الأمن في العراق.. مكاسب جزئية ومصالحة متعثرة
ثمة تفاؤل يُـبديه بعض العراقيين بأن التحسّـن الأمني، الذي بدأت بشائره تظهر في البلاد، ينم عن تغير مهِـم، أمنيا واستراتيجيا.
فهناك انخفاض في معدّلات العنف، وصلت إلى أكثر من النصف تقريبا، وهناك أيضا بعض مهاجرين عراقيين عادوا من سوريا ولبنان والأردن، وهناك حديث متصاعد عن ضرورة تسريع العملية السياسية.
يستند المتفائلون إلى بعض البيانات المهمة، منها تراجع الهجمات بنسبة 55% منذ تطبيق استراتيجية زيادة القوات الأمريكية في العراق قبل حوالي العام، وتراجع الخسائر وسط المدنيين العراقيين بنسبة 60%، وبداية مظاهر عودة الحياة الطبيعية في بعض مناطق بغداد، كارتياد المطاعم وحفلات الزفاف ومرور بعض الأيام دون العثور على جُثث مجهولة أو تفجيرات كبرى، وانخفاض معدّل العثور على الجثث المجهولة إلى خمس جثث، بعد أن وصل العدد إلى معدل 35 جثة يوميا قبل ثمانية أشهر، ويُـرافق ذلك انخفاض معدل التفجيرات الانتحارية عبر العراق ككُـل إلى 16 حالة، بعد أن كان المعدل 59 عملية انتحارية قبل ثمانية أشهر، طِـبقا لبيانات الجيش الأمريكي.
وكذلك، حدث انخفاض في عدد الهجمات التي تستهدِف الجنود الأمريكيين، وتدنّـى عدد القتلى الأمريكيين إلى 39 جنديا في شهر أكتوبر الماضي، بعد أن وصل في أشهر سابقة إلى حدود المائة جندي، كما انخفض معدّل قتلى المدنيين من 2800 عراقي مدني، كما كان في شهر يناير 2007، إلى ما يقرب من 800 عراقي، وِفقا لبيانات شهر أكتوبر الماضي.
تحسّـن جزئي ولكن!
مثل هذه المؤشرات، وإن كانت تصبُّ في حدوث تحسُّـن نسبي في الأحوال الأمنية، فهي لا تعني أبدا أن العراق بات آمنا ومستقرا. ومن هنا، ينطلق آخرون، الذين يرون أن الأمور مجرّد تحسُّـن أمني جزئي، وليست تحوّلا جوهريا في الحالة الأمنية، إذ لا زال الخوف يسكُـن النفوس العراقية ومظاهر الانفلات الأمني وتورّط قوات حكومية في أعمال إجرامية أو شِـبه إجرامية ما زالت تحدث، رغم حديث المسؤولين الحكوميين عن ارتفاع مستوى الانضباط والمحاسبة في قوات الأمن الحكومية.
كما أن العملية السياسية، وفي مقدمتها خطوات المصالحة الشاملة، تواجَـه برفض قِـوى أساسية في التحالف الشيعي الكردي الحاكم.
فضلا عن أن التفجيرات، التي تستهدف تجمّـعات سكنية والأسواق الشعبية في بغداد، لا زالت تحدُث بين الحين والآخر، رغم الاحتياطات الأمنية الكثيفة في العاصمة ومناطق أخرى كثيرة.
تناقض وصحة معا
هاتان الرؤيتان، ورغم تناقضهما، تبدوان صحيحتان، والأمر مُـرتبط أساسا بزاوية النظر لِـما يجري في العراق. وإن اجتمعت الزاويتان، ربّـما كان تقويم ما يحدُث أقرب إلى الصحة منه إلى التمني. وهنا، يبدو تقويم وزير الدفاع الأمريكى غيتس للوضع الحاصل في العراق بمثابة نقطة وسط بين ما تحقَّـق وما ينبغي أن يتحقّـق.
ففي زيارته الأخيرة لبغداد مطلع شهر ديسمبر الجاري، قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، إن العراق الآمن والمستقِـر والديمقراطي، بات هدفا يُـمكن تحقيقه، وتأكيدا لتوقّـعه هذا، أشار إلى ظاهِـرتين إيجابيتين، الأولى، انخفاض معدّل العنف إلى النِّـصف تقريبا في الأشهر الثلاثة الماضية، مقارنة مع معدلات العنف التي سادت قبل ثلاثة أشهر، والثانية، بدء عودة اللاجئين العراقيين من سوريا، وإن كان ذلك بمعدّلات محدودة للغاية.
