الشعب السويسري يحب جيشه
في موفى الأسبوع الماضي، وجّـه الجيش السويسري دعوة إلى المواطنين لحضور استعراض ضخم لإمكانياته ومهامّـه في ثكنة مدينة تون. الشعب سارع بالاستجابة للدعوة وبأعداد فاقت التوقعات.
وفيما حظيت الدبابات والرماية بأحدث الأسلحة باهتمام واسع من طرف الجمهور، شكّـلت الاستعراضات الجوية الرائعة ذروة الحدث، الذي عكس مستوى العلاقة الحميمية بين الطرفين.
إجمالا، استقطبت التظاهرة، التي حملت اسم “أيام القوات البرية 2006″، أكثر من 110 ألف شخص إلى أكبر وأعرق الثكنات السويسرية بمدينة تون المطلة على بحيرة وسلسلة جبال الألب في كانتون برن.
الرقم الإجمالي للزوار، الذين تحولوا إلى مدينة تون (30 ألف يوم الجمعة 28 و80 ألف يوم السبت 29 أكتوبر 2006)، فاق توقعات وزارة الدفاع وحماية السكان والرياضة، وهذه هي المرة الأولى، التي يُـقدّم فيها الجيش السويسري نفسه للسكان منذ مبادرة مشابهة نُـظمت عام 1998 في فراونفيلد في كانتون تورغاو.
يمكن القول أن الطقس “الصيفي”، الذي تشهده سويسرا هذه الأيام، قد ساعد في إنجاح التظاهرة والإقبال عليها، الأمر الذي سيُـخفف من “معاناة وزير الدفاع سامويل شميت”، الذي تعرّض مشروع إصلاح الجيش الذي تقدّم به، إلى انتقادات شديدة من طرف البرلمان.
حديث وديناميكي
الجيش، الذي كان يُـلقّـب سابقا بـ “الأبكم الكبير”، يبذُل اليوم قُـصارى جُـهده، ليُـقدّم صورة شابة وحديثة وديناميكية عنه. فعلى سبيل المثال، أصبحت وحدات الاستعراض البهلوانية لمجموعة الطائرات، المعروفة باسم Patrouille Suisse، تحمل أسماء روجي فيديرير وألّـينغي، وهما على التوالي بطل العالم في كرة المضرب والمركب الشراعي، الذي فاز بآخر بطولة في سباق كأس أمريكا الشهير.
مهارة الطيارين، الذين أبهروا عشرات الآلاف من المتابعين للاستعراضات البهلوانية، التي شهدتها سماء ثكنة تون، لم تُـنسٍ الزوار التوجّـه إلى قاعات العروض المختلفة، وخاصة ما وفّـره جناح المشاة للجميع، كبارا وصغارا، نساءً ورجالا، من إمكانية استعمال البندقية، المتداولة لدى الجنود السويسريين للرماية “بشكل شبه حقيقي”، على أهداف ثابتة أو متحركة، مرسومة على شاشة إليكترونية.
كِـسرة بالجبنة العسكرية
لم يُـغفل منظمو التظاهرة أن السويسريين، الذين سيُـقررون التوجّـه إلى ثكنة مدينة تون، سيصطحبون أفراد عائلاتهم، الصغرى والكبرى. فالجيش السويسري يعتمد نظام الميليشيات، وهو ما يعني أن الأجداد، الذين عاصروا الحرب العالمية الثانية، والآباء الذين عاشوا حقبة الحرب الباردة، والأبناء الذين فتحوا أعينهم على ما بعد انهيار جدار برلين، قد مرّوا جميعا بعد بلوغهم سن الثامنة عشر بنفس التدريبات الأولية، ثم عملوا في إحدى وحدات الجيش لفترة تتراوح بين 3 و5 أسابيع في كل عام إلى حين بلوغهم 50 أو 45 أو 35 عاما.
لهذا السبب، كان الإقبال كبيرا على بعض الأطعمة المعروضة، مثل قطع الشوكولاتة والبسكويت العسكرية وأكلة “الكسرة بالجبنة”، التي قدمها طباخو الجيش للزوار الذين اصطفوا بدون انقطاع للحصول على نصيبهم منها.
أما الأطفال، فقد وجدوا ضالتهم في سيرك Knie السويسري الشهير، الذي تزامن مروره بالمدينة مع موعد التظاهرة، والذي وفّـر لهم فرصة زيارة حيواناته بجوار خيمته الكبرى التي نُـصبت حِـذو الثكنة.
لقد كانت أيام جيش البر – وبغض النظر عن أبعادها الدعائية الواضحة – مناسبة أخرى أقام فيها العديد من السويسريين الدليل على أن العلاقة القائمة بين أغلبية سكان الكنفدرالية وبين قواتهم المسلحة ذات نوعية غير عادية، فهي تمزج بين مشاعر الثقة والاعتزاز والمشاركة النشطة.
ويبدو أن تقاليد الرماية العريقة وممارسة طقوس الحياة العسكرية الصارمة والجادة، لا زالت مقترنة لدى معظم السويسريين بتصور صارم لحياد مسلح ومستعد لكل طارئ في بلد صغير يقع في قلب القارة الأوروبية، رغم وجود أقلية نشطة معارضة للجيش ورافضة لكل زيادة في ميزانيته أو في دوره.
المزيد
جيش الميليشيات
سويس انفو
بدأ العمل بآخر إصلاح للجيش السويسري في بداية 2004 إثر موافقة الناخبين على المشروع الذي عرضته الحكومة.
يضم الجيش السويسري حوالي 120 ألف عنصر نشط و100 ألف ضمن الاحتياطي، وهو ما يجعل منه أحد أكبر الجيوش في أوروبا.
إلى حدّ الآن، تمكّـن مبدأ جيش الميليشيا، الذي ينصّ على التجنيد الإجباري للرجال، من الصمود والبقاء، رغم تكلفته ومطالبة البعض بإلغائه.
في عام 1989، صوّت حوالي 36% من الناخبين بـ “نعم” لفائدة مبادرة أطلقتها أطراف مؤيدة للسلم، تدعو إلى إلغاء الجيش.
في الكلمة التي افتتح بها وزير الدفاع سامويل شميت التظاهرة يوم الجمعة 28 أكتوبر 2006، شدّد على التهديدات الجديدة التي يتعيّـن على الجيش السويسري التصدي لها.
قال الوزير: “إذا ما كان الأمن مضمونا اليوم، فلن يكون ذلك متاحا بشكل آلي غدا”، لذلك، يجب إعادة تقييم الوضع بشكل مستمر.
من جهته، أشار قائد القوات البرية لوك فيلاي، إلى أن “المخاطر الحالية منتشرة. فبالأمس، كانت التهديدات ذات حدود واضحة، أما اليوم، فلم تعد لها حدود، ويجب على الجيش أن يواجهها”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.