“مصارف سويسرية رفضت مطالب السعودية”.. “إسرائيل ترمي القنابل من أجل السيسي”
في سياق تغطيتها للأحداث الجارية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية عموما، تضمنت الصحف السويسرية الصادرة خلال الأسبوع المنقضي دعوات للدول العربية بمصارحة الذات والإعتراف بعلاقاتها السرية مع إسرائيل "العدو السابق"، وتحليلا لتبعات الكشف عن قيام إسرائيل بتنفيذ غارات جوية في الأراضي المصرية على ملف مفاوضات السلام، بالإضافة إلى تداعيات التطورات الأخيرة في المملكة العربية السعودية على تماسك الأسرة المالكة والمجتمع عموما.
مصارف سويسرية رفضت مطالب السعودية
في عددها الصادر يوم 3 فبراير 2018، نقلت صحيفة “لوتون” عن مصادر حسنة الإطلاع أن العديد من المصارف السويسرية رفضت القيام بتحويل أصول عملاء كانوا محتجزين في فندق “ريتز كارلتون” خلال الحملة على الفساد التي رجّت المملكة خلال الأسابيع الماضية.
نفس المصادر ذكرت للصحيفة أن “النظام الجديد في الرياض، الذي يُهيمن عليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مارس ضغوطا على عدد من كبار أصحاب الثروات السعوديين لإعادة حساباتهم السويسرية إلى البلاد من أجل مصادرتها”.
في تقريرها، أشارت الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في لوزان إلى أن المصارف المعنية في جنيف تشمل بالخصوص كلا من مصرف بيكتيه و يو بي اس ولومبار أودييه وكريدي سويس، إلا أن جميعها أعربت عن عدم رغبتها في التعليق على هذه المعلومات. في مقابل ذلك، لفتت “لوتون” إلى أن الفايننشال تايمز اللندنية نقلت قبل أيام عن “صيارفة سويسريين رفيعي المستوى” تصريحات تفيد بأن المحاولات السعودية للإستيلاء على أصول زبائنهم باءت بالفشل.
من جهة أخرى، أوردت الصحيفة تصريحا لرجل أعمال سعودي لاجئ في أوروبا كانت له اتصالات مع أشخاص موقوفين قال فيه: “إن الأمر لا يتعلق بحملة مقاومة للفساد بل بحرب ضد عائلات الملوك السابقين”. فعلى سبيل المثال، “حاولت السلطات السعودية إعادة الأميرة جوهرة الإبراهيم، الزوجة السابقة المفضلة للملك فهد التي تُقيم في قصر شاسع في ضاحية Collogne-Bellerive في كانتون جنيف. ويبدو أن ثروتها (تُقدر تركة الملك فهد بعشرات المليارات) تُدار انطلاقا من جنيف منذ عشرات السنين”.
في هذا الصدد، نقلت “لوتون” على لسان مصدر واسع الإطلاع على الشؤون السعودية بأنه “طُلب منها العودة إلى المملكة العربية السعودية لكنها رفضت”. على العكس من ذلك، تعرض ثلاثة على الأقل من أشقائها – وهم رجال أعمال كانوا نافذين جدا في عهد الملك فهد – إلى الإحتجاز في فندق ريتز. ومع أنهم غادروا المعتقل اليوم، إلا أن أحد أخوتها وهو وليد الإبراهيم اضطر – حسب الفاينانشل تايمز – إلى التخلي عن حصته في مجموعة ام بي سي الإعلامية التي تُسيطر على واحدة من أكبرب القنوات التلفزيونيةو السعودية لفائدة الحكومة، إلا أن شخصا يعرف العائلة أوضح للصحيفة السويسرية أنه “احتفظ بـ 40% لكن الحكومة ستدخل شريكا في رأس مال مجموعته”.
اليوم انتهت الحملة التي أطلقها محمد بن سلمان وشملت حوالي 400 شخص ينتمون إلى النخبة السعودية تم احتجازهم في أحد الفنادق الفخمة في عاصمة البلاد منذ الرابع من نوفمبر 2017، وطبقا لتصريحات أدلى بها النائب العام للمملكة يوم 30 يناير الماضي، يبدو أن العملية أدت في نهاية المطاف إلى استعادة 107 مليار دولار، فيما لا زال 56 شخصا رهن الإعتقال. في المقابل، تشير الصحيفة إلى أن هذه الحملة “لن تمر دون أن تخلف آثارا وراءها”، كما أن الأحداث “رجّت النخبة السعودية رجا عنيفا”، حيث “لجأ العشرات من رجال الأعمال ومن الأمراء ومن الوزراء السابقين في أوروبا وفي لندن وباريس بوجه خاص”، كما أن عشرين شخصا ينتمون إلى نفس العائلة تحصلوا على تراخيص إقامة في جنيف في شهر ديسمبر الماضي، تؤكد “لوتون”.
“السعودية تجلس فوق برميل من البارود”
بدورها، اهتمت صحيفتا “تريبون دو جنيف” و”24 ساعة” الصادرتين في مدينتي جنيف ولوزان على التوالي في عددهما بتاريخ 7 فبراير الجاري بتطورات الأحداث في السعودية ومآلاتها من خلال لقاء مطول أجرته مع كلارانس رودريغاز التي كانت المراسلة الفرنكوفونية الدائمة الوحيدة في الرياض من عام 2005 وحتى عام 2017 ومؤلفة كتاب “العربية السعودية 3.0 – كلمات الشباب السعودي”.
الإعلامية الفرنسية وصفت الإصلاحات التي أطلقها محمد بن سلمان – الموصوف من طرف البعض بـ “أمير الفوضى” جراء نزوعه إلى إعادة النظر في كل شيء – بأنها “تغيير عنيف وسريع جدا”، وأضافت “في العربية السعودية، يُرحّب أصدقائي بالتغييرات الجارية لكنهم يخشون من عودة البندول”.. ذلك أن هذه المملكة التي ظلت متكلسة لفترة طويلة جدا تحولت اليوم إلى “مجتمع زلزالي” يقف في مفترق الطرق، يُسيّرها أمير شاب متسلط يكسر المحرمات ويهزّ الرموز، وهو “ما قد يُنذر بحصول انفجار اجتماعي”، كما تخشى كلارانس رودريغاز.
في تحليلها، تذهب مؤلفة الكتاب إلى أن “الإبن المفضل للملك سلمان يُحاول بالخصوص أن يعتمد على الشباب والنساء لتمرير إصلاحات أكثر جوهرية في السعودية، ذلك أن “المحرك الحقيقي للتغيير يتمثل أولا في الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد. فقد انهارت أسعار النفط ولم تعد المداخيل النفطية تسمح للعائلة المالكة السعودية بتلبية احتياجات السكان الذين كانوا يعيشون حتى الآن بفضل الحقن المتواصل.. فقد كان الحصول على الماء والكهرباء مجانيا ولم يكن تعبئة خزان السيارة يُكلف أكثر من 10 دولارات… اليوم فقدت مرتبات الموظفين نصف قيمتها وأصبح التحدي الأكبر دفع سكان اعتادوا العيش في كنف الدولة إلى العمل، لأنه لم يعد بإمكان أسرة من الطبقة المتوسطة تلبية احتياجاتها بفضل مداخيل شخص واحد”.
تبعا لذلك، ترى كلارانس رودريغاز أنه “إذا ما قام محمد بن سلمان بمنح السعوديات الحق في قيادة السيارات منذ شهر يونيو القادم فليس بسبب نزعته النسوية، بل من أجل تسهيل دخولهم سوق الشغل”.
أخيرا، هل سينجح محمد بن سلمان، الذي أطاح بعدُ بكل من يُحتمل أن يشكل عقبة في طريقه وضمن – في الوقت نفسه – السيطرة المطلقة على الرافعات الرئيسية للسلطة والذي سيكون – مبدئيا – أول من يجلس على العرش من أحفاد الملك المؤسس بن سعود في تحقيق رهانه؟ تجيب الإعلامية الفرنسية محذرة: “في الحالة العكسية، سوف نشهد انفجارا داخليا في المملكة العربية السعودية”، ما سيؤدي إلى حدوث “زلزال مدمر لهذه المنطقة المتفجرة مع تداعيات في العالم أجمع”.
“إسرائيل ترمي القنابل من أجل السيسي”
تناولت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ التقارير الإعلامية حول قيام إسرائيل بشن غارات جوية في شمال سيناء ورأت أن “لهذا التعاون العسكري تبعات جذرية على ملف مفاوضات السلام”.
أولريخ شميت مراسل الصحيفة التي تصدر بالألمانية في زيورخ أشار في العدد الصادر بتاريخ 7 فبراير 2018 إلى أن “مصر لم تنجح في مكافحة الإرهاب حتى الآن وأنها تقبل المساعدة حتى من الجار اليهودي، إذا اقتضت الضرورة. فالطائرات الإسرائيلية تقصف منذ أكثر من عامين مواقع ميلشيات “الدولة الإسلامية” في شمال سيناء وذلك بموافقة من السلطات المصرية، وفق صحيفة نيويورك تايمز، التي تحدثت عن تحالف سري ضد عدو مشترك”.
من جهة أخرى، أوضح المراسل السويسري أن “إسرائيل لا تعلق عموما على العمليات العسكرية في الخارج. ولكن خبراء يقولون إن العمليات في سيناء تجري على غرار برنامج الأسلحة النووية لإسرائيل.. أي سرّا. إسرائيل لا تساعد مصر من منطلق الحب والود، وإن كانت ترغب بالتأكيد في علاقات جيّدة مع القاهرة، لكن موقف إسرائيل نابع من الحفاظ على مصالحها، حيث يشكل تنظيم الدولة على حدودها تهديدا لها”.
أولريخ شميت أضاف أن “نفي العقيد أحمد علي، المتحدث باسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما جاء في تقرير نيويورك تايمز لم يأت مفاجئا، لكن الحقيقة هي أن السيسي يتعاون بشكل وثيق مع إسرائيل، وهذا التعاون يشمل المجال الإقتصادي أيضا. التطورات الأخيرة في سيناء ذات أهمية استراتيجية كبرى، فإذا كانت مصر على الرغم من المساعدات العسكرية الهائلة لم تعد قادرة على الدفاع عن أراضيها وتعتمد على المساعدة من العدو الإسرائيلي السابق، فهذا يعني بأنه لن يتم التوصل إلى اتفاق في المنطقة يُعارض مصالح إسرائيل. وهذا ينطبق بالطبع على قضية السلام في الشرق الأوسط. ولكن على أية حال، فإن مكانة إسرائيل في المنطقة تزداد تحسنا في العالم العربي وخاصة في منطقة الخليج، فالخلاف بين المملكة العربية السعودية وإيران ساهم في تحالفات جديدة في المنطقة. وجدير بالذكر هنا أن السعودية فتحت خلال الأيام الماضية مجالها الجوي لشركة طيران الهند لتسهيل الرحلات بين نيودلهي وتل أبيب. هذه اللفتة ستٌقصر زمن الرحلة بين الوجهتين إلى ساعتين ونصف، ولكن أهميتها أكبر من ذلك، فهي في الحقيقة جزء من مبادرة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتطبيع العلاقات وإقامة اتصالات مباشرة مع إسرائيل، في حال قامت بتجميد الإستيطان اليهودي في الضفة الغربية وخففت القيود التجارية على قطاع غزة”.
“القضية الفلسطينية مجرد ورقة توت”
من جهتها، اهتمت صحيفة تاغس أنتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ) أيضا بالتعاون الإسرائيلي العربي. وفي هذا الصدد، رأى مراسل الصحيفة بول أنطون كروغر في المنطقة أنه “يتعيّن على الدول العربية مصارحة نفسها والإعتراف بالتحالف السري مع إسرائيل”.
وفي الصحيفة الصادرة بتاريخ 6 فبراير 2018، أوضح كروغر أن القضية الفلسطينية كانت محور اهتمام العالم العربي كله لمدة خمسين عاما. ومهما كان حجم الخلافات بين هذه الدول، فإن السياسات والعلاقة مع إسرائيل كانت تحددها أولويات القضية الفلسطينية. وعلاوة على ذلك، فإن العداء لإسرائيل كان دائما وسيلة لإخفاء نقاط الضعف وإخفاقات الأنظمة السياسية على المستوى الوطني، وكانت القضية الفلسطينية حجة تستخدم لتبرير أنظمة الحكم الإستبدادي ومن أجل تعبئة الجماهير.
لكن هذه الأيام ولت: فمصر والأردن واجهتا مقاومة عنيفة مع توقيعهما اتفاق السلام مع إسرائيل. والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة تتعاونان الآن مع العدو اللدود السابق ولكن في الخفاء. أما في العلن، فيتم منع الرياضيين الإسرائيليين من الظهور اثناء البطولة الدولية للجودو المقامة في أبو ظبي بالعلامات المميزة لهم على أنهم إسرائيليين. وعل عكس هذه المواقف أعلن غادي ايزنكوت، رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية بوجود عدو مشترك، حيث أن “إيران هي التهديد الأكبر في المنطقة”، على حد قوله.
المراسل السويسري لفت إلى أن هذا “النفاق يقوم على عقود من الترويج لعقيدة الدولة والتحريض الذي يعارض التعاون المباشر”، لذلك “يتعيّن على الدول العربية أن تضع حدا لشيطنة إسرائيل، وأن توضح في الوقت نفسه لحليفها الجديد أن حل الدولتين والسلام مع الفلسطينيين سيحققان مزيدا من الأمن لجميع الأطراف المعنية. لكن الرياض أبو ظبي أو القاهرة تفضل دفن رأسها في الرمال وإنكار الذات”، كما يرى بول أنطون كروغر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.