الحكومة توصي البرلمان برفض المبادرة الداعية لحظر المآذن
سرّعت الحكومة السويسرية من وتيرة تحرّكها لقطع الطريق أمام المبادرة، التي أطلقها سياسيون يمينيون متشددون، والداعية لحظر بناء المآذن في الكنفدرالية، ووجّـهت توصية تدعو البرلمان إلى رفضها وعدم اقتراح بديل عنها.
وتقول الحكومة، إنها توصّـلت إلى قناعة مفادُها أن المبادرة تنتهك حقوق الإنسان وتهدِّد السِّـلم الديني، ولا تساهم بتاتا في التصدّي للأصولية الإسلامية.
مرة أخرى، تؤكّـد برن في نصٍّ رسمي نُـشر يوم الأربعاء 27 أغسطس، رفضها واستهجانها لفكرة حظر بناء المآذن في سويسرا. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة الشعبية، التي تمكّـن أصحابها من جمع 113540 توقيع مؤيِّـد لها، لا تنتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي، وهو ما يعني أنها صحيحة (من الناحية القانونية)، مثلما جاء في الرسالة الموجّـهة من طرف الحكومة إلى غرفتي البرلمان الفدرالي.
حقوق غير محترمة
في المقابل، يتعارض نصُّ المبادرة مع العديد من بنود المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان والعهد الدولي المتعلِّـق بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأمم المتحدة، وعلى رأسها الحرية الدينية.
ومع أن القانون الدولي يُـتيح إمكانية تقليص الحريات الدينية في بعض الحالات، إلا أن ذلك يتمّ بشروط “غير متوفِّـرة في هذه الحالة”، حسب ما جاء في نصّ الرسالة.
الحكومة الفدرالية نوّهت أيضا إلى أن حظرا عاما لبناء المآذن، لا يُـمكن أن يُـبرّر بالحفاظ على الأمن والنظام العام، كما أنه يطرح مشكلة فيما يتعلّـق بمبدأي التناسب (أي أن حجم المقترح لا يتلاءم مع المخاطر أو التهديدات المزعومة) وعدم التمييز، نظرا لأن المبادرة تستهدف رمزا دينيا للإسلام وغير معنية بالمباني المشابهة لديانات أخرى.
إضافة إلى ذلك، تذكِّـر الحكومة بما جاء في الدستور الفدرالي، وخاصة بنوده الضامنة للمساواة أمام القانون وحرية العقيدة والضمير وحماية المِـلكية واحترام القانون الدولي، دون نسيان أن الحظر المطلوب يتعدّى، “بدون مُـبرّر معقول”، على الصلاحيات التي تتمتع بها الكانتونات (وعددها 26 في سويسرا)، باعتبار أن السلطات المحلية هي الأقدر على تقييم مشاريع البناء المقترحة والحُـكم عليها.
تأثيرات سلبية
لا تتوقّـف قائمة المبررات التي أوردتها الحكومة الفدرالية في رسالتها الموجهة للبرلمان عند الاعتبارات القانونية، بل تعبِّـر بدون مواربة عن اقتناعها بأن المبادرة تُـخطئ هدفها، لأن حظر المآذن لن يؤدّي إلى الوقوف بوجه انتشار الإسلام أو إلى التوقّـي من الإرهاب، مثلما يقول أصحابها.
من جهة أخرى، شددت الحكومة على أن التشريعات الحالية الخاصة بالأجانب والأمن الداخلي، تشتمل بعدُ على إجراءات ناجعة للوقوف بوجه الأوساط الأصولية وحماية أسس دولة القانون. وفي الندوة الصحفية التي عقدتها السيدة إيفلين فيدمر شلومبف في برن لشرح وجهة النظر الحكومية أكدت بأن “مشكلة الأصولية ليست مرتبطة ببناية بل بأشخاص” وذكرت بأن لدى الكنفدرالية والكانتونات وسائل ناجعة لتأمين الأمن الداخلي حيث يمكن منع شخص مشتبه فيه من دخول سويسرا أو سحب ترخيص إقامة وهي إجراءات سبق أن طبقت على بعض الدعاة.
ومثلما هو الحال بالنسبة لجميع السكان في سويسرا، فإنه لا يُـمكن للمسلمين أن يضعوا أنفسهم فوق القانون، لكن لا يوجد في مقابل ذلك أي سبب لإخضاع ممارسة ديانتهم لقواعد أكثر صرامة. وفي هذا السياق أشارت وزيرة العدل والشرطة إلى أنه لا وجود لإجراءات ضد المآذن في البلدان المجاورة (أي فرنسا وإيطاليا وألمانيا والنمسا).
على العكس من ذلك، يُـمكن أن يؤدّي حظرٌ لبناء المآذن إلى تهديد السِّـلم الدينية في البلاد (وهو مصطلح أثير لدى السويسريين، الذين عانوا طويلا من الحروب والنزاعات الدموية بين الكاثوليك والبروتستانت، التي استمرّت إلى الثلث الأول من القرن التاسع عشر) وإلى الإساءة إلى عملية إدماج السكان المسلمين في سويسرا.
يُـضاف إلى ذلك، أن موافقة أغلبية من الناخبين على المبادرة في صورة عرضها على التصويت الشعبي، سيثير عدم الفهم في الخارج ويسيء إلى صورة سويسرا. وحذّرت الحكومة من أن ذلك – لو حصل – فإنه قد يُـهدد الأمن ويُـضِـرّ بالاقتصاد.
وتيرة متسارعة
لقد تمكّـنت الحكومة الفدرالية، مثلما وعدت بذلك الأسبوع الماضي فور عودتها من العطلة الصيفية، من إعداد بيانها الموجّـه للبرلمان، قبل افتتاح الدورة الخريفية، التي تنطلق يوم 15 سبتمبر القادم. وكانت قد أطلقت تحرّكها المضاد فور إيداع المبادرة رسميا لدى المستشارية الفدرالية من طرف سياسيين يمينيين، ينتمي أغلبهم إلى حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) والاتحاد الديمقراطي الفدرالي، وهو حزب صغير من أقصى اليمين.
وفي خطوة استثنائية جدا، أعلنت الحكومة الفدرالية في نفس اليوم، اعتزامها دعوة الشعب وغرفتي البرلمان الفدرالي، إلى رفض النصّ المقترح، وبررت الأوساط المطّـلعة في برن هذه العجَـلة، بالرغبة في طمأنة البلدان الإسلامية، التي حرص المسؤولون والدبلوماسيون السويسريون على إعلامها في مناسبات متعددة بأن الأمر “لا يتعلّـق بمبادرة صادرة عن الحكومة السويسرية أو عن البرلمان الفدرالي”.
وكانت اللجنة، التي تقف وراء هذه المبادرة، قد برّرت تحرّكها بأن المآذن لا تمثل مباني ذات طابع ديني، معتبرة إياها “الرمز الظاهر لمطالبة سياسية دينية بالسلطة، تضع الحقوق الأساسية موضِـع تساؤل”. وجاء في نصّ المبادرة أن “مَـن يضع الدين فوق الدولة – مثلما هو الحال في الإسلام – يجد نفسه في تعارض تامّ مع الدستور الفدرالي”.
ومهما يكن من أمر، فإن الكلمة الأخيرة تعود الآن إلى نواب الشعب، الذين لم يُـعلنوا عن موقفهم بعد. وفي صورة رفضهم لتوصية الحكومة وموافقتهم على السماح بعرض المبادرة على التصويت الشعبي، فإن موعد الاقتراع على المبادرة قد يُـحدَّد في موفى عام 2009، حسب أقرب الاحتمالات.
سويس انفو مع الوكالات
يقيم في سويسرا وفقا للمكتب الفدرالي للإحصاء 340000 مسلم ينحدرون من أكثر من 100 دولة.
يشكل المسلمون وفقا لإحصائيات عام 2000 نسبة 4٫3% من تعداد السكان، بعدما كانو 2.2% في عام 1990.
ينحدر أغلب مسلمي سويسرا من تركيا ودول منطقة البلقان
تتوزع الخريطة الدينية في سويسرا على النحو التالي:
42 % كاثوليك
35 % بروتستانت
11 % ملحدون
4.26 % مسلمون
4.33 % لا يهتمون بالأديان
2 % أرثوذكس
1.41 % ملل ونحل مختلفة
0.24 % يهود
أطلقت المبادرة الشعبية “ضد بناء المآذن” في 1 مايو 2007 من قبل مجموعة من ممثلي التيار اليميني الوطني المحافظ.
تمكنت المذكرة من تجميع 114895 توقيعا من مواطنين سويسريين، (اتضح فيما بعد أن 113540 منها سليمة) وأُودعت في 8 يوليو 2008 لدى المستشارية الفدرالية في برن.
يزعم أصحاب المبادرة أنهم يريدون بذلك وقف “الأسلمة المتفشية في بلدنا”، وليس تقييد ممارسة الشعائر الإسلامية، ويُقرون بأنه لا علاقة للمئذنة بمحتوى الإيمان، ويرون فيها “رمزا لإمبريالية سياسية دينية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.