المسيرة الطويلة لحقوق الإنسان في الصين
تحتل المسائل المتعلقة بالتعذيب وعقوبة الإعدام وحرية التعبير وإقليم التِّـيبت، موقعا محوريا في الحوار المتعلق بحقوق الإنسان بين برن وبايجنغ.
ولا تخفي سويسرا أن النتائج الملموسة تجد صعوبة في الظهور وتتمسك بأن طريق الحوار يظل المنهج الصحيح. لذلك، تثير سياسة “الخطوات الصغيرة”، التي تنتهجها برن، الانتقادات.
في موفى شهر أكتوبر 2006، نُـشر إعلان في الصفحة الأولى لليومية الصينية “تشاينا دايلي”، يقول: “إصلاح عقوبة الإعدام، يعطي دفعة لحقوق الإنسان”. لكن، تكفي قراءة الأسطر الأولى من المقال، لتتوصل إلى أن القضاء الصيني، الذي يُـعتبر من أنشط الأنظمة القضائية على جبهة تنفيذ أحكام الإعدام، لا يعتزم إحداث تغيير جوهري.
إن “الخطوة الكبرى باتجاه احترام حقوق الإنسان”، المعلن عنها، تتلخّـص في تحوير تشريعي يمنح للمحكمة العليا للشعب (وليس للمحاكم المحلية، مثلما هو الحال الآن) لوحدها، حق الموافقة على أحكام الإعدام، الصادرة فوق الأراضي الصينية.
من المحتمل أن هذا الخبر لم يمر مرور الكِـرام على الوفد السويسري، برئاسة وزيرة الخارجية ميشلين كالمي – ري، الذي كان يوجد في تلك الفترة بالتحديد في زيارة إلى العملاق الآسيوي، ذلك أن تنفيذ أحكام الإعدام، يعتبر أحد المواضيع المحورية، التي يشملها الحوار السياسي حول حقوق الإنسان، القائم بين برن وبايجنغ منذ عام 1991.
الإعدام وحقوق الإنسان في الاقتصاد
يقول دانتي مارتينيلّـي، السفير السويسري في بايجنغ لسويس انفو: “لقد أصبحت سويسرا شريكا مميّـزا للصين، بفضل السمعة الجيدة في مجال حقوق الإنسان، ونظرا لمصداقية عملها”.
فالقضايا الرئيسية، أي التعذيب وعقوبة الإعدام وحرية التعبير والعقيدة وحقوق الأقليات (وخاصة سكان إقليم التيبت)، تتم معالجتها خلال اللقاءات، التي تنتظم بشكل دوري بين وفود من البلدين.
آخر هذه الاجتماعات، التأم في شهر مارس الماضي في سويسرا، حيث “تمّـت بالخصوص، مناقشة بُـعد حقوق الإنسان في الاقتصاد”، مثلما ورد في وثيقة اعدتها وزارة الخارجية السويسرية، أكّـدت أيضا على أن الاجتماع دار في “جوٍّ مفتوح وبنّـاء”.
الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية، أشار على لسان المتحدثة باسمه مانون شيك، في رد على سؤال طرحته سويس انفو حول الوضع الحالي لحقوق الإنسان في الصين إلى أن “المسألة الأكثر خطورة، هي عقوبة الإعدام. فطبقا للعديد من المصادر، يبدو أن الإعدامات تتراوح بين 8 و10 آلاف في السنة، وهو ما يجعل من الصين البلد الذي يُـصدر أكبر عدد من أحكام الإعدام في العالم”.
وتضيف السيدة شيك، “هناك أيضا القمع على شبكة الإنترنت وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان وانتشار ممارسة التعذيب والعنف ضد النساء وعمليات القمع في الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي (التِّـيبت وكسينجيانغ)”.
تغيّـر في التعاطي
هذه الأوضاع، تعني أن مبررات الاحتكاك في الحوار القائم بين سويسرا والصين، لا زالت موجودة. فبعد 15 عاما من الندوات وتبادل الخبراء ودورات التكوين، يبدو أن النتائج الملموسة غير موجودة. وتعترف وزارة الخارجية بأن الوضع في الصين لا زال مثيرا للانشغال وأن الحوار، رغم أهميته، لم يُـحدث تغييرات مُـلفتة.
ولا يتردّد أنطوان كيرنن، وهو دكتور في العلوم السياسية في المعهد الجامعي للدراسات حول التنمية في جنيف، في توجيه انتقادات حادّة، حيث يقول: “لقد تم تنظيم زيارات إلى السجون، وهو أمر إيجابي، لكن عمليا، يكتفي الطرفان بحوار النوايا الطيبة، ليس هناك أي انعكاس ملموس على المجتمع”.
من جهته، يعترف السفير دانتي مارتنيلّـي، بأنه من “العسير تحديد النتائج الملموسة، لكن يُـشير إلى أن التحسينات موجودة”، ويقول: “إنني سجّلت تطورات نسبية فيما يتعلق بالحساسية تجاه حقوق الإنسان، وهي ناجمة، ليس فقط عن انفتاح المجتمع الصيني وعمل المنظمات الدولية، ولكنها نتيجة للحوارات الثنائية أيضا”.
ويقول السفير السويسري في الصين لسويس انفو: “لقد سجلنا أيضا أن المواضيع، التي تمت معالجتها في الحوار مع سويسرا، توسّـعت وأن المحاورين تنوّعوا”. ففي اللقاء، الذي انتظم في شهر مارس 2006، أشارت وزارة الخارجية في مذكرة، إلى أن الوفد الصيني كان مكوّنا من خبراء في مجال اليد العاملة والشركات وحقوق الإنسان والقضاء والأمن.
وفي خطوة أخرى متقدّمة، أحدثت السفارة السويسرية في بايجنغ، وظيفة جديدة بوقت كامل، تقتصر مهمتها على متابعة هذا الحوار.
نجاعة البلدان الاسكندينافية
في سياق متصل، تقيم بلدان أخرى، مثل كندا وهولندا وبريطانيا وألمانيا والنرويج، إضافة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدورها حوارا مع الصين حول حقوق الإنسان.
ويرى أنطوان كيرنن أن بلدان شمال أوروبا أكثر نجاعة على طاولة المفاوضات من سويسرا، ويقول: “إن المجموعة الاسكندينافية، لا تهدف إلى التأثير على النخبة الصينية، لكنها تدعم في المقابل وبنجاح، تحركات ملموسة، مثلما هو الشأن فيما يتعلق بحقوق المزارعين”. في المقابل، “ظلت سويسرا في مستوى سياسي ودبلوماسي”، على حد تعبيره.
منظمة العفو الدولية لا تريد إجراء تقييم للنتائج التي توصلت إليها برن، لكنها تحذر من أن الحوار لا يجب أن يُـستعمل للتغطية على موقف سلبي، حيث تشير مانون شيك إلى أنه “إذا كان الحوار يمثل مبررا لعدم التنديد الواضح بالانتهاكات، فإنه لا يصلح لشيء كبير”.
وتختتم المتحدثة باسم الفرع السويسري لمنظمة العفو الدولية تصريحها لسويس انفو بالقول: “إن الحوار يمثل سياسة الخطوات الصغيرة، لكن من أجل الحصول على تحسينات ملموسة في الصين، يُـحتاج إلى خطوات أكبر من ذلك بكثير”.
سويس انفو – لويجي جوريو
(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)
تحظى قضية حقوق الإنسان في الصين باهتمام خاص في سويسرا، التي تقيم فيها أكبر جالية من اللاجئين من إقليم التِّـيبت في أوروبا (3500 شخص). هذه الجالية، طلبت في العديد من المرات من الحكومة السويسرية تحسيسا أكبر للجانب الصيني.
رغم أن مسألة التيبت تعتبر مركزية في الحوار حول حقوق الإنسان، الجاري بين برن وبايجنغ، فإن عدد طالبي اللجوء القادمين من المنطقة الواقعة في جبال الهيملايا إلى سويسرا، سجّـل هذا العام ارتفاعا ملحوظا.
يشير المكتب الفدرالي للهجرة، إلى أنه في الأشهر التسعة الأولى من عام 2006، قدم 367 مواطنا صينيا طلبات لجوء (بزيادة 500% مقارنة بنفس الفترة من عام 2005). 320 من هذه الطلبات يتعلق بأشخاص من التيبت.
تجري الصين وسويسرا حوارا حول حقوق الإنسان منذ عام 1991.
اجتمعت وفود من البلدين في تسع مناسبات.
يجري الاتحاد ا لأوروبي وعشر دول أخرى، من بينها ألمانيا وبريطانيا والنرويج والولايات المتحدة، حوارات مشابهة مع الصين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.