“الفوز” للإخوان .. و”الأغلبية” للوطني
بدأت يوم الخميس 1 ديسمبر المرحلة الثالثة والاخيرة من الانتخابات التشريعية المصرية التي ستنتهي بوجود أكبر كتلة من المعارضين في البرلمان منذ سقوط النظام الملكي عقب قيام ثورة يوليو عام 1952.
ويدور التنافس يوم الخميس على 136 مقعدا في مجلس الشعب المكون من 444 مقعدا تشغل بالانتخاب تضاف إليها عشرة مقاعد تشغل بالتعيين.
أثار الفوز الكبير الذي حققته جماعة الإخوان المسلمين بمصر، في المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية لمجلس الشعب (أحد غرفتي البرلمان)، والأداء غير المتوقع للحزب الوطني الحاكم – رغم التوقعات الأكيدة باحتفاظه بأغلبية مريحة – عددا من التساؤلات المشروعة وعلامات الاستفهام المهمة.
ومع انتهاء جولة الإعادة من المرحلة الثانية من الانتخاب، أصبح للإخوان 76 مقعدا، وهو ما يعادل ربع إجمالي عدد النواب الذين وصلوا للبرلمان، فيما تتقدم الجماعة للمرحلة الثالثة التي بدأت جولتها الأولى في 1 ديسمبر 2005 (وجولة الإعادة يوم 7 ديسمبر) بـ 49 مرشحا.
ملاحظات جديرة بالرصد
أسفرت المرحلتان، الأولى والثانية، عن عدد النتائج والملاحظات الجديرة بالوقوف عندها وأهمها:
– انحسار المنافسة عمليا بين الحزب الوطني الحاكم (صاحب الأغلبية)، وجماعة الإخوان المسلمين (ثاني أكبر الكتل البرلمانية بعد الحزب الحاكم)، فيما لم تحصل قوى المعارضة مجتمعة إلا على عدد قليل جدا من المقاعد.
– بروز القدرة العالية لجماعة الإخوان على التخطيط الجيد للعملية الانتخابية والتنظيم والمتابعة والتنفيذ المحكم، وأيضا تجلت قدرتها على الحشد، وشعبيتها الواسعة والثقة الكبيرة التي أولاها قطاع مهم من الناخبين لها.
– قيام رؤساء تحرير الصحف القومية، ومديري البرامج الحوارية بالقنوات المصرية، بشن حملة إعلامية ضد جماعة الإخوان المسلمين، التي حققت فوزا كبيرا حتى الآن، والطعن في قدراتها والتشكيك في نياتها في محاولة للصق تهمة الإرهاب وتهديد أمن مصر القومي، ومحاولة تخويف الأقباط من فوز الإخوان، كما شنوا حملة على شعار الجماعة الانتخابي الموحد وهو (الإسلام هو الحل)، بالتشكيك في مصداقيته، والقول بأنه وسيلة لتخدير الشعب ودغدغة عواطفه الميالة للإسلام.
– أظهرت هذه الانتخابات قدرة قيادة الجماعة على إدارة الحملة الانتخابية والتعامل مع وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية بقدرة فائقة، حيث قام عدد من عناصر ورموز الإخوان بالتصدي للحملات المضادة التي قادها عدد من العلمانيين واليساريين والحكوميين. وفي هذا السياق، كانت تغطية قناة الجزيرة الفضائية للمرحلتين الانتخابيتين ملفتة.
سقوط الكبار
من جهة أخرى، كشفت المرحلتان عن ظواهر أخرى أهمها:
– سقوط عدد كبير من قيادات الحزب الحاكم ورموزه البارزة على أيدي مرشحي جماعة الإخوان، وفي مقدمتهم: الدكتور يوسف والي، وزير الزراعة السابق، النائب السابق لرئيس الوزراء، ونائب رئيس الحزب الوطني، كما شهدت الجولة أيضا سقوط قيادات بارزة في الحزب الوطني الحاكم، بينهم السيد راشد، رئيس اتحاد العمال، ووكيل مجلس الشعب المصري السابق، ومحمد عبد الإلاه، رئيس جامعة الإسكندرية، وزعيم الأغلبية السابق أحمد أبو زيد، ومحمود صبح في الإسماعيلية، وأمين مبارك، رئيس لجنة الصناعة بمجلس الشعب، ابن عم الرئيس مبارك، والدكتور حسام بدراوي، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، والنائبات المعمرتان في البرلمان فايدة كامل وثريا لبنة.
– سقوط عدد كبير من قيادات ورموز المعارضة، مثل خالد محي الدين، الزعيم التاريخي لحزب التجمع اليساري، وأحد الضباط الأحرار الذين نفذوا ثورة يوليو 1952، وكذا النائبين المخضرمين لحزب التجمع اليساري أبو العز الحريري، والبدري فرغلي، والدكتور أيمن نور، رئيس حزب الغد، والذي جاء ثانيا بعد الرئيس مبارك في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخرا، والدكتورة مني مكرم عبيد، القيادية بحزب الغد، ومجدي أحمد حسين رئيس حزب العمل المجمد، ونائب رئيس حزب الوفد منير فخري عبد النور.
البلطجة سيدة الموقف
كما يلاحظ على هاتين المرحلتين عدم حسم النتيجة بأيهما في الجولة الأولى، ووصول أكثرية المقاعد إلى جولة الإعادة، مما حدا بالبعض إلى القول بأن “الإعادة هي سيدة الموقف”.
فقد ميز المرحلة الثانية، انتشار أعمال البلطجة في معظم الدوائر، وتحديدا تلك التي يترشح فيها مرشحون من جماعة الإخوان، حتى أطلق البعض على جولة الإعادة في معظم الانتخابات عبارة “البلطجة هي سيد الموقف”.
وفيما تمسكت السلطات الأمنية في المرحلة الأولى بموقف الحياد السلبي، والذي يبدو للملاحظ البعيد على أنها “حالة من استتباب الأمن”، غير أن هذا الموقف السلبي هو الذي شجع البلطجية إلى إثارة حالة من الفوضى لم ينتبه لها القضاة ورؤساء اللجان الإنتخابية إلا مؤخرا.
لعبة المستقلين
من الظواهر المتكررة (قياسا إلى انتخابات عام 2000) لجوء الحزب الوطني مجددا إلى ضم المستقلين الفائزين في الدوائر التي رسب فيها نوابه، كنوع من تغطية الخسائر التي مُـني بها، وهو سلوك يرفضه الخبراء والمحللون، كما يطعن في صحته عدد من القانونيين، وذلك انطلاقا من كون الناخب قد اختار هذا النائب لأنه مستقل، ولو كان يريد اختيار مرشح الحزب الوطني لفعل، ومن ثم، فإن كثيرا من الخبراء والمراقبين اعتبروا أن ما يحدث يمثل “نوعا من التزييف لإرادة الناخب ورغبته”.
فقد سارع الحزب الوطني عقب كل جولة إلى ضم الفائزين من المستقلين، ولو بـ “الإكراه”، مستخدما سلاح “سيف المعز وذهبه” أي كافة أشكال الترغيب والترهيب، مما أفقد هذا القسم الكبير من الفائزين بثقة الناس وبالكراسي مكانتهم عند من انتخبوهم، وهو ما حدا ببعض المحللين إلى القول بأنه سيكون “من الصعب حصول أي مرشح مستقل في أي انتخابات قادمة على ثقة الناخبين”.
الوطني.. صراع “القديم” و”الجديد”
كما ظهرت حالة من الانقسام داخل الحزب الوطني الحاكم بين “الحرس القديم”، والذي يمثله صفوت الشريف، الأمين العام للحزب، وكمال الشاذلي، أمين التنظيم بالحزب، وزكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وبين “الحرس الجديد” بزعامة جمال مبارك، رئيس لجنة السياسات، يُـسانده المهندس أحمد عز، والدكتور محمد كمال، عضو الأمانة العامة للجنة السياسات.
وقد تمثلت هذه الانقسامات في ما اعتبر “حالات التآمر” لإسقاط عدد من أعضاء لجنة السياسات من رجال جمال مبارك، أمثال: الدكتور حسام بدراوي والدكتور محمد عبد الإلاه. وتتردد أنباء في القاهرة حول نية السيد جمال مبارك اعتزال السياسة، ومزاعم أخرى عن نيته الخروج من الحزب الوطني وتشكيل حزب جديد باسم “حزب المستقبل”، يضم الحرس الجديد أو ما يطلق عليه “التيار الإصلاحي”.
على صعيد آخر، ظهرت “الجبهة الوطنية للتغيير” في صورة غير لائقة، حيث لم تحقق نتائج تذكر في المرحلتين الأوليين من السباق الإنتخابي، وهو ما يعكس – حسب رأي بعض المحللين – ضرورة تمسك الجبهة بأحزابها الـ 11 بجماعة الإخوان المسلمين، ذات الشعبية الواسعة والقدرة الكبيرة على الحشد والتنظيم، واعتبارها سندا مهما لنجاح الجبهة في مسيرتها القادمة من أجل المطالبة بالإصلاح الشامل والكامل.
القضاء في المواجهة
كما كشف المسار الإنتخابي عن بروز نماذج مشرفة للقضاء المصري من خلال تصديها للتزوير والتلاعب في النتائج في بعض الدوائر، رغم ممارسة المزيد من الضغوط عليهم من السلطات الأمنية وقيادات الحزب وأعضاء بالحكومة الحالية، وفي مقدمتهم المستشارة الدكتورة نهى الزيني، نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، والتي كانت إحدى رؤساء اللجان الفرعية في دائرة دمنهور التي كان مرشحا بها الدكتور محمد جمال حشمت، القيادي بجماعة الإخوان، ومنافسه الدكتور مصطفى الفقي مرشح الحزب الحاكم، والتي سجلت شهادتها في نادي القضاة، والتي أقرت فيها بأن نجاح الفقي باطل لأنه تم بالتزوير.
كما دعت القضاة الذين كانوا يرأسون اللجان الفرعية بدمنهور للشهادة لدى نادي قضاة مصر، وهو ما أسفر عن تأييد 137 قاضيا للدكتور نهى وإقرارهم بالتزوير، وهو ما شجع حشمت لتقديم طلب لوزير العدل بصفته رئيس اللجنة العليا للانتخابات بالتحقيق مع رئيس اللجنة العامة بدمنهور، كما أرسل رسالة للرئيس مبارك طالبه فيها بالتدخل شخصيا للقضاء على التزوير والتلاعب الذي يشوِّه العملية الانتخابية.
وقد دفع هذا المجلس الأعلى للقضاء – وهو هيئة حكومية – إلى إحالة 10 من كبار القضاة والمستشارين للتحقيق بدعوى مخالفة القانون والدستور من خلال “إدلائهم بتصريحات وتعليقات لوسائل الإعلام والقول بالرأي بترجيح كفة مرشح على آخر، والطعن في ذمم بعض القضاة من زملائهم واتهامهم بالتزوير”، وهو قرار صعد من حدة الخلاف بين “نادي القضاة” (أشبه ما يكون بنقابة للقضاة) وهو هيئة مستقلة، وبين “المجلس الأعلى للقضاء” الحكومي.
وعلى أية حال، فإن نتائج المرحلة الثالثة من الانتخابات التشريعية لعام 2005، والتي ستجرى على جولتين (الأولى في 1 ديسمبر، والثانية (الإعادة) يوم 7 ديسمبر) سوف لن تضيف الكثير للنتيجة العامة، حيث ستؤكد حصول الحزب الوطني الحاكم على الأغلبية، كما ستؤكد صعود نجم الإخوان كثاني قوة سياسية في البلاد، وأكبر قوة معارضة بها.
ومع أن الحكومة لا زالت متمسكة برفض الإعتراف بالإخوان إلا أنها ستواجه مجددا – وبقوة – بإشكالية السماح لها بحضور سياسي واضح وقانوني بعدما كشفت نتائج الانتخابات أنها بالفعل موجودة وقوية.
إضافة إلى ذلك، سوف يتابع الجميع بانتباه كيفية أداء نواب الإخوان في البرلمان المقبل رغم أن مكاسبهم “الإستثنائية” لا تهدد عمليا الاغلبية التي يتمتع بها الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في المجلس.
همام سرحان – القاهرة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.