مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اللاجئُون الحقيقيُون قد يدفعُون الثَّمن!

Keystone

بينما تطغى العوامل السياسية بقوة على ملف اللجوء في سويسرا ومُعظم الدول الأوروبية، وتتصاعد النداءات لتشديد اجراءات اللجوء، يحذر منتقدو هذه السياسة من تجاهل احتياجات اللاجئين الحقيقيين.

سويس انفو التقت بأسرة لاجئين عراقيين لتسليط الضوء على الخلط الذي ولده الجدل بين اللجوء الحقيقي والهجرة السرية.

مازالت مُبادرة حزب الشعب اليميني بخصوص تشديد سياسة اللجوء إلى سويسرا تثير جدلا واسعا في الكُنفدرالية قبل يومين من تصويت الناخبين عليها. المُبادرة التي تريد التصدي لما تصفه بـ”التجاوزات في مجال اللجوء”، تقترح على سبيل المثال رفض منح حق اللجوء لأشخاص عبروا دولة “آمنة” على الحدود السويسرية والاكتفاء بضمان الحد الأدنى من المساعدات المالية والصحية لطالبي اللجوء.

ويقول حزب الشعب إن هذه الاحتياطات الصارمة ستردع “المهاجرين الاقتصاديين الذين يختفون وراء أقنعة طالبي اللجوء”، وستمنعهم من القدوم إلى سويسرا بحثا عن إمكانية العمل بصفة شرعية أو غير شرعية. لكن التعديلات القانونية الجذرية التي يقترحها حزب الشعب تطرح إشكالية حقيقية باتت تقلق المُدافعين عن حقوق اللاجئين، حيث أنها قد تحرم أشخاصا في أمس الحاجة إلى الحماية، من حق اللجوء الذي تضمنه لهم المعاهدات الدولية أو قد تُُعقّـد إجراءات حصولهم على هذا الحق.

النجاةُ مقابل آلاف الدولارات

“سويس انفو” التقت بأسرة عراقية حصلت على حق اللجوء بسهولة في سويسرا قبل أربعة أعوام بعد أن تأكدت السلطات من وضعيتها واستنتجت حاجتها الماسة إلى الحماية. لكن أسرا أخرى في نفس الظروف قد لا تستفيد من حق اللجوء مستقبلا، إن صادق الناخبون السويسريون على مبادرة حزب الشعب يوم 24 نوفمبر الجاري.

أسرة “د” العراقية، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها خوفا على أقارب مازالوا في بغداد، غادرت العراق قبل أربع سنوات. بدأت رحلة هذه الأسرة بعبور تركيا وبلغاريا واليونان وإيطاليا قبل أن تطلب حق اللجوء في سويسرا.

يحكي رب الأسرة “د” لـ”سويس انفو”: “كنت أعمل جراحا بيطريا في بغداد، وساهمت في جمعية خيرية كانت تحاول مساعدة الفقراء والمرضى الأكثر تضررا من العقوبات الدولية”. هذه الجمعية كانت مدعومة أيضا من قبل أطباء كنديين وأستراليين. وعندما قدم هؤلاء الأطباء يوما ما إلى بغداد في زيارة للمستشفيات المحلية، ألقت الشرطة السرية القبض على الجراح “د” واعتقلته لمدة عشرة أيام ثم أجبرته على توقيع وثيقة يوافق فيها على التجسس على الأجانب.

كان الحدث بالنسبة للسيد “د” إشارة واضحة لمغادرة البلاد. كيف؟ يجيب الجراح “د”: “إن كنت تعلم شيئا عن العراق، فانك تعلم بالتأكيد أن الدخول في مشاكل مع البوليس السري يعني النهاية. كم من أسر ماتت بدون سبب.”

وخشية على سلامة أسرته، قرر الجراح “د” هجرة بلاده فسافر وزوجته وأولاده الثلاثة الصغار (3، 4، و6 سنوات) إلى شمال العراق ومن ثمة عبروا بصفة غير شرعية الحدود التركية. وفي اسطمبول، عثر رب الأسرة “د” على مُهرب أشخاص وافق على تجهيز جوازات سفر مزورة للأسرة الهاربة واصطحبهم إلى سويسرا. وكان ثمن “المساعدة” 18000 دولار أمريكي!

حقبة ما قبل مبادرة حزب الشعب

ويتذكَّر السيد “د”: “قبل أن أغادر العراق، لم أكن أعلم شيئا عن اللجوء، لكنني كنت اعلم أن سويسرا بلد محايد وأن جنيف تحتضن مفوضية حقوق الإنسان، وبالتالي، كانت سويسرا هدفنا”. وحصلت أسرة “د” بالفعل على حق اللجوء بسرعة فور تأكّـد السلطات السويسرية من قصتها، واستنتاجها أن حقها في اللجوء لا نقاش فيه حسب ما تنص عليه معاهدات جنيف. لكن هذا الحق، في حالات شبيهة بحالة أسرة “د”، قد يخضع مستقبلا للنقاش إذا تمت المصادقة على مبادرة حزب الشعب.

غير أن السيد “د” يشك في حصول هذه المبادرة على أغلبية الأصوات، حيث يقول: “لا أظن أن الشعب السويسري سيصوت على هذا المقترح، لأنه سيحرم عددا كبيرا من الأشخاص المعرضين للخطر من الحصول على الأمان هنا، ولا أعتقد أن السويسريين يريدون ذلك. أعرف عددا كبيرا من السويسريين الذين أبلغوني انهم سيصوتون ضد المبادرة.”

ويعتقد السيد “د” أن المشاعر المعادية للأجانب التي صاحبت الجدل حول مبادرة حزب الشعب لا تمثل سوى أقلية صغيرة من الناخبين، حيث يقول: “الشعب السويسري ليس شعبا عنصريا. سويسرا، بطبيعتها الحقيقية، بلد متفتح جدا ومتسامح. فهي منقسمة إلى أربع مناطق لغوية، الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانش، تتعايش مع بعضها البعض. لذا أعتقد أن سويسرا أكثر انفتاحا وقابلية لاستقبال شعوب مختلفة مقارنة مع دول أخرى.”

اللجوء ومفهوم السعادة

غير أن الحياة كلاجئ، وخلافا لما يعتقده الكثيرون، ليست يسيرة والحصول على حق اللجوء في بلد غني وغربي مثل سويسرا، لا يعني وصفة السعادة المثالية. وهنا تتدخل زوجة السيد “د” للقول: “لا أدري إن كان يمكن بالفعل الحديث عن السعادة بالنسبة لنا، نحن آمنون هنا، زوجي وأطفالي سالمون، لكنني اشتاق للعراق، أشتاق لأمي ولبيتي، أشتاق لكل شيء، لا أستطيع أن أنسى، لا أقوى على ذلك.”

أما السيد “د” فيقول: “اعتقد انه على الإنسان أن ينسى السعادة فور مغادرته بيته. الحياة في سويسرا أفضل من الحياة في العراق، لكنني لست رجلا سويسريا، أنا عراقي وبيتي هناك في العراق. أسرتي هناك وكل ذكرياتي هناك.”

سويس انفو

يتجاوز عدد اللاجئين المعترف بهم حاليا في سويسرا 26000 شخص
معظمهم وصلوا الى سويسرا برا بعد عبورهم دولة “آمنة” في طريقهم الى الكنفدرالية
زهاء 10% من طلبات اللجوء تحصل على موافقة السلطات
قرابة 50% من طالبي اللجوء يحصلون على تصريح اقامة مؤقت بسبب هروبهم من حروب اهلية في بلدانهم

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية