مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اليـمن: مراوحة بين الاستمرارية والإنتظار

طبقت السلطات اليمنية لأول مرة خلال عام 2003 خطة للانتشار الأمني على كل التراب الوطني في إطار مكافحة الإرهاب swissinfo.ch

كانت الأحداث البارزة التي طغت على الساحة اليمنية خلال عام 2003 غير بعيدة عن الانشغالات الكبرى التي عرفها المحيط الإقليمي والدولي.

وباستثناء التطورات التي ميزت مكافحة الإرهاب وتداعيات الحرب على العراق، فقد كانت بقية الأحداث البارزة على الساحة اليمنية بعيدة عن إحراز تحولات جذرية وهامة.

كانت الأحداث البارزة التي طغت على الساحة اليمنية خلال عام 2003 غير بعيدة عن الانشغالات الكبرى التي عرفها المحيط الإقليمي والدولي، إذا ما نظر إليها من زاوية التغيرات والتحولات والنتائج المحققة في هذا البلد.

وباستثناء التطورات التي ميزت مكافحة الإرهاب وتداعيات الحرب على العراق، فقد كانت بقية الأحداث البارزة على الساحة اليمنية بعيدة عن إحراز تحولات جذرية وهامة يمكن أن تدفع المراقبين والمحللين للشؤون اليمنية على الاقتناع بأن هذا العام كان مختلفا عن غيره من السنوات.

الصورة التي ظلت مهيمنة هي أن اليمن عاش على مدار عام 2003 على إيقاع قضايا وأحداث مثلت استمرارا لسنوات سابقة، كما هو الشأن بمواصلة جهود مكافحة الإرهاب، معالجة الأوضاع الأمنية، تطورت علاقات اليمن بمحيطه الإقليمي، خاصة بالمملكة العربية السعودية ووضعيته في مجلس التعاون الخليجي في ظل المتغيرات التي تعصف بهذين المحيطين، فضلا عن إجراء الانتخابات النيابية في 27 أبريل وصدور القرار الرئاسي بالعفو عن قائمة الـ 16 المحكوم عليهم بالإعدام عام 1998 لإعلانهم الانفصال خلال حرب صيف 1994 أحداثه الساخنة لم تنفك عن الاستمرارية الرتيبة والانتظار المرتقب للاستحقاقات.

مكافحة “الإرهاب”

فعلى صعيد الأحداث المستمرة، التي ما انفك اليمن يعيشها، ظلت قضية مكافحة الإرهاب والأوضاع الأمنية في هذا البلد الشغل الشاغل للسلطات والمجتمع على حد سواء، وقد استمر اليمن أسير تداعيات تفجيرات 11 سبتمبر 2001، ومنذ أن توجهت الأنظار إليه على اعتبار أنه يشكل الملاذ الآمن للمتشددين الإسلاميين، وفقا لرؤية الإدارة الأمريكية وإعلان الشراكة في مكافحة الإرهاب بين البلدين كمحصلة للتصور الأمريكي.

منذ ذلك الحين، وعلى ضوء تلك الخلفية، أصبح اليمن جبهة مفتوحة. وشهد اليمن هيمنة واضحة لملف مكافحة الإرهاب خلال عام 2003 أدت إلى تحقيق تطورات ملحوظة في معالجة هذا الملف، حيث قادت العمليات العسكرية إلى القبض على مطاردين ومطلوبين من الدرجة الأولى يشتبه بتورطهم بعمليات إرهابية ضد مصالح غربية في اليمن، أبرزهم فواز الربيدي، وناصر مجلي، وأبو عاصم الأهدل، الرجل الثاني لتنظيم القاعدة في اليمن، هؤلاء ممن يعتقد أنهم يقفون وراء التخطيط والتمويل لتفجير المدمرة الأمريكية اس اس كول في ميناء عدن عام 2000 والناقلة الفرنسية لمبرج عام 2002.

وفي يونيو الماضي، شنت القوات الحكومية هجوما واسع النطاق على معقل لتنظيم الجهاد الإسلامي الواقع في جبل “سرار” في محافظة أبينن أسفر عن قتل 8 من المطلوبين على ذمة عمليات عنف، وأسر حوالي 30 آخرين منهم.

الملمح الأبرز في الحرب على الإرهاب في اليمن هو أن عام 2003 شهد التعاطي مع هذه الإشكالية بمسارات مختلفة، مثل الترغيب والترهيب، وتجفيف المنابع، والدخول في حوارات مع المتطرفين الإسلاميين من الموقوفين على ذمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة وإسداء النصح لهم.

وقد أثمرت هذه الطريقة بعدول عدد منهم عن مواقفهم المتشددة مقابل إدماجهم في المجتمع والوظيفة العامة، على اعتبار أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها الكثير منهم هي وراء انخراطهم في تنظيمات تتبنى العنف. وأعلن في شهر رمضان الماضي عن الإفراج على 92 فرد منهم أعلنوا نبذهم للتطرف والإرهاب ونهج سلوك قويم.

خطة أمنية جديدة

وعلى مستوى تجفيف منابع الإرهاب، نفذت السلطات عددا من التدابير الإجرائية بغية محاصرة مصادر تمويل الإرهاب، وجمدت عددا من الحسابات المشتبه بأن لها علاقة بتمويل الإرهاب. وخلال العام، أصدرت الحكومة اليمنية قانون “مكافحة غسل الأموال”، وفرضت لأول مرة رقابة مشددة على المساجد والجوامع اليمنية من قبل وزارة الأوقاف.

وفي سياق متصل بالحرب على الإرهاب، طبقت السلطات اليمنية لأول مرة خلال عام 2003 خطة للانتشار الأمني على كل التراب الوطني شملت معظم مناطق البلاد، لاسيما منها تلك المناطق النائية التي ظلت عصية على سيطرة الأجهزة الأمنية في عدة محافظات مثل “مأرب والجوف وشبوة وصعدة وأبين”.

وطبقت هذه الخطة على مرحلتين، الأولى بدأت مطلع العام، والثانية في أكتوبر الماضي وساهمت في تعقب المتشددين الإسلاميين، وإحباط عمليات إرهابية على درجة كبيرة من الخطورة كانت تستهدف مقار البعثات الدبلوماسية والمصالح الأمريكية والبريطانية في اليمن.

ووفقا لمسؤولين أمنيين يمنيين، أثمرت خطة الانتشار الأمني، ليس فقط في إفشال عمليات إرهابية محققة، بل فتحت إمكانات واسعة لمطاردة وتعقب المجرمين والمتورطين بقضايا جنائية وإخلالات أمنية غير إرهابية في المناطق النائية التي تشكل ملاذا آمنا لهم لبعدها عن مراقبة الأجهزة الأمنية.

وقد بدا تأثير ذلك واضحا على مستوى ارتفاع عدد المقبوض عليهم في جرائم جنائية خلال العام مقارنة بسابقه (2002)، طبقا لتقرير الحالة الأمنية الواردة على لسان وزير الداخلية رشاد العليمي في أواخر ديسمبر 2003.

بين “التعاون” و”تبادل الاتهامات”

وعلى خلفية ملف الإرهاب، تأثرت العلاقات اليمنية السعودية مراوحة بين التعاون وتبادل الاتهامات. فبعد أن تزايد تعاون البلدين في مجال تبادل المتهمين منذ بداية النصف الثاني من العام، سرعان ما أوشك العام على الانتهاء، تجددت الاتهامات الضمنية بشأن من يقف خلف انتشاره.

وأرسلت أكثر من إشارة تلقي باللائمة على الطرف الآخر، مثل ذهاب السلطات السعودية إلى أن مصدر الأسلحة التي تدخل إليها هو اليمن، وتسريب الجانب اليمني لاعترافات في التحقيقات مع أبو عاصم الأهل الممول الرئيسي لتنظيم القاعدة في اليمن، مفادها أن أشخاصا ومؤسسات سعودية كان لها دور في تمويل تنظيم القاعدة، وترتب على ذلك قدوم وفد سعودي إلى اليمن من أجل الإطلاع على محاضر تلك التحقيقات.

العدوان الأمريكي على العراق ألقى بظلاله أيضا على الأوضاع في اليمن، إن لم يكن على السياسات، حيث كان الوضع العربي الأكثر انهيارا عن السنوات السابقة، الأمر الذي أدى إلى أن تتقدم اليمن بطرح مبادرة لتفعيل النظام الإقليمي العربي بغية الخروج من حالة الانهيار تلك. لكن أثر تلك المبادرة، على ما يبدو، اصطدمت بواقع الأنانيات العربية طبقا لما عبر عنه مسؤول يمني كبير لـ “سويس أنفو”.

مُــراوحـة

الحدث الآخر الذي شهده اليمن، هو إجراء الانتخابات النيابية الثالثة في 27 أبريل، وقد عملت على تعزيز مواقع الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي، وتهميش دور القوى السياسية الأخرى التي تراجعت مواقعها بشكل ملحوظ. وبالتالي، فإن تلك الانتخابات لم تأت بجديد، سوى استمرار تبادل الاتهامات بتزويرها، فيما بقى الوضع على حاله من حيث الهيمنة المطلقة على الحياة السياسية للمؤتمر الشعبي العام.

وفي السياق ذاته لعام 2003، شكلت مبادرة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالعفو عن قائمة الستة عشر المحكوم عليهم بالإعدام على تهمة إعلان الانفصال خلال حرب صيف 1994. لكن هذه الخطوة على أهميتها لم تعمل على تجاوز رتابة المشهد السياسي اليمني منذ سنوات.

وقد أوشك هذا العام على الانقضاء باحتداد انتقاد الحزب الاشتراكي اليمني للسلطات اليمنية حياله، وعبر مسؤول في الحزب عن قلقه البالغ من استمرار محاصرة الحزب ومصادرة مقاره، والتضييق على أعضائه في الوظيفة العامة بإقصائهم منها أو تهميشهم، كما جاء على لسان المسؤول الاشتراكي ذاته.

وعلى صعيد العلاقات بين المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، الحزب الإسلامي وأكبر أحزاب المعارضة تمثيلا في البرلمان، سارت تلك العلاقات نحو مزيد من التدهور والقطيعة، خاصة بعد اشتداد منافسة الحليفين التقليديين خلال الانتخابات النيابية التي جرت في 27 ابريل الماضي.

عموما، يمكن القول أن اليمن عام 2003 عاش على إيقاع رتابة الاستمرارية لأحداث السنوات الفارطة، وعلى أمل انتظار حصيلة أحداث لم تأت ثمارها ولم تتحد وجهتا بعد. ولذلك، إذا ما لخّــصت الوضعية اليمنية خلال السنة، فهي وضعية المراوحة بين الاستمرارية لأحداث سابقة، والترقب لاستحقاقات جديدة.

عبد الكريم سلام – صنعاء

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية