الاستراتيجية الجديدة للحلف الأطلسي
طوى حلف شمال الأطلسي صفحات الحرب الباردة وإرث معاهدة يالطا نهائيا، وقرر في اجتماع القمة الأطلسية في نهاية الأسبوع الماضي في براغ استيعاب سبعة بلدان شرقية، منها من كان جزءا من تراب الاتحاد السوفيتي السابق.
وأجمعت البلدان الأعضاء التسعة عشر حول قائمة الأعضاء الجدد من دون جدل.
ستمد خطة التوسيع حدود حلف شمال الأطلسي إلى مشارف تراب الفدرالية الروسية التي عجزت على مدى الأعوام عن الاعتراض على توسع الحلف. وأطنب الزعماء الغربيون في وصف الأبعاد التاريخية للقرار الذي صدر في العاصمة التشيكية براغ، التي كانت شهدت قبل 11 عاما توقيع البلدان الشرقية على وثائق حل حلف وارسو.
وذكر بيان القمة الأطلسية بأن توسيع الحلف “يعزز أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية، ويساعد الحلفاء على التقدم نحو توحيد القارة الأوروبية بأكملها”. وبمقتضى قرارات القمة الأخيرة، فإن كلا من البلدان المعنية ستبدأ مفاوضات مع حلف شمال الأطلسي لوضع برتوكولات العضوية وتوقيعها في شهر مارس 2003، ثم تصادق عليها البرلمانات الوطنية. ويتوقع أن تنضم البلدان السبعة عمليا لعضوية الحلف في منتصف 2004، وأن يرتفع عدد أعضاء الحلف الـ 19 حاليا إلى 26 عضوا.
ويبدو أن الحلف قد استخلص دروس حرب أفغانستان، ومنها محدودية دوره في الحرب الأمريكية على الإرهاب والتهديدات التي كانت استهدفته من جانب صقور البنتاغون حول ضرورة اضطلاع الحلف بدور مميز في مكافحة الإرهاب كشرط لمواصلة التزام الولايات المتحدة حياله.
ومن بين دروس حرب أفغانستان، أن الولايات المتحدة قادرة بمفردها على شن حروب في مناطق بعيدة من دون حاجة لمشاركة الحلفاء
في ميدان النزاع. فهي تمتلك كل العتاد الاستراتيجي للنقل والاستخبارات والأسلحة الموجهة والقيادة المركزية.
استراتيجية واشنطن فوق الجميع
ولتعزيز دور قوات الحلفاء في الحرب على المنظمات الإرهابية، ومصادر الخطر الذي قد يأتيها مما تسميه الإدارة الأمريكية بالدول المارقة، فإن الولايات المتحدة لم تتردد في ترويج نظرية الضربات الوقائية، أي أن تقوم قوات الحلف أو قوات بعض الحلفاء على سبيل المثال بقصف أهداف في المناطق التي يشتبه فيها تهديد مصالح البلدان الأعضاء.
وتقع البلدان المشبوهة في الجوار الجنوبي لبلدان الحلف، وهي البلدان الإسلامية والعربية، الواقعة في ما يسمى بقوس انعدام الاستقرار الإسلامي الممتد من أندونيسيا إلى المغرب مرورا بباكستان وأفغانستان والخليج.
وتزداد مخاوف البلدان الغربية من المخاطر الكامنة في صلب المجتمعات العربية والإسلامية في شبه الجزيرة العربية وإيران ومصر، خاصة في صفوف الفئات الاجتماعية التي تضررت من سياسات الاستبداد ونقص الديموقراطية من جانب أنظمة حظيت بدعم ورعاية للولايات المتحدة عبر العقود المتواصلة.
وقد دفع تركيز الولايات المتحدة أمام حلفائها على نظرية الهجمات الوقائية في عهد ما بعد تفجيرات نيويورك، قوات الحلف إلى التهيؤ واكتساب العتاد الاستراتيجي من أجل القيام بعملياتها خارج النطاق التقليدي للحلف، أي خارج الحدود الجغرافية للحلفاء. ولا تكترث هذه النظرية بدور الأمم المتحدة في ضمان السلم والاستقرار في العالم.
فقد حدد الرئيس بوش المخاطر الجديدة التي تهدد الحلف وتتمثل في نشاطات الإرهاب خارج حدود الحلف وداخل المدن في البلدان الأعضاء أين تتعقب قوات الأمن، نشطاء الحركات المتطرفة، فضلا عما أصبح محورا رئيسيا في تفكير بوش، أي أسلحة الدمار الشامل وتكنولوجيا الصواريخ.
واستنتج الرئيس الأمريكي أن حلف شمال الأطلسي وجد نفسه محدود الخيارات خلال حرب أفغانستان. مؤكدا على ضرورة أن تكون “قوات الحلف مؤهلة للتدخل خارج حدود أوروبا”.
قوات الرد الأطلسية
وقد استجاب الحلفاء إلى حد كبير للاستراتيجية الأمريكية، واتخذت القمة الأطلسية العديد من القرارات التي ستمكن الحلف من مواجهة التحديات الأمنية الجديدة في زمن ما بعد الحرب الباردة، خاصة بعد تفجيرات 11 سبتمبر. وأوصى زعماء الحلف بتشكيل “قوات الرد الأطلسية” على أن تكون قادرة على التحرك والانتشار في أقل من أسبوع، والقيام بمهامها، حسب عبارة البيان الرسمي، “في أي مكان يقرره مجلس الحلف”.
وسيصل عدد هذه القوات إلى 21 ألف رجل. ومن المقرر أن تكون طلائع هذه القوات جاهزة في مطلع 2004 وتكون قدراتها العملياتية الكاملة جاهزة في أجل أقصاه شهر أكتوبر 2006. كما اتفقت القمة حول ضرورة زيادة إنفاق الموازنات العسكرية لتمويل خطة تطوير القدرات العسكرية التي سيحتاجها الحلف لمواجهة التحديات الأمنية الجديدة. وتشمل هذه القدرات وسائل النقل الاستراتيجية، الجوية والبحرية، الاستخبارات وأقمار التجسس الاصطناعي، والقيادة المركزية ووسائل الدفاع ضد أسلحة الدمار الشامل.
وستواجه البلدان الأوروبية إحراجا كبيرا عندما سيتعلق الأمر بزيادة الموازنات العسكرية في وقت يجري فيه الضغط على الإنفاق في المجالات الاجتماعية، وستضطر لاختيار الاعتماد على الولايات المتحدة مثلما فعلت إلى حد الآن، وبالتالي فهي ستكون هامشية التأثير في الأزمات وخيارات الحسم أو لزيادة إنفاقها العسكري على حساب أولويات أخرى.
فلا يمثل إنفاق كافة البلدان الأوروبية في مجال التسلح سوى 60% من حجم الإنفاق العسكري العام في الولايات المتحدة. وتبلغ الموازنة العسكرية الأمريكية 350 مليار دولار في العام الجاري. وتفتقد البلدان الأوروبية بشكل خاص للعتاد الاستراتيجي، مثل وسائل النقل العملاقة وأقمار التجسس الاصطناعية والاتصالات والأسلحة الموجهة.
وتمثل القدرات الجديدة التي أقرها الحلفاء عتاد التدخل الاستراتيجي في المناطق البعيدة عن حدود الحلف، وسيضاعف قيامها الضغط على مشروع الاتحاد الأوروبي تشكيل قوات للتدخل السريع، والتي يفترض أن تكون فاعلة في ربيع العام المقبل، ويبلغ عددها 60 ألف جندي.
وسيحاول الجانبان تجاوز المنافسة وازدواجية الأدوار. وقد يتم تقسيم العمل بينهما، كأن تكلف قوات الرد الأطلسية بعمليات الانتشار والتدخل العسكري في المناطق البعيدة، وأن تعهد لقوات الاتحاد الأوروبي مهمات حفظ السلام.
نور الدين الفريضي – بروكسل
الدول السبع التي ستنضم الى الحلف الأطلسي عام 2004 هي : دول البلطيق الثلاث (لاتفيا وليثوانيا واستونيا) إلى جانب سلوفينيا وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا.
كان الحلف الأطلسي ضم عام 1999 بولندا والمجر وجمهورية التشيك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.