مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الناخبون السويسريون يُوافقون على لجم ظاهرة الأجور الخيالية

حصول مبادرة "محاربة الأجور المبالغ فيها" للمقاول توماس ميندر على تأييد أكثر من 60% من الناخبين يعني وجود قدر كبير من الحساسية لدى السويسريين تُجاه "الهدايا" الممنوحة لكبار المُسيرين. Ex-press

منح الناخبون السويسريون حاملي الأسهم حق النقض فيما يتعلق بأجور كبار المُسيّرين وأعضاء مجالس الإدارة في الشركات والمؤسسات المُدرجة في السوق المالية. وفيما أيدوا الحد من التوسع العمراني، رفضوا مقترحا يُحمّل السلطات مسؤولية سد النقص القائم في المحاضن ورياض الأطفال.

في العادة، تُقابل المبادرات الشعبية بالرفض من طرف الناخبين في سويسرا، لكن مبادرة “ميندر” المناهضة للأجور الخيالية كانت الإستثناء هذه المرة وحظيت حسب النتائج النهائية التي أعلنت عنها المستشارية الفدرالية في برن بتأييد 67،9% من الناخبين، كما تمت الموافقة عليها من طرف جميع الكانتونات وهو أمر نادر الحدوث في الكنفدرالية.

هذه النتيجة لم تكن مفاجئة. فبمرور الأعوام، أصبحت المكافآت السخية جدا التي يتحصل عليها كبار المُسيّرين والمدراء مثيرة للإنتقاد والتبرم في صفوف الرأي العام. وقبل عشرة أيام فقط، اضطر دانييل فازيلاّ، رئيس مجلس إدارة شركة نوفارتس المغادر، إلى التخلي عن تلقي مكافأة تبلغ قيمتها 72 مليون فرنك في أعقاب موجة من الإنتقادات الشديدة وُجّهت له من معظم الأطراف في البلاد.

ويوم الأحد 3 مارس، أدت مشاعر الإستياء هذه إلى منح نحو 70% من الناخبين تأييدهم للمبادرة الشعبية التي تحمل عنوان “ضد الأجور المبالغ فيها” لدى عرضها للتصويت في أعقاب حملة انتخابية مثيرة وحامية الوطيس. وتبعا لذلك، ستتوفر سويسرا في مستقبل قريب على واحدة من الترسانات القانونية الأكثر صرامة في هذا المجال.

تطالب المبادرة التي أطلقها المقاول توماس ميندر بعنوان “محاربة الأجور المُبالغ فيها” بإضافة بند في الدستور الفدرالي يتضمن مجموعة من الإجراءات تعزز حقوق المساهمين في الشركات السويسرية التي يتم تداول أسهمها في البورصة.

يتمثل الهدف الرئيسي من المبادرة في منع كبار المسؤولين من تحديد أجور مبالغ فيها لأنفسهم دون أن يكون لذلك أيّ علاقة مع النتائج المسجلة من قبل شركتهم.
 
يُخوّل نص المبادرة للجمعية العمومية للشركة صلاحية انتخاب كامل أعضاء مجلس الإدارة سنويا.

ومن حق أصحاب الأسهم تحديد قيمة الأجور التي يتقاضاها أعضاء مجلس الإدارة، وأعضاء إدارة المؤسسة وأعضاء اللجنة الإستشارية.

كما تُمنع عمليات الدفع المُسبق، ومنح نهاية الخدمة والعلاوات في حالة شراء أو بيع المؤسسات.

مزيد من السلطات للمساهمين

المبادرة التي قوبلت في البداية بشيء من الإستخفاف، أطلقت في عام 2008 من طرف توماس ميندر، رجل الأعمال القادم من كانتون شافهاوزن في الأنحاء المتحدثة بالألمانية، والعضو في مجلس الشيوخ عن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي). ويرمي النص الذي عُرض على تصويت الناخبين إلى مكافحة ظاهرة العلاوات المبالغ فيها عبر تعزيز السلطات الممنوحة لحاملي الأسهم في الشركات والمؤسسات المتداولة في البورصة.

المبادرة تنص على أن تقوم الجمعية العمومية للمساهمين بالتصويت في كل عام على قيمة العلاوات الممنوحة للمُسيّرين وعلى منع علاوات المغادرة ومكافآت نهاية الخدمة المرتفعة جدا، كما تتيح إمكانية انتخاب الجمعية العمومية لرئيس وأعضاء مجلس الإدارة في كل سنة.

ومثلما كان متوقعا، حظيت المبادرة بالتأييد من طرف كافة قوى اليسار والأوساط النقابية المُجمعة على ضرورة التصدي للأجور المبالغ فيها لأسباب تتعلق بالإنصاف قبل كل شيء. في المقابل، عارضتها أحزاب اليمين والأوساط الإقتصادية التي رأت فيها مسّا من حرية المؤسسات والشركات، معتبرة أن إجراء من هذا القبيل يُهدّد بدفع كبار المُسيّرين إلى مغادرة سويسرا.

مكافحة الزحف الإسمنتي

المسألة الثانية التي كانت معروضة على تصويت الناخبين، تعلقت بمُراجعة القانون الفدرالي حول التهيئة الترابية، من أجل مكافحة ظاهرة الزحف الإسمنتي والإختفاء المتسارع للأراضي الزراعية. وقد تمت المصادقة عليها بعد أن صوت لفائدتها 62،9% من الناخبين. 

المراجعة عُرضت على تصويت الناخبين باعتبارها مشروعا بديلا عن مبادرة أطلقتها منظمة “برو ناتورا” لحماية البيئة في عام 2008 (جمعت خلالها 109.422 توقيعا) وكان عنوانها “من أجل مساحة للإنسان وللطبيعة”، واندرجت في سياق الإحتجاج على أوجه القصور في القانون الجاري العمل به بشان التهيئة العمرانية والصادر في عام 1980 وللمطالبة بتجميد المساحات المُخصّصة للبناء لمدة 20 عاما.

وبالنظر إلى أن أصحاب المبادرة أعربوا عن ارتياحهم للمشروع المُضادّ الذي تقدمت به الحكومة، وأقره البرلمان الفدرالي في صيف 2012، فقد قاموا بسحب مبادرة “المناظر الطبيعية” بشرط إقرار الشعب لتنقيح القانون، الذي حظي بالدعم من طرف الإشتراكيين والخضر. وبعد موافقة أغلبية الناخبين على التنقيح يصبح سحب مبادرة منظمة “برو ناتورا” باتا ونهائيا. 

عمليا، ستترجم المراجعة الجزئية لهذا القانون في تقليص المساحات المُخصّصة للبناء وتقديم تعويض مادي للمالكين الذين سوف يتم إعادة تصنيف مساحاتهم الترابية على أنها مساحات زراعية لا يُسمح بالتشييد والبناء فوقها. في المقابل، سيكون على مالكي المساحات أو العقارات دفع ضريبة بمعدل 20% من القيمة المضافة المنجزة على قيمة الأراضي التي استغلت معماريا أو تم بيعها. كما سيُصبح بإمكان الدولة إجبار المالك على البناء في أجل محدد من أجل مكافحة ظاهرة اكتناز الأراضي.

يُقدر عدد الناخبين السويسريين الذين يحق لهم المشاركة في التصويت بخمسة ملايين ومائة ألف شخص. ومن المقرر أن تشهد سويسرا هذا العام أربع اقتراعات.

يُمكن لـ 162 ألف من إجمالي الناخبين ينتمي معظمهم إلى السويسريين المقيمين في الخارج المشاركة عبر الإنترنت في سياق مسار تجريبي للتصويت الألكتروني.

بالإضافة إلى الإقتراع على المستوى الوطني، أدلى الناخبون في عدد من الكانتونات والبلديات السويسرية بأصواتهم بشأن مسائل مختلفة معروضة على التصويت على المستوى المحلي.

زادت نسبة المشاركة في التصويت عن 46% من إجمالي الناخبين المسجلين.

السياسة العائلية

الموضوع الثالث الذي كان معروضا على تصويت الناخبين تعلق بإدخال تحوير على الدستور بهدف تحسين ظروف الحياة بالنسبة للآباء الراغبين في تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، من خلال تخفيف الأعباء الضريبية وتوفير المزيد من دور استقبال ورعاية الأطفال، على سبيل المثال.

مقترح التحوير لم يُقبل بالرغم من موافقة أغلبية الناخبين عليه (54،3%) نظرا لأنه قُوبل بالرفض من طرف 15 من الكانتونات المتحدثة بالألمانية. وكما هو معلوم، فإن تمرير أي مقترح يتعلق بتحوير أو إضافة بند في الدستور الفدرالي، مشروط بحصوله على أغلبية مزدوجة على مستوى الناخبين والكانتونات.

الفصل الدستوري المقترح كان يرمي بالأساس إلى إنشاء عدد أكبر من المحاضن ورياض الأطفال، وهو مجال لا زالت سويسرا متأخرة فيه مقارنة ببلدان أخرى شبيهة بها. وقد نص التحوير في جوهره على أن التوفيق بين العمل والحياة العائلية مسؤولية تقع على عاتق الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية لمختلف الكانتونات، أما “إذا تّبين أن مجهودات الكانتونات وأطراف ثالثة غير كافية، فيمكن للسلطات الفدرالية أن تُحدد متطلبات دنــيا في القانون بشرط أن تشارك في تمويل الخدمات التي تقدمها الكانتونات”.

ومع أن التعديل الدستوري المقترح حظي بدعم اليسار ووسط اليمين، إلا أنه قوبل بالرفض من طرف اليمين (الحزب الليبرالي الراديكالي وحزب الشعب) والأوساط الإقتصادية لأسباب تتعلق بالتكلفة المترتبة عنه بالخصوص. ولم يتردد حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) في إرسال مطوية إلى كافة البيوت (وُزعت منها 4 ملايين نسخة)، تنتقد التعديل المقترح بشدة وتحث الناخبين على رفضه، وهو ما حصل في نهاية المطاف.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية