المراكز التجارية في السعودية تستحيل مضمارا للمشي هربا من الحرارة
كل صباح، يتوجه السعودي محمد سلطان مرتديا قميصه وسرواله الرياضييّن إلى مركز تجاري مُكيّف في شرق الرياض، ليس بغرض التسوق أو التبضّع لكنّ لممارسة المشي لنحو ساعة بعيدا من الحرارة اللاهبة في الخارج.
وفي السعودية ومنطقة الخليج عموما، وهي من أكثر مناطق الأرض حراً، تمتدّ فترة الحرّ عادة بين نيسان/أبريل وتشرين الأول/أكتوبر، وهو ما يعيق ممارسة الكثير من الأنشطة في الهواء الطلق، خصوصا أثناء ساعات النهار وعلى رأسها التريّض.
ورغم أنّ الساعة لم تكن بلغت التاسعة صباحا، كانت الحرارة في الخارج تلامس الأربعين درجة مئوية حتى في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، فيما يلطّف تيار هواء بارد الأجواء داخل مركز “النخيل مول”.
ويقول المهندس سلطان (55 عاما) وهو يبطئ حركته قليلا ليلتقط أنفاسه ويرتشف الماء “الجو حارّ جدا بالخارج لممارسة الرياضة. والمشي (على جهاز المشي الكهربائي) في صالات الألعاب الرياضية ممل للغاية”.
ويؤكد لوكالة فرانس برس وهو إلى جانب زوجته المنقّبة، أن “الجو هنا بارد لا يسبّب العطش لذا الأجواء مثالية لممارسة الرياضة خلال الصيف وحتى بداية الخريف”.
حولهما، كان آخرون يسيرون بخُطى متسارعة وكثير منهم في الثوب الأبيض التقليدي أو العباءات السوداء، لكنّ جميعهم يرتدون الأحذية الرياضية.
وفي الصباح الباكر حتى في عطلة الجمعة، تتحول الكثير من المراكز التجارية في الرياض لمضمار مشي مزدحم، حتى قبل أن تفتح المتاجر والمقاهي أبوابها.
– “الخيار الوحيد” –
وما إنّ غادر سلطان وزوجته المركز، حتى وصلت الأسترالية زوزانا كلاوس وأعضاء مجموعتها النسائية للمشي لبدء رياضتهنّ الصباحية.
وأسست كلاوس التي تعيش في الرياض منذ ستّ سنوات مجموعة RWG في 2020 لتجاوز أثار الحجر المنزلي المرتبط بأزمة كوفيد-19.
والآن، باتت تنظم أربع جولات للمشي أسبوعيا في مراكز تجارية كما توسعت المجموعة إلى مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر (غرب).
وتقول كلاوس التي ترتدي بنطالا رياضيا ضيقا وقميصا أرجوانيا فوقهما عباءة سوداء تركتها مفتوحة إنّ المشي في المراكز التجارية “هو الخيار الوحيد في السعودية بسبب الحرارة المرتفعة”.
وتؤكد الشقراء التي يتابعها أكثر من 20 ألف شخص على تطبيق انستغرام أنّ “المركز التجاري آمن للنساء ومكيّف و(الأجواء فيه) متحكّم بها. فلا تلوث ولا غبار ولا حركة مرور”، فيما كانت أكثر من 20 امرأة، معظمهنّ أمهات، يتريّضن أمام الواجهات الزجاجية للمتاجر التي لا تزال أبوابها مغلقة.
ولم يكن مشهد هؤلاء النساء وهنّ يتريّضن بملابسهن الرياضية ممكنا بشكل علني قبل سنوات قليلة لولا حملة الانفتاح الاجتماعي التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ 2017.
واعتاد سكان السعودية المترامية الأطراف، استخدام السيارات بشكل مفرط وهو ما حدّ تقليديا من ممارسة المشي. لكنّ المشيّ في المراكز التجارية، المعروف بالفعل في الولايات المتحدة، بات راهنا بمثابة رياضة سعودية.
وواحد من كل خمسة سعوديين مصاب بالسمنة، بحسب دراسة للبنك الدولي صدرت في 2022 واعتبرت المسألة “أمرا مقلقا”.
ولمواجهة هذا الخطر الصحي، ينظم الاتحاد العام للرياضة للجميع ماراثوناً شارك مئات السعوديين والأجانب في نسخته الثانية هذا العام.
وشرعت السلطات في تشييد “المسار الرياضي” ليقطع العاصمة الرياض من شرقها إلى غربها بطول 135 كيلومتراً في مسعى لتشجيع رياضة المشي وركوب الدراجات الهوائية وركوب الخيل.
لكنّ المشروع الطموح الذي يعدّه منظمون “عمودا فقريا أخضر عبر المدينة” مع “ملاعب كرة قدم مُظللة”، لا يزال بحاجة إلى سنوات ليكتمل.
– “الهواء الطلق أفضل” –
وتشهد السعودية عواصف رملية شديدة في فصل الربيع، الذي تنعدم خلاله الرؤية ويصعب التنفس، كما يشهد الشتاء أحيانا أمطار غزيرة.
وتقول اخصائية التغذية السعوديّة ليلى الرفاعي (46 عاما) وهي ترتدي عباءتها السوداء إنّ أمام هذا الطقس المتقلب، فإنّ “المراكز التجارية تشكّل الحل المثالي للاستمرارية في المشي أي وقت في اليوم وأي وقت في السنة مهما كان الطقس بالخارج”.
وباتت الأم لأربعة أبناء تمارس الرياضة ثلاث مرات أسبوعيا ضمن مجموعة كلاوس النسائية مشيرة إلى أن “الصباح الباكر هو الوقت الأفضل لهنّ للمشي قبل الانشغال بالمنزل والأبناء”.
وتضاعفت أعداد أندية اللياقة البدنية للرجال والنساء في أرجاء المملكة، لكنّ اشتراكاتها الشهرية مرتفعة بالنسبة للراغبين في ممارسة المشي فقط.
كما لا تناسب أجهزة المشي الكهربائية كبار السن خصوصا ممن يعانون آلاماً في المفاصل.
ويشجع مدرب اللياقة البدنية اللبناني حسّان مرعي زبائنه على السير في الهواء الطلق الذي يعتبره “الأفضل في كل الحالات”. ويقول الشاب المقيم في الرياض إنّ ذلك “يساعد على حرق الدهون أسرع ويقلل من التوتر”.
لكنّ السورية بتول زندالحديد (41 عاما) تجد المشي في المراكز التجارية “ممتازا لمن لا يزال يتحسس خطواته الأولى”.
وأشارت الرياضية المحجبة إلى أنها “تجربة أشمل ومسلية أكثر”، إذ إن ذلك يمكنها من متابعة أحدث صيحات الموضة في المحال المختلفة أثناء التريّض.
وبعدما صارت تأتي إلى المركز للمشي أكثر من التبضّع، أكّدت أنّ “الهدف المقبل هو أن نجري هنا كل يوم جمعة فجرا”.