الأردن … مسرح جديد للعمليات؟
الدماء التي سالت في فنادق عمان يوم الاربعاء 9 نوفمبر، تعلن بوضوح أن الاردن قد تحول من جديد ميدانا للحرب بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الامريكية.
هذه الأعمال الإرهابية قد تدفع نحو إعادة ترتيب الاوراق في منطقة قابلة للالتهاب أصلا، دون الاخذ بعين الاعتبار الضحايا، إن كانوا معنيين بهذه الحرب او غير معنيين بها أصلا.
ثلاثة من الفنادق الكبرى في العاصمة الاردنية، كانوا مسرحا للمواجهة الجديدة والتي كان ضحاياها أكثر من سبعين قتيلا وعشرات الجرحى وإضافة لهؤلاء وضع اقتصادي بني على الاستقرار والامان كرأسمال وثروة لجذب سياح ومستثمرين من دول تفتقد الاستقرار والأمان أو يخشى افتقادها له.
لم تكن انفجارات الاربعاء 9 نوفمبر، عمل العنف الوحيد الذي يتعرض له الاردن منذ انتقال المعركة بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الى قلب الشرق الاوسط، بعد احتلال العراق ربيع 2003.
ففي شهر أغسطس الماضي، شنت القاعدة هجوما صاروخيا في ميناء العقبة ضد سفينة حربية أمريكية، وفي العام الماضي اعلنت السلطات الاردنية عن تفكيكها لشبكة تابعة لتنظيم القاعدة كانت تخطط لتفجير مقر المخابرات الاردنية بأسلحة كيماوية بالاضافة الى عمليات قالت السلطات ان القاعدة كانت تخطط لها الا انها افشلتها وعلى خلفيتها شنت حملة اعتقالات واسعة في صفوف التيارت الاصولية المتشددة الحقل الخصب لاستقطاب الانتحاريين المفترضين.
حرب على الأصوليين المتشددين
كان الاردن الرسمي تاريخيا حاضنا للتيارات الاصولية المتشددة والمعتدلة، على عكس دول الجوار التي كان هؤلاء يناصبونها العداء على خلفية العداء للتقدمية والاشتراكية والتحالف مع الغرب ضد المعسكر الاشتراكي الذي كان يتهم بالكفر والالحاد.
واذا بقي الاردن الرسمي حضنا للاصولية، فإنه اخرج منه الاصوليين المتشددين، بعد ظهور حالات التنافر والتباعد بين الاصوليين والولايات المتحدة بعد انتهاء حرب افغانستان وانهيار الاتحاد السوفياتي والتي تحولت الى عداء وحرب معلنة بعد احتكاكات في باكستان ونيروبي لكنه لم يعلن الحرب عليهم إلا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وما تلاها من تسابق الدول العربية والاسلامية على اعلان تأييدها ومساهمتها في الحرب الامريكية على الحركات الاصولية المتشددة والتي اطلقت عليها صفة الارهاب. وقد تطورت هذه الحرب ليصبح الشرق الاوسط والعراق تحديدا بعد الاحتلال الامريكي للعراق الميدان الاساسي لها.
الاردن لم يكتف بإعلان تأييده للحرب على الارهاب، ليكون في سياق الدول التي تريد -أولا – اتقاء شر غضب واشنطن بعد 11 سبتمبر، أو – ثانيا- نيل الرضى الامريكي لعله يحظى ببعض المغانم بعد احتلال العراق (سواء في الداخل العراقي أو من آثار الاحتلال)، لكنه ذهب بعيدا في الحرب على تنظيم القاعدة والاصوليين المتشددين من جهة وساهم، بقدر حاجة الولايات المتحدة، في الحرب على العراق واحتلاله ثم استقرار هذا الاحتلال ودعم مؤسساته المفروزة لحكم البلد المحتل. ولهذين السببين وجد تنظيم القاعدة في الاردن عدوا وهدفا لازعاج الولايات المتحدة وإرباك مخططاتها في العراق.
حـافـظـة للأمــوال
واذا كان بعض السياسيين والمؤرخين يعتقدون ان الاردن كدولة كان نتاج مخطط اقامة الدولة العبرية على الارض الفلسطينية، فإن الاقتصاد الاردني منذ منتصف السبعينات بني على الازمات التي يعيشها جيرانه، فبعد اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية 1975 بات الاردن احد اهدف السياحة والاستثمار البديلة عن لبنان، لكن الانتعاش الاقتصادي الاردني الحقيقي بني على الحروب العراقية ان كانت الحرب العراقية الايرانية 1980 الى 1988 ثم حرب الخليج الثانية 1991 والحصار الذي تبعها على العراق واخيرا غزو العراق واحتلاله ونتاج هذا الاحتلال عراقيا واقليميا.
فلقد شكل الاردن القاعدة الاقتصادية الخلفية للعراق الغني بالنفط وبلد العشرين مليون مستهلك وكان النافذة الوحيدة للعراق على العالم من عام 1990 إلى عام 2000 وما يعنيه ذلك من ان يكون “الحافظة المالية” للعراق دولة ومواطنين.
وبعد الاحتلال واسقاط نظام الرئيس صدام حسين أصبح الأردن الحافظة المالية لاتباع النظام السابق وأيضا لمسؤولي النظام الجديد الذين وجدوا في بنوكه ومؤسساته المالية مكانا آمنا لاموالهم وفي أراضيه هدفا استثماريا رابحا.
ومنذ اغتيال رفيق الحريري رئيس الحكومة اللبنانية الاسبق في شهر فبراير الماضي وما تلاه من اختلال أمني لبناني (وتوابعه على الاستقرار في سوريا)، أصبح الاردن الحافظة المالية للمال اللبناني و السوري أيضا.
وإذ ترافق كل ذلك مع حملة استهدفت المال العربي في البنوك الاوروبية والأمريكية ومع الفورة المسجلة في اسعار النفط وايراداته ومداخيله على الدول والافراد في الدول الخليجية، فإن الاردن بات أيضا حافظة للمال الخليجي، وقد شملت الظاهرة بنوكا ومشاريع استثمارية وأدت إلى تنشيط لبورصة عمان وسوق الاسهم التي كانت خاملة حتى وقت قريب.
هذه الفورة المالية المفاجئة لم تنعكس ايجابا على الحياة اليومية للمواطن الاردني، بل انعكست سلبا في شكل ارتفاع اسعار لمختلف السلع والخدمات، وهي انعكاسات طبيعية لاقتصاد الخدمات قبل استكمال دورته ليصبح منتجا وذا مردود يومي على حياة المواطن.
وبما أن المواطن العادي لا يستطيع انتظار استكمال الدورة لجني المكاسب المحتملة، فقد بات الاحتجاج على الازمة الاقتصادية ظاهرا في الاوساط الشعبية الاردنية، خاصة بعد رفع أسعار المشتقات النفطية في سبتمبر الماضي (بلغت قيمة الزيادة أكثر من 200 بالمائة خلال اسبوع واحد)، كما امتزج هذا الاحتجاج بانتقاد لدعم الرسمي الاردني للسياسة الامريكية في المنطقة إن كان في العراق او في فلسطين وما يلمسه المواطن الاردني مما يمكن اعتباره “مسا بكرامته الوطنية”.
أهداف ورهانات
أخيرا يمكن القول أنه إذا ما وضعت الهجمات في نفس السياق مع العمليات التي استهدفت الدار البيضاء وبالي ولندن وطابا وشرم الشيخ، وإذا ما تم استحضار أن الدكتور أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، قد دعا قبل اسابيع الى “توسيع المعركة لتشمل الدول المحيطة بالعراق وفلسطين المحتلين”، فإن هجمات 9 نوفمبر قد تكون استجابة لهذه الدعوة لاشعار الولايات المتحدة بأن لتنظيم القاعدة يد تصل الى حيث يريد، وايضا لـ “معاقبة” الحكومات التي ذهبت بعيدا في مساهمتها في الحرب الامريكية ضد التيارات الاصولية المتشددة.
وبما أن الفورة المالية التي تشهدها المملكة الهاشمية تعتبر إحدى ثمار السياسة الاردنية، فإن السعي إلى الحؤول دون استكمال دورتها لتصبح ذات انعكاسات مفيدة دائمة على البلد قد يكون أحد أهداف هجمات الاربعاء الماضي إضافة إلى ما تستبطنه من انتقام من المواقف الرسمية الاردنية من ملفات عديدة لا زالت محل رهان بين تنظيم القاعدة والولايات المتحدة الامريكية.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.