البرلمان السويسري يُحبط خطة حزب الشعب لدى انتخاب أعضاء الحكومة
اختار البرلمانيون السويسريون الإبقاء على الوضع الراهن خلال انتخابهم لأعضاء الحكومة الفدرالية يوم الاربعاء 14 ديسمبر 2011.
اليمين الشعبوي لم ينجح في استعادة مقعد ثان في الحكومة دافعا بذلك ثمن أخطائه، وهو مالم يحصل مع الإشتراكيين حيث انتخب ألان بيرسيه مثلما توقع كثيرون خلفا لميشلين كالمي – ري.
“زوبعة في فنجان.. لا أكثر”، فبعد كل الجدل والتعليقات التي انخرط فيها المحللون ورجال السياسة والإعلام في الآونة الاخيرة، والتكهنات بشأن حظوظ إيفلين فيدمر- شلومبف في الإحتفاظ بمقعدها الحكومي بعد دعوة حزب الشعب لإقصائها منه، لم يحدث أي شيْ من ذلك.
استراتيجية ذكيّة
وفي صبيح يوم الأربعاء 14 ديسمبر، أعيد انتخاب الوزيرة المنتمية إلى الحزب البرجوازي الديمقراطي بكل بساطة ويسر. وتبيّن النتائج التي حصلت عليها أن أغلبية الاحزاب قد صوّتت لصالحها، ولم يصوّت لها نواب حزب الشعب والحزب الليبرالي الراديكالي على حد السواء. وتعد هذه الحصيلة منطقية، لأن الوزيرة القادمة من كانتون غراوبوندن (جنوب شرق سويسرا) حصلت على دعم من أكثر من طرف.
فقد راهنت من ناحية على النتائج الجيدة التي حققتها أحزاب يمين الوسط في انتخابات 23 أكتوبر 2011، وتشمل الأحزاب الثلاث المكوّنة لهذا الوسط الحزب الديمقراطي المسيحي، وحزب الخضر الليبراليين، والحزب البرجوازي الديمقراطي، والنسبة التي حصدتها هذه الاحزاب كانت 23% من اجمالي أصوات الناخبين. هذه النتائج كانت كافية لتبرير بقاء الوزيرة في الحكومة على الرغم من ان الحزب الذي تنتمي إليه لم يحصل على أكثر من 5% من الاصوات.
ولكن فيدمر – شلومبف، المعروفة بميولها اليمينية تمكنت من اجتذاب أصوات حتى من خارج معسكرها، وذلك بفضل خطّتها الذكية. فقد استطاعت الحصول على تأييد احزاب اليسار بفضل مواقفها المناهضة للطاقة النووية، ودعوتها لاعتماد سياسة ضريبية صديقة للبيئة.
ينضاف إلى ذلك كله حسن إدارتها للملفات التي بين يديها خاصة مسألة الفرنك القوي، والسرية المصرفية. وبذلك يكون البرلمانيون قد فضّلوا عدم التضحية بوزيرة قديرة أثبتت جدارتها.
تقلّص حضور حزب الشعب
لقد حاول حزب الشعب، من جهته، وبكل الطرق استعادة مقعده الثاني في تشكيلة الحكومة الفدرالية الذي فقده قبل أربع سنوات. وذلك عبر تقديم مرشّحين مؤهلين لتحقيق التوافق داخل الحكومة. ولكن هذه الإستراتيجية لم تؤت أكلها، ومردّ ذلك ربما أن الحزب يدفع ثمن اعتماده لمواقف معارضة خلال السنوات الماضية، ولارتكابه أيضا بعض الأخطاء التكتيكية.
ومن هذه الأخطاء الفادحة إقصاؤه لكل من إيفلين فيدمر –شلومبف، وصامويل شميد (وزير الدفاع السابق) من صفوفه عقب فشل زعيمه التاريخي كريستوف بلوخر في الحصول على منصب وزاري. وقد نتج عن هذا المأزق، الذي كان بإمكان حزب الشعب تجاوزه، انقسام أدى إلى إنشاء الحزب البورجوازي الديمقراطي. واليوم تؤكد إعادة انتخاب السيدة فيدمر شلومبف أن ما ارتكبه حزب الشعب كان بمثابة “”العقاب الذاتي”.
ولو نظرنا إلى الأمر بشكل أعم، نرى أن تغيير حزب الشعب لاستراتيجيته مثير للحيرة والإستغراب. فبعد محاولات متكررة لترشيح وجوه من جناحه المتشدد لمناصب وزارية، ومعارضته للحكومة في العديد من الملفات مثل السياسة الاوروبية، والفرنك القوي، راهن الحزب هذه المرة على وجوه منفتحة وقادرة على اعتماد سياسة توافقية. وبالنسبة لعدد كبير من البرلمانيين، فقد جاء هذا التغيّر سريعا ومفاجأً، بشكل يدعو إلى الشك والريبة في مصداقيته.
أخيرا، فقد الحزب شيئا من مصداقيته. فبعد ان اقترح مرشّحا “مثاليا”، أجبر لاحقا على سحب إسمه بسبب ما أثير حوله من اتهامات بسبب مخالفات محتملة في إدارة إرث أوكل له لتسليمه إلى مؤسسة خيرية. وبالنسبة للعديد من البرلمانيين لا يمكن اغتفار هذا الخطإ من حزب كان هو الذي يرسم – إلى عهد قريب – إيقاع السياسة السويسرية.
إن الفشل الذي مُني به حزب الشعب يوم الاربعاء 14 ديسمبر 2011، بالإضافة إلى التراجع المسجل في قاعدته الإنتخابية كما بدا من نتائج الإنتخابات العامة في شهر أكتوبر الماضي، يبيّن أنه يشهد حاليا “تقلّصا لحضوره”، ويبقى أن نرى ما إذا كان قادرا على تدارك هذا الوضع في المستقبل.
مشكلة حسابية
يبقى أن المشكلة التي يطرحها حزب الشعب السويسري تظل قائمة بالكامل. إذ أن أكبر حزب في البلاد (26،6% من الأصوات) لا يتوفر إلا على ممثل واحد في الحكومة الفدرالية في حين أن الحزب الليبرالي الراديكالي (15،1%) ممثل بوزيرين والحزب البورجوازي الديمقراطي (5،4%) بوزيرة. وهو ما يعني أن عدم مراعاة التقليد السياسي السويسري الذي يقتضي وجود تماثل بين عدد المقاعد الحكومية والقوة الإنتخابية للأحزاب لا زال مستمرا.
وأمام وضع من هذا القبيل، سارع حزب الشعب إلى التنديد بـ “الفضيحة” وإلى التهديد بمغادرة الحكومة. ومن المنتظر أن يتخذ الحزب قراره بهذا الخصوص في موفى شهر يناير القادم.
في المقابل، يُراهن كثيرون على أن هذه التهديدات لن تتجسد في الواقع. فإلى حد الآن لم يُقدم أي حزب على اختيار مغادرة الحكومة طواعية. فالحزب الإشتراكي، الذي عانى من رفض البرلمان للعديد من مرشحيه الرسميين (لشغل حقائب وزارية) لوح أيضا بهذا التهديد لكن الرأي القائل بأن التحرك من داخل الحكومة أفضل من العمل خارجها كانت له الغلبة إلى حد الآن.
وفي هذا السياق، يبدو أن السيناريو الأكثر احتمالا يتمثل في أن حزب الشعب السويسري سيبقى في الحكومة وأنه سيستعيد مقعده الثاني فيها عندما يحين أوان المغادرة “الطبيعية” لإيفلين فيدمر – شلومبف.
انتخابات بلا مفاجآت
صحة الفكرة القائلة بأنه من الأفضل (أو الأكثر فائدة) التحرك من داخل الصف الحكومي عوضا عن خارجه تحققت بالنسبة للألين بيرسيه. فقد نجح عضو مجلس الشيوخ الإشتراكي المعروف جيدا في أروقة البرلمان من التفوق بيسر على غريمه بيار إيف مايار، عضو الحكومة المحلية لكانتون فُـو. وإذا ما استثنينا بعض الحالات النادرة، فمن المعلوم أن البرلمان الفدرالي (بغرفتيه) يفضل مرشحين قادمين من صفوفه على المرشحين الوافدين من خارجه.
بالإضافة إلى شهرته تحت قبة البرلمان، يُصنف آلان بيرسيه باعتباره “أقل يسراوية” من بيار إيف مايار. وما من شك في أن هذا العنصر قد أسهم أيضا في تعزيز حظوظ عضو مجلس الشيوخ القادم من فريبورغ في برلمان يطغى عليه الطابع اليميني.
خلاصة القول، لقد تمكن آلان برسيه، الذي اعتبر المراقبون أن حظوظه وافرة (لنيل المنصب) والمطلوب منذ فترة بعيدة لخلافة زميلته في الحزب الإشتراكي ميشلين كالمي – ري، من فرض نفسه على الجميع بشكل منطقي. وبالفعل، لم يكن الرابع عشر من ديسمبر يوم المفاجآت في برن بالمرة.
تمّ صبيحة الأربعاء 14 ديسمبر 2011 انتخاب التشكيلة الجديدة للحكومة الفدرالية من طرف أعضاء غرفتي البرلمان (246 نائبا)، وفي ما يلي نتائج التصويت من أعلاها إلى أدناها:
دوريس لويتهارد (النقل والإتصالات): 216
ديديي بوركالتر (الشؤون الداخلية): 194
سيمونيتا سوماروغا (العدل والشرطة): 179
يوهان شنايدر- أمّان (الإقتصاد): 159
أولي ماورر (الدفاع): 159
إيفلين فيدمر – شلومبف (المالية): 131
آلان بيرسيه (خلفا لوزيرة الخارجية): 126
1959 – 2003
الحقبة الطويلة لما يُعرف بـ “المعادلة السحرية”: مقعدان للحزب الإشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعدان للحزب الديمقراطي المسيحي ومقعد واحد لحزب الشعب السويسري.
2004 – 2007
حزب الشعب السويسري يتمكن بفضل زعيمه الكاريزمي كريستوف بلوخر من انتزاع مقعد من الحزب الديمقراطي المسيحي: مقعدان للحزب الإشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعدان لحزب الشعب السويسري ومقعد للحزب الديمقراطي المسيحي.
2008
إيفلين فيدمر شلومبف وسامويل شميدت يُغادران حزب الشعب ويلتحقان بصفوف الحزب البورجوازي الديمقراطي الوليد والنتيجة: مقعدان للحزب الإشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعد لحزب الشعب السويسري ومقعد للحزب الديمقراطي المسيحي ومقعد للحزب البورجوازي الديمقراطي.
2009
في يناير عاد حزب الشعب السويسري إلى الحكومة من خلال أولي ماورر الذي خلف سامويل شميدت في وزارة الدفاع، وظلت التركيبة على ما هي عليه: مقعدان للحزب الإشتراكي ومقعدان للحزب الليبرالي الراديكالي ومقعد لحزب الشعب السويسري ومقعد للحزب الديمقراطي المسيحي ومقعد للحزب البورجوازي الديمقراطي. وفي سبتمبر، عوّض الراديكالي ديديي بوركالتر زميله المستقيل باسكال كوشبان في التشكيلة الحكومية.
2010
يوم 22 سبتمبر، تم انتخاب سيمونيتا سوماروغا (من الحزب الإشتراكي) ويوهان شنايدر – أمّـان (من الحزب الليبرالي الراديكالي) لعضوية الحكومة خلفا للوزيرين المستقيلين موريتس لوينبرغر (اشتراكي) وهانس رودولف ميرتس (راديكالي).
2011
يوم 14 ديسمبر، قام البرلمان بتعويض الوزيرة الإشتراكية المستقيلة ميشلين كالمي – ري بزميلها آلان بيرسيه وأعاد انتخاب الوزراء الستة الآخرين للفترة النيابية الجديدة وهم: دوريس لويتهارد (الحزب الديمقراطي المسيحي) وأولي ماورر (حزب الشعب السويسري) وإيفلين فيدمر شلومبف (الحزب البورجوازي الديمقراطي)وسيمونيتا سوماروغا (الحزب الإشتراكي) وديديي بوركالتر ويوهان شنايدر أمّان (الحزب الليبرالي الراديكالي).
(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.