اليمن: دعوة معارضة الخارج للعودة تُـقـابَـل ببرود
لم تلاق دعوة الرئيس اليمني المعارضين المقيمين في الخارج إلى العودة إلى البلاد التي أطلقها مؤخرا خلال الاحتفال بعيد الاستقلال، أيّ اهتمام مثير.
فقد استقبلتها الأحزاب السياسية المعارضة الرئيسية المنضوية في إطار “اللقاء المشترك” بالتجاهل وعدم المبالاة.
وكان الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، قد دعا في بادرة جديدة منه في خطاب له بمناسبة الذكرى 40 لاستقلال جنوب اليمن عن المستعمر البريطاني، المعارضين المقيمين في الخارج (الذين خرجوا على إثر الحرب الأهلية الدامية التي اندلعت صيف 1994 بين شركاء السلطة علي عبدالله صالح وأنصاره ونائبه علي سالم البيض، وانتهت بمغادرة هذا الأخير وأنصاره البلاد)، إلى العودة والمشاركة في الحياة السياسية.
وقال صالح في خطابة بمناسبة 30 من نوفمبر: نرحِّـب بعودتهم إلى أرض الوطن ليكونوا معنا ولنفتح صفحة جديدة في العمل السياسي ويعودوا مكرّمين مجلّـلين”، مشدّدا على أن يعودوا إلى أرض الوطن، ليمارسوا العمل السياسي المشروع. فالوطن يتّـسع للجميع ويعودوا كما عادت بي نظير بوتو ونواز شريف، ومن حقهم أن يمارسوا العمل السياسي، وليس هناك ما يمنع.
مبادرة الرئيس.. قوبلت ببرود
وفي المكان الذي رُفع فيه علم الدولة اليمنية الموحّـدة يوم 22 مايو عام 1990، تمنى صالح أن يرى فيه رموز الحركة الوطنية ممن ناضلوا من أجل الاستقلال ونَـيل الحرية، وعلى وجه الخصوص “تلك القيادات التي لم يكن لها سوابق في حياة الشعب ولم تتلطّـخ أيديهم بالدماء”، على حدّ تعبيره.
ويرى المراقبون في مبادرة الرئيس اليمني، دعوة صريحة لعودة نائبه السابق علي سالم البيض، الذي رفع وإياه عَـلم الوِحدة في ذلك المكان، كما يرون فيها استثناء للرئيس السابق علي ناصر محمد، الذي تتّـهمه السلطات أنه يقِـف وراء تحريك الشارع في المظاهرات الاحتجاجية التي تعصف بالمحافظات الجنوبية الشرقية منذ أزيد من تسعة أشهر، وأن الدعوة أتت كمحصّـلة للحركة الاحتجاجية التي يقودها المتقاعدون العسكريون وتؤيِّـدها أحزاب المعارضة في “اللقاء المشترك”.
لكن، وكما هو واضح، فقد قُـوبلت المبادرة الرئاسية ببُـرود كبير من قِـبل تلك الأحزاب ولم تُـشر إليها لا من قريب ولا من بعيد، مما يعني، حسب أولئك المراقبين والمتابعين، أن للمعارضة أجندة خاصة تُـعطي الأولوية للضغط على الرئيس صالح، بُـغية حمله على إصلاحات سياسية وِفق حساباتها والاتفاق على قواعد اللعبة السياسية وإعداد الملعب للانتخابات البرلمانية المقبلة المقرّرة في مطلع عام 2009، والتي بدأت الخلافات بشأنها مبكّـرة، ولذلك تعاطت أحزاب المعارضة مع المبادرة وكأنها لا تعنيها.
إشادات رسمية وردود فعل فاترة
وباستثناء الإشادات الرسمية بالدعوة التي وردت على لسان قيادات الحزب الحاكم ورئيس الحكومة وحفلت بها الصحافة الرسمية، فقد جاءت ردود الأفعال فاترة، على الرغم من الترحيب بالمبادرة.
وفي أول تعليق لأول رئيس وزراء في حكومة دولة الوحدة، المهندس أبو بكر العطاس، الذي يعيش في المنفى منذ حرب صيف 1994، رحب بدعوة الرئيس صالح للمنفِـيين في الخارج وطيّ ملفات الماضي، إلا أنه اعتبر أن مَـن هم في الداخل أولى بدعوة طَـي تلك الملفات، رابطا بين عودته وبين انعكاس تلك الدّعوة في معالجات إيجابية للقضايا العالقة في الساحة، لافتا الانتباه إلى أن الأشخاص الموجودون في الخارج، هم نفر قليل، بينما مَـن يقول بأنهم في الداخل، هم مَـن يتحمّـلون عِـبء المواجهة وهم أصحاب القضية.
ويرى المحلِّـلون أن هذا الطرح من قِـبل معارضة الخارج، يأتي متناغِـما إلى حدّ كبير مع ما تطرحه المعارضة في الداخل حِـيال المَـطالب التي يرفعها المحتجَّـون في الجنوب، الذين يرون أنهم حرّكوا المياه الرّاكدة منذ سنوات في المشهد السياسي اليمني، ويلحظ ذلك التناغم جلِـيا في تطابق المواقف إزاء ما تعتبره مطالب حقوقية يرفعها المحتجّـون في جنوب وشرق البلاد، ويبدو ذلك واضحا فيما ذهب إليه محمد قحطان، رئيس الدائرة السياسية في التجمّـع اليمني للإصلاح بقوله الأسبوع الماضي في مقابلة مع صحيفة “الصحوة”، الناطقة بلسان الإصلاح، “مطلوب إعادة الجنوب إلى الخارطة السياسية، أرضا وإنسانا، بعد أن شطبته السلطة الحالية منها”.
خياران لا ثالث لهما
وفي تعليقه لسويس انفو على دعوة عودة المعارضة في الخارج، يعتقد محمد صالح الحاضري، الكاتب والسياسي المعروف، أن “المشكل أعمق بكثير من أن يُـحَـل بمثل هذه الدعوة”، متسائلا بقوله: “حتى في حالة عودة النازحين، ما الذي يُـمكن أن يعملوه؟ فكلهم حَـكموا وسادوا في فترات مختلفة، دون أن تحدث ذلك أي تحولات جوهرية في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية لليمن.
ويرى أن الإشكال الرئيسي يتمثل في أن الواقع اليمني أفرز ظواهر سلبية جعلت الطاغين على المسرح السياسي والثقافي، هم حاصل الاضطهاد الذي مُـورس ضدّ المثقفين والسياسيين الحقيقيين، الذين يشكِّـلون وجه اليمن الآخر ويستطيعون أن يقِـفوا في السياسات التي أوصلت البلاد إلى هذا المستوى.
ويذهب الحاضري إلى حدّ اعتبار أن المبادرة ليست إلا مُـحاكاة لدعوة الرئيس برويز مشرف للمعارضة الباكستانية مؤخرا، مؤكِّـدا أن التجارب أثبتت أن الرئيس صالح في تعامله مع خصومه، يضعهم دائما أمام خيارين، لا ثالث لهما، إما الاحتواء وإما القَـهر والإذلال، وأن مبادراته التي يطلقها من حين إلى آخر، لا تعدو أن تكون مخارج زائفة للأزمات التي واجهت حُـكمه طيلة الثلاثة عقود الماضية، مما عرقل بناء الدولة اليمنية القائمة على المواطنة والحقوق المتساوية. بل الأدهى والأمر، حسب الحاضري، أن الدولة بعد كل تلك العقود لم تتأسّـس على ما يقتضيه العقل، بل ظلّـت محصّـلة للوضع الاجتماعي الذي تطغى عليه التركيبة العشائرية التي تؤثر فيه، مما حال دون بلوغ دولة المؤسسات التي يتطلّـع إليها اليمنيون.
وحول إمكانية عودة علي سالم البيض، نائب الرئيس الذي يعيش في المنفي منذ حرب صيف 1994، لا يخفي الحاضري شكوكه، مشيرا في هذا السياق أن العودة لم يقبل بها علي ناصر محمد، الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطي الشعبي، وهو شريك للرئيس صالح في كل شيء. فكيف يقبل بها البيض الذي خاض معه حرب 1994؟
محدودية أثر الدعوة
عموما، يكاد يلتقي المتابعون والمراقبون للشأن اليمني على موقف واحد، هو محدودية أثر الدّعوة التي أطلقها صالح على حلحلة الأزمة التي تعيشها البلاد منذ عودة القضية الجنوبية إلى السطح قبل تسعة أشهر بواجهة حقوقية تحظى بدعم واضح من المعارضة، التي لم تعد بعيدة على تحريك الشارع الذي بدا طيعا، خاصة مع سوء التدبير الذي يحيط بمجمل السياسة العامة في البلاد، التي أفرزت حتى الآن قطاعات عريضة من الناس، هم من ضحايا التهميش والإقصاء المنظم، حسب ما يذهب إليه الكاتب والسياسي محمد صالح الحاضري وغيره ممّـن يُـدركون جيدا إلى أي حد أصبح حجم المطالب المعيشية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية متراكما.
إجمالا، يمكن القول إنه إذا لم تقترن المبادرة الرئاسية بخطوات عملية تُـترجم إعادة الثقة بين مختلف مكوّنات المجتمع اليمني، فإن التردد حِـيالها سيبقى سيّـد الموقف، والأيام القليلة القادمة هي الكفيلة بتقديم الإجابة الشافية لما ستحمله الدعوة من مخارج لحالة الاحتقان التي تلُـف البلاد منذ بدء موجة احتجاج الشارع اليمني.
عبد الكريم سلام – صنعاء
دعا عبده ربه منصور هادي، نائب رئيس الجمهورية القيادات في الأحزاب والمنظمات والجمعيات بان لا يستغلوا الحراك السياسي في بعض المحافظات للعبث بمسيرة الديمقراطية والدخول في المحظور، كون ذلك يتناقض مع الدستور والقوانين النافذة.، وأكد نائب الرئيس في كلمة له يوم الأحد 2 ديسمبر بصنعاء بحفل تخرج عدد من الدفع بالمدارس والمعاهد العسكرية والأمنية، وذلك احتفاءً بالعيد الـ 40 للاستقلال يوم 30 نوفمبر أن “ذلك لا يوصل إلى شيء بقدر ما يضر بعملية التنمية ويعيق الاستثمار ويزعزع أمن الوطن واستقراره”، ودعا نائب الرئيس في هذه المناسبة القيادات في أحزاب اللقاء المشترك إلى العودة للحوار مع المؤتمر الشعبي العام، بغرض الخروج برؤى تتّـفق والمصالح العليا للوطن وتفادي أية مشاكل قد تُـعرقل عملية التنمية الشاملة في الوطن.
وأشار إلى ما يبديه رئيس الجمهورية علي عبدالله صالح من حِـرص على الحوار من خلال دعواته المتكررة، والتي كان آخرها في خطابه بمناسبة العيد الأربعين للاستقلال المجيد.. حيث كرّر الدعوة إلى الحوار بهدف الوصول إلى النتائج التي يستفيد منها شعبنا اليمني، وبما يجنبه مآسي الماضي، فضلا عن تأكيده أن الوطن يتسع للجميع، كما حذر نائب الرئيس ممّـن يحاول أن يتجاوز الثوابت الوطنية بمواجهته للقوات المسلحة والأمن ومعها الشعب اليمني، الذي ناضل وضحى من أجل هذه الثوابت الوطنية.. مشيرا إلى أن ما يجري اليوم في بعض المحافظات من حراك سياسي، إنما يتم في أطار النهج الديمقراطي الذي اخترناه، وأضاف، “وعلى الذين لم يستفيدوا من التاريخ، وهم عدد قليل، أن يعيدوا النظر في مواقفهم قبل فوات الأوان، لأن للصبر حدود”، وأضاف نائب الرئيس أن “الشعب اليمني قد تعرّض خلال السنوات الماضية، وخاصة زمن التشطير، إلى مآسي، سواء كانت في شمال الوطن أم في جنوبه، وكان اليمن ضحية لفترة الحرب الباردة وأضاع الكثير من الوقت والدماء والإمكانات، نتيجة لذلك، ولكن بعد 22 مايو 1990.
وقال نائب رئيس الجمهورية “بعد أن أعيد تحقيق الوحدة المباركة وإغلاق ملفات الماضي البغيض، توجه شعبنا لإعادة بناء الوطن ،وخاصة البنية التحتية وأهمها الطرق والتربية والتعليم والصحة والمياه والكهرباء والاتصالات وغيرها، وكذا بناء الإنسان اليمني وهو الأهم. وأعرب نائب رئيس الجمهورية عن سعادته لحضور حفل تخرّج كوكبة من الكوادر العسكرية في عدد من تخصصات القوات المسلحة.. مهنِّـئا جميع الخريجين لنجاحهم في دورات العلوم العسكرية المتطورة .. كما هنّـأ الجميع بمناسبة العيد الـ 40 للاستقلال يوم 30 نوفمبر المجيد.
وقال “يُـسعدني أن أنقل إليكم، ومن خلالكم لجميع أبناء القوات المسلحة والأمن، تهاني وتبريكات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية – القائد الأعلى للقوات المسلحة”. وألقى نائب رئيس هيئة الأركان لشؤون التدريب والمنشآت التعليمية، اللواء الركن على سعيد عبيد كلمة وزارة الدفاع هنّـأ في مستهلها الخريجين في هذه الدفع، وأشار إلى أن تخرج هذه الكوادر يشكِّـل رافدا جديدا للقوات المسلحة والأمن بالكوادر الكفء والمتسلحة بالزاد المعرفي والعلمي التخصصي، وهو ما يندرج في إطار فلسفة البناء والتأهيل الذي تشهده مختلف صفوف القوات المسلحة، وتطرق إلى الآفاق المستقبلية لتعزيز مسيرة النهوض الشامل للوطن في مختلف المجالات.. مشيرا في ذات الصدد إلى الأهداف التي تنشدها مبادرة فخامة رئيس الجمهورية الخاصة بالتعديلات الدستورية، وكذا جهود فخامته التي شكلت الرد المنطقي والموضوعي على القوى المريضة والمزايدة والمحبطة، التي لا يروق لها أن ترى الوطن قويا وشعبه مُـتماسكا واقتصاده مزدهرا ومتطورا، وأعرب نائب رئيس هيئة الأركان عن الشكر والتقدير لقيادات المعاهد والمدارس على ما بذلته من جهود طيبة لتأهيل هذه الكوكبة من الدماء الجديدة الشابة المتشربة بالمعارف والعلوم العسكرية الحديثة.
(المصدر: وكالة سبأ اليمنية بتاريخ 2 ديسمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.