السعودية: إصلاح مع وقف التنفيذ؟
حدثان يبدوان متباعدين طغيا على الأنباء الواردة من المملكة العربية السعودية.. انعقاد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، وإجراء أول جولة من الانتخابات البلدية.
الطابع الدولي للحدث الأول والمحلي للحدث الثاني لا يعني انفصامهما عن بعضهما البعض. فكلاهما يصبان في خانة ما يمكن وصفه بـ “سياسات التكيف” السعودية.
المتشكك بطبعه لن يسعه سوى أن يصف حدثا الأسبوع السعودي بعبارة واحدة: كلاهما يصبان في خانة العلاقات العامة للسياسة الخارجية السعودية. أما المتفائل من أصحاب النوايا الحسنة فسيرد مجادلاً: بل هما خطوتان في الاتجاه الصحيح. ويبدو أن كليهما سيكون على حق!
حدثا الأسبوع المعنيين، اللذان شغلا وكالات الأنباء العالمية، كان أحدهما دولياً والأخر محلياً، وإن احتضنت الرياض كليهما.
تمثل الأول في المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي انعقد ما بين 5 و 8 فبراير الجاري، وشاركت في فعالياته وفود أكثر من خمسين دولة، وأسفر عن صدور “إعلان الرياض” الذي عبر عن “توافق في الرؤى والمواقف حول خطورة ظاهرة الإرهاب، وحتمية التصدي لها عبر جهد دولي موحد ومنظم ودائم”.
أما الثاني فهو استكمال المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية للرياض في العاشر من فبراير، والتي تنافس فيها 1800 مرشحاً على 127 مقعدا في العاصمة والقرى المحيطة بها، بينهم 698 مرشحاً تسابقوا على سبعة مقاعد في الرياض لوحدها.
واقع متغير..
حدثان مهمان بالفعل، ويعكسان واقعاً متغيراً في مملكة كانت تنعم في الماضي بسكون عميق، اعتبره كثيرون علامة على استقرارها.
وهو واقع يشبه إلى حد كبير ذلك الذي شهدته المملكة في حرب الخليج الثانية عام 1990، مع إختلاف نوعي في متغيرين إثنين: فالجماعات (والشخصيات) الإسلامية التي عارضت اللجوء إلى الولايات المتحدة لحماية السعودية وتحرير الكويت آنذاك، انسلخت منها اليوم حركات متشددة، وهي التي تحولت على مدى العامين الماضيين إلى انتهاج أسلوب العنف للتعبير عن رفضها للسياسات السعودية.
وقد اكتوت المملكة فعلاً بنتائج ذلك العنف، التي تمخضت عن 22 هجوما إرهابياً، سقط بسببها من الضحايا 90 مدنياً، و39 عاملاً في القوات المسلحة، إضافة إلى 92 متمرداً، ناهيك عن خسائر مادية تقدر بحوالي 266 مليون دولار.
أما الأختلاف النوعي في المتغير الثاني فيتصل بطبيعة الضغوط الممارسة على المملكة لـ “إصلاح البيت من الداخل”. في عام 1990 كانت الأصوات الداعية إلى التغيير تعبر عن رأي أفراد ومجموعات ليبرالية وإسلامية، كل منها يسعى إلى التغيير من وجهه نظره.
اليوم إنضم إلى قافلة الحركتين الداخليتين صوتاً خارجيا ًممثلا بالولايات المتحدة..، والتي وإن كانت قد طالبت حليفتها الإستراتيجية في الماضي بالإصلاح إلا أن صوتها كان هامساً، خجلاً، غير مقتنع في حد ذاته.
لكن ذلك الصوت سرعان ما ارتفع بعد الحادي عشر من سبتمبر، ليصبح أكثر إلحاحاً في مطالبه، يدعو البلد “الصديق” إلى التغيير قبل أن يضطر هو إلى دفع عجلة التغيير بيديه.
عودة إلى “سياسات التكيف”
ولأن متغيرا العنف والدعوة اللجوجة إلى الإصلاح إذا امتزجا يسفران عن وضع متفجر تصعب السيطرة عليه، جاءت ردة فعل العائلة الحاكمة، منسجمة مع نمط متأصل في سلوكها السياسي، وهو نمط يمكن تسميته بـ “سياسات التكيف”.
في العادة، تلتجئ المملكة إلى “سياسات التكيف” كلما تعرضت إلى ضغوط داخلية أو خارجية مطالبة بالتغيير، فتعمد تبعا لذلك إلى اتخاذ مجموعة من الخطوات الجزئية الهادفة إلى استرضاء المعترضين.. ولكن إلى حد ما. فالشئ الواضح هو أنها في لجوءها إلى تلك الإجراءات إنما تسعى إلى استمالة الطرف المعارض وليس إلى إشباع مطالبه فعلاً.
يجدر التذكير هنا أن العائلة الحاكمة استجابت إلى بعض مطالب الإصلاح في حرب الخليج الثانية من خلال إصدار نظام أساسي وإنشاء مجلس للشورى، وكلاهما أفُرغا تماماً من محتواهما، ففي حين أقر الأول سلطة العائلة المطلقة، جاء الثاني بلا صلاحية أو سلطة فعلية.
وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء أكثر سنجد أن المملكة لجأت إلى “سياسات التكيف” على مدى حياتها السياسية، من خلال الوعود التي بذلتها مراراً بالتغيير عندما طلبت على سبيل المثال مساعدة الولايات المتحدة العسكرية والسياسية في مواجهة النظام الجمهوري الوليد في الجارة اليمن في الستينات من القرن الماضي، أو بعد أزمة احتلال المسجد الحرام بمكة في عام 1979، والتي لم تسفر – رغم خطورتها – سوى عن تشكيل لجان نادراً ما اجتمع أعضاؤها.
رسالة مزدوجة
وبنفس النسق، يمكن التعامل مع حدثا الأسبوع السعودي باعتبارهما يصبان في خانة “سياسات التكيف”.
لا أحد يشكك في مدى اقتناع العائلة الحاكمة بأهمية مكافحة الإرهاب، خاصة وأن عنف الجماعات المسلحة “يستهدفها هي أساساً”، كما تقول الدكتورة مي يماني، الأستاذة بالمعهد الملكي للعلاقات الدولية في حديث مع سويس إنفو.
لكن الطابع الدولي للمؤتمر أطلق إشارة ضرورية إلى الجمهور الدولي، وبالتحديد إلى الولايات المتحدة، مفادها “إننا جميعاً نقف في خندق واحد، وهو مكافحة الإرهاب”.
كما أن أحداً لا يشكك في أن إجراء انتخابات بلدية يظل خطوة إيجابية إلى الأمام. بل إن الدكتورة يماني تعبر عن ثقتها من أن العائلة المالكة إنما “تحاول إستمالة الشعب السعودي، وأن أهدافها جيدة”، غير أنها سرعان ما تستدرك قائلة “لكني لازالت أعتقد أنهم أسرى هنا، لأنهم لم يتمكنوا من تقديم أية أستراتيجية للتغيير”.
وهذا صحيح أيضاً. فعلى افتراض أن قصر الإنتخابات البلدية على نصف مقاعدها، وتعيين النصف الأخر، وحرمان المرأة السعودية من المشاركة فيها، يندرج في خانة ما تصر العائلة الحاكمة على أنه أسلوبٌ متدرج في الإصلاح (على افتراض القبول بذلك)، فإن نظرة إلى صلاحيات تلك المجالس البلدية تكفي لإدراك الحجم الفعلي لما أسماه البعض بـ”الإنتخابات الثورية”.
فالصلاحيات التي نصت عليها المادة الخامسة من نظام البلديات والقرى ذات طابع فني بحت، تركز في مجملها على تنظيم وتنسيق البلدية، والترخيص بإقامة الأبنية فيها، والمحافظة على مظهرها ونظافتها … الخ.
بإختصار شديد، لن تؤدي تلك الإنتخابات إلى مشاركة سياسية فعلية للمواطن السعودي. وهنا تحديداً تبرز الحدود التي لا تتعداها “سياسات التكيف”: فهي قد تقدم إطاراً لوسيلةٍ للتغيير، لكنها لن تتعداها إلى تحقيق النتائج المترتبة عنها.
ولذلك قد ينجح المؤتمر الدولي في العثور على وسيلة لمكافحة الإرهاب، لكنه لن يسعى جاداً إلى التحري في أسبابه، خاصة إذا طالت تلك الأسباب نظرة متعمقة في الثقافة النجدية، تماما كما أن الأنتخابات البلدية قد توفر إطاراً مبهراً لحملات إنتخابية وكسراً مؤقتاً للحظر المفروض على حرية التجمع، لكنها لن تصل بها إلى مداها المنشود: الإصلاح جوهراً … لا شكلاً.
إلهام مانع – سويس إنفو
بعض وظائف المجالس البلدية وفقا للبند الخامس من “نظام البلديات والقرى”:
تنظيم وتنسيق البلدة وفق مخطط تنظيمي
الترخيص بإقامة الإنشاءات والأبنية
المحافظة على مظهر ونظافة البلدة
وقاية الصحة العامة وردم البرك
مراقبة المواد الغذائية والاستهلاكية، ومراقبة أسعارها
إنشاء المسالخ وتنظيمها
إنشاء الأسواق وتحديد مراكز البيع
تحديد مواقف الباعة المتجولين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.