الخدمة المدنية مـُهـدّدة في ذكراها العاشرة
في الذكرى العاشرة لاعتماد الخدمة المدنية في سويسرا، تزداد المخاوف في أوساط أنصارها من زوال هذه المؤسسة نظرا لتراجع عدد المجندين.
وللتصدي لهذا الاحتمال، اقترحت لجنةٌ فتح الخدمة المدنية للنساء والأجانب. وكانت سويسرا إحدى آخر بلدان أوروبا الغربية التي أدخلت هذه الخدمة كتعويض للاستنكاف الضميري عن أداء الخدمة العسكرية.
أوضحت “اللجنة السويسرية من أجل الخدمة المدنية” يوم الثلاثاء 12 سبتمبر الجاري في برن أنه تم إعفاء قرابة 40% من الشبان السويسريين من الخدمة العسكرية لأسباب طبية منذ إدخال نظام التجنيد الجديد “جيش 21” في عام 2004، مُقابل 15 إلى 20% قبل ذلك التاريخ.
ويثير ارتفاع تلك النسبة قلقا شديدا داخل اللجنة -المنبثقة عن منظمات مسالمة مثل مجموعة “من أجل سويسرا بدون جيش”، ومركز التحرك غير العنيف أو الجمعية السويسرية لـمجندي الخدمة المدنية- نظرا للانعكاس المباشر لذلك التراجع على مؤسسة الخدمة المدنية (التابعة لوزارة الاقتصاد).
ويجدر التذكير هنا بأن أداء الخدمة المدنية في سويسرا يشترط أن يكون المـُجند قد اعتُبر أولا قادرا على أداء الخدمة العسكرية. وقد أعربت اللجنة عن استيائها من “السهولة الحالية” التي يمكن أن يـُعتبر بها الشباب غير قادر على الالتحاق بالجيش، وعن خشيتها من أن يصرفهم ذلك سريعا عن القيام بدور ينفع الصالح العام. واستشهدت اللجنة بتراجع عدد طلبات أداء الخدمة المدنية بـ20% ما بين 2002 و2005.
في خدمة التماسك الاجتماعي
وتظل اللجنة السويسرية من أجل الخدمة المدنية على قناعة بأن المجندين لهذه الخدمة ذووا منفعة للمجتمع، سواء تعلق الأمر بالقطاع الاجتماعي أو بالبيئة، أو الصحة، أو الحفاظ على الممتلكات الثقافية، أو على المزارعين في الجبال، أو المساعدة في حالات الكوارث. وتعتبر اللجنة عمل أولئك المجندين عنصرا يعزز التماسك الاجتماعي.
كما تؤكد اللجنة أن الخدمة المدنية تسمح للشباب باكتساب تجارب اجتماعية ومهنية مهمة يمكنهم تطويرها فيما بعد في سوق العمل. وتكون المؤسسات التي توظف المُجندين المدنيين مستفيدة أيضا، إذ استنتجت اللجنة أن عملهم يمثل، منذ عام 1996، ما يعادل 1000 موقع عمل بدوام كامل (بنسبة 100%، أي 40 ساعة في الأسبوع)، دون أن يهدد ذلك مواطن عمل موجودة.
وبهذه المناسبة، أطلق المدافعون عن الخدمة المدنية موقعا على الإنترنت يحمل عنوان “الالتزام من أجل الغد”، وهو بمثابة حملة معلومات وتوعية لإظهار تأثير الخدمة المدنية على المجتمع، ودورها أيضا كأداة لتشجيع السلام والحلول غير العنيفة للنزاعات.
فتح الأبواب للنساء والأجانب؟
لكن الأرقام تؤكد التراجع المتزايد للمجندين، الذي يـُهدد مُستقبل الخدمة المدنية في سويسرا. وتأمل أوساط المسالمين التوصل بـ”إشارة قوية” من الكنفدرالية لإنقاذ الخدمة المدنية من الزوال.
ومن المقترحات التي عرضتها اللجنة السويسرية من أجل الخدمة المدنية، فتح هذه المؤسسة لكافة الأشخاص الراغبين في الالتزام من أجل الصالح العام للمجتمع، بمن فيهم النساء والأجانب. وهو حل سيسمح، في اعتقاد اللجنة، بالحفاظ على الخدمة المدنية إذا ما تم إلغاء وجوبية أداء الخدمة العسكرية.
أما المقترح الثاني فيتمثل في تسهيل ولوج الخدمة المدنية عن طريق إلغاء امتحان الاستنكاف الضميري عن الخدمة العسكرية، إذ ترى اللجنة أن الشخص الذي يوافق على أداء الخدمة المدنية (التي تتجاوز مدتها في سويسرا بمرة ونصف مدة الخدمة العسكرية) يثبت بهذا الـفِعل أن ضميره هو الذي يمنعه من أداء الخدمة العسكرية.
وتنوه اللجنة إلى أن ذلك الامتحان غال جدا، إذ كلف الكنفدرالية في عام 2003 أكثر من 6,6 مليون فرنك، وفي نهاية المطاف، تم قبول 95% من الملفات.
وتدرس غرفتا البرلمان الفدرالي حاليا مذكرة قدمها النائب هاينر شتودر (من الحزب الإنجيلي في كانتون أرغاو)، تطالب بإلغاء امتحان الاستنكاف الضميري والاكتفاء بـدليل الالتزام الفعلي الذي يثبته المرشح بقبوله أداء الخدمة المدنية بدل الخدمة العسكرية. وتعارض الحكومة الفدرالية مقترح النائب شتودر إذ تعتقد أن أداء الخدمة المدنية لا يندرج تحت خانة الاختيار الحر، بل هو تعويض عن رفض الخدمة العسكرية.
زهاء قرن من النضال
وقد كانت سويسرا إحدى آخر بلدان أوروبا الغربية التي أدخلت الخدمة المدنية لفائدة المعترضين على أداء الخدمة العسكرية بدافع الضمير، وكانت أحزاب اليسار والمسالمون يطالبون بهذا الحق منذ عام 1903. وإلى غاية بداية عقد التسعينات، كان رفض الالتحاق بالجيش السويسري يؤدي مباشرة إلى السجن.
واعتبارا من عام 1950، تمكن معارضو الخدمة العسكرية لأسباب دينية من قضاء عقوبتهم في مؤسسات سجنية نصف مفتوحة. وفي عام 1967، تم تحديد العقوبة القصوى بستة أشهر بالنسبة للمعترضين الذين يقدمون أسبابا ضميرية أو دينية تـُعتبر جادة.
وفي عامي 1977 و1984، رفض الناخبون السويسريون بأكثر من 60% مبادرتين شعـبيتين طالبتا بإنشاء الخدمة المدنية. ولم يتطور الوضع إلا بعد انهيار الكتلة السوفياتية في بداية التسعينات.
وفي عام 1991، صادق 56% من السويسريين على تعديل القانون الجنائي العسكري القاضي بإدخال عمل يخدم الصالح العام لفائدة المعترضين على أداء الخدمة العسكرية الذين يستندون إلى قيم أخلاقية أساسية.
وفي نفس السنة، قرر البرلمان تسجيل إنشاء خدمة مدنية في الدستور الفدرالي. ووافق الناخبون في العام الموالي بنسبة فاقت 82% على قرار البرلمان، لتشهد سويسرا يوم 1 أكتوبر دخول قانون ومرسوم تطبيق الخدمة المدنية حيز التنفيذ.
سويس انفو مع الوكالات
تعد إمكانية أداء الخدمة المدنية (بدل الذهاب إلى السجن) – بالنسبة لرافضي الخدمة العسكرية بدافع الضمير – مطلبا قديما للأوساط المسالمة.
كانت سويسرا من بين آخر دول أوروبا الغربية التي اعتمدت الخدمة المدنية لتعويض الاستنكاف الضميري عن أداء الخدمة العسكرية، رغم أن المطالبة باعتماد الخدمة المدنية تعود إلى بداية القرن العشرين.
إلى بداية التسعينات، كان يعاقب رفض أداء الخدمة العسكرية بالسجن، مع أن اليسار والمسالمين السويسريين طلبوا منذ عام 1903 إنشاء خدمة مدنية لوضع حد لهذه الممارسة.
وباءت مرارا التدخلات البرلمانية في هذا الاتجاه بالفشل، إلى أن صادق الناخبون السويسريون في عام 1992 بأكثر من 82% على تسجيل الخدمة المدنية في الدستور الفدرالي.
في 1 أكتوبر 1996، دخل قانون الخدمة المدنية حيز التطبيق في سويسرا. ولا تعد الخدمة المدنية اختيارا حرا، بل تـُعتبر شكلا آخرا لأداء الواجبات العسكرية.
يتعين على الراغب في أداء الخدمة المدنية في سويسرا أن يكون قد اعتـُبر أولا قادرا على أداء الخدمة العسكرية، ثم يتقدم بطلب مُـرفق بملف خاص. بعد ذلك يمثل أمام لجنة تستمع لأقواله وتحدد مصداقية الأسباب التي يثيرها لعدم أداء الخدمة العسكرية.
تتجاوز مدة أداء الخدمة المدنية في سويسرا بمرة ونصف مدة الخدمة العسكرية، إذ تتواصل 390 يوما، يمكن أداؤها بدون انقطاع أو على فترات متفرقة شرط أن تتواصل إحداها على الأقل لمدة 180 يوما متتالية.
يعمل المجند في الخدمة المدنية في مؤسسات عمومية أو معترف بها كمؤسسات تخدم الصالح العام، في مجالات الصحة، والخدمات الإجتماعية، والبيئة، والمساعدات الإنسانية، أو التنمية (حتى خارج البلاد).
خلال أدائه للخدمة المدنية، يتقاضى الشخص 80% من أجره، مثل العسكريين، كما يتسلم راتبا بقيمة 5 فرنكات في اليوم.
في ظرف عشر سنوات، أدى حوالي 15000 سويسريا الخدمة المدنية، وهو ما يعادل قرابة مليوني يوم من الخدمة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.