الخروج من بطن غـزة
ما انفك رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون يُـصر على أنه سيغادر غزة بحلول ربيع العام المقبل.
غير أن مسألة الخروج من بطن الحوت الغزي، تظل منوطة بمهمة معلقة بأسباب عصية ويسيرة، يتطلب فكها وتناولها أساسا، الوقوف على معادلة مضطربة تحكى بثلاث لهجات، فلسطينية وإسرائيلية ومصرية أيضا.
لا تفارق غرة بحرها، ولا شاطئها في المواصي، حيث انشبت المستوطنات الإسرائيلية ونقاط المراقبة والتفتيش العسكرية مخالبها في الرمل الأبيض. وما انفك رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون يُـصر أنه مغادرها ما حل ربيع العام المقبل.
إن غزة، التي صلى جل زعماء إسرائيل وقادتها من أجل غرقها في ذات اليم، وعادت في كل مرة تطل عليهم بسرها على البقاء، لا تبدو وأنها مخالفة عهدها، ولا أن شارون، الجنرال المخضرم وسيد إسرائيل القوي، بقادر على الخروج من جلده.
غير أن مسألة الخروج من بطن الحوت الغزي، تظل منوطة بمهمة معلقة بأسباب عصية ويسيرة، يتطلب فكها وتناولها أساسا، الوقوف على معادلة مضطربة تحكى بثلاث لهجات، فلسطينية وإسرائيلية ومصرية أيضا.
وعلى زوايا المحور المثلث، تقف مسألة الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وكأن الفرق بين المد والجزر على الشاطئ الشرقي للمتوسط يُـمهّـد لدفنها عميقا في الرمال، وهي التي وُلدت ميتة ثم عادت بفعل الهندسة الأمريكية مسخا.
ثمة مجموعة قلقة من التساؤلات تطرح نفسها أمام قدرة خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي على تجاوز مراحل النجاح المطلوبة، أو اجتياز احتمالات أن يصبح اقتراح شارون المشوه هذا، جاذبية التصور والإدراك.
في البدء، أطل شارون بفكرة إعادة الانتشار على مراحل، لكنها لم تلبث وأن تبخرت عند ملامستها لأول سطح في استفتاء الليكود اليميني، ثم عادت بعد إصرار الإدارة الأمريكية لتعدل من انسحاب على مراحل إلى إخلاء مشروط لأربع مستوطنات.
وعلى مدار الأشهر القادمة إلى غاية شهر مارس 2005 المقبل، موعد الحصول على موافقة أخرى لتطبق الانسحاب المزعوم، سيرفل شارون بكل ما يريد ويرغب من متطلبات دولية وإقليمية لتحقيق الحلم المنشود بإخلاء المستوطنات.
مقابل ذلك، ستظل غزة مرغمة على الانتظار والاستمرار في معاناة الوضع القائم والخضوع لسلسلة من التجارب والاختبارات في سبيل الإبقاء على حلم التسوية حيا يرزق بالرغم من غياب أي مؤشر يفيد أنه غير سراب.
العمل بالتراكم
يتحدثون في إسرائيل عن “التغيير الإيجابي على الحلبة الدولية”، وهذا التغيير الذي تقول مصادر مكتب شارون إنه حل بنعاماته على الدولة العبرية بسبب المناخ الإيجابي الذي أحدثته موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة رئيس الوزراء المعدلة.
ولا ينسون في هذا السياق، الإشارة الدائمة لدور مصر المهم في قبولها العمل لإخراج الخطة المعدلة إلى النور عن طريق مدّ يد المساعدة في التنسيق مع إسرائيل ولعب دور الوساطة مع الفلسطينيين الذين ترفض إسرائيل التحدث إليهم، بل إن التسريبات المتتالية في الصحافة الإسرائيلية، مصدرها الرئيسي أركان مؤسسة رئاسة الوزراء والمؤسسة الأمنية، تقول إنه “يمكن أن تؤدى الروح الإيجابية المتبادلة هذه مع المصريين إلى تبادل رسائل بين شارون والرئيس حسنى مبارك للسماح بتواجد كتيبتين مصريتين على الحدود”.
وفي غضون ذلك، تضاعُـف احتمالات دخول حزب العمل المعارض إلى حكومة شارون اليمينية لتقدم له “طوق نجاة من الفراغ الذي يمكن أن يشكله خروج غلاة اليمين على حكومة رئيس الوزراء.
أكثر من ذلك، فإن الدلائل تقول بوقوف حزب العمل وراء قرار المُـدّعي العام الإسرائيلي بإغلاق ملف رشوة، ما بات يُـعرف بقضية “الجزيرة اليونانية”، وعدم تقديم شارون للمحاكمة بالرغم من قرار المُـدّعية العامة السابقة.
إنها طريقة التقدم إلى الأمام والعمل بالتراكم التي انتهجها شارون، بالرغم من أن خطة خارطة الطريق كانت هي الخطة الدولية الوحيدة المطروحة على الطاولة لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
وليست دلائل تحسن العلاقات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والمبعوثين الدوليين تيري لارسن، مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، ومارك أوت، المبعوث الأوروبي، سوى مؤشرات على تراجع خارطة الطريق أمام التقارب بين موقفي المبعوثين وموقف إسرائيل من الرئيس ياسر عرفات واستحقاقات الفلسطينيين.
لم يخرج شارون من جلده، عاد قويا في الوقت الذي تحدث فيه الجميع عن وقوعه في فخ الأزمة بعد فشل خطته أمام أعضاء الليكود، لكن الطرف الفلسطيني ظل على عهده غارقا تحت وطأة الضغوطات وانتظار المجهول.
الرئيس والمصريين
في الوقت الذي تُـصر فيه إسرائيل على تجاهل القيادة الفلسطينية كشريك في مسألة المفاوضات المتوقفة وعملية السلام المتدهورة، يقوى الدور المصري في رعاية الجانب الفلسطيني والتنسيق معه في خطة غزة المعدلة.
وبالرغم من ازدياد الضغوطات على الرئيس عرفات للتنازل عن صلاحياته الأمنية في سبيل إنجاز خطة أمنية تقبلها إسرائيل وتباركها الإدارة الأمريكية ومصر لتولي مسؤولية السيطرة على غزة حال الانسحاب الإسرائيلي، فإنه لا وجود لمؤشرات حقيقية على تغيير في الموقف الفلسطيني.
وتفيد أوساط الرئاسة الفلسطينية أن الرئيس ياسر عرفات لم يتجاوب مع المطالب المصرية، وأنه طرح عليهم بالمقابل تصورا أمنيا يُـبقيه على رأس الهرم وأنه لا يزال غير مستعد لتقديم أي تنازلات.
وتطرح هذه الأوساط أن الرئيس الفلسطيني يُـدرك أن خطة شارون فارغة من أي مضمون، وأن طرحه ليس لشيء سوى لشراء مزيد من الوقت حتى تنتهي العملية الانتخابية في الولايات المتحدة وتتضح الأمور بأي اتجاه ستسير الإدارة الأمريكية القادمة.
وفي غضون ذلك، يقبل عرفات فقط العمل على استئناف حوار الفصائل الفلسطينية والاستمرار في الإعلان أنه لن يعارض أي انسحاب إسرائيلي من غزة، كونه يُـدرك أن لا جديد سيتحقق حتى قبل الانتخابات الأمريكية.
ليست ثمة صلة يمكن الإشارة إليها حتى الآن، سوى وجود خطة إسرائيلية غير واضحة المعالم والمستقبل، بيد أنها وفّـرت لحكومة شارون طوق نجاة جديد وأخرجت إسرائيل مجددا من دائرة السؤال عن استحقاقات حقيقية.
أما الجانب المصري، فإنه منخرط باللعبة وبإدارة أزمة تحت يافطة غير رسمية لمبادرة تغيب في كل مرة تتقدم فيها خطط شارون إلى الأمام، وينهمك الفلسطينيون ومعهم جمهور دولي وإقليمي في الاجتهاد بطرح تفسيرات وتقديرات عن مواقف متناقضة وغير واضحة.
وإلى أن تحين ساعة الصفر مجددا، ستواصل غزة طريقها نحو البحر، وهي الدرب الذي عرفته طوال العقود الماضية غير آبهة بتبدل الانسحاب إلى إعادة انتشار أو أن تتبخر الخطة تحت شمس الصيف الحارقة.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.