العرب.. هل هناك خيارات بديلة؟
أعلن اليمن يوم الأحد 23 يوليو عن سحب اقتراحه لعقد قمة عربية طارئة حول الوضع في لبنان وقطاع غزة خشية من تعميق الانقسام السياسي في الصف العربي.
ويعد الجدل الذي يسبق القمم العربية شيء متكرر ومعروف، سواء كانت دورية أو طارئة، ويزداد حدة كلما تعلق بالموقف من القضية الفلسطينية أو أحد فروعها في لحظة أزمة عاتية.
ما يجري الآن في فلسطين المحتلة ولبنان، يصل إلى عُـمق القضية وقلبها وأطرافها، وما وراء تلك الأطراف في آن واحد.
وهنا يبدو التساؤل: ماذا يمكن للقمة العربية أن تقدّمه في ظرف كهذا، في وقت يرى بعض العرب المؤثرين أن شرارة ما حدث في فلسطين ولبنان، تمت لحسابات غير عربية، بل كانت بالأساس لتوريط العرب في معركة غير محسوبة، وأصلها المزايدة والانفعال والحسابات العاطفية، وليس مصلحة الأمة ولا مصلحة فلسطين أو لبنان، وبالتالي، فالمعركة ليست معركتهم، فلماذا يتحملون العبء؟
معضلة الخيارات الاستراتيجية
الموقف العربي من القمة، رفضا أو قبولا أو تحفظا، وسواء عُـقدت أم لا، هو في شق كبير منه موقف من الخيارات الممكنة والخيارات التي يمكن للعرب وُلوجها جماعيا. إنه موقف من الخيارات الاستراتيجية البديلة لما تم تجريبه لمدة أكثر من عقد، ويتم التمسك به باعتباره الخيار العربي الوحيد، أي خيار السلام والتسوية السلمية، والمعبّـر عنه في المبادرة العربية الصادرة عن قمة بيروت 2002، والذي اثبت أنه لا يمثل شيئا يُـذكر بالنسبة للأطراف المعنية، أي إسرائيل والولايات المتحدة، وربما بعض الدول الأوروبية، إذ أن النظرة السائدة، أمريكيا وأوربيا وأيضا إسرائيليا، لهذه المبادرة العربية للسلام، أنها فقط تعبير عن نية عربية جماعية للاعتراف بإسرائيل دون أن تقدّم الأخيرة بالضرورة ثمنا لهذا الاعتراف، حدّدته المبادرة نفسها بكل وضوح. وبما أن العرب متمسّـكون بالسلام حسب فهمهم، فهم إذن لا يعملون للحرب ولا يستعدون لها، وبالتالي، يتحقق أمن إسرائيل، سواء تحقق هذا السلام أم لم يتحقق.
ومع عدم وجود آلية عربية ودولية داخل المبادرة العربية نفسها من أجل تطبيقها، فقد انتهت إلى أن تكون تعبيرا عن النوايا بأن لا أحد عربيا يفكّـر في شيء آخر غير المفاوضات واللجوء إلى الولايات المتحدة، حامية حمى إسرائيل، فتكون المبادرة قد تضمّـنت في صُـلبها ما يعني تخلي العرب عن أي بديل آخر في التعامل مع القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.
البديل الآخر..
تعبير البديل الآخر لا يعني بالضرورة اللجوء إلى الحرب، التي هي أحد الخيارات المنطقية والمطروحة نظريا، والتي لا يمكن لأي دولة تواجه أزمة البقاء والصراع الدائم مع عدو لا شريعة له سوى القوة المطلقة، أن تتخلى عنه إلا في عالم مثالي لا وجود له عبر التاريخ، ولا يمكن تصور حدوثه في أي مستقبل كان. هذا البديل الآخر، يعني أيضا توظيف أوراق القوة العربية الاقتصادية في الضغط على من يجب الضغط عليهم، لكي يتبنّـوا الموقف العملي المناصر للحق العربي، وتعني أيضا نسج تحالفات إقليمية ودولية تمثل سياجا للأمن والدفاع، وتعني كذلك حركة نهضة عربية جماعية تعتمد على الذات، ولا تنكفئ عن العالم المعاصر. وفى كل الأحوال، تعني تعبئة عربية منهجية للمواطن العربي ولقدراته، بأن ثمة مواجهة متعددة الأبعاد عليه أن يعد نفسه لها بكل ما يمكن فعله.
هذه البدائل وغيرها تبدو غائبة تماما عن الفعل، ومن ثم صارت النتيجة، وفي ظل توازن قوي عسكري مختل بشدة لصالح الدولة العبرية في مواجهة كل الدول العربية، أن خيار السلام الاستراتيجي لم يخرج عن القبول بالوضع الراهن إجمالا، وفي أفضل الأحوال تقديم المساندة السياسية العامة للفلسطينيين مع بعض الدعم الاقتصادي، وترك الفلسطينيين يتحملون عاقبة ما يفعلونه. وعند الأزمات، مناشدة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل لتهدئة آلة البطش الإسرائيلية.
حتى هؤلاء الذين ينادون أحيانا بدعم المقاومة الفلسطينية لا يخرجون عن الحيز المعنوي والثقافي لمعنى الدعم والمساندة، ذلك لأن التحول من الرمزيات والمعنويات إلى الجوانب العملية تعني نوعا من المشاركة في فعل المقاومة، الذي هو عسكري في أحد جوانبه، وليس هناك من يستطيع أن يقدم على ذلك، لأنها باختصار تعني التورط في معادلات قوى غير مناسبة لكل الأطراف.
المتغير الإسلامي
ومع دخول المتغير الإسلامي بقوة في معادلات الحرب والسلام والمقاومة والتسوية، باتت الحسابات لدى أطراف عربية عديدة أكثر تعقيدا من قبل. والمتغير الإسلامي هنا، يبدأ من إدماج عناصر عقائدية إسلامية في صُـلب المواجهة مع الدولة العبرية، وتنتهي باعتبار المواجهة تعبير عن صراع بدأ بين الإسلام وخصومه، ومرورا بدخول أطراف إقليمية في صلب معادلات الحرب والسلام إجمالا لأهداف عدة.
وما صدر عن بعض أطراف عربية في بداية الأزمة اللبنانية، وحمل لوما لحزب الله وما زال، وألمح إلى دور إيراني في عملية أسر الجنديين الإسرائيليين، يكشف عن بعض التعقيد الناتج عن إدماج المتغير الإسلامي، الفكري والتنظيمي، في صلب القضية الفلسطينية في ظل بيئة دولية تربط تلقائيا بين الإسلام والإرهاب، وفي ظل مساعي لكل الدول العربية في أن تنأى بنفسها عن الاتهامات العشوائية الغربية والأمريكية عن الإرهاب والإرهابيين.
وهناك قول شائع بأن بعض النظم العربية تقلق وأخرى تخشى من تنامي القوة المعنوية والسياسية لجماعات المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين معا، لما في ذلك من تأثير غير مباشر على شعبية الجماعات الإسلامية في داخل هذه البلدان. والبعض يصل إلى أن هذا التنامي من شأنه أن يخصم من الأدوار السياسية والإقليمية لبعض الأطراف العربية.
خصم من الأدوار
والخصم هنا، ناتج عن أن هذه الجماعات المقاومة تقدم نموذجا آخر لحرب التحرير الشعبية الملتزمة دينيا، وتحقق بعض النجاحات، فيما يقتصر تحرك النظم على مناشدة الولايات المتحدة، التي لا تسمع تلك المناشدات وتعمل على كبتها، بل وإفساح المجال لآلة الحرب الإسرائيلية تعيث فسادا هنا وهناك.
كيف يكون البديل العربي إذن؟ المؤكد أن الأمر ليس سهلا أو مجرد قرار محكم الكلمات والتعبيرات. فهناك حاجة ماسّـة للاعتراف بأن العرب يحصدون بالفعل نتيجة ما زرعوه طيلة العقود الأخيرة، وأن استراتيجية بديلة بكل المعاني هي المخرج الوحيد. وتلك بحاجة إلى إرادة وموارد واستعداد للتضحيات والدخول في مجابهات عدة، وبناء تحالفات استراتيجية واعية، دوليا وإقليميا، وخفض الاعتماد على أمريكا وحدها.
ولعل اعتراف عمرو موسى، أمين الجامعة العربية بأن عملية السلام قد ماتت بعد أن سُلمت لطرف بعينه يعبث بها كما يشاء، يمثل بداية تفكير عميق فيما يجب عمله. لكن إيحاءات الإرادة العربية لا تصب في هذا الاتجاه.
استراتيجية بعيدة المدى ليست مطروحة إذن على أي قمة عربية طارئة. فالكل يعرف أن هذا مجال لإحراج كبير، ليس مجاله الآن. ولذا، فكل ما هناك هو البحث في مفردات الأزمة اللبنانية الراهنة. والأسهل الممكن، هو أن تخرج القمة بوعود سخية للمساهمة في دعم وإعمار لبنان، تعويضا له عما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية، هذا عند وقف إطلاق النار والتوصل إلى تفاهم ينهي مسببات الأزمة الراهنة.
دعم وإعمار منتظر
أما سياسيا، وفي حدود الأزمة، فالظاهر، ورغم كل تعمد أمريكي أوروبي إسرائيلي لإبطاء التوصل إلى وقف إطلاق النار، فإنه سيحصل لا محالة في ذلك. وفي حدود التوصل إلى هذا الوقف، فربما يكون للقمة دور في تأكيد التوصل إلى صيغة شاملة لوقف إطلاق النار، ودعم الدولة اللبنانية، وربما ترجيح القبول العربي واللبناني بصيغة معينة في هذا الصدد.
والمرجح، أن تراعي هذه الصيغة رؤية الحكومة اللبنانية، التي على لسان رئيسها السنيورة بدأت ترى الأمور بعين جديدة تختلف عن رؤية مطلع الأزمة، رؤية تراعي كل التوازنات اللبنانية الحالية والمستقبلية، ومن هنا، ربط التوصل بوقف إطلاق النار بحل الملفات العالقة والمسببة للازمة، ومن بينها الحدود مع إسرائيل وتحرير مزارع شبعا وإطلاق الأسرى اللبنانيين، وفى المقابل، إطلاق الأسيرين الإسرائيليين، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، وترك مصير حزب الله للحوار الوطني اللبناني الداخلي.
من يتأمل هذه الصيغة الجديدة، التي قام بها السنيورة، يُـدرك أنها تستند إلى وعي بأن حزب الله موجود وباق رغم المواجهة مع الدولة العبرية، وأنه لا يمكن العبور عليه أو على مطالبه، التي هي جزء من مطالب الدولة اللبنانية ككل. وكما سيطلب اللبنانيون أنفسهم، سيكون على العرب أن يقبلوا، ولو على مضض.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.