مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بداية مشوار طويل لحماية الصحفيين في المناطق الخطرة

مظاهرة في باكستان احتجاجا على مقتل الصحفي حياة الله خان في عام 2006 Keystone

أسفر مؤتمر عقد مؤخرا في الدوحة خصص لحماية الصحفيين في الحالات الخطرة عن توحيد الآراء حول ضرورة البحث عن سبل أخرى لحماية الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات المسلحة والإضطرابات الخطرة.

وتشكل توصيات المؤتمر، التي ستُـرفع للجمعية العامة للأمم المتحدة، بداية مشوار قد يضع الدول والمنظمات الدولية والمنظمات الحقوقية والمهنية أمام مسؤولياتها، لتقديم حماية فعالة وملزمة لمن يتم تشجيعهم على نقل الحقيقة من الخطوط الأمامية  إلى مناطق الصراعات والإضطرابات.

من جهة أخرى، رحبت عدة جمعيات للدفاع عن الصحفيين بالتوصيات الصادرة عن مؤتمر الدوحة الدولي لحماية الصحفيين في الحالات الخطرة، الذي انعقد يومي 22 و23 يناير بمشاركة 150 ممثلا قدموا من 50 بلدا، ويمثلون عدة  اتحادات صحفية وجمعيات مدافعة عن حقوق الإنسان وممثلين عن منظمات أممية ودولية وشبكات إعلامية.

ومثلما كان متوقعا، وفر اجتماع الدوحة فرصة لاستعراض أهمية عمل الصحفيين في مناطق الصراعات المسلحة والخطرة وضرورة توفير حماية لهم “نظرا لكون حمايتهم في الحالات الخطرة اصبحت من القضايا الملحة التي تزايدت حاجة العالم إليها إثر ما نشهده من اجتياح وانتهاكات لهذه المهنة، التي دائما ما تسجل حضورا لافتا في مناطق النزاعات والصراع”، مثلما قال الدكتور علي بن صميخ  المري، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر في كلمة الإفتتاح.

نفس الأمر أكده بليز لامبن، أمين عام الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي من خلال استعراض آخر المستجدات حيث أشار إلى أن “عام 2011 عرف مقتل 105 صحفي في العالم، من بينهم 20 في ثورات الربيع العربي وحدها، كما أن السنوات الأربع سنوات الماضية شهدت مقتل 550 صحفي”، وخلص إلى القول “لقد حان الوقت لكي نتحرك لوضع حد لهذا الوضع المأساوي”.

إجماع حول الخطورة..

المشاركون في مؤتمر الدوحة أجمعوا على تأكيد خطورة الأوضاع التي يعمل فيها الصحفيون في مناطق الصراعات المسلحة والنزاعات الخطرة وعلى تزايد استهدافهم اثناء تأدية مهامهم الإعلامية، ما دفع وزير الثقافة والفنون والتراث القطري الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري إلى التأكيد على أن “واجبنا الأخلاقي هو العمل على توفير الحماية للصحفيين أثناء أداء أعمالهم، لأنهم الفئة المستهدفة من جانب القوى التي تريد طمس الحقيقة”.

وفي تدخلها، ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هذه الخطورة تمتد “من منعهم من الوصول الى الميدان، مرورا بفرض الرقابة على عملهم أو مضايقتهم، وصولا إلى اعتقالهم بطريقة تعسفية أو مهاجمتهم بطريقة مباشرة”.

من جهتها، رأت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) أن “بعض الصحفيين يُقتل حتى أثناء قيامه بعمله خارج  صراعات مسلحة وأن غالبية الهجمات هي من صنع قوات الأمن والشرطة والميليشيات وعصابات الإجرام”.

أما الإتحاد الدولي للصحفيين فقد اعتبر أن “المزعج، ليس فقط أن العشرية الماضية عرفت مقتل أكثر من 1000 صحفي، بمعدل صحفييْـن في كل أسبوع، بل أيضا لأن العديد من الصحفيين المحليين لا يجد مقتلهم صدى في وسائل الإعلام”.

في السياق نفسه، شددت الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي على أن “90% من الجرائم التي تستهدف الصحفيين، لا تجد أية متابعة قضائية ولا تحديدا لمرتكبيها ولا عقابا”.

.. وتباين حