السعودية: شتان ما بين الأمس واليوم؟
رحب ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بنتائج اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري، ولم يتردد في اعتبارها "خدمة للدين والوطن".
ومع أن التوصيات الصادرة عن اللقاء لا تتضمن جديدا يُذكر، إلا أنه تميز بنوعية المشاركين والمشاركات فيه وبالترحيب السياسي لملفت الذي لاقاه.
المتشكك قد لا يلمس جديداً في نتائج اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري السعودي، الذي جرت وقائعه على مدى أربعة أيام في مكة المكرمة في نهاية الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الماضي.
فقد يكفيه أن يلقي نظرة على مضمون توصيات اللقاء، التي تقدم بها المشاركون فيه إلى ولي العهد السعودي الأمير عبد الله في الرياض يوم الرابع من يناير الجاري، حتى يصل إلى خلاصة مفادها أن لا تغييراً يُذكر يستحق التنويه.
وهو رأي فيه قدر من الصواب. فالتاريخ فيه الكثير من الأمثلة القادرة على وضع تلك التوصيات في إطار يبتعد عن المبالغةِ في تقديرها أو الاحتفاءِ بها.
وليس هناك أفضل من التذكير بمضمون العريضة المدنية التي تقدمت بها مجموعة من الإصلاحيين إلى الملك فهد في شهر ديسمبر من عام 1990، التي تعطي الانطباع بأن الأيام تمر لكن المطالب تبقى كما هي.
حينها كما اليوم، طالب الموقعون على الوثيقة بإصلاح جذري شامل لنظام التعليم، وعدم التمييز بين المواطنين على أساس من العرق أو السلالة أو الطائفة، وإتاحة المجال أمام المرأة السعودية للمشاركة في الحياة العامة، وإعادة النظر في أوضاع الإعلام السعودي بما يتماشى مع متطلبات العصر، ناهيك بطبيعة الحال عن الدعوة إلى الإصلاح السياسي.
بل هناك تغيير يستحق الذكر!
لا جديد إذن تحت الشمس؟ سيكون من الإجحاف قول ذلك، إذ هناك فعلاً تغييرً بدأت بوادره تظهر وتستحق التنويه.
البادرة الأولى تتعلق بمبدأ الحوار الذي قام على أساسه اللقاء الوطني، وهو حوار لم يقم بين أشخاص متجانسين في الفكر والمذهب والجنس. فلو كان الأمر كذلك، لما كانت هناك حاجة إليه في الأصل.
جمع اللقاء بين تيارات فكرية متباينة من ليبراليين وإسلاميين ومتشددين، كما أتاح لممثلي المذهبين السني والشيعي المجال للنقاش وجها لوجهاً، وتميز بحضور أبناء مناطق أعتاد المسؤولون على تجاهلها في مثل هذه المناسبات، كالأحساء وجيزان، هذا إضافة إلى مشاركة ملموسة للمرأة في فعاليات المنتدى (10 مثقفات وأكاديميات إلى جانب 50 مفكرا وعالماً دينياً وأكاديمياً)، وإن تمت عبر شاشات التلفزيون فقط.
أن يلتقي كل هؤلاء ضمن إطار بوتقة واحدة يظل أمراً غير مسبوق بالمقاييس السعودية. وأن يتحادثوا مباشرة، لا عبر متون الفتاوى والتفسيرات والشروح، يظل هو الأخر سابقة فريدة تخطف الأنفاس.
ولأنها سابقة كان من الطبيعي أن تتسم الجلسات الأولى للقاء بطابع حاد مشحون، غلب عليها الصراخ إن لم يكن التراشق اللفظي. كما لم يكن مستغربا أن يتهجم أحد الحاضرين على سيدة مشاركة (رغم تقدمها في السن) لأنه لم يحتمل رؤيتها وهي تحاور بعض المثقفين من الرجال على هامش المنتدى.
تأييد سياسي؟
لاشك إذن أن هناك مخاضاً ما يتفاعل على نار هادئة وبتأييد سياسي صريح، وهو ما يمثل البادرة الثانية للتغيير الذي عبر عنه اللقاء الوطني.
فمن الواضح أن اللقاء الثاني وما سبقه ما كان لهما أن يتما دون دعم مباشر وقوي من ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، والذي تبدى جلياً في الحفاوة التي أسَتقبل بها المشاركين، ودعوتهم إلى الاستمرار في التحاور وبصورة دورية. بل وزاد على ذلك بأن أعتبر ما فعلوه خدمة “للدين والوطن” على حد قوله.
ويقف ذلك الترحيب والدعم على طرف نقيض من الأسلوب الذي تعاملت به العائلة المالكة مع مطالب الإصلاح على مر العقود، والذي تميز بالتسويف والمماطلة على أحسن تقدير، وبالضرب بيد من حديد في أسوأها.
لا داعي للمبالغة..
رغم كل ما سبق، فإن القول بأن هناك تغييرا ومخاضاً يختمر لا يعني أنه سيثمر فعلاً عن النتائج التي يطالب بها الإصلاحيون.
فالحوار الذي يدعمه ولي العهد يظل مقيدأ بالكثير من المحاذير التي ترفض المس بـ “حقوق” العائلة المالكة أو “مكتسباتها”.
ولذا، فإن توصية اللقاء الوطني بتسريع عملية الإصلاح السياسي وتوسيع المشاركة الشعبية لم تصل إلى حد المطالبة بإقرار الملكية الدستورية، التي دعا إليها مجموعة من الإصلاحيين في بيان صدر في شهر ديسمبر الماضي، لتثير عاصفة غضب سياسية من العائلة المالكة عليهم.
كما أن لقاء ممثلي المذاهب والمناطق المختلفة وحوارهم معاً لا يعني أن ما يراه الكثيرون هيمنةً لأبناء منطقة نجد وسيادة للمذهب التوحيدي الوهابي سينتهيان قريبا. ولكي يحدث ذلك لا بد من آلية تترجم كل تلك التوصيات على أرض الواقع، والتي تحتاج بدورها إلى إرادة سياسية.
وفي ظل الشقة القائمة بين شرائح العائلة الحاكمة في رؤاها حول ضرورة التغيير من عدمه، والمقاومة الشرسة التي تبديها المؤسسة الدينية الرسمية لذلك التغيير حتى في أشد صوره محافظة (والتي برزت مستعرة حتى قبل نشر توصيات اللقاء الوطني الثاني)، فإن تلك الإرادة تبقى مهزوزة إن لم تكن متذبذبة.
الصبر جميل!
هناك بالتأكيد تزاوج بين بعض مطالب تيار الإصلاحيين واتجاهات شريحة من العائلة المالكة يتزعمها الأمير عبد الله.
فولي العهد السعودي كان قد حاز على إستحسان شعبي واسع منذ توليه الحكم بالنيابة عن أخيه لصراحته في الحديث عن مشاكل البلاد الإقتصادية، ومعارضته غير المواربة للفساد، إضافة إلى مواجهته للسعوديين بحقائق قاسية مثل قوله إن “عهد الازدهار الناتج عن النفط قد ولى”، وتشديده على وجود حاجة لتخفيض النفقات غير الضرورية، ودعوته إلى إلغاء العمولات التي تُدفع على مشاريع البناء.
وهو لم يكتف بالحديث فقط، بل بدأ بنفسه، وعُرف عنه تشجيع أبناءه على دفع فواتير الهاتف والكهرباء وتذاكر السفر بأنفسهم بدلاً من تحميل الدولة مهمة الإيفاء بها.
ورغم ذلك، مرت الأيام وظل الحال على ماهو عليه، وبدا من الواضح أن محاولاته الحثيثة لإصلاح البيت السعودي من الداخل، لاسيما تلك المتعلقة بمستحقات أفراد العائلة المالكة، باءت بالفشل.
وقد أبرز ذلك جلياً طبيعة المشكلة القائمة في المملكة، والتي تشهد بأن ولي العهد السعودي لا يقف وحده على رأس المؤسسة السياسية، بل تشاركه فيها مراكز قوى عديدة، دأبت على شده إلى الوراء كلما خطا خطوة إلى الأمام.
ضمن هذا الإطار يمكن النظر إلى اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري، فهو وإن مثّل بادرة غير مسبوقة حقا، إلا أن غياب آليات عملية لترجمة توصياته على أرض الواقع تحجم من تأثيره وتجعل منه مجرد مناسبة للتنفيس المؤقت عن غضب مكبوت ومتأجج.
ولذا قد لا تجدي كثيرا دعوة الأمير عبد الله المشاركين في اللقاء إلى التحلي بالصبر والنفس الطويل. فالخوف كل الخوف أن بضاعة الصبر هذه بالتحديد قد بدأت تنفذ من سوق المواطن السعودي.
إلهام مانع – سويس إنفو
شملت توصيات اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري السعودي:
دعوة المؤسسات العلمية الشرعية للاتفاق على تحديد المفاهيم والمصطلحات ذات الصلة بالغلو.
الدعوة لدراسة علمية شاملة ومعمقة لظاهرة الغلو في المجتمع السعودي.
تسريع عملية الإصلاح السياسي وتوسيع المشاركة الشعبية.
تطوير وسائل الاتصال بين الحاكم والمحكوم والفصل بين السلطات الثلاث.
التأكيد على ضبط الشأن الاقتصادي بما يحافظ على المال العام.
الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بما يتناسب والمتغيرات المعاصرة.
التأكيد على رفض الفتوى الفردية في المسائل العامة.
ترسيخ مفاهيم الحوار في المجتمع السعودي.
تطوير مناهج التعليم بما يضمن إشاعة روح التسامح والوسطية.
تعزيز دور المرأة في كافة المجالات.
تأمين المحاكمة العادلة أمام القضاء للمتهمين بقضايا العنف والإرهاب.
التأكيد على التوازن في الطرح الإعلامي لقضايا الدين والوطن.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.