اليمين المتشدد يكتشف حدود إستراتيجية الاستقطاب السياسي
تمخّـضت النتائج النهائية للأدوار الثانية من الانتخابات البرلمانية عن هزيمة مزدوجة لحزب الشعب السويسري في زيورخ وسانت غالن.
فقد اتـضح أن إستراتيجية الاستقطاب، التي انتهجها اليمين المتشدد، قد فشِـلت في انتخابات مجلس الشيوخ، فيما اعتبر الخبير السياسي هانس هيرتر أن الوسط “الذي لا يُـمكن أن يتم شيء بدونه في البرلمان”، هو الفائز.
اكتملت يوم الأحد 25 نوفمبر التشكيلة النهائية للبرلمان الفدرالي، إثر اختتام الأدوار الثانية للانتخابات التشريعية، التي أجريت على مدى الأسابيع الماضية في بعض الكانتونات، للحسم بين المترشحين الذين لم يتمكّـنوا من الحصول على الأصوات الكافية في الدور الأول من الانتخابات، الذي دار يوم 21 أكتوبر الماضي.
ففي زيورخ، أحدثت المرشحة فيرينا دينر عن الخُـضر الليبراليين، المفاجأة بانتصارها على أولي ماورر، رئيس حزب الشعب (يمين متشدد)، الذي حقق فوزا مُـدويا في الانتخابات البرلمانية. فقد حصُـلت السيدة دينر، التي حظيت بدعم واسع من جميع الأحزاب السياسية، على 199594 صوتا مقابل 170081 لمنافسها، الذي لن يتمكّـن من دخول مجلس الشيوخ.
أما في كانتون سانت غالن المجاور، فقد فشِـل طوني برونر، نائب رئيس حزب الشعب في الدور الثاني وأعيد انتخاب إيريكا فورستر (من الحزب الراديكالي) وأوجين دافيد (من الحزب الديمقراطي المسيحي) لتمثيل الكانتون في مجلس الشيوخ.
لتسليط الضوء على أبعاد هذه النتائج، التي اعتبرها المراقبون نكسة لليمين المتشدد، ولتقييم الحصيلة النهائية للانتخابات البرلمانية، أجرت سويس انفو الحديث التالي مع المحلل والخبير السياسي هانس هيرتر.
سويس انفو: كيف يُـمكن توصيف النتيجة النهائية للانتخابات البرلمانية للفترة النيابية الجديدة؟ وكيف ستؤثر برأيك على السياسة السويسرية؟
هانس هيرتر: لا أعتقد أنها ستغيّـر الكثير، نظرا لأننا نتوفّـر على أغلبيات محدودة جدا حول بعض المسائل في مجلس النواب. أما في القضايا التي تعارض فيها الأحزاب البورجوازية توجهات اليسار، فإن الأوائل (أي حزب الشعب والحزب الراديكالي) يُـسيطرون على غرفتي البرلمان.
في المقابل، وفيما يتعلق بالمسائل المرتبطة بالبيئة أو ببعض نقاط السياسة الاجتماعية، فلدينا أيضا أغلبية محدودة جدا لفائدة وسط اليسار في مجلس النواب، لكن هذه الوضعية كانت قائمة خلال الفترة النيابية السابقة.
هذه الأغلبية لوسط اليسار تعززت إلى حد ما في مجلس الشيوخ، مقارنة بالفترة النيابية السابقة، لذلك، فإن غرفة الكانتونات (التسمية الثانية لمجلس الشيوخ) ستستمر في اتخاذ قرارات، يُـمكن أن تكون مختلفة عما يُـقره مجلس النواب.
سويس انفو: أصبح مجلس الشيوخ يضم في صفوفه ثلاثة أعضاء من الخُـضر أو الخُـضر الليبراليين، هل يعني هذا أن غرفة الكانتونات أصبحت أكثر دفاعا عن البيئة من السابق؟
هانس هيرتر: لقد كان هذا الأمر قائما من قبل، بفضل أغلبية محدودة لفائدة وسط اليسار، أي مع احتساب الديمقراطيين المسيحيين والاشتراكيين، لذلك، فإن مكاسب الخُـضر والخُـضر الليبراليين ستزيد من تعزيز هذه الوضعية.
سويس انفو: هل تعتقد أن الوسط قد زاد من ثقله من خلال تقوية المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي المسيحي، التي أصبح بإمكانها الاعتماد على دعم الحزب الإنجيلي والخُـضر الليبراليين؟
هانس هيرتر: لقد كان للوسط ثقل على الدوام ولا يقتصر الأمر على الفترة النيابية السابقة، بل كان قائما من قبل. فعلى الرغم من النسبة المرتفعة من الأصوات، التي حصل عليها حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، فإن القرارات (النهائية) كانت دائما نتيجة إرادة الوسط، أي الحزب الديمقراطي المسيحي والراديكاليين.
سويس انفو: حقق حزبا الشعب والخُـضر انتصارا كبيرا. فهل ستستمر السياسة السويسرية في حالة استقطاب؟
هانس هيرتر: من الصعب قول ذلك، إنني أعتقد أن حزب الشعب سيُفكر لمعرفة ما إذا كان يريد الاستمرار في انتهاج خطه الحالي والأولوية الممنوحة لمجلس النواب، لكن الأمر لن يكون سهلا بالنسبة إليه، لأن إستراتيجيته الاستقطابية سمحت له بالحصول على أكبر عدد من الأصوات.
من جهة أخرى، أظهرت انتخابات نهاية الأسبوع لمجلس الشيوخ، أن هناك أيضا ثمن يتوجّـب دفعه مقابل هذا. فحيثما كانت الغلبة لنظام التصويت بالأغلبية، سواء في انتخابات حكومية أو برلمانية، فإن إستراتيجية حزب الشعب السويسري لم تنجح بالمرة.
فمن غير الممكن أن تهاجم الآخرين باستمرار وأن تمارس الاستقطاب وتواصل في الاعتقاد بأنك ستحصل على الدعم من نفس الأطراف في تصويت يعتمد نظام الأغلبية.
سويس انفو: رغم كل شيء، تستمر سويسرا في التمتع بنظام شديد الاستقرار..؟
هانس هيرتر: هذا أمر واضح، الأكيد أن هذا يحدُث أيضا، لأنه لا يجب علينا أن نشكل حكومة أغلبية، التي تضطر إثر ذلك إلى تشكيل تحالفات.
لقد قررنا في سويسرا أننا بحاجة إلى حكومة تضم الأحزاب السياسية الرئيسية الأربعة، وذلك لأسباب متعددة، من بينها الحقوق الشعبية (المتمثلة في الحق في إطلاق المبادرات الشعبية وما يترتب عنها من استفتاءات وطنية) بالخصوص.
هذا الوضع يوفِّـر بطبيعة الحال استقرارا، بغض النظر عن الانزلاقات التي يمكن أن تحدث في البرلمان.
سويس انفو: ما هي برأيك انعكاسات الانتخابات البرلمانية على انتخاب أعضاء الحكومة الفدرالية يوم 12 ديسمبر القادم؟
هانس هيرتر: لا أعتقد بأنه ستكون هناك أية تغييرات. صحيح أن الخُـضر أعلنوا عن مرشح خاص بهم، لكنها ليست المرة الأولى التي يحدُث فيها هذا.
من جهة أخرى، فإن الخُـضر ليسوا أقوياء بما فيه الكفاية من الناحية الحسابية أو السياسية، على حد السواء. فمن له مصلحة في الحصول على حكومة مدافعة عن البيئة؟ إنه اليسار واليسار فقط، إذ أن البقية ليست لهم أية مصلحة في مشاهدة شخص إضافي يجلس إلى الطاولة ويأخذ نصيبه من الكعكة.
سويس انفو – كريستيان رافلاوب
(ترجمه وعالجه كمال الضيف)
يتشكل البرلمان الفدرالي السويسري من غرفتين، وهما مجلس النواب (ويسمى أيضا مجلس الشعب) ومجلس الشيوخ (ويسمى أيضا مجلس الكانتونات)، وتشكلان مجتمعتين “الجمعية الفدرالية”، التي تضم 246 عضوا.
يشتمل مجلس النواب على 200 نائب يمثلون الشعب السويسري. أما مجلس الشيوخ، فيضم 46 نائبا يمثلون الكانتونات.
تركيبة الجمعية الفدرالية 2007، التي تضم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ (ما بين قوسين أرقام الانتخابات السابقة، التي أجريت عام 2003):
حزب الشعب السويسري (يمين متشدد): 69 (63)
الحزب الاشتراكي: 52 (61)
الحزب الراديكالي (يمين): 43 (50)
الحزب الديمقراطي المسيحي: 46 (43)
حزب الخُـضر: 22 (13)
الحزب الليبرالي (يمين): 4 (4)
الخُـضر الليبراليون: 4 (0)
الحزب الإنجيلي: 2 (3)
الحزب السويسري للعمل (يسار اليسار): 1 (2)
الاتحاد الديمقراطي الفدرالي: 1 (2)
رابطة سكان تيتشينو: 1 (1)
الحزب المسيحي الاجتماعي: 1 (1)
الحزب الديمقراطي المسيحي: 15 (15)
الحزب الاشتراكي: 9 (9)
الحزب الراديكالي: 12 (14)
حزب الشعب السويسري: 7 (8)
الخُـضر والخُـضر الليبراليون: 3 (0)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.