“النقل البديل”.. مشاريع وتجارب عملية للإقتصاد في الطاقة
شهدت مدينة نوشاتيل في أواخر شهر أبريل، تنظيم أول معرض "للنقل البديل"، هدفه لفت نظر المعنيين بهذا القطاع للمخاطر المتفاقمة التي أصبحت تواجهها المجتمعات والبشر عموما نتيجة تسارع حركة النقل واكتظاظ المدن والطرقات.
كما اهتمت التظاهرة بمحاولات استباق ما يمكن أن ينجرّ عنها من تلوّث وانزعاج وإضاعة للوقت وتزايد انبعاث ثاني أكسيد الكربون واستنزاف مصادر الطاقة.
لتصحيح هذا الخلل وتعديل مسار التطورات، نظمت مؤسسة “سويسرا للطاقة” (Suisse Energie) يومي دراسة، دعت إليهما ما يزيد عن 130 خبيرا في قطاع النقل قدموا من جميع المناطق السويسرية، وكان من بينهم النواب في البرلمان والمهندسين المعماريين وعلماء الاجتماع والجغرافيا ومديري المشروعات الاقتصادية، فضلا عن المسؤولين على المستويات الفدرالية والكانتونات والمجموعات المحلية.
وناقش المؤتمرون على مدى يومين، الطرق الكفيلة بإقناع المتنقلين باستخدام وسائل النقل العمومية وركوب الدراجات الهوائية والمشي على الأقدام، بدلا من استخدام السيارات الفردية.
وكان من بين النقاط المطروحة على جدول الأعمال، البحث عن حلول لتحسين الخصائص التقنية للمركبات للحد من آثارها السلبية على البيئة.
ولم يغب البُـعد الاحتفالي عن المعرض، إذ شهد ميناء نوشاتيل تنظيم العديد من الفعاليات الهادفة إلى تحسيس المواطنين بقضايا البيئة وتعريفهم بالوسائل والطرق المتاحة للحفاظ عليها، وفي هذا السياق، نظمت ثلاث سباقات رياضية، وعرضت أنواع من السيارات المستخدمة للطاقة الشمسية وسفن تستخدم الطاقة المتجددة.
فرصة لتبادل التجارب وتقييم المسار
كان البرنامج مكثفا، بدأ بكلمة للسيدة فاليري غرباني، مستشارة بالمجلس المحلي بمدينة نوشاتيل، وفيها رحبت بالمشاركين متمنية “أن يساهم هذا المعرض في تحويل الخطاب المتغنّـي بالتنمية المستدامة إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ”، وعبّرت عن ثقتها بأن “مثل هذه المعارض من شأنها أن تخلق الحركية اللازمة للوصول إلى الأهداف المرسومة”.
ثم قُدّمت وجهتا نظر، تمثِّـل الأولى القطاع الخاص، والثانية القطاع العام، وكانت المحاضرة الأولى للسيد بييريك ديزينغ، مسؤول حفظ الصحة وأمن البيئة بشركة “جونس وجونس”، المصنعة للأدوات الطبية، والتي توظّف أكثر من ألف عامل بفروعها الثلاثة المنتشرة في نوشاتيل، وقدم خلال عرضه الخطوط العريضة لخطة تهدف إلى تقليل حركة المرور المرتبطة بنشاط الشركة والأضرار التي يمكن أن تسببها للبيئة، وخفض الاحتياج إلى أماكن لتوقّف السيارات والحوافز المعروضة على الموظفين للمساهمة في إنجاح هذه الخطة، لكنه ربط خلال العرض نجاح هذا المسعى بشروط، أهمها أن تلقى الخطة الرضى من السكان والسلطات المحلية ومن الموظفين وإدارة الشركة.
أما عن الحلول التي تقترحها الخطة، فتتمثل في تنقل مجموعة من العمال في عربة واحدة بدلا من العربات الفردية الخاصة، وفي التشجيع والحث على استعمال النقل العمومي ووضع قواعد صارمة لتنظيم مواقف السيارات وفرض ضريبة على مستخدميها وإعفاء العربات المستخدمة للنقل الجماعي.
وقدم وجهة النظر الثانية السيد هوبر جاكيي، مهندس حضري بمدينة ديليمون ورئيس وحدة التخطيط الحضري بالمدينة، والذي عرض الجهود التي تقوم بها الإدارة المحلية من أجل نقل يحترم معايير التنمية المستدامة والمحافظة على الصحة والبيئة، وبيّن السيد هوبر أن هذه التجربة تتِـم من خلال التعاون بين الإدارة المحلية والقطاع الخاص، وأنها تهدف إلى الحد من كثافة حركة النقل داخل المدينة بعد أن تبيّن أن 25.000 سيارة تمر بوسط المدينة كل يوم، وأن 50% من الذين يقيمون في منطقة لا تبعد أكثر من 10 إلى 15 دقيقة مشيا على الأقدام من وسط المدينة، يتنقلون يوميا باستعمال سياراتهم الخاصة.
ولتحقيق ذلك، تقترح الخطة تركيز الأنشطة الاقتصادية في أماكن محددة، وتقليص المسافات الفاصلة بين أماكن الإقامة والعمل ومنع العبور من وسط المدينة وتحديد مجال يحظر فيه استخدام السيارات، وإعادة النظر في القواعد المنظمة للنقل وتوقف السيارات في الأماكن العمومية.
وتترافق هذه الحملة مع جهد توعوي، يهدف إلى إقناع السكان باستعمال النقل العمومي والدراجات الهوائية. وللوصول إلى أكثر جمهور ممكن، تنظم مدينة ديليمون سنويا “أسبوع النقل”، الذي شارك فيه سنة 2006 مثلا 60 مشاركا و20 مؤسسة اقتصادية وتجارية.
ولمواجهة الاحتياجات المتزايدة لأماكن لإيقاف السيارات، ترفض المدينة تخصيص المزيد من المساحات لذلك، وتفرض المزيد من الرسوم على ما هو موجود منها، في الوقت الذي تعمل جاهدة على تطوير قطاع النقل بما يسمح بتوفير أسطول يغطي كل المناطق ويوفر الراحة للركّاب.
وبعد ثلاث سنوات من العمل، يقول السيد هوبر جاكيي “تحوّل الذين عارضوا هذه الخطة في البداية إلى مناصرين لها، وأصبح أصحاب القرار أكثر وعيا بضرورة إصلاح هذا القطاع، ونقصت الأضرار التي تلحق بالبيئة وانخفضت التكاليف بالنسبة للقطاعين، العام والخواص، وزاد عدد المستخدمين للنقل البديل بنسبة 11%”، وأضاف “لقد تعلَّـمنا من خلال هذه التجربة، أنه يجب علينا التسلح بالصبر والمراهنة على الوقت والمبادرة بمد جسور الحوار مع كل الأطراف المعنية على مستوى القطاعين، الخاص والعام”.
تجربة جنيف
التجربة نفسها تخوضها مدينة جنيف منذ سنة 2002، حيث أثبتت دراسات إحصائية أن عدد السيارات في مدينة جنيف انخفض بنسبة 15% عما قبل، ولوحظ أيضا الإقبال الشديد على المحلات التي تعير مجانا دراجات هوائية، وتضاعفت رسوم أماكن توقف السيارات خلال هذه السنوات الثلاثة الأخيرة.
ولتشجيع هذا التوجه، ترصد مدينة جنيف جائزة لأفضل مؤسسة تلتزم شروط النقل البديل، وحصلت مؤسسة الخدمات الطبية والإسعاف المنزلي (FSASD) على هذه الجائزة سنة 2006.
ولم يكن مطار جنيف الدولي بمعزل عن هذه الحملة الشاملة في مراجعة طرق النقل ووسائله، وانتهز المطار تجديد عقد استغلال أرضيته لخمسينية جديدة سنة 2001، ليطلق خطة تسعى إلى الحد من الاكتظاظ ومن نسبة التلوث المرتفعة، خاصة وأن المطار يقع على مرمى حجر من الطريق السيارة الرابطة بين جنيف ولوزان من ناحية وفرنسا من ناحية، بالإضافة إلى عجز موقف السيارات على استيعاب العدد المتزايد للسيارات الخاصة، نتيجة تزايد عدد المسافرين باستمرار.
ومن الحلول التي بدأت إدارة المطار اعتمادها بداية من 3 أبريل 2007، هو ترقيم أماكن التوقف وزيادة الرسوم المفروضة عليها، وسحب الامتيازات الممنوحة للموظفين الذين بإمكانهم القدوم للعمل في المطار بواسطة وسائل النقل العمومية في أقل من 20 دقيقة، كذلك، منحت الإدارة للموظفين حوافز تشجعهم على اعتماد وسائل النقل البديلة كدفع نسبة من معلوم تذاكر النقل، وتسيير المزيد من الحافلات وتوسيع خطوط تحركها لنقل الموظفين الذين يعملون بالليل أو الصباح الباكر.
لكن هذه الإصلاحات لا تمر دائما بسهولة، فقد يرى فيها الموظفون مساسا بحقوقهم المهنية وانتهاكا لحريتهم الشخصية، وتراجعا عن مكتسبات وامتيازات كانت لعهد قريب شرطا من شروط القبول في العمل. وقد يصل الأمر في بعض الأحيان بالتهديد بالإضراب، مثلما تلوح بذلك نقابة الموظفين بالمطار حاليا أو الوقوف أمام القضاء في حالة مدينة جنيف أو تهديد القطاع الخاص بالتخلي عن الاستثمار في منطقة تعتمد مثل هذه الخطط، كما حصل الأمر في مدينة ديليمون قبل سنتين.
مدن نموذجية
تقف مؤسسة سويسرا للطاقة (Suisse Energie) خلف هذه المشروعات التي تغطي أكثر من 127 مدينة حتى الآن، وتشمل كل مناطق البلاد ومدن كثيرة منها، يقول كورت إيغر، نائب مدير هذه المؤسسة “أصبحت مبتكرة ومجددة في مجال النقل، فهي تستثمر تجاربها الخاصة وتطوّر من خلال تعاونها معنا حلولا أكثر فعالية”. ويتنزّل هذا الدعم والتوجيه في أفق خيارات الدولة الفدرالية، التي يرى السيد بيير آلان راملي، مدير المكتب الفدرالي للتنمية الإقليمية أنه “من واجبها توجيه تنمية قطاع النقل واستثمار المحيط بطريقة مستدامة، ولهذا، يضيف “نحرص على تنفيذ الخطط الموضوعة لهذا القطاع، في روح من التعاون بين الكانتونات والمجموعات المحلية”.
ومن المدن التي تلقى الإشادة من مؤسسة سويسرا للطاقة، مدينة لاشودفون، التي حصلت على وسام “مدينة الطاقة البديلة” منذ عام 1997، وما أنجزته هذه المدينة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، يكشف فعالية هذه السياسة، فهي مثلا رائدة في مجال التدفئة عن بعد وتغذّي ثلاث شبكات إمداد 15.000 منزل، أي ما يعادل ثلث المدينة، والأهم هو أن 62% من طاقة التدفئة هذه تنتج بواسطة حرق الزبالة (النفايات المنزلية) و13% من خلال حرق الأخشاب، والبقية بواسطة الغاز الطبيعي، كذلك 75% من مصادر الطاقة التي تستهلكها مدينة لاشودفون، لا ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعني خفض استهلاك المازوط بنسبة 400 شاحنة سنويا.
وفي مجال النقل، وضعت هذه المدينة خطة منذ سنة 2002، تأسست على إعارة اهتمام كبير خلال التخطيط الحضري لممرات الراجلين والطرق المخصصة للدراجات، وكذلك عملت السلطات المحلية على الاعتناء بأسطول النقل العمومي وجعله مفضلا على غيره.
كذلك من المدن التي يُـضرب بها المثل في هذا المجال، منطقة كريسيي القريبة من لوزان، والتي أصبحت قطبا صناعيا كبيرا، دون أن تفقد طابعها الفلاحي، وبرغم 6000 موطن شغل التي توفرها هذه المنطقة، فإن النشاط الزراعي لا يزال يغطي مساحات كبيرة منها، وتحرص السلطات المحلية المتعاونة مع مؤسسة سويسرا للطاقة على الحفاظ على هذا التوازن البيئي الهام، الذي تأخذه بعين الاعتبار عند تقييم جدوى كل مشروع جديد.
ويتلازم هذا المشروع مع خطة طموحة، تهدف إلى تطوير قطاع النقل بالجهة، ومن مفرداتها الامتداد بشبكة النقل العمومي إلى مدينة بيسيني المجاورة، ومشروع شاحنات نقل عمومي على طريق كوسوني، وتطعيم خط الحافلة 18 الرابطة بين لوزان ووسط كريسيي، والذي خصصت له السلطات 500.000 فرنك سويسري، ونقل هذا الخط سنة 2006 ما يقدر 1.4 مليون راكب.
عبد الحفيظ العبدلي – نوشاتيل
وسام “مدينة الطاقة”، هو وسام يمنح للمدن الصغيرة والكبيرة التي تحقق نجاحات وتتخذ إجراءات فعالة في المجالات التالية: التهيئة العمرانية وفي مجال البناء والتشييد والتزويد بالطاقة ومقاومة التلوث والنقل والتنظيم الداخلي والإعلام والتعاون.
“سويسرا للطاقة من أجل المجموعات المحلية”، برنامج يهدف إلى تشجيع المدن على مستوى المجموعات المحلية التي ترغب في اعتماد سياسة متناسقة ومستدامة في مجال الطاقة، وهذه المجموعات المحلية التي تنفذ هذه الخطة، تدخل في شراكة وتعاون مع المؤسسة الفدرالية وتستفيد بانتظام من تبادل التجارب ومن النصائح والمعلومات ومن الدعم المالي واللوجستيكي.
يعيش في ظل برنامج سويسرا للطاقة مليون و150 ألف شخص، وتلتزم معاييره 1361 مؤسسة اقتصادية، ويؤدي تنفيذه إلى اقتصاد 30% من الطاقة.
يعمل بمطار جنيف الدولي 8000 عامل، وتنشط به 250 شركة تجارية ويبلغ عدد الأماكن المخصصة لتوقف السيارات 6000 موقع.
يتنزّل تنظيم هذا المعرض في سياق البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من برنامج مؤسسة سويسرا للطاقة (SuisseEnergie)، هذا البرنامج الذي أطلقه المستشار الفدرالي موريتس لوينبرغر في 30 يناير 2001، بناء على مجموعة من القوانين والخيارات في مجال الطاقة، والحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 ، ومن المقرر أن يحقق هذا البرنامج أهدافه بموفى سنة 2010.
وتكمن فعالية هذا البرنامج الهادف أيضا، إلى تشجيع استعمال الطاقة المتجددة في علاقة التعاون والشراكة الواسعة مع إدارات الكانتونات والمجموعات المحلية، بالإضافة إلى المؤسسات الاقتصادية الصناعية والتجارية، والمعنيين بالبيئة من جمعيات ومؤسسات علمية.
وخلال الخمس سنوات الأولى من انطلاقته، حقق هذا البرنامج نجاحا منقطع النظير، وتراجع بفضله انبعاث الغازات الملوثة 7%، وتعزز استخدام الطاقة البديلة ونُسجت العديد من علاقات الشراكة مع الجهات المعنية بمجال الطاقة، وأصبح هذا البرنامج الركن الأساسي في رسم سياسات الدولة في المجال، وكان وراء استثمارات إضافية بلغت 880 مليون فرنك سويسري، ووفرت 4100 موطن شغل، في الوقت الذي تراجعت الميزانية المخصصة لإستيراد الطاقة إلى حدود 660 مليون فرنك.
وفي كل سنة، يزداد عدد المدن التي تتبنَّـى سياسة هذه المؤسسة وخياراتها، وبلغ عدد هذه المدن 127 مدينة بموفى عام 2006، بإضافة خمسة مدن جديدة.
وتغطي المرحلة الثانية من البرنامج، الفترة الممتدة من 2006 إلى 2010، ويقع التركيز فيها، بالإضافة إلى قطاع النقل، على تحديث البنايات والتشجيع على استعمال الطاقة المتجددة والأجهزة والمحركات المقتصدة للطاقة.
كما يسعى المشرفون على البرنامج إلى زيادة تأثيرهم في مجرى هذه القطاعات بنسبة 25% خلال الخمس سنوات القادمة، وهم مقتنعون بإمكانية تحقيق ذلك، نظرا لما تنطوي عليه هذه الميادين من إمكانيات وخيارات واسعة لخفض استهلاك الطاقة التقليدية من جهة، والزيادة من مصادر الطاقة البديلة من جهة أخرى.
ولتحويل هذا الطموح إلى واقع، تعتمد مؤسسة سويسرا للطاقة في مجال النقل خطة متعددة الأبعاد، فهي تهدف من خلال أساليب الإغراء، التوصل بموفى 2008 إلى إيجاد 30 مشرفا على مستوى المجموعات المحليةcommunes لإدارة مشاريع شراكة من أجل تحقيق الأهداف التي تسعى إليها المؤسسة، وهؤلاء بدورهم مدعوين إلى إقناع ما مجموعه 100 شركة لاعتماد إدارة فعالة لقطاع النقل.
وتتلقى المجموعات المحلية، التي تبدي تعاونا في هذا الإطار، مساعدة أدناها 5000 فرنك سويسري، وتزيد اضطرادا بحسب عدد الشركات التي تلتزم معايير المؤسسة في مجال النقل والطاقة، وبلغ هذا الدعم سنة 2006 ما قدره 2.5 مليون فرنك.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.