الساحة المالية أقوى من أن تُـنافس!
على الرغم من الخسائر غير المتوقعة لمجموعة كريدي سويس، إلا أن رئيسها لوكاس موليمان لا يرى في الحديث الذي خصّ به سويس أنفو أن المجموعة في طريقها إلى الانهيار.
كما أكد موليمان أن سرية الحسابات المصرفية هامة ويجب الإبقاء عليها، مدافعا عن الساحة المالية السويسرية ومكانتها المرموقة في العالم.
ليس من السهل على رئيس مجموعة بحجم كريدي سويس أن يقف أمام وسائل الإعلام في الأسبوع الماضي ليعلن أن مجموعته المالية حققت خلال النصف الأول من هذا العام خسائر لم تكن في الحسبان.
وبغض النظر عن أسباب هذه الخسائر، التي لم يكن للإدارة دخل كبير فيها إلى حد ما، إلا أن رئيس المجموعة لوكاس موليمان يُصر على أنه ليس من السهل أن تكون هذه الخسائر التي تقدر بـ 579 مليون فرنك سببا أو بداية لابتلاع بنك في قوة كريدي سويس، ولا يمكن اعتبارها مقدمة لانهيار ثان أكبر بنك في سويسرا.
وقد نفى موليمان أن تكون الإدارة هي التي تسببت في عدم تحقيق أية أرباح مما انعكس على أسعار أسهم المجموعة في البورصة والتي تسجل انخفاضا متواصلا منذ شهور. فأسباب خسائر كريدي سويس ترجع في المقام الأول إلى أن المجموعة تمتلك شركات تأمين لم تحقق أسهمها الأرباح المتوقعة في سوق الأوراق المالية، وكانت من أولى ضحايا انهيار البورصة الأخير.
إذن فليس مستغربا أن يكون الشغل الشاغل لرئيس مجلس إدارة مجموعة كريدي سويس في الوقت الراهن هو تعديل مسار شركات التأمين الخاسرة لتعود إلى تحقيق الأرباح.
ولعلها من قبيل المصادفة أن ينسحب موليمان من رئاسة مجلس إدارة المجموعة اعتبارا من مطلع العام القادم مكتفيا بمنصب مديرها التنفيذي، في الوقت الذي لم تحقق فيه أية أرباح، إلا أنه من الواضح أنه لن يعدل عن قراره هذا.
لا لرفع السرية المصرفية
ولا يمكن إجراء حوار مع رجل في منصب موليمان وخبرته الاقتصادية دون التطرق إلى سرية الحسابات المصرفية في سويسرا، والتي تكون عادة المحور الرئيسي في مفاوضاتها مع الاتحاد الاوروبي. فهو يعتقد في حديثه مع سويس انفو أن الاستفادة الكبرى من السرية المصرفية ليست للكنفدرالية وإنما للمودعين. فالنسبة له وللكثير من السويسريين، تمثل الخصوصية وسرية المعلومات في الشؤون المالية أمرا بالغ الأهمية، وأعرب عن تأييده الكامل لنظام يسمح بالخصوصية في التعامل المالي طالما لا يُساء استخدامه.
وعلى عكس ما يحدث في دول أخرى، لا تزود البنوك السويسرية أجهزة الضرائب بمعلومات حول حسابات عملائها. ويمكن رفع سرية الحسابات المصرفية في حال وجود شبهة جنائية، وهو ما يؤيده موليمان تماما، بل وينصح بالحافظ عليه، لأنه، من وجهة نظره، يضمن الخصوصية ولا يجد رابطا بين هذه الخصوصية وتسهيل استخدامها في أغراض مشبوهة أو غير قانونية.
في المقابل، لم يجب موليمان بشكل مباشر على سؤال حول ضرورة تجريم التهرب الضريبي في سويسرا. فهو يعتقد أن عملية تقديم الإقرار الضريبي بشكل شخصي ونظام ضرائب الأجور المعمول به حاليا هما طريقتان جيدتان للغاية، تمنعان الجرائم، حسب رأيه.
الحفاظ على الخصوصية السويسرية أمر واجب
ويرى موليمان أن سويسرا تمتلك كافة المقومات التي تجعل منها بلدا غنيا بفضل مكانتها الصناعية القوية في مجالات مثل الصيدلة والكيماويات والأغذية والمؤسسات المالية والساعات والماكينات الدقيقة. كما أشار إلى التقاليد العريقة في هذا المجال الصناعي – المالي والذي يتيح لرجال البنوك الفرصة لأداء عملهم على الساحة المالية في الداخل والخارج بشكل ممتاز.
وبحكم مركزه كرئيس لمجلس إدارة ثان أكبر مؤسسة مالية في سويسرا، فإن له رؤيته الخاصة حول انضمام بلاده إلى الاتحاد الاوروبي والتي تتمثل في “ضرورة مراعاة أن سويسرا بلد له تقاليده الخاصة، ولدى سكانه شعور قوي بأن لديهم ثقافتهم الخاصة ونظاما سياسيا يضمن حقوقا ديموقراطية قوية، يعتبرها السويسريون هامة جدا. وكل هذا يعني أن سويسرا تختلف ولو قليلا عن بقية أوروبا”، وهي رؤية قد تبدو محايدة إلا أنها تميل إلى الرغبة في عدم انضمام سويسرا إلى الاتحاد الاوروبي والاحتفاظ بالخصوصية السويسرية.
فموليمان يعتقد أن الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي، والتي بدأ العمل بها منذ الفاتح من يونيو الماضي، هي بمثابة مرحلة تجريبية لمعرفة كيف ستتفاعل سويسرا معها، وكيف ستتطور العلاقة مع الاتحاد الأوروبي من المنظورين السويسري والأوروبي، مشيرا إلى نية الاتحاد في التوسع شرقا مما سيكون له تأثير على تحديد العلاقة بين الكنفدرالية ودول الجوار.
نعم لمرتبات عالية للمدراء
شهدت سويسرا في الشهور الماضية جدلا حادا حول رواتب الكوادر العليا في الشركات الكبرى والمؤسسات المالية، حيث يعتقد الرأي العام أن رواتبهم مبالغ فيها، في حين أن الأوضاع الاقتصادية ليست مزدهرة كما كانت عليه في فترات سابقة، وهو بالطبع ما يثير التساؤل حول سبب حصول المدراء على هذه الرواتب التي تبلغ أحيانا أرقاما فلكية.
إلا أن موليمان لا يلقي باللائمة على المدراء بقدر ما يُحمل الرأي العام المسؤولية، فهو يرى أن الكوادر العليا يُحتفى بها في كل مكان طالما أن المستثمرين يربحون، ولم يلتفت أحد إلى ملف رواتبهم ومكافئاتهم. أما بعد الافلاسات التي منيت بها بعض كبريات الشركات والانهيارات في سوق الاوراق المالية، والتي تنعكس بالطبع على أرباح المستثمرين، فإن الرأي العام بدأ يُركّـز الاهتمام على رواتب المدراء، وهو رد فعل تلقائي.
أما موليمان فهو يعتز بعمله ويفخر به، لأنه على قناعة بأن ما يقدمه من خلال منصبه مدروس بعناية، وهو الدور الذي ينبغي على كل من يترأس مؤسسة مالية أو صناعية أن يقوم به، حسب رأيه.
إلا أنه في المقابل رفض في حديثه مع سويس انفو تحديد سقف رواتب الكوادر الإدارية العليا، بل فضل أن يُطرح هذا السؤال على من يقومون بتحديدها. في الوقت نفسه، يجد أنه لابد وأن يكون هناك علاقة بين الامتياز في الاداء والمكافأة لا سيما في قطاع التعاملات المالية.
وعلى الرغم من التوتر الذي يسود بين المستثمرين والأوساط المالية السويسرية بسبب تقلب الأوضاع في البورصات الدولية، يرى موليمان أن استقرار النظام السياسي السويسري ينعكس إيجابيا على الوضع الاقتصادي ، وهو ما يؤدي إلى عملة قوية. وكل هذا مدعوم بنظام إدارة مالي على درجة عالية من الكفاءة والتميز تجعل منافسته أمرا صعبا.
تامر أبوالعينين
مجموعة كريدي سويس ثان اكبر مؤسسة مالية في سويسرا.
حققت المجموعة خسائر فادحة في النصف الأول من هذا العام تجاوزت النصف مليار فرنك.
رئيس المجموعة يدافع عن الخصوصية السويسرية وسط أوروبا، ويدعم سرية الحسابات المصرفية.
سياسة سويسرا المحايدة والمستقرة تقف وراء اقتصادها القوي.
لوكاس موليمان
1950: ولد في زيوريخ.
1973: تخرج من كلية الاقتصاد في سانت غالن.
1977: انهى دراسته العليا في جامعة هارفارد الامريكية
اكتسب خبراته من خلال العمل في مركز تسويق IBM لمدة عامين، قبل أن يتولى عدة مناصب هامة في مؤسسة McKinsey في مركزها في نيويورك ثم ترأس فرعها في سويسرا حتى عام 1994.
المدير التنفيذي لشركة التعويضات السويسرية حتى عام 1996.
التحق بمجموعة كريدي سويس منذ عام 1996 وتولى رئاسة مجلس إدارتها منذ عام 2000.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.