مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الأجانـبُ واللجُوء محلُّ نـقاش ساخن!

تقترح مراجعة قانون اللجوء ترحيل اللاجئين الذين ثبُت أنهم عبروا دولا "آمنة" قبل وصولهم إلى سويسرا Keystone Archive

يعقدُ مجلسُ النواب السويسري من 3 إلى 7 مايو جلسة خاصة لمُناقشة القانون الجديد الخاص بالأجانب ومراجعة قانون اللجوء.

ويُتوقع أن تشهد الجلسة نقاشا حامي الوطيس بسبب اختلاف مواقف الأحزاب من جملة من المقترحات المُتشددة والتي يصفها البعض بالـ”تمييزية” إزاء أبناء الدول غير الأوروبية.

قد لا يكفي أسبوعٌ واحدٌ لمجلس النُّواب السويسري للحسم في عشرات، لا بل في مئات المُقترحات المعروضة عليه للمُصادقة على القانون الجديد الخاص بالأجانب وعلى مراجعة قانون اللجوء.

فقد دفعت حدةُ التباين في مواقف الأحزاب من مُقترحات التعديل العديدَ من البرلمانيين والمُراقبين إلى الإعتقاد بأن الجلسة الخاصة قد تتعدّى الأيام الخمسة المُخصصة لها، ورُبما تنتهي بفشل مُسودة مشروع أحد القانونين أو كليهما!

ولم يتردّد النوابُ من مُختلف الأحزاب، في تقديم أكثر من 200 مقترح -جماعي أو فردي- لتعديل مُسودتي قانوني الأجانب واللجوء. وقد عرض نائبُ الحزب الراديكالي فيليب مولر بمُفرده ما لا يقل عن 36 مقترحا. ويُذكر أن هذا النائب هو صاحبُ المبادرة الشعبية التي دعت المواطنين السويسريين إلى تحديد سقفٍ لنسبة الأجانب في الكنفدرالية لا يتعدى 18%. ولحسن حظ الأجانب، رفض الناخبون المُبادرة يوم 24 سبتمبر من عام 2000.

لكن بين عام 2000 وعام 2004 تغير واقع المهاجرين واللاجئين في سويسرا مما دفع السلطات المعنية إلى إعادة النظر في القانون الحالي للأجانب الذي يعود اعتماده إلى عام 1931. ويرى المكتب الفدرالي للهجرة والإندماج والنزوح أن هذا القانون مليء بالثغرات ولا يسمح بمحاربة أنواع الانتهاكات الجديدة بالفعالية الضرورية.

تشدد خاص إزاء الرعايا غير الأوروبيين

سويسرا بدأت تنتهج إذن -على غرار العديد من الدول الأوروبية- سياسة إقفال الباب تلو الآخر في وجه كل من يحاول استغلال “سعة صدرها” وانتهاك قوانينها في مجال الهجرة واللجوء. ويدفع ثمن هذا التشدد بالدرجة الأولى رعايا الدول غير الأوروبية.

هذا ما يؤكده مشرُوع القانون الجديد الخاص بالأجانب الذي يُعطي الأولوية للهجرة الأوروبية، وبالتحديد لأبناء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر “إيفتا”، التي تضم فضلا عن سويسرا، كلا من النرويج وأيسلندا وإمارة الليشتنشتاين.

أما رعايا الدّول التي لا تنتمي لهاتين المُنظمتين الأوروبيتين، فيخضعون وفقا للقانون الجديد، لسلسلة من الإجراءات المُتشددة حيث لا يحق لهم العمل في سويسرا إلا إذا كانوا عُمالا مُؤهلين أو مُتخصصين، وشريطة ألا تتوفر نوعية وكفاءة هذه العمالة في دول الاتحاد ورابطة “إيفتا”.

في المقابل، يقترح مشروعُ القانون الجديد فتح الباب أمام العُمال الموسميين غير المؤهلين من دول أوروبا الشرقية لمدة ستة أشهر أو أكثر، لكن دون منحهم الحق في لـم شمل الأسر. وسَيُطبَّقُ هذا الإجراءُ طالَما لم توسع سويسرا اتفاق حرية تنقل الأشخاص ليشمل الدول العَشرة الجديدة التي انضمت إلى الاتحاد الأوروبي يوم 1 مايو 2004.

من جهة ثانية، يقترح المشروع تشديد العقوبات على مُرتكبي الجرائم أو المخالفات مثل تهريب البشر و”العمل الأسود” والزواج المُقنع المعروف بـ”الزواج الأبيض”. وينص القانون الجديد على تسهيل إجراءات طرد وترحيل الأجانب الذين يرتكبون جرائم حُكم عليهم فيها بالسجن لمدة 12 شهرا أو لفترات متفاوتة في عدة مناسبات أو حتى من حكم عليهم بدفع غرامة مالية.

أما بالنسبة لاندماج الأجانب في المجتمع السويسري، فيتعهد القانون الجديد بتحسين وضعية الأجانب المقيمين بصفة قانونية ومتواصلة في الكنفدرالية حيث سيتمكن هؤلاء من تغيير عملهم أو مكان إقامتهم بسهولة أكبر. كما يَعدُ القانون بتسهيل شروط جمع الأسر. وبالنسبة للإقامة الدائمة، يلوح القانون بتليين الشروط والآجال المتعلقة بها في حال بذل الأجنبي جهودا ملموسة للاندماج في البلد المضيف.

“قانون غير إنساني”

وقد أحدث مشروع القانون الجديد للأجانب انقساما واسعا بين الأحزاب الرئيسية في الحكومة. فينما عبرت الأحزاب اليسارية عن معارضتها للطابع المُتشدد لنص القانون، رأت الأحزاب اليمينية أنه ليس صارما بما فيه الكفاية، بل أنه يشجع الراغبين في الهجرة إلى الكنفدرلية.

وقد أعرب حزب الشعب اليميني المتشدد عن الأسف لتخصيص نص القانون حيزا هاما لاندماج الأجانب، وللمقترح الحكومي الداعي إلى منح رعايا الدول غير الأوروبية تقريبا نفس الحقوق التي يتمتع بها أبناء الاتحاد الأوروبي في مجال جمع شمل الأسر. وقدم حزب الشعب أكثر من 200 مقترح لتعديل مشروع قانون الأجانب الذي يرى فيه ثغرات عديدة.

أما الحزب الاشتراكي الذي يرفض أصلا النظر في القانون، فقد اعتبره “سيئا وغير إنساني، وقامعا لرعايا الدول غير الأوروبية”. ويشاطر هذا الرأي حزب الخضر الذي اقترح تأجيل البث في القرار وطالب بقانون خال من “التمييز”، في إشارة إلى تفضيل المسودة للمواطنين الأوروبيين.

ويظل الديمقراطيون المسيحيون والراديكاليون (وسط اليمين) الحزبين الوحيدين اللذين يؤيدان القانون الجديد الخاص بالأجانب. ويعتبرُ الحزب الديمقراطي المسيحي المطالبة بإعادة صياغة مُسودة القانون مجرد “مضيعة للوقت”.

الوجه الآخر لعملة “الدول الآمنة”

نفس السيناريو يتجدد تقريبا فيما يتعلق بمراجعة “قانون اللجوء”، حيث أعربت الأحزاب اليسارية عن قلقها من جملة الإجراءات المُتشددة التي اقترحتها لجنة المؤسسات السياسية في مجلس النواب، فيما طالبت الأحزاب اليمينية بإضفاء المزيد من الحزم والصرامة عليها.

ومن التضييقات الرئيسية التي تتضمنها مراجعة القانون ترحيل طالبي اللجوء الذين تبين أنهم عبروا أو أقاموا في بلد “آمن” قبل قدومهم إلى سويسرا، وذلك وفقا للائحة التي تعدها دوريا السلطات الفدرالية للبلدان “الآمنة”. وإذا ما تم تطبيق هذا الشرط، فيُتوقعُ أن يتم طرد آلاف اللاجئين بما أن معظمهم يصلون إلى سويسرا برّا من الدول المجاورة التي تُعد كلها “آمنة”.

