مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الولادة العسيرة!

يواصل الوزير الأول المغربي المعين إدريس جطو مشاوراته مع الأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة Keystone

اتضحت المعالم الرئيسية للحكومة المغربية الجديدة بعد أن أعطت الأحزاب الرئيسية إشارات إيجابية عن مشاركتها في التشكيلة الوزارية، مبددة تخوفات من جنوحها نحو المعارضة.

ويواصل الوزير الأول المعيّن إدريس جطو مشاوراته مع مختلف الفعاليات السياسية المغربية لتشكيل حكومة تحظى بأغلبية برلمانية مستقرة ومريحة.

كانت إشارات الأحزاب المعنية تتجاوب مع رغبات لطمأنة إدريس جطو الوزير الأول المعين، بأن حكومته ستحظى بأغلبية نيابية مريحة ومعارضة لن تحول دون منحها الثقة، بعد أن وعد جطو هذه الأحزاب بأن عدم منحها منصب الوزير الأول لا يقلل من أهمية دورها وفعاليتها في أول حكومة تأتي بعد انتخابات شهدت جميع أطرافها بأنها نزيهة وديمقراطية.

ومكونات حكومة إدريس جطو، هي تقريبا مكونات حكومة سلفه الزعيم الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، مع اختلاف حجم ونوعية الحقائب التي تولتها منذ 1998. وهذه المكونات أساسا هي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (50 مقعدا)، وهو الحزب الرئيسي في الحكومة السابقة، وحزب الاستقلال (48 مقعدا في الانتخابات وأضاف 5 نواب بعد إعلان النتائج) والتجمع الوطني للأحرار (41 مقعدا في الانتخابات وأضاف مقعدين فيما بعد). ومع هذه الأحزاب الثلاثة، يواصل إدريس جطو مشاوراته لاختيار تحالف الحركتين الشعبية والشعبية الوطنية (45 مقعدا) أو التحالف الاشتراكي (22 مقعدا) أو كليهما، بالإضافة إلى جبهة القوى الديمقراطية (12 مقعدا)، ليضمن أغلبية نيابية مريحة.

ولئن كانت اللعبة السياسية المغربية تضمن أغلبية مريحة لوزير أول يعينه الملك دون اشتراط المؤيدين المشاركة في حمل الحقائب، فإن ضمان مشاركة الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال في حكومة جطو ضرورة سياسية تفرضها مرحلة لم تكتمل، وأوراش فتحت ولم تُنجَز، وعلاقات دولية تلعب دورا في ملفات عديدة تهم المغرب وقضاياه.

كان موقف الاتحاد الاشتراكي محور اهتمام المعنيين بحكومة ما بعد انتخابات 27 سبتمبر، ليس فقط كونه يعتقد أن الوزارة الأولى حق منحته إياه صناديق الاقتراع وإعلانه في بيان رسمي أن تعيين وزير أول من خارج الأحزاب الفائزة في الانتخابات، ابتعاد غير مبرر عن المنهجية الديمقراطية المترتبة عن عملية الاقتراع ونتائجها، بل أساسا لكون الانتقال الديمقراطي الذي يعيشه المغرب منذ منتصف التسعينات يرتبط بهذا الحزب وما له من علاقات دولية أفادت كثيرا الملفات المغربية، إن كان عبر دبلوماسية الوزير الأول أو دبلوماسية رئيس مجلس النواب الاشتراكي أيضا.

كما أن مشاركة حزب الاستقلال في الحكومة ضرورية أيضا، لأن وجوده في المعارضة إلى جانب حزب العدالة والتنمية الأصولي المعتدل، والمرغوب إقليميا ودوليا ألا يكون في الحكومة، يطبع المعارضة التي ستكون قوية بالأصولية، وهو ما قد يُعرقل ما تفكر الحكومة بإنجازه.

المشاركة لإتمام ما بدأ

وقد تلاقت التمنيات بوجود الاتحاد الاشتراكي في الحكومة مع هوى تيار في الحزب يرى ضرورة المشاركة “لاستكمال ما بدأه من انتقال ديمقراطي وإنجاز أوراش خطط لها، وأخذت طريقها للتنفيذ”، وان العلاقة مع القصر التي تتطور إيجابا منذ تولي اليوسفي رئاسة حكومة التناوب والثقة التي ولدتها على مدى السنوات الثلاث من حكم محمد السادس لم تترسخ بعد، وان أطرافا من هنا أو هناك تسعى إلى القطيعة التي كانت سائدة في عقود ما قبل التناوب، وان الذهاب بعيدا في رد الفعل السلبي على تعيين إدريس جطو وزيرا أولا، أي عدم المشاركة في الحكومة، قد يكون الخطوة الأولى نحو هذه القطيعة.

ولا يعني ضمان إدريس جطو لأغلبية نيابية لحكومته، أن التشكيلة الوزارية قد أصبحت جاهزة وتنتظر التعيين الملكي، إذ لازالت أمامه مشاورات لا تقل صعوبة عن تلك التي أجراها حتى الآن، إذ عليه أن يهيكل حكومته ويحدد حقائبها ثم يوزعها على الأحزاب المشاركة، وهذه الهيكلة والتوزيعات الخاضعة للتفاوض مع الأحزاب هي محور مشاوراته في هذه الأيام.

ما تردد، وإن كان في إطار الاحتمالات، أن إدريس جطو طلب من الأحزاب أن تأخذ بعين الاعتبار رغبته في تغليب الطابع التقني على وزارته، نظرا لمهمات حكومته وبرنامجها الذي حدده لها الملك محمد السادس في بلاغ تكليف جطو، أو في افتتاح البرلمان في 11 أكتوبر الجاري. فالقضايا الاجتماعية والاقتصادية من تنمية وسكن ومحاربة الفقر، محور هذه المهام، والبرنامج هو ما يتطلب وزراء يديرون حقائب ولا يحملون إلا هَمَّ ما هو مطلوب منهم، دون الانشغال بالقضايا والملفات السياسية أو السياسوية.

حسابات إدريس جطو

مطلب جطو بإبعاد الطابع السياسي عن حقائب حكومته الحزبية، سيكون محل مفاوضات عسيرة داخل كل حزب من الأحزاب الرئيسية المشاركة. فالطموحات الشخصية لدعاة المشاركة في هذه الأحزاب، لا تتناسب مع رغبات جطو ورؤيته، وإن كانت لا تستطيع، بعد أن أصبحت مواقف الأحزاب جلية وتؤيد المشاركة في الحكومة، لكنها قد تضعف المساندة الحزبية لحكومة جطو، وهي مساندة ضرورية ومُـلحّـة، لان تنظيمات الأحزاب على صلة بالمجتمع المدني والنقابات.

وقد يختار جطو حكومة القطاعات بتوزيع الحقائب الوزارية على قطاعات، مثل قطاع المالية والاقتصاد، قطاع القضايا الاجتماعية، قطاع الفلاحة، قطاع النقل، قطاع التعليم، قطاع الثقافة وقطاع التعمير والسكن… وأن يتولى كل قطاع وزير سياسي ومعه كتاب دولة حزبيين تقنيين. وهناك إلى جانب هؤلاء ما يعرف في المغرب بحقائب السيادة، أي تلك التي يعينها الملك شخصيا، (الداخلية والخارجية والعدل والأوقاف والدفاع والأمانة العامة للحكومة)، وإن كان البعض يتحدث عن نقل العدل والأوقاف والأمانة العامة للحكومة إلى الأحزاب، أو أن الأحزاب تطالب بتحمل هذه الحقائب.

ولا تعني هيكلة الحكومة إدريس جطو وحده. فإلى جانب الأحزاب يبقى للمراجع العليا القول الفصل فيها، وبعد الهيكلة، سيكون التوزيع ثم الترشيح ليختار جطو من يراه مناسبا زميلا له في حكومته ويقدم لائحته للملك محمد السادس، الذي يعينهم وزراء في أول حكومات عهده بعد عمله طوال ثلاث سنوات مع وزراء حكومة عينها والده.

محمود معروف – الرباط

لئن ضمن الوزير الأول المغربي المعين إدريس جطو مشاركة الأحزاب السياسية الرئيسية في الحكومة المقبلة، فإنه لا يزال يواجه مفاوضات شاقة مع هذه الأحزاب حول مدى تمثيلها في التشكيلة الوزارية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية