مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

استهجان واسع إثر تصريحات ترامب بشأن السيطرة على غزة

afp_tickers

أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحاته حول سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وترحيل سكانه وتحويله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط” استهجانا دوليا واسعا وصدمة عارمة.

وأدلى الرئيس الأميركي بهذه التصريحات الثلاثاء بعد استقباله في البيت الأبيض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي اعتبر أنّ من شأن هذه الخطّة أن “تغيّر التاريخ”.

وقدّم ترامب اقتراحه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نتانياهو وقد تسبّب بحالة من الذهول والصدمة وسط الصحافيين.

وفي خطة تفتقر إلى التفاصيل حول كيفية ترحيل حوالى مليوني فلسطيني أو السيطرة على غزة، قال ترامب إنه سيجعل القطاع المدمّر بسبب الحرب مكانا “مذهلا” عبر إزالة القنابل غير المنفجرة والأنقاض وإعادة تطويره اقتصاديا.

– “صبّ الزيت على النار” –

وأثارت هذه التصريحات سيلا من ردود الفعل المستنكرة، من حركة حماس والسلطة الفلسطينية إلى البرازيل، مرورا بفرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا.

وقال الناطق باسم حركة حماس عبد اللطيف القانوع إنّ “الموقف الأميركي العنصري يتماهى مع موقف اليمين الإسرائيلي المتطرف في تهجير شعبنا”، مؤكدا أن تصريحات ترامب “محاولة يائسة” لتصفية القضية الفلسطينية.

وأعلنت الحركة في بيان أنّ تصريحات ترامب “عدائية لشعبنا ولقضيتنا… ولن تخدم الاستقرار في المنطقة وستصبّ الزيت على النار”.

أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي وصل صباح الأربعاء إلى الأردن للقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني فأعرب عن “رفض شديد لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم”.

وأكّد الملك عبدالله الثاني لدى استقباله عباس رفض بلاده “أية محاولات” لضمّ إسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة وتهجير سكانها.

وقال بيان صادر عن الديوان الملكي إن العاهل الأردني أكّد خلال اللقاء “ضرورة وقف إجراءات الاستيطان، ورفض أية محاولات لضمّ الأراضي وتهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، مشددا على ضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم”.

وأعلنت وزارة الخارجية الفرنسية من جهتها أنّ مستقبل غزة يكمن في “دولة فلسطينية مستقبلية” وليس في سيطرة “دولة ثالثة” على القطاع.

وقالت الناطقة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريما إنّ تصريحات ترامب “تهدّد الاستقرار وعملية السلام”.

وأوضحت أنّ “فرنسا تعارض تماما تهجير السكّان. نحن متمسكون بسياستنا وهي: عدم تهجير السكان والسعي إلى وقف لإطلاق النار في المسار نحو عملية السلام وحلّ الدولتين”.

وأكّد رئيس الوزراء البريطاني على ضرورة تمكين الفلسطينيين من “العودة إلى ديارهم” في غزة.

وقال وزير خارجية بريطانيا إنه ينبغي أن يكون الفلسطينيون قادرين على “العيش وتحقيق الازدهار” في غزة والضفة الغربية.

وصرّحت ألمانيا، ردّا على ترامب، أن قطاع غزة “ملك للفلسطينيين”.

واعتبر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن مشروع الرئيس الأميركي “غير مقبول” و”لا حاجة حتّى لمناقشته”.

ورأى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا أنّ اقتراح نظيره الأميركي “يصعب فهمه”، مؤكدا أنّ الفلسطينيين هم الأجدر بالاهتمام بمصير أرضهم.

– “دفن” فكرة الدولة الفلسطينية –

وخلال المؤتمر الصحافي مع الرئيس الأميركي، أشاد نتانياهو بترامب، ووصفه بأنه “أعظم صديق لإسرائيل على الإطلاق”، معتبرا أنّ خطته للسيطرة الأميركية على قطاع غزة يمكن أن “تغيّر التاريخ”.

ولم يستبعد نتانياهو عودة الحرب مع حماس أو مع أعداء إسرائيل الآخرين في المنطقة، بما في ذلك حزب الله اللبناني وإيران.

وقال نتانياهو “سننهي الحرب بكسبها”، متعهّدا في الوقت نفسه ضمان عودة جميع الرهائن المحتجزين لدى حماس.

وأعرب عن ثقته في قدرته على التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع السعودية، مؤكدا أمام الصحافيين التزامه تحقيقه.

وقال “أعتقد أنّ السلام بين إسرائيل والسعودية ليس ممكنا فحسب، بل أعتقد أنه سيتم”.

وسارعت السعودية الى الردّ بأنها لن تطبّع مع إسرائيل بدون إقامة دولة فلسطينية.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إنّ الرياض “لن تتوقّف عن عملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية”، مضيفة “أنّ المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بدون ذلك”.

كما جدّدت الرياض رفضها “تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه”.

بالمقابل، تعهّد الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش الأربعاء العمل على أن يتمّ “بشكل نهائي دفن الفكرة الخطرة” المتمثلة بإقامة دولة فلسطينية.

وخلال حفل للترحيب بالسفراء الجدد، أشاد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بـ”اللقاء المهمّ جدّا والمثمر بين الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء نتانياهو”، معربا عن أمله في أن تتبلور ثماره “في المنطقة وفي إسرائيل والعالم أجمع في القريب العاجل”.

– “فلسطين ليست للبيع” –

وليست هذه المرّة الأولى التي يتطرّق فيها الرئيس الأميركي إلى ترحيل الفلسطينين من غزة، إذ سبق له وأن دعا في تصريح سابق بعد تسلّمه الرئاسة، لنقلهم إلى الأردن ومصر.

ويستقبل ترامب هذا الأسبوع العاهل الأردني في البيت الأبيض.

ودعا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى الأربعاء إثر لقاء بينهما إلى إعادة إعمار غزة “بدون خروج” أهلها منها، عبر المضي قدما في مشاريع إزالة الركام وإدخال المساعدات “بوتيرة متسارعة”.

وأثارت تصريحات ترامب غضبا أيضا بين الفلسطينيين على الأرض.

وقال حاتم عزام، أحد سكان مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، “يجب أن يفهم ترامب ونتانياهو حقيقة شعب فلسطين وشعب غزة، الشعب متجذر بأرضه، لن نرحل ولن نهاجر تحت أيّ مسميات وخدع كاذبة”.

وصرّح أحمد الميناوي (24 عاما) من غزة “نحن موقفنا رفض ورفض… ونحن حياتنا كريمة داخل قطاع غزة… ونحن نقول باختصار لترامب ونتانياهو فلسطين ليست للبيع”
.

أما النائب في الكنيست الإسرائيلي منصور عباس، فاعتبر في منشور على “فيسبوك” أنّه “من غير الممكن تنفيذ أيّ ترانسفير (نقل) من دون ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية”.

وشدّد النائب على ضرورة عدم الإنجراف إلى “مغامرة من شأنها أن تعمّق العداء والكراهية” داعيا إلى “إيجاد طريقة مبدعة لإعطاء الأمل ودفع المصالحة والسلام بين الشعبين، واستكمال تنفيذ مراحل الاتفاق”.

ولقي مقترح ترامب ترحيبا في إسرائيل، غير أنّ كثيرين شكّكوا في إمكانية تنفيذه.

وقال رافائيل، وهو اختصاصي في علاج التدليك في الخامسة والستين من العمر “يعجبني كثيرا ما قاله، لكنّني أشكّك في إمكانية حدوثه. أنا لا أصدّقه ويصعب عليّ تصديقه. لكن من يعلم، الله أعلم”.

واعتبر كفير ديكل (48 عاما) الذي يقطن في منطقة غلاف غزة ويعمل في مجال التكنولوجيا المتقدّمة أنّ القطاع الفلسطيني “بمثابة سرطان في قلب الأمّة”، قائلا “دعوهم (أي الغزّيين) يرحلون ويبنون حياتهم في مكان آخر ونحن سنحوّل فعلا المكان إلى جزيرة سلام”.

– “مفاجئ جدا” وغير واضح –

من جهته ذكّر المفوّض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك بأن ترحيل سكّان أيّ أرض محتلة محظور تماما، قائلا إنّ “الحقّ في تقرير المصير هو مبدأ أساسي في القانون الدولي ويجب أن تصونه جميع الدول، وهو ما أعادت محكمة العدل الدولية مؤخرا التأكيد عليه”.

وأضاف أنّ “أيّ نقل قسري أو ترحيل لسكان من أرض محتلة محظور تماما”.

واعتبر المفوّض الأممي السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أنّ مشروع السيطرة على غزة “مفاجئ جدّا”.

ولفت غراندي إلى أنّ الوضع الحالي “ليس واضحا”، مشيرا إلى أنّه “لا بدّ من معرفة ما يعنيه على أرض الواقع”.

وتزامنت تصريحات ترامب الأخيرة مع انطلاق الجولة الثانية من مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأسفرت المرحلة الأولى من الهدنة حتى الآن عن إطلاق سراح 18 رهينة من غزة ونحو 600 معتقل فلسطيني لدى إسرائيل، فضلا عن وقف الأعمال لاتقالية وزيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر.

ويفترض أن تتيح المرحلة الثانية الإفراج عن آخر الرهائن الأحياء من غزة وإنهاء الحرب التي اندلعت إثر هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

واحتُجز 251 شخصا رهائن في هجوم حماس الذي تسبّب بمقتل 1210 أشخاص في الجانب الإسرائيلي، معظمهم من المدنيين، وفقا لتعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات إسرائيلية رسمية.

وردّا على هجوم حماس جرّدت إسرائيل حملة عسكرية ضد قطاع غزة استمرت أكثر من 15 شهرا وأدّت إلى مقتل 47518 شخصا على الأقل، معظمهم من المدنيين النساء والأطفال، وفقا لبيانات وزارة الصحة التابعة لحماس.

ومنذ دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير، تنفّذ إسرائيل في شمال الضفة الغربية المحتلة عملية عسكرية واسعة ضدّ مجموعات فلسطينية مسلحة مما تسبّب بدمار واسع وبمقتل العشرات.

بورس/م ن/بم

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية