التطبيع الليبي – الإسرائيلي وقود التقارب مع واشنطن
تزامُـنا مع التقدم المسجّـل على مسار تحسين العلاقات الأمريكية – الليبية، تبصر الاتصالات الإسرائيلية - الليبية انعطافا غير مسبوق من خلال زيارة مرتقبة لوفد إسرائيلي ينحدر من أصول ليبية إلى طرابلس.
وسيكون ذلك أول وفد إسرائيلي يزور ليبيا رسميا منذ قيام الدولة العبرية عام 1948.
تزامُـنا مع التقدم المسجّـل على مسار تحسين العلاقات الأمريكية – الليبية، تبصر الاتصالات الإسرائيلية- الليبية انعطافا غير مسبوق من خلال الزيارة التي يتوقع أن يقوم بها قبل موفى شهر مارس وفد مؤلف من 15 – 20 إسرائيليا ينحدرون من أصول ليبية إلى طرابلس، ليكون بذلك أول وفد إسرائيلي يزور ليبيا رسميا منذ قيام الدولة العبرية عام 1948.
ومن المنتظريقود الوفد رامي كحلون، رئيس المنظمة العالمية لليهود الليبيين الذي كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” في عددها الصادر يوم 3 مارس 2005 أنه حاول الحصول على دعوة من السلطات الليبية خلال العام الماضي لزيارة ليبيا بدعوى الإطلاع على بيت أهله ومناقشة مسألة تعويض اليهود الذين غادروا ليبيا على “ممتلكاتهم التي تركوها هناك”، لكن السلطات فضلت إرجاء الزيارة، ربما خوفا من ردود الفعل في الداخل والخارج.
وأفاد مصدر مُـطّـلع أن مسؤولين أمريكيين فاتحوا نُـظراءهم الليبيين في الموضوع خلال الفترة الماضية وحثّـوهم على التجاوب مع المساعي الإسرائيلية.
زيارة ومطالب
وبناء على تلك “النصائح”، توجّـه مسؤول ليبي، لم يتسن التعرف على هويته، إلى إسرائيل سِـرّا لإجراء مفاوضات حول التعويضات قبل مجيء الوفد الإسرائيلي إلى ليبيا. وكانت “جيروزاليم بوست” قد أكّـدت في العدد المذكور أن مسؤولا ليبيا زار إسرائيل “للإعداد لأمر دبلوماسي ما”.
وطبقا للرواية الإسرائيلية، فإن ثلاثين ألف يهودي غادروا ليبيا منذ استقلال البلد عام 1952، وتركوا وراءهم “عقارات وممتلكات”. وتُـعتبر التقديرات المقدمة من الدولة العبرية، مؤشرا على ضخامة المطالب المالية التي سيحملها كحلون.
لكن الظاهر أن الجانب الليبي لم يطرح بالمقابل دفع إسرائيل تعويضات لأسَـر ضحايا الطائرة المدنية التابعة للخطوط الليبية، التي أسقطها سلاح الجو الإسرائيلي فوق صحراء سيناء عام 1973.
كما تشير الأرقام التي يرددها الإسرائيليون إلى أن مسلسل المفاوضات سيأخذ وقتا طويلا، مما سيجعل تردد الوفود الإسرائيلية على ليبيا أمرا مألوفا.
وفي معلومات مصادر ليبية أن هذا الملف كان مطروحا منذ انطلاق مفاوضات التطبيع الليبية – الأمريكية في لندن، التي قادها من الجانب الليبي موسى كوسة ومحمد بلقاسم الزوي وعبد العاطي العبيدي، غير أن الليبيين وعدوا الجانب الأمريكي “خيرا” مع طلب إرجاء البحث في الموضوع إلى ما بعد استكمال التطبيع السياسي والدبلوماسي مع واشنطن.
وأكّـدت المصادر أن المسألة أُثيرت في لقاء ثلاثي جـمع في جزيرة جربة التونسية القريبة من ليبيا في أواسط التسعينات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك محمود عباس (أبو مازن) مع وفدين أمريكي وليبي كانا يدرسان احتمالات رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على ليبيا.
لكن أبو مازن كذّب تلك المعلومات في حينه، مؤكّـدا أنه لا يُـعقل أن يتوسّـط بين إسرائيل وليبيا، بينما هو كفلسطيني مُـحتاج لمن يتوسّـط بينه وبين إسرائيل.
ملفان متوازيان
ومع أن مسار التطبيع الدبلوماسي بين ليبيا والولايات المتحدة تقدم أشواطا كبيرة منذ تلك الفترة، لم تطف قضية التقارب مع الدولة العبرية على السطح مُـجددا سوى في المدة الأخيرة.
وطبقا لمصادر جديرة بالثقة، فإن التصريحات التي أدلى بها سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي في أكتوبر الماضي أمام مؤتمر طرابلس لرجال الأعمال، والتي أعلن فيها أن ليبيا “قرّرت الابتعاد عن الشرق الأوسط”، لاقت استحسانا لدى كل من الولايات المتحدة والدولة العبرية، “لأنها دلّـت على الاستعداد لمغادرة منطق الحرب مع إسرائيل السائد لدى العرب”، طبقا للتفسيرين الأمريكي والإسرائيلي.
ومما عزّز هذا الانطباع، أن والد سيف الإسلام كان طلب قبل ذلك من مؤتمر الشعب العام (البرلمان الليبي) التصويت لصالح الانسحاب من الجامعة العربية في استفتاء قال، إنه سيجري في هذا الشأن من دون تحديد إطار زمني معين له.
وربطت المصادر بين الزيارة الوشيكة للوفد الإسرائيلي إلى ليبيا والتقدم الذي تحقق على طريق تنقية العلاقات الأمريكية – الليبية من خلال الاقتراب من الحل في ملفين أساسيين، هما رفع اسم ليبيا من قائمة الدول التي تعتبرها واشنطن راعية للإرهاب، والاستعداد لفتح سفارة أمريكية قريبا في طرابلس.
وكان وليم بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية للشؤون السياسية لمّح في كلمة ألقاها يوم الجمعة الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، إلى أنه “بينما تنضُـج علاقاتنا (مع ليبيا)، من المحتمل أن نُـعيد فتح السفارة الأمريكية في طرابلس في وقت لاحق من هذا العام”.
وعلى رغم اعتراف بيرنز بكون ليبيا قطعت خُـطوات كبيرة في اتجاه “التخلص من الإرهاب والمساعدة في القضاء عليه”، على حد تعبيره، فإن ما استوقف المراقبين هو أن بيرنز اعتبر ذلك غيرُ كاف لرفع اسم ليبيا من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وربطه بأجندة غير مُـعلنة ومبهمة، إذ أكّـد أن الأمر “يتطلّـب عملا شاقّـا لحل القضايا العالقة” من دون تحديدها.
ومن المعلوم أن الملفات السياسية والاقتصادية الثنائية، بما فيها فسح المجال أمام الاستثمارات الأمريكية للعودة إلى ليبيا تسير على سكّـة التسوية السريعة بلا عقبات تُـذكر، مما حمّـل المراقبين على ربط “الأعمال الشاقة” التي تحدث عنها بيرنز بتردّد الليبيين في مسايرة الرغبات الأمريكية بإعطاء “إشارات إيجابية” في ملفي التطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى الشراكة مع الحلف الأطلسي، التي انخرطت فيها البلدان المجاورة لليبيا منذ سنوات، والأرجح، أن تدرج العلاقات الدبلوماسية الأمريكية – الليبية نحو التطبيع الكامل، سيكون مُـتزامنا مع تحقيق “تقدم نوعي” على هذين المسارين.
رشيد خشانة – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.