لكن الوزير الأمريكي لم ينسَ الإشارة إلى أن المكاسِـب الأمنية المحققة، لا يواكبها تقدّم مماثل في العملية السِّـلمية، والإشارة هنا موجّـهة رأسا إلى ما تعتبِـره إدارة الرئيس بوش بُـطءً أكثر من اللازم من حكومة المالكي في اتخاذ الخطوات الواجبة في مجال المصالحة السياسية وإقرار التشريعات التي تؤكِّـدها وتحوّلها إلى إطار قانوني دستوري، واجب النفاذ على الجميع.
وفي المقدمة من ذلك، إصدار قانون بديل لقانون اجتثاث البعث الشهير وسيِّـئ السّـمعة، وبحيث يسمح القانون الجديد باستيعاب عناصر البعث في الحكومة وأجهِـزتها المختلفة أو الحصول على حقوقهم التقاعدية، طالما أنهم لم يتورطوا في جرائم ضدّ الإنسانية.
تحالف الحكم ضد عودة البعثيين
المرجّـح هنا، أن ثمة قِـوى شيعية وكردية حاكمة، وإن كانت تُـمارس نوعا من التواصل السياسى مع عناصر بعثية أمنية أو سياسية، بغية تهدِئة مخاوِف السُـنة من جهة، وجذب البعض منهم ناحية العمل السياسي والحزبي من ناحية أخرى.
وفي ظل استمرار المعادلات الراهنة، فإن نفس هذه القِـوى الشيعية والكردية لا تبدي أي نوع من الحماس نحو تشريع هذه العملية من المصالحات الجزئية، لأنها ببساطة ترى في تقنين هذه العملية نوعا من الانتقاص في سلطتها أولا، وتعبيرا عن فشلها في إقناع الأمريكيين بضرورة استمرار الصيغة الراهنة من سطوة التحالف الشيعي الكردي، دون تغيير ثانيا.
ويكشف الأمران معا عن المخاوف من تحوّل البَـوصلة الأمريكية نحو السُـنة، لاسيما في ظل صِـيغ التعاون الميداني، التي تكثّـفت في العام الماضي وكانت من بين الأسباب الرئيسية في حالة التحسّـن الأمني التي يتغنّـى بها كثير من الرسميين ويعدّونها دليلا على سلامة الإجراءات والخطوات الحكومية.
تعاون ميداني مع السُـنة
تمثل هذا التعاون الميداني فيما يُـعرف الآن بمجالس الصحوة، وهي خطوة بدأت أولا في الأنبار، غرب العراق قبل حوالي العام، حين قرر زعماء العشائر العراقية السُـنية، والذين تضرّروا من سَـطوة عناصِـر القاعدة وسلوكياتهم الفظّـة، تشكيل جماعات من المتطوّعين لحماية الأحياء السكنية من عناصر القاعدة، ومع نجاح هذه الجماعات في احتواء سطوة القاعدة، التقط الأمريكيون الخيط من ناحية، وزعماء العشائر العراقية في مناطق ومحافظات مختلفة من ناحية أخرى، وقرّر الطرفان الإقدام على الخطوة نفسها، والتي سُـميت بمجالس الصحوة.
في اللحظة الجارية، يمكن اعتبار هذه المجالس نوعا من التعاون الميداني بين القوات الأمريكية والقبائل العربية السُـنية في وسط العراق وغربه، فالقبائل تقدّم الرجال والقوات الأمريكية تقدّم التدريب والمال، مع الوعد بضمِّ هؤلاء إلى الأجهزة الأمنية الحكومية لاحقا.
ووفقا للقوات الأمريكية، فإن مهمّـة عناصر مجالس الصّـحوة محصورة في إدارة نقاط التفتيش ومساعدة القوات الأمريكية في ضبط الأمن في المناطق المتّـفق عليها.
وتشير البيانات الأمريكية إلى أن عدد رجال مجالس الصحوة، يتراوح بين 27 ألفا و35 ألفا، يتلقّـون مكافآت شهرية في حدود 300 دولار شهريا للعُـنصر الواحد، ويقدّر قيادي في القوات الأمريكية بارتفاع العدد في العام المقبل بنِـسبة ما بين 15 إلى 20% مع عدم وجود سقف معيّـن يمكن الوقوف عنده.
فالعملية مفتوحة وترتبِـط بمدى النجاح ورغبة قبائل وعشائر أخرى في الانضمام إلى هذه العملية، والتي يبدو أنها أزعجت عناصر القاعدة بالفعل، ومن هناك، كان بيان التهديد الصادر عن ما يُـسمى بدولة العراق الإسلامية، والذي ظهر على شبكة الإنترنت منتصف شهر ديسمبر الجاري وتوعد بمُـهاجمة “هؤلاء المرتدِّين الخَـونة، الذين يتعاونون مع قوات الاحتلال”.
تقارب أمريكي مع البعثيين
أيًّـا كان الأمر، فإن هذه المجالس تشكِّـل الآن حجَـر الزاوية في تقارب أمريكي مع السُـنة العرب بوجه عام، ويُـصاحب ذلك تقارُب آخر مع عناصِـر حزب البعث، الذين شكّـلوا منذ الغزو وحدات وقوات لمواجهة الأمريكيين والبريطانيين، وتحالفوا لفترة سابقة مع عناصر القاعدة، إلى أن ثبت يقينا أن أولويات وأهداف الطرفين مُـتباعدة تماما، ومن هنا، حدث نوع من المراجعة بين عناصِـر البعث، الذين يُعرف أنهم قد تشكّـلوا في 17 تنظيما تحت لِـواء المجلس الأعلى للمقاومة العراقية، ثم اتّـجهت قبل حوالي شهرين إلى تشكيل قيادة سياسية تحت مُـسمى المجلس السياسي للمقاومة، قام بالاتصال بالأمريكيين خارج العراق بمساندة من دولة عربية كُـبرى، لغرض التعرّف على أوجه التلاقي المُـمكن في المستقبل، خاصة في ضوء اقتراب موعِـد انتهاء التفويض الدولي للقوات الأمريكية والمرجّـح له أن يكون نهاية عام 2008.
ووِفقا لتايه عبد الكريم، القيادي في حزب البعث المنحل ووزير النفط في نظام صدام حسين، بأن الجانب الأمريكي قطع عهودا بتنفيذ أي اتفاق يتِـم التوصل إليه مع المجلس السياسي، والذي حدّد مطالبه في أن يكون أساس المفاوضات هو الوصول إلى حلٍّ سِـلمي وعدم ملاحقة الوفد المفاوض لدى حضوره إلى بغداد، ووجود طرف عربي ضامن وبناء الجيش العراقي من جديد، وحلّ البرلمان الحالي، إضافة إلى إلغاء قانون بول بريمر، الذي وصفه بأنه اعتمد الطائفية والعِـرقية في بناء العملية السياسية وتشكيل حكومة تكنوقراط مؤقتة مصغّـرة للإعداد للانتخابات المقبلة.
ويبدو أن مثل هذه اللقاءات قد ساعدت أيضا على تخفيف معدّل العمليات العسكرية، التي تقوم بها المجموعات المرتبِـطة بالمجلس الأعلى للمقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية، وفي الوقت نفسه، توجيه جهود هذه المجموعات ضدّ عناصر القاعدة، والتي باتت هدفا مشتركا لكل الجهات العراقية، بغضّ النظر عن موقِـفها السياسي والأيديولوجي.
عناصر أخرى مهمة
إلى جانب تشكيل مجالس الصّحوة من ناحية، والاتصال، ولو عن بعد، من العناصر البعثية من ناحية ثانية، هناك عناصر أخرى مهمّـة ساعدت على حدوث التحسّـن الأمني النسبي، أبرزها استمرار المباحثات الأمنية الأمريكية الإيرانية حول العراق، وهو ما يعد مسؤولا عن تهدئة التعاون بين إيران وميليشيات المهدي، والتي اضطر زعيمها مقتدى الصَّـدر قبل ثلاثة اشهر إلى اتِّـخاذ قرار بوقف العمليات العسكرية بوجه عام، وهو ما فسّـر حينها بوجود ضغوط إيرانية مُـورست عليه، نتيجة بدء المباحثات مع الولايات المتحدة بشأن العراق.
أما ميدانيا، فقد أدّت عمليات الفصل بين المدن والأحياء والأزقّـة الشعبية بالأسوار والحوائط الإسمنتية، إلى تخفيف بُـؤر الاحتكاك الطائفي والسيطرة على حركة العناصر المتصارِعة في الشوارع والأحياء.
ولكن يظل الأمر في إطار الهدوء القابل إلى التراجع، لاسيما إذا فشلت جهود حكومة المالكي في الإسراع بالمصالحة الشاملة أو انتهت إلى قوانين جديدة تصبّ في تهيئة تقسيم العراق، بدلا من الحفاظ على وِحدته والحِـفاظ على موارده من أجل رخاء شعبِـه.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
بغداد (رويترز) – قالت الشرطة إنه عثر على جثث 16 قتيلا يوم الخميس 13 ديسمبر 2007 في حفرة ببلدة شمالي بغداد داخل أكثر محافظات العراق عنفا.
وقالت الشرطة إنها عثرت على الجثث بالقرب من المقدادية في محافظة ديالى وجميعها لذكور بالغين قتلوا فيما يبدو في الآونة الاخيرة. وتم فصل رؤوس 12 منهم بينما ضرب الأربعة الباقون بالرصاص في الرأس.
وشهدت محافظة ديالى التي تقع شمالي بغداد وبها مزيج عرقي وديني أسوأ اعمال عنف في العراق في الشهور الاخيرة.
وتقول القوات الامريكية إن متشددي القاعدة استقروا هناك من جديد بعد طردهم من أجزاء أخرى من العراق. وانضمت مجموعات محلية من المقاتلين الى القوات الامريكية وقوات الأمن العراقية في محاربة المسلحين.
وتراجعت اعمال العنف في العراق بدرجة كبيرة خلال الاشهر القليلة الماضية وانخفض عدد الهجمات في أنحاء البلاد بنسبة 60 في المئة منذ يونيو حزيران بعد نشر قوات أمريكية إضافية قوامها 30 الف جندي.
لكن واشنطن تقول إن القاعدة مازالت عدوا خطيرا. وهددت جماعة مرتبطة بالقاعدة بتنفيذ هجمات في وقت سابق من الشهر الحالي كما أن أعمال الخطف والقتل شائعة أيضا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 ديسمبر 2007)
البصرة (العراق) (رويترز) – تعهد العراق يوم الاربعاء 12 ديسمبر 2007 بتسلم المسؤولية الامنية في اخر محافظة تسيطر عليها القوات البريطانية خلال أربعة أيام على الرغم من هجمات كبيرة بالمتفجرات في محافظة مجاورة تقول الشرطة انها اسفرت عن مقتل 40 شخصا.
وقال مسؤولون عراقيون وبريطانيون ان الانفجار الذي وقع في محافظة ميسان الجنوبية التي سلمتها بريطانيا الى العراق في ابريل نيسان لن يكون له تأثير على قرارهم باعطاء القوات العراقية السيطرة على محافظة البصرة القريبة.
وقال علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية في مؤتمر عن التنمية في البصرة ان “التفجيرات لا علاقة لها بالبصرة والتسليم سيتم في موعده يوم 16 من هذا الشهر. والقوات الموجودة في البصرة ممتازة”.
وهذه أول مرة يعلن فيها رسميا عن موعد نقل السلطة الذي قال عنه رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون يوم الاحد أنه سيكون في غضون أسبوعين.
وقالت الشرطة العراقية ان ثلاث سيارات انفجرت وقتلت 40 شخصا وأصابت أكثر من 125 اخرين في العمارة عاصمة محافظة ميسان التي سلمتها القوات البريطانية للسيطرة العراقية في ابريل نيسان كجزء من خطة لانهاء دورهم في الشارع العراقي.
وقال المتحدث العسكري البريطاني الميجر مايك شيرر الذي تم الاتصال به في اخر قاعدة بريطانية قرب مطار البصرة ان عدد القتلى وصل الى 20 جراء انفجارين وليس ثلاثة في العمارة وقال ان بريطانيا واثقة من أن السلطات العراقية قادرة على التعامل مع الحادثة.
وقال شيرر “من الواضح أن هناك قوى حاقدة تحاول هز استقرار العمارة لكن لدينا الثقة في قوات الامن العراقية وقدرة قوات الطوارئ على التعامل مع الحادثة.”
وأضاف “ليس لها تأثير على البصرة. تظل ثقتنا موجودة في قدرة قوات الامن العراقية لتولي زمام المسؤولية عن الامن.”
وليس هناك وجود دائم للقوات البريطانية حاليا في العمارة لكنها تتلقى تقارير من القوات العراقية هناك. ويمكن استدعاء قوة انتشار سريع بريطانية بناء على طلب القوات العراقية غير أن شيرر قال ان العراقيين لم يطلبوا المساعدة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 ديسمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.