المأزق القانوني لأمريكا في العراق
إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش عن نهاية العمليات العسكرية في العراق لا يعني قانونيا نهاية الحرب.
فإعلان نهاية الحرب على العراق يفرض على واشنطن التزامات قانونية ومادية تتعلق بوضع القوات الأمريكية كقوة محتلة، وبتصدير النفط وإعادة اعمار العراق.
رغم عملية الإخراج السينمائي التي قام بها البيت الأبيض لهبوط الرئيس بوش على ظهر حاملة الطائرات الأمريكية “ابراهام لنكولن” بطائرة حربية ساعد في قيادتها، ورغم خروجه منها بزي الطيارين المقاتلين وسيره متبخترا في زهو القياصرة المنتصرين لإتاحة الفرصة أمام الكاميرات لالتقاط صورة البطل التي يريد ألا تنمحي من ذاكرة الناخبين الأمريكيين حتى موعد انتخابات الرئاسة في نوفمبر عام 2004، فإن إعلان الرئيس بوش من على ظهر حاملة الطائرات، انتهاء العمليات القتالية الرئيسية في العراق بانتصار الحلفاء، لم يمكن الرئيس الأمريكي من إخفاء حقيقة أن الولايات المتحدة أمامها مهمة صعبة في العراق تتمثل كما قال في:
*إعادة الأمن والنظام إلى البلاد.
*تعقب زعماء النظام السابق.
*البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية.
*إعادة بناء وإعمار العراق.
*مساندة الشعب العراقي في إقامة نظام حكم للشعب وبالشعب ومن أجل الشعب، وهو ما سيستغرق وقتا طويلا، ولن تستكمل المهمة إلا بعد أن يكون العراق حرا وديمقراطيا!
وتهافت المحللون والمشرعون الأمريكيون لتحليل بنود تلك المهمة الصعبة، قالت عضوة مجلس الشيوخ ديبي فاينستاين، إن هدف إقامة حكم ديمقراطي في العراق قد يتطلب استمرار الوجود العسكري الأمريكي هناك مدة تتراوح بين ثلاثة وخمسة أعوام.
وقال مفتش الأسلحة السابق في العراق، ديفيد أولبرايت، إن القوات الأمريكية أخفقت تماما في العثور على أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتبين للجميع كذب أتباع المؤتمر الوطني العراقي في داخل العراق حول المعلومات التي حاولوا تقديمها كمبررات لشن حرب أمريكية على العراق خدمة لهدفهم الخاص بالتخلص من النظام العراقي.
وشكك المفتش الدولي السابق، وهو أمريكي الجنسية، في صحة تقارير المخابرات الأمريكية والبريطانية حول ما تضمه مواقع محددة في العراق من أسلحة للدمار الشامل ثبت بعد الغزو أن ما بها لا يختلف عما ورد بالتقارير العراقية.
وقال أحد المحللين السياسيين مازحا “أرجو ألا تلجأ القوات الأمريكية إلى الاستعانة بخبراء من إدارة الشرطة في مدينة لوس أنجلوس المشهورة بزرع الأدلة المصطنعة لتجريم أبرياء بهدف إغلاق ملف الجريمة بأي شكل”.
وفيما يتعلق بهدف تحويل العراق إلى نظام ديمقراطي من خلال انتخابات حرة، مع تأكيد وزير الدفاع الأمريكي أنه لن يسمح بتحول العراق إلى نظام حكم ديني مثل إيران مهما كانت شعبية هذا النظام في العراق، قال محلل سياسي آخر: “يالها من ديمقراطية! إن تقليص الفرص المتاحة أمام الناخب العراقي لتقرير نوع الحكم الذي يريده وفقا لمنطق رامسفلد يذكرني بمقولة هنري فورد عندما انتج سيارة فورد الأولى وقال، يمكن للمشتري أن يختار أي لون يريده طالما كان اللون الأسود!”
المأزق القانوني لبيع البترول
وطبقا لخبراء القانون الدولي، فإن إعلان بوش عن انتهاء العمليات القتالية الرئيسية في العراق لن يغير شيئا من الوضع القانوني للولايات المتحدة كقوة احتلال في العراق، تتحمل مسؤولية احترام حقوق المدنيين العراقيين، وتوفير أمنهم وحماية ممتلكاتهم الخاصة والعامة، وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة.
لكن السفير حسين حسونة، سفير الجامعة العربية في واشنطن وأحد خبراء القانون الدولي البارزين، أكد لسويس إنفو أن هناك مأزقا قانونيا بالنسبة للوضع الأمريكي في العراق. فطبقا لاتفاقيات جنيف الرابعة، لا يجوز لدولة الاحتلال أن تتحكم في الثروات الطبيعية للبلاد التي احتلتها. وبالتالي، لا يمكن للولايات المتحدة التحكم في البترول العراقي، وهذا هو السبب الذي دعاها إلى مساندة استمرار العمل ببرنامج النفط مقابل الغذاء، الذي يخول الأمم المتحدة الإشراف على عقود بيع البترول العراقي واستخدام عائدات المبيعات في تمويل الاحتياجات الأساسية للشعب العراقي.
ويقول الدكتور حسين حسونة، إن الولايات المتحدة تحاول حاليا سد الفراغ في برنامج النفط مقابل الغذاء، والذي كان يعتمد على قيام الحكومة العراقية بتصدير البترول وفق العقود التي توقعها بموافقة الأمم المتحدة، ومع إسقاط تلك الحكومة تتكثف الجهود الأمريكية للإسراع بتشكيل سلطة عراقية انتقالية مؤقتة قبل انتهاء العمل بالبرنامج الحالي في الثالث من الشهر القادم، آملة في أن يكون لتلك السلطة المؤقتة من الشرعية ما يمكنها من توقيع عقود جديدة لبيع البترول العراقي. لكن هذا سيتوقف على طريقة تشكيل تلك السلطة ومدى موافقة الشعب العراقي عليها، وقبول المجتمع الدولي بها كسلطة تمثل الشعب العراقي.
ويتفق مع هذا التحليل الدكتور داود خير الله، أستاذ القانون الدولي بجامعة جورج تاون الذي قال لسويس إنفو، إن الوضع القانوني لمبيعات البترول العراقية في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، سيتوقف على مواقف الدول والشركات المستوردة له، إذ يتعين عليها التعامل مع سلطة عراقية مسؤولة.
فإذا لم يتوافر هذا الشرط، سيكون من المستحيل عليها التعامل مع جهة لا تمثل قانونيا جهة الاختصاص المالكة للبترول العراقي ولحقوق التصرف فيه. وحتى إذا تم إيجاد سلطة عراقية مؤقتة، فإن تعامل الدول والشركات المستوردة للبترول العراقي سيتوقف على مدى شرعية تلك السلطة.
فإذا حاولت الولايات المتحدة أو أي سلطة تنتدبها كقوة احتلال توقيع عقد بعيد المدى لتصدير البترول العراقي، ثم جاءت حكومة شرعية عراقية فيما بعد ورفضت الاعتراف بذلك العقد، فإن الشركة أو الدولة التي تعاقدت مع السلطة المؤقتة أو المنتدبة تكون قد وضعت نفسها أمام مخاطر جسيمة. لذلك، تحتاج مبيعات البترول العراقي إلى توفر الاعتراف الدولي بالسلطة المؤقتة في العراق.
المأزق القانوني أمام رفع العقوبات
ويري السفير حسين حسونة، سفير الجامعة العربية في واشنطن، أن هناك مأزقا قانونيا آخر يواجه الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وهو أنها، ورغم احتلالها للعراق، أخفقت في العثور على ما كانت تؤكد وجوده في العراق من أسلحة الدمار الشامل، والذي كان المبرر الرئيسي لحربها الاستباقية ضد العراق.
وعندما طالبت مجلس الأمن برفع العقوبات عن العراق، واجهت مشكلة قانونية تتمثل في أن المجلس لا يمكنه رفع العقوبات إلا بعد التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل. وبالتالي، فإن على الولايات المتحدة السماح لمفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة باستئناف مهامهم، وإبلاغ مجلس الأمن بخلو العراق من تلك الأسلحة، وهو ما أعرب عنه كل من الدكتور هانس بليكس، كبير مفتشي الأسلحة، والدكتور محمد البرادعي، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
أما المأزق القانوني الثالث الذي يواجه الولايات المتحدة بعد حربها بزعم تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية بالقوة، فيتمثل كما يقول الدكتور حسين حسونة في أن قرار مجلس الأمن رقم 687 الذي أصدره المجلس عام 1991 لفرض العقوبات الدولية على العراق، ينص في مادته الرابعة عشرة على أن التخلص من أسلحة الدمار الشامل العراقية ليس إلا الخطوة الأولى لإقامة منطقة خالية من هذه الأسلحة في الشرق الأوسط.
ولذلك، تتعالى الأصوات الآن في الأمم المتحدة لتأييد مبادرة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية، والتي جددت سوريا طرحها ولم يستطع المندوب الأمريكي في مجلس الأمن رفضها، لكنه أصر على أن الوقت ليس مناسبا لتنفيذها.
وقال سفير الجامعة العربية في واشنطن لسويس إنفو، إن المجموعة العربية في الأمم المتحدة ستواصل العمل لطرح تلك المبادرة، لأنها لا تقبل أن يتعامل مجلس الأمن بمكيالين، وستصر على أن ما ينطبق على دولة عربية فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، يجب أن ينطبق على إسرائيل أيضا.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.