تجاه واشنطن) في حال فشلت جهود السلام.
أين واشنطن؟
وحفظ “خط العودة” التركي هذا انكشف في مسودة البيان الختامي لمؤتمر استانبول وفي البيان النهائي الرسمي الذي صدر والذي لن تخفي الجملة الخاصة بفلسطين طابعه (الأميركي):
1ـ لقد توجه البيان بالكامل إلى العراق كما لو إنه هو المعني الوحيد بالأزمة الحالية، بحيث إنه إذا لم يلبّ مطالب دول اجتماع استانبول يكون هو المسبّب للحرب المقبلة. وهذا أمر غير متوازن وغير منطقي وغير صحيح في الأساس.
2 ـ ذلك إن هناك طرفاً آخر أساسياً هو واشنطن التي غيبت بالكامل عن البيان. كما لو أنها ليست بطرف في النزاع. وهذا ان يخدم شيئاً فإنما يخدم الضغوط الأميركية لتحميل العراق كل المسؤولية.
3 ـ إن التشديد على دور مجلس الأمن الكامل لا يخفي ضعف البيان الختامي. فالجميع يعرف قدرة الولايات المتحدة على استصدار قرار لصالحها ولو بعد حين في ظل الإختلال في موازين القوى العالمية.
4 ـ إن دعوة العراق إلى القيام بخطوات حازمة ومقنعة حول المصالحة الوطنية، في ظل الظروف الحالية، غير واقعية، والجميع يعرف أين تنام المعارضة العراقية وأين تأكل. فيما التعهد، مقابل ذلك، من جانب دول الجوار في حفظ وحدة العراق، فليس، في ظل استحالة تحقيق العراق بعض المطالب الداخلية في هذه الفترة، سوى “التبرؤ من دم هذا الصديق”
لقد أدت الحكومة “الإسلامية” في تركيا قسطها، مع واشنطن، إلى العلا في إجتماع اسطنبول. وصاح الجميع: ” ألا قد بلغت!”.. وإن غدا لناظره قريب.
د. محمد نور الدين – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.