من جهة أخرى، تقترح لجنة المؤسسات السياسية في مجلس النواب تقليص المدة المخصصة للنظر في طلبات اللجوء، وأيضا تقليص أعضاء اللجنة التي تبحث طلبات الاستئناف من ثلاثة قضاة إلى قاض واحد.

وتتضمن مسودة مراجعة القانون ورقة ضغط سويسرية على الدول “غير المتعاونة” حيث تشير بوضوح إلى إمكانية تجميد سويسرا لبعض أو كل الأموال المخصصة للمساعدات التنموية المرصودة للبلدان التي ترفض استعادة مواطنيها المطرودين من الكنفدرالية بعد رفض السلطات لطلبات اللجوء التي تقدموا بها.

وتأمل اللجنة أيضا أن تتصل السلطات السويسرية بالدول التي ينحدر منها اللاجئون فور صدور أول قرار سلبي بشأن طلب لجوء أحد أبناءها. وإن كان المطلب يهدف إلى تسريع إجراءات الطرد، إلا أنه ينتهك قوانين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي تعارض إبلاغ المعطيات الشخصية للاجئين لبلدانهم الأصلية طالما لم يصدر قرار نهائي بشأن طلب لجوئهم في الدولة التي قصدوها. ويهدف هذا المبدأ بطبيعة الحال إلى حماية اللاجئ أو ذويه.

أين هي “سويسرا الإنسانية”؟

وقد أعرب الحزب الاشتراكي عن بالغ القلق حول حماية المعطيات الخاصة للاجئين، وتعهد باقتراح دعم قانوني حقيقي للاجئين. كما عبر عن رفضه لتقليص آجال الاستئناف وعدد قضاة اللجنة التي تبحث في طلبات الاستئناف. أما حزب الخضر فيرى أن التضييقات المُقترحة ستولد المزيد من “القهر والنفقات”.

من جهته، يعتقد حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد أن مراجعة قانون اللجوء تفتقر للصرامة. بينما رحب الديمقراطيون المسيحيون والراديكاليون بمشروع المراجعة الذي يقترح حسب الديمقراطيين “أدوات مناسبة لمحاربة الانتهاكات في مجال اللجوء”.

ويذكر هنا أن السلطات السويسرية تطبق منذ 1 أبريل الماضي إجراءات جديدة في مجال اللجوء، تقضي بحرمان طالبي اللجوء الذين قدّموا طلبات غير مُبررة أو الذين يتصرفون بأسلوب مُخالف للقانون أثناء فترة طلب اللجوء من الحصول على المُساعدات الإجتماعية.

وتخشى المنظمات الحقوقية ومنظمات مساعدة اللاجئين في سويسرا من توجهات الكنفدرالية في مجال اللجوء والتقييد المُتزايد الذي قد يدفع ثمنه الفارون من الحروب الأهلية والإضطهاد. وقد وجهت المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين يوم 26 أبريل “نداء من أجل سويسرا إنسانية”. فهل سيجد هذا النداء آذانا صاغية؟ وعند أي حد سيقف التشدد السويسري إزاء الأجانب واللاجئين الذين يمثلون حاليا زهاء 20% من إجمالي سكان الكنفدرالية..

إصلاح بخات – سويس انفو

حسب معطيات المكتب الفدرالي للهجرة والاندماج والنزوح لنهاية عام 2003:
يعيش في سويسرا حوالي 1,5 مليون أجنبي أي ما يعادل زهاء 20% من مجموع سكان الكنفدرالية
41,7% من الأجانب المقيمين بصفة دائمة واللاجئين في سويسرا ينحدرون من دول خارج الاتحاد الأوروبي والرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر التي تضم كلا من سويسرا والنرويج واسلندا وإمارة الليشتنشتاين
يعود اعتماد القانون الفدرالي الحالي حول إقامة الأجانب في سويسرا إلى عام 1931
أما القانون السويسري الحالي حول اللجوء فقد دخل حيز التطبيق عام 1998

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية