“التثقيف الحقوقي” في الأردن: مدخل للإصلاح أم تحايل عليه؟
"أخي المواطن أختي المواطنة؛ الثقافة الدستورية هي طريقنا إلى مجتمع مدني والدستور يُـبين الواجبات ويَـحمي الحقوق ويحفظ الكرامة، فاعرف حقوقك، تحمي نفسك وتسهم في بناء بلدك".
تلك الكلمات سوف تسمعها من تسجيل آلي فور اتصالك بوزارة التنمية السياسية الأردنية، وهي حلقة من نشاط واسع تقوم به الوزارة مع مؤسسات مجتمع مدني أخرى في مجال التثقيف بقضايا حقوق الإنسان، تشمل الندوات والمحاضرات والدورات المتخصصة.
ربما يُفاجَـأ من يشاهد الفضائية الأردنية بإعلان ترويجي تقوم به مؤسسة “ميزان”، المعنية بقضايا حقوق الإنسان، ويتضمّـن هذا الإعلان تعريف المواطنين بحقوقهم لحظة الاعتقال أو التوقيف بحقهم، لدرجة يُـخيّل للمشاهد أنّ هنالك تحولاً نوعياً في دولة من دُول العالم الثالث.
كما تجد على الصفحة الرئيسية لموقع “الأمن العام” الأردني قسماً خاصاً يُطلق عليه “مكتب المظالم وحقوق الإنسان”، يدعو المواطنين الذين تعرّضوا إلى إساءة استخدام السلطة من قِـبل الأجهزة الأمنية إلى التظلّـم لدى هذا المكتب، ومن أبرز مهامه، التحقيق في هذه المظالم والتثبّت منها.
في رصد تلك المؤسسات ودعاوى التثقيف بحقوق الإنسان الجديدة، يتبدّى سؤال مُلِـحٌّ: إلى أي مدى تبدو هذه التطورات جِدِّية وتعكس روحاً جديدة في المشهد السياسي الأردني؟
المفارقة الأولى، أنّ تقارير مؤسسة هيومن رايتس ووتش تُـحمِّـل انتقادات لاذعة للأجهزة الأمنية الأردنية ولشروط التوقيف ولمراكز الاعتقال والسجن في السنوات الأخيرة، بخاصة تقرير المؤسسة في سبتمبر 2006 “اعتقالات مريبة”؟ فهل يمكن أن يصدّق المواطن الأردني دعوات المؤسسات المدنية أم أنّه ينظر إليها على أنّها غير مؤثرة ولا فاعلة؟
وفي حال كانت تلك الحملات الإعلامية لا تعكس موقفاً إيجابياً للحكومة ومؤسساتها ولا تؤثر في سياساتها، فإلى أي مدى يمكن اعتبارها خطوة في الاتجاه الصحيح، تتوسل بالمدخل الثقافي في بناء ثقافة شعبية بقضية حقوق الإنسان وتكريسها في الوعي العام، وصولاً إلى تغيير عميق يتأسس على البنية الثقافية – الاجتماعية، ما يفك الحصار عن القِـيم والمفاهيم الديمقراطية ويطلق لها العِـنان في مواجهة استبداد السلطة وافتئاتها على حقوق الإنسان السياسية والمدنية؟
“قنابل دُخانية” لحجب الرؤية!
ثمة اختلاف داخل النُّـخب السياسية والإعلامية الأردنية في تحديد دور تلك المؤسسات والدعاوى التثقيفية، وفيما إذا كانت مؤشراً إيجابياً أم لا؟
فالمُـحلل والمعلّق السياسي في صحيفة العرب اليوم، فهد الخيطان، يرى أنّها لا تعدو أن تكون ديكوراً (محاولة تجميلية)، إذ برزت هذه المؤسسات في مرحلة تراجع ديمقراطي شديدة، تصيب المؤسسات السياسية الرئيسية في البلاد، كالبرلمان والأحزاب، وتصل إلى حرية الصحافة بدرجة كبيرة.
وتخوّف الخيطان يذكرنا بـ “القنابل الدخانية”، التي تخفي مسار التراجع الكبير، بأن تكون هذه الأشكال الجديدة بديلاً للمظاهر الديمقراطية الحقيقية. فـ “أي حديث عن حقوق الإنسان في ظل انتخابات بلدية ونيابية، شهد المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة رسمية تحظى بالمصداقية إلى درجة كبيرة، أنّها افتقدت إلى النزاهة والمصداقية وتخللتها اختلالات كبيرة”.
ويرى الخيطان أن المؤسسات والدعوات الجديدة في مجال التثقيف بحقوق الإنسان، يمكن أن تحظى بمصداقية وأن تؤدّي دوراً مُـهماً في المجال الثقافي، في حال كانت تسير بخطٍّ مُـتوازٍ مع الخط الديمقراطي لا يتقاطع معه بصورة سافرة، لكنها لا يُـمكن أن تحل محلّ المؤسسات الرئيسة!
تحديث المجتمع في مواجهة السلطة
الكاتب والمعلّق السياسي، جميل النمري، وإن كان يتّـفق مع الخيطان بأن هذه المؤسسات والدعوات التثقيفية لا تشكل المدخل الرئيس والمباشر إلى الإصلاح السياسي، “إلاّ أنّها تؤدّي دوراً كبيراً وضرورياً بصورة تدريجية في إشاعة روح دستورية وحقوقية في المجتمع”.
ويرى النمري، في تصريح خاص لسويس أنفو، أنّ “الإحجام الرسمي عن المُـضي قدماً في الإصلاح السياسي، يجب أن لا يحُـول دون قيام مؤسسات مدنية وحقوقية بدورها ومسؤوليتها في تطوير المجتمع وعصرنته”، بل يلاحظ النمري أنّ هذه المؤسسات والدعاوى تعكِـس بالفعل ملامح تغيّرات جديدة في المجتمع والثقافة، تدفع بالمجتمع باتِّـجاه أكثر تنظيماً ودراية بحقوقه القانونية والسياسية، في ظل تطوّر كبير في وسائل الاتصال.
فبينما “تمتاز العلاقة بين المجتمع والسلطة بأنّها غير منظّمة”، فإنّ الأشكال والدعاوى الجديدة يمكن أن تُشكّـل عامل دفع وضغط مستقبلاً على السلطة لتقديم مزيد من التنازلات للمجتمع.
فجوة التعريف والتمكين
“لا ينبِّـئك مثل خبير”، وهو في موضوعنا طالب السقّاف، أحد أبرز المشتغلين بسؤال حقوق الإنسان في الأردن، ويشغل حالياً “مقرر لجنة خبراء حقوق الإنسان في الجامعة العربية”.
يعلّّق السقاف في حديث خاص لسويس أنفو، على المناظرة السابقة بالقول: إنّ المشتغلين بقضايا حقوق الإنسان يميِّـزون بين ثلاثة مجالات رئيسة، الأول، هو تعريف المواطنين بموضوع حقوق الإنسان، ويقع عاتق هذه المسؤولية على مؤسسات المجتمع المدني ومراكز حقوق الإنسان، أمّا الجانب الثاني، فهو تمكين المواطن من التمتّـع بحقوقه، ويقع ذلك على السلطة، وأخيراً مسؤولية الرقابة وحماية حقوق الإنسان وتتوزّع فيها المسؤولية بين الحكومة والمجتمع المدني.
ويضيف السقاف: أنه لابد من التوازن والتوازي بين المجالات الثلاثة السابقة، أمّا غياب ذلك التوازن، فسيؤدي إلى فجوة واضحة، كما تتبدّى اليوم، إذ تنصب جهود مؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني على الجانب الأول في التعريف بحقوق الإنسان، دون الاهتمام بالجانبين الآخرين، ما يجعل مثل مؤسسات حقوق الإنسان والدعاوى التثقيفية، ذات آثار جانبية لا أساسية في التأثير على المشهد السياسي بصورة عامة.
ويرى السقّاف أنّ المطلوب حالياً لتطوير هذه المؤسسات ودعوات التثقيف والتعريف بحقوق الإنسان، أن لا يقف دور هذه المؤسسات على التعريف بحقوق الإنسان، وإنما يكون اهتمام جدّي ببناء مؤهلات ومهارات المواطنين في التعامل مع حالات انتهاك حقوق الإنسان وكيفية مواجهتها، ما يشكِّـل ضمن الواقع المتاح، خطوة جديدة إلى الأمام.
أمّا ما يتعلّق بموضوع مدى مِصداقية وفعالية مكاتب وهياكل، مثل “مكتب المظالم وحماية حقوق الإنسان” في الأمن العام، فيرى السقاف أنّ هذه الهياكل من حيث مبدإ “الرقابة الإدارية”، مفيدة ومطلوبة، “لكن هذه الهياكل ليست هيئة إنصاف مستقلة ولا محايدة”.
وفيما يتعلّق بمدى تجذّر وتوطين الوعي بسؤال حقوق الإنسان لدى المواطن العربي، يرى السقاف أنّ وعي المواطن بهذه القضية يتجاوز وعي النخبة! وهنالك مؤشرات عديدة على نُـمو هذا الوعي، في حين تكتفي مؤسسات حقوق الإنسان والهياكل المعنية بالموضوع، بأداء أدوارها المترتِّـبة عليها، دون النظر فيما هو مطلوب فعلاً وواقع للارتقاء بسؤال حقوق الإنسان وتعميمه اجتماعياً وبناء القدرات والديناميكية الاجتماعية، لتمكين المواطنين من التمتّـع بحقوقهم.
التقارير الدولية لها دور
يرفض السقاف فِـكرة عدم تأثير تقارير المنظمات الدولية في مجال حقوق الإنسان، والتي أصدرت العديد من التقارير تنتقِـد حالة حقوق الإنسان في الأردن، كما هو حال تقارير مؤسسة هيومن رايتس ووتش، ويرى السقاف من خلال خِـبرته العملية، أنّ هذه التقارير تحظى باهتمام كبير من المسؤولين وتعقد اجتماعات لدراستها والتعامل معها والخروج بتوصيات في ذلك.
ويؤكِّـد ما ذكره السقاف أن تقرير مؤسسة هيومن رايتس ووتش حول سجون دائرة المخابرات الأردنية العام المنصرم، أدّى إلى فتح هذه السجون أمام وفد من المنظمة وتحقيق بعض التقدم في مراكز التأهيل والتوقيف.
لا تزال الطريق طويلة!
مع الاعتراف بأفضلية التجربة الأردنية في مجال حقوق الإنسان، مقارنة بالعديد من الدول العربية، إلاّ أنّ الطريق لا تزال طويلة ولا تزال تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية، تشير إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وبخاصة من قبل الأجهزة الأمنية.
أحد المواطنين، رفض الكشف عن اسمه، اتُّـهم – قبل أشهر قليلة – بتعاطي المخدرات واعتُقل وتمّ إيقافه، يؤكِّـد أن كافة اعترافاته أُخِـذت تحت التعذيب الشديد، في حين لم تكُـن هنالك أية صورة من صُـور العدالة، مقارنة بمن اعتُقلوا معه من أصدقائه المتّـهمين في القضية نفسها، إذ تمكـّنوا من الخروج قبله بسبب صِـلات أقاربهم ولم يمضوا في التوقيف سوى ساعات، بينما أمضى هو قُـرابة أسبوع كامل، مع تعامل مُـهين.
حالة أخرى ذكرها تقرير هيومن رايتس ووتش “اعتقالات مُـريبة” (2006) عن عصام البرقاوي، الملقب بأبي محمد المقدسي، وهو من منظِّـري التيار الراديكالي الإسلامي، إذ لا يزال معتقلاً في سجون الأجهزة الأمنية، على الرغم من صدور قرار المحكمة بالإفراج عنه منذ سنوات، وإلى الآن لم تُوجّـه له أية تُـهمة جديدة!
محمد أبو رمان – عمّـان
عمان (رويترز) – “اعرف حقوقك”.. عنوان حملة أطلقتها منظمة أردنية معنية بحقوق الإنسان هذا الشهر، لتوعية المواطن بحقوقه في حال توقيفه أو تفتيش بيته.
والحملة التي بدأت مطلع يناير الماضي، هي الأولى من نوعها في المملكة، إذ تدعو المواطنين لطرح أسئلة على الجِـهة التي تقوم بعملية التوقيف والتفتيش في إطار الدستور والتشريعات الأردنية ومواثيق حقوق الإنسان، التي صادق عليها الأردن.
ويقول القائمون على الحملة، إن الدافع وراءها كان الجهل الواسع بين الأردنيين حول حقوقهم، حتى أن البعض لا يعرف أن بإمكانه الاطِّـلاع على الدستور.
وقالت ايفا ابو حلاوة، المديرة التنفيذية لمجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان (ميزان)، “لاحظنا أن معظم الناس ليس لديهم معلومات أنه يوجد في الدستور الأردني فصل خاص لحقوق المواطنين وواجباتهم”، وأضافت “أحيانا، تردُ إلينا شكاوى غير دقيقة. ولجهل الناس، لا يسألون عن الجهة التي تقوم بعملية القبض، وعندما نتابع الحالة نضطر إلى سؤال أكثر من مركز عن وجود الموقوف”.
وأسست مجموعة من المحامين والمحاميات (ميزان) في عام 1998، وهي تسعى لنشر الوعي بحقوق الإنسان وتوفير الاستشارة والمساعدة القانونية لمن يحتاج لها، خصوصا الأطفال والنساء وذوي الاحتياجات الخاصة ومَـن تعرض لانتهاكات حقوق الإنسان.
وأطلقت الحملة بالتعاون مع مديرية الأمن العام والمركز الوطني لحقوق الإنسان، للوصول إلى اكبر عدد من المواطنين وللتعبير عن “إرادة الحكومة في التوعية في مجال حقوق الإنسان والالتزام بما ورد بها”، كما قالت ايفا أبو حلاوة.
وتبث الحملة ولشهر واحد نشرات بالتلفزيون الأردني والإذاعة وتوزع لائحة إرشادية تتضمّـن حقوق المواطن الأردني.
وتقول النشرة “من حقِّـك التثبُّـت من هوية الموظف المكلف بالقبض عليك… من حقك أن تعامَـل معاملة لا تمس بالكرامة الإنسانية… وللمساكن حُـرمة، فلا يجوز دخولها إلا في الأحوال التي نص عليها القانون”.
وقالت إيفا أبو حلاوة، إن الحملة لا تستهدف المواطنين العاديين فقط، ولكنها تستهدف أيضا موظفي مديرية الأمن العام، الذين ينفِّـذون عمليات التفتيش والقبض والتوقيف، وأضافت أن المشكلة تكمُـن في عدم وجود لائحة حقوق لتِـلاوتها على أي شخص يُـقبض عليه أو يتم احتجازه أو تفتيش منزله، لمعرفة حقوقه.
وتدعو الحملة أيضا لمواجهة “المعاملة غير الإنسانية”، التي تقول منظمات حقوقية، إن بعض السُّـجناء يتعرّضون لها في مراكز الاحتجاز.
ووجدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومان رايتس ووتش) في تقرير أصدرته في أغسطس الماضي حدوث انتهاكات بشكل رويتني في السجون الأردنية، ودعت المنظمة السلطات الأردنية التي فتحت أبواب سجون، من ضمنها مركز احتجاز دائرة المخابرات العامة لتحقيق مستقل، إلى التصدي للضرب والإهانات، التي قد يُـواجهها السجناء ومعاقبة المسؤولين عنها.
وينفي المسؤولون الأردنيون حدوث انتهاك روتيني لحقوق السجناء.
ويقول مسؤولون، إن أحد أسباب معلومات المواطنين القليلة عن القانون الأردني، هو خلو المناهج المدرسية من المعلومات القانونية الرئيسية.
ويقول عمر خليل، وهو في السادسة والعشرين من عمره، إنه استغرب في البداية لدى مشاهدته الدعاية التي يبثها التلفزيون الأردني، حتى أنه اخبر أصدقاءه بها.
وقال خليل لرويترز “لم أعرف أن بإمكاننا السؤال عن الجهة التي تقوم بعملية القبض. أحببت الحملة، التي اعتبر أننا بحاجة لها، وأتمنى أن لا تتوقف بهذه السرعة”.
ولكن يبقى لدى بعض الأردنيين الشك في قدرة المواطن على سؤال رجل الأمن عن تصريح التفتيش أو حتى عن هويته إذا ما دخل لتفتيش منزله.
وقالت هِـبة “أود أن اعرف المزيد عن الحملة التي شدت انتباهي، ولكن هل سيتم تطبيق مُـحتواها بالفعل.. وهل سأتمكن من سؤال رجل الأمن لسند التوقيف..”؟
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 29 يناير 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.