الورقة الرابحة في المفاوضات العراقية!
أصبح من نافلة القول إن الأكراد العراقيين باتوا اليوم يملكون معظم الأوراق الرابحة في العملية السياسية بعد إسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين.
وغدت هذه القومية، التي تعرضت للقمع منذ قيام الدولة العراقية مطلع القرن الماضي، بيضة القبان القوية، التي ترجح كفة المتنافسين.
ظهر ذلك جليا خلال المفاوضات داخل مجلس الحكم المنحل، لتشكيل الحكومة العراقية المؤقتة (الحالية)، وبعد الانتخابات الأخيرة التي جرت في ظل غياب معظم السنة ومقاطعين آخرين.
وكشفت المفاوضات الشاقة والصعبة مع الأكراد، والتي قادتها فاعليات من مختلف القوائم العراقية الفائزة في الانتخابات، أنهم بالفعل باتوا الرقم الأصعب الذي يحرص كل طرف قوي على كسب رضاه.
وعُـلم من مصادر متطابقة شاركت في هذه المفاوضات أن الأكراد طرحوا مطالب وُصفت من قبل المفاوضين بالتعجيزية، عندما طالبوا بضمانات لتنفيذها، ورفضوا تأجيل الحصول عليها إلى ما بعد كتابة الدستور الدائم.
وقد أخّـر الجدل حول هذه المسائل، التوصل إلى اتفاق حول تشكيل السلطة التنفيذية قبل انعقاد الجمعية الوطنية أول جلساتها الأربعاء الموافق 16 مارس، ما أثار قلقا بشأن احترام البرنامج السياسي الذي ينُـص على مهلة عشرة أشهر لوضع دستور والموافقة عليه في استفتاء وتنظيم انتخابات جديدة.
مطالب الأكراد
وترى أوساط الائتلاف الوطني العراقي الذي يُـوصف بالقائمة الشيعية الفائزة في الانتخابات الأخيرة، أن صيغة اتفاق مبدئي مكتوب من شأنها أن تقرب المسافات، بعد عقد الجمعية الوطنية وما ينتظر أن تسفر عنه من تشكيل الحكومة وفق قاعدة التفاهم والمحاصصة، وترحيل المسائل المثيرة إلى ما بعد كتابة الدستور، خصوصا أٍن لا أحد من المفاوضين من القائمة الشيعية يملك القُـدرة على إعطاء الضمانات التي يطالب بها الأكراد في مسألة كركوك تحديدا.
وجرت هذه المفاوضات مع القائمة الكردستانية الكردية، وشملت سلسلة طويلة من اللقاءات والاجتماعات تأكّـد منها أن الأكراد نصحوا من قبل مستشاريهم أن يُـصروا على مطالبهم في هذا الوقت بالذات، أو لن يحصلوا على ما يريدون إذا تم تأجيلها إلى ما بعد كتابة الدستور.
وتُـعد مسألتا قوات البشمركة الكردية وكركوك وبعض بنود قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، وخاصة المتعلقة بشؤون كركوك وتطبيق المادة 58 من قانون إدارة الدولة، من أهم مفاصل الخلاف مع الائتلاف العراقي الموحد، الأمر الذي أدى إلى إصرار غرفة العمليات الكردية المكونة من روش نوري شاويس، وهوشيار زيباري، وبرهم صالح، وفؤاد كمال – وهي التي خاضت المفاوضات مع لائحة الائتلاف العراقي الموحد – إصرارها على مواقفها، رافضة تأجيل البحث فيها.
ويطالب الأكراد بوزارتين من خمس وزارات سيادية، (وربما يكتفون بواحدة)، وبـ27% من ميزانية الدولة المركزية، وبضَم كركوك الغنية بالنفطٍ إلى إقليم كردستان، إضافة إلى الرئاسة أو رئاسة الوزراء، وبحكومة واسعة النطاق يُـشارك فيها أيضا أياد علاوي، والأحزاب الأخرى، والسُنّة الذين يرون أنه يجب أن يكون لهم دور في الحكومة العراقية المقبلة.
استبعاد إقامة دولة إسلامية في العراق
ويحاول أياد علاوي، رئيس الوزراء الحالي البقاء في منصبه بحجة إكمال ما بدأه لقطف الثمار، وقد حذر من قيام دولة شيعية إسلامية في العراق على غرار إيران، وتردد أنه قام الأسبوع الماضي بزيارة خاطفة إلى أبو ظبي، وقال مصدر مقرب منه “إنه قد يوافق على الانضمام إلى الحكومة المقبلة، إذا منح عشر حقائب وزارية مهمة”.
هذا الموقف المتشدد من علاوي وما قيل عن وعود حصل عليها من الولايات المتحدة، دفع نائب رئيس الجمهورية الدكتور إبراهيم الجعفري إلى لقاء السفير الأمريكي في بغداد جون نيغروبونتي، والذي نصحه (بحسب هذه المصادر) بالانسحاب عن الترشح لصالح علاوي، ولكن الجعفري طمأنه بشأن المخاوف من قيام حكومة دينية، مُـعلنا التزامه الكاملٍ بالعملية الديمقراطية.
وأكّـد الجعفري على أهمية دعم مسيرة العملية السياسية في البلاد ومساعدة الشعب العراقي على تحقيق أهدافه العادلة وتطلعاته المشروعة.
ونُقل عن الجعفري أن الاتفاق المبدئي مع الأكراد يمكن أن يحل العقدة، خاصة وأنه تضمن مبادئ مهمة وضعها بنفسه الحاكم المدني السابق بول بريمر، من جملتها أن يكون قانون إدارة الدولة الانتقالي بكافة بنوده محوراً ومرجعيةً لعمل الحكومة والجمعية الوطنية، ويتم تشكيل حكومة وحدة وطنية اعتمادا على مبدأي المشاركة والتوافق، والعمل على صيانة سيادة العراق وتقرير استقلاله ووحدته، وفق ما اتفق عليه في إطار قانون إدارة الدولة، كما أكد “على ضرورة معالجة واقع الحرمان والظلم، والعزل والتمييز واللا مساواة، الذي أصاب الأكراد والشيعة جراء السياسة العنصرية والطائفية للأنظمة السابقة”.
وتضمن الاتفاق على التنسيق الكامل في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وبناء مؤسساتها في المجالات المختلفة على أسس وُصفت بالعادلة بما ينسجم وبناء العراق الجديد، وإيجاد حلول لبعض المشاكل المعقدة ضمن القواسم المشتركة بين الطرفين.
وقال مصدر إن الطرفين أكدا في مسودة اتفاقهما على الضرورة القصوى للتشاور مع الكتل والقوائم الأخرى لاجتياز هذه المرحلة الحساسة من أجل الانتهاء من تشكيل الحكومة العراقية وصياغة برنامجها.
وينتظر الشارع العراقي الاسراع باعلان الحكومة الجديدة بعد النجاح بعقد الجمعية العمومية المنتخبة، والتي يتوقع أن يكون أن وزراؤها من داخل الجمعية وخارجها.
محاولة إرضاء الجميع
وكشف السجال حول توزيع الحقائب الوزارية أن أمام الجمعية الوطنية مقترحا لتأسيس وزارات جديدة، منها وزارة الأمن وعدة وزارات للدولة، وهو ما يصفه مراقبون محاولة لإرضاء الجميع.
وقد أكدت مصادر لسويس إنفو أن الرئيس الحالي غازي الياور مرشح لتولي منصب رئيس الجمعية الوطنية، وأوضحت أن وزراء الحكومة الجديدة سيكونون من داخل الجمعية الوطنية ومن خارجها، مشيرة إلى أن القوانين لا تمانع أن يكون الوزير من داخل أو خارج الجمعية.
ومن نقاط الاختلاف أيضا، تشكّـل الدعوة إلى أن يتضمن الدستور المقبل فقرة تنصُّ على أن الإسلام مصدر للتشريع، إذ قال رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم “نحن نؤكد على ثلاث نقاط، أولا احترام الهوية الإسلامية للشعب العراقي، ثانيا الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وثالثا عدم سن أي قانون يخالف الإسلام”.. وفيما يخص الخطوط العريضة الأخرى للدستور، شدد على تثبيت الحريات العامة واحترام إرادة الشعب، ونقل السلطة بشكل سلمي عن طريق الانتخابات، والفصل بين السلطات الثلاث.
وعما وصلت إليه المشاورات مع قائمة رئيس الوزراء إياد علاوي، أشار إلى “أن هناك بعض المشاورات الموجودة، ونسعى لإيجاد صيغة أو آلية محددة حتى يكون هناك عمل مشترك، باعتبار أن القائمة مهمة ولها وجود في الجمعية الوطنية”. وحول مشاركة السنة العرب قال “من الطبيعي أن يكون لهم مشاركة في الحكومة وفي صياغة الدستور، وهذه من القضايا التي تم التأكيد عليها بين الأطراف والقوى المختلفة”.
وأضاف أن سحب القوات متعددة الجنسيات من العراق يجب أن تدرسه الحكومة العراقية، وفيما يخص لجنة اجتثاث البعث، أوضح انه “من المفترض أن تعمل هذه اللجنة في ملاحقة المجرمين “الصداميين” وهؤلاء يجب أن يقدموا إلى المحاكمة”.
وصرحت أوساط أن الكتل السياسية الفائزة تجري اتصالات مع شخصيات سنّـية لحضها على الانضمام إلى الحكومة الجديدة، وأن المؤتمر السياسي السُـني، الذي نظمه الحزب الإسلامي السني مؤخرا، يهدف إلى تفادي تشتيت الجهد السُـني في موضوع الترشيح للحكومة المقبلة.
وكان هدف المؤتمر، الذي حضره ممثلون عن الرئيس الحالي غازي عجيل الياور، وجماعتا نصير الجادرجي، وعدنان الباجه جي، وممثلون عن القوى الفاعلة في المحافظات السُـنية، إضافة إلى الحزب الإسلامي، هو اختيار قائمة سُـنية للمرشحين الذين سينضمون إلى تشكيلة الحكومة التي سيرأسها الجعفري على الأرجح.
وتجدر الإشارة إلى أن المراقبين يتوقعون أن تتصدع كتلة «الائتلاف» الشيعية أكثر بعد انسحاب كريم ماهود المحمداوي (حزب الله)، وعلي آل يوشع (التحالف الوطني العراقي) منها واحتمال انسحاب آخرين.
كما يُُتَـوقع حدوث انشقاقات كبيرة في «الائتلاف» بعد تشكيل الحكومة، سواء بخروج بعض الأعضاء منها، أو عدم تصويت بعضهم على القرارات التي تتبناها الكتلة، وسط معلومات أن 50 عضواً في الكتلة لن يصوتوا لقراراتها في الجمعية الوطنية.
نجاح محمد علي – دبي
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.