اليمن وملف حقوق الإنسان
تحتضن العاصمة اليمنية من 10 إلى 12 يناير مؤتمرا دوليا حول الديمقراطية، وحقوق الإنسان، ودور المحكمة الجنائية الدولية ومؤسسات المجتمع المدني.
ويظهر الحشد الإعلامي للحدث، حرص اليمن على إظهار الاهتمام بملف حقوق الإنسان، إلا أن مجريات الواقع الداخلي تجعل منه ملفاً ساخناً على الدوام.
يسعى اليمن إلى البرهنة على أنه من البلدان القليلة في المنطقة العربية التي تولي أهمية كبيرة لحقوق الإنسان، سواء بتكثيف الخطاب الرسمي على هذا التوجه أو من خلال المبادرات التي يُـطلقها في هذا المجال.
وكان آخر تلك المساعي، تحويل وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان التي شكلت لأول مرة عام 2001 إلى وزارة بحقيبة على رأسها السيدة أمَـةُ العليم السوسوة كوزيرة حقوق الإنسان، وتخويلها صلاحيات الإشراف والتعاطي مع هذا المسألة من منظور حكومي.
ومع أن القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان كثيرا ما تكون مثيرة للخلافات بين الحكومة والمعارضة، إلا ان أجواء إيجابية تسود مختلف الأوساط السياسية والحقوقية منذ تقلّـد السوسوة هذه الوزارة، حيث ترى أن هذا الملف برمّـته سيشهد دفعة جديدة.
ومع أن المراهنة على تعزيز حقوق الإنسان في بلد مثل اليمن لا يخلو من صعوبات محلية ودولية، إلا أن الوزيرة تأمل في إمكانية تذليل تلك الصعوبات والعوائق، مثلما جاء في الحديث الذي خصّـت به سويس إنفو في صعناء.
صعوبة المفاضلة
أولى تلك الصعوبات، هي أحداث 11 سبتمبر لعام 2001، وفي هذا السياق، قالت السيدة أمة العليم السوسوه إن أحداث 11 سبتمبر، بالإضافة إلى ارتباطها بقضية الإرهاب الدولي “كانت لها آثارها الوخيمة بلا شك على بعض مفاهيم حقوق الإنسان التي كانت هي الديدن والأساس في مضمار السياسة والقانون الدوليين”·
وتضيف الوزيرة قائلة “طبعاً عندما تجد المفاضلة التي يضعها البعض بين المسألة الأمنية والاستقرار والمسائل الأخرى، والتي يترتب عليها الإضعاف أو التهوين من بعض جوانب حقوق الإنسان بلا شك، فإن المصلحة تكون عادة إلى جانب الأمن”.
وترى الوزيرة اليمنية أن اليمن لم يكن استثناءا في هذا الشأن، لاسيما وأنها تضررت بشكل كبير جداً سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وتحديداً منذ عام 1997، وبعد حادثي المدمرة “كول ” وناقلة النفط الفرنسية “لمبيرج”.
جهة حكومية أم موضوعية؟
وفي معرض ردها على التساؤل عن مدى قدرتها على التحلي بالموضوعية عند التعاطي مع ملف حقوق الإنسان، خاصة وأنها عضوة في الحكومة، ردت الوزيرة قائلة: “إن الحكومة في قيامها بإصدار قرار لإنشاء وزارة، وضعت تحدياً إضافياً لها على عاتقها، لاسيما وأنها هي نفسها المشرفة والمتابعة بحكم الدستور والقوانين النافذة. فالدولة ممثلة بالحكومة وعليها أن تسهر على تطبيق المبادئ التي تعلن عنها، سواءً في دستورها أو في قوانينها”.
أما فيما يتعلق بالإشارة إلى مسألة الموضوعية أو عدمها، فتلفت السيدة أمَـة العليم السوسوة أن مثل هذه القضايا لا تحتمل أن يكون الإنسان موضوعياً أو غير موضوعياً، بل تتعلق أساساً “بأن يؤدي الإنسان عملاً، ومأسسة هذا العمل تتم الآن عبر هذه الوزارة وعبر تأسيس جهاز مهم للبلاغات والشكاوى، الذي أصبح حقاً للمواطن اليمني على اختلاف خلفياته أو وضعيته”.
وتشير الوزيرة اليمنية لحقوق الإنسان بأنه من المبكر الإشارة إلى موضوعية الوزارة أو عدم موضوعيتها “لأنها لا تزال وليدة وصغيرة جداً”. ومضت تقول بأنه “إذا ما تم العمل كما يجري الآن، له من إعداد كوادر مدربة وتحديد اللائحة التنظيمية، وأيضاً التعاطي مع قضية حقوق الإنسان، فإن المستفيد بلا شك هو المواطن اليمني بشكل عام، وتوعيته بحقوقه القانونية لأن المسألة لا تقف فقط عند حد وصول شكوى والتبليغ عنها أو متابعة هذه الشكوى، المسألة الأهم أن يعي الناس بحقوقهم”.
قضية الشيخ المؤيد!
وفي ردها على سؤال عن قضية الشيخ المؤيد، وعن الإجراءات التي اتخذتها وزارتها في هذا الشأن، أوضحت السيدة السوسوة بالقول إن: “قضية الشيخ المؤيد لم تقف فقط عند حد المتابعة الإعلامية أو المسائل المتعلقة بالضخ السياسي لمتابعة هذه القضية، ولكنها قناعة الحكومة التي تحاول أن تبين لمواطنيها أنها لا يمكن أن تتركهم لقمة سائغة وبدون متابعة واهتمام وحماية”.
وأردفت الوزيرة اليمنية بأن قضية الشيخ المؤيد هي واحدة من القضايا الكثيرة الأخرى التي تتعاطى معها وزارتها، والتي تقف على رأسها قضية المعتقلين في قاعدة غوانتانامو الأمريكية على ذمة قضايا إرهابية، حيث تتابع الوزارة قضاياهم بالإضافة إلى ملفات أخرى في العراق أو في غيره.
أوضاع السجناء والسجينات!
تظل قضايا السجون بصفة عامة، وأوضاع السجينات بصفة خاصة من الملفات الشائكة المطروحة دوماً على ساحة حقوق الإنسان في اليمن.
وفي هذا السياق، أوضحت الوزيرة أن هناك تغييرات إيجابية حدثت، وتضيف “لقد أصبح معتاداً أن نتلقى يومياً حركة السجون في الجمهورية بشكل علني، الداخلين والخارجين منها، وطبيعة القضايا المسجونين على ذمتها، والأحكام التي صدرت بحقهم، وإلى أين يذهبون، ما الذي تبقى منهم بحركة سلسة وناعمة ومهمة جداً، (…) هذا عدا قيام الوزارة بزيارات مفاجئة للسجون، بهدف التأكد من أوضاع المساجين فيها.
وفيما يخص السجينات، تشير السيدة السوسوة بالقول: “إنهن لسن في وضع مستثنى، وكما تعرف، وبسبب الظروف الاجتماعية اليمنية، لا توجد في السجن إلا أعدادا بسيطة جداً من النساء، وهؤلاء اللواتي اضطررن أو اضطرت الفئات الاجتماعية إلى وضعهن في السجون بسبب طبيعة الجريمة البشعة والقاسية، وعندما لا يعود هنالك إمكانية لحل هذه المشكلة، ولذلك تُعدّ النساء السجينات في اليمن أقل من أي دولة عربية على الإطلاق، هذا من ناحية، وفي معظم سجون البلاد لا توجد سجينات على الإطلاق من ناحية أخرى”·
كما تشير السيدة السوسوة إلى أن المشكلة الأهم المتعلقة بالسجينات هي المتعلقة بأوضاعهن بعد خروجهن من السجن. وتقول: “المجتمع اليمني لا يقبل للأسف الشديد في بعض من عاداته الاجتماعية باحتضان من يخرج من هذا المكان بشكل طبيعي، ولذلك، نحن نفكر مع كثير من المنظمات الدولية بمعالجة هذه الوضعية”.
الحوار الحكومي مع المتشددين!
وفيما يتعلق بالحوارات التي تتم في اليمن مع المقبوض عليهم من المتشددين الإسلاميين ودور الوزارة في هذا الجانب، ردت وزيرة حقوق الإنسان بالقول: “إن الوزارة لم يكن لها أي دور فيها، لأن الحوار الذي يتم هو حوار ديني فكري، ونحن لا ندعي أننا في قلب هذا الفهم”.
ولفتت إلى أن من يقوم بهذه المسألة هو: “السيد القاضي حمود الهتار رئيس المنظمة اليمنية لحقوق الإنسان، وهو رجل حقوقي وقاض في المحكمة العليا، وهو المتكفل مع علماء آخرين بالحوار مع بعض المغرر بهم الذين تم التدليس عليهم ببعض الآراء والأفكار”.
وتعتبر السيدة السوسوة أن هذا التوجه بالنسبة لوزارة حقوق الإنسان مهم جداً، لاسيما وأن هناك حاجة لإعادة إدماج هؤلاء الشباب في المجتمع ليعيشوا بشكل طبيعي وبشكل صحي. كما أكّـدت على أهمية فكرة التسامح والعفو، خاصة لأنه: “لا يمكن لك أن تصر على فكرة العقاب، لأن العقاب يولد الانتقام، أما مسألة الحوار فهي مهمة”.
المهم أننا بدأنا
من جهة أخرى، تعتقد السيدة أمة العليم السوسوة أن عام 2004 سيشهد انطلاقة مهمة جداً لحقوق الإنسان في اليمن. ويبدو أن مرد هذه القناعة يعود إلى أن هذا العام هو الذي ستستكمل فيه جهود إعداد موظفي الدرجات العليا ممن أصبحوا قادرين ومؤهلين على التعاطي مع المسائل المتعلقة بمختلف أوجه حقوق الإنسان.
وخلصت الوزيرة اليمنية في حديثها إلى سويس إنفو بالقول: “طبعاً حقوق الإنسان كثيرة وواسعة جدا،ً ونحن يجب أن نكبر مع هذه الطموحات ومع هذه الآمال، لأن التعاطي مع هذا الموضوع والقبول بالمشاركة فيه على معرفتنا بأنه موضوع صعب وشاق، يعني أنه يجب أن نكون مؤمنين دوماً أن الطريق لا يزال شاقاً وطويلاً، لكن المهم أننا بدأنا بالخطوة الأولى”.
عبدالكريم سلام – صنعاء – سويس إنفو
مقتطفات من تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في نوفمبر 2003:
تحتجز السلطات اليمنية نحو 200 شخص بدون محاكمة أو إمكانية الحصول على محامي.
منذ أحداث 11 سبتمبر، شنت السلطات حملات اعتقال جماعية وترحيل لحاملي جنسيات أجنبية.
شملت عمليات الاعتقال، النساء وأطفالا لم يتجاوزا الثانية عشر من العمر.
رغم تأكيد الحكومة على أنها لجأت إلى هذه الإجراءات لمكافحة الإرهاب، إلا أن التقرير يعتبرها مضرة بما أسماه بـ “المكاسب العديدة اليمنية في مجال حقوق الإنسان”، التي حققتها صنعاء قبل 11 سبتمبر 2001.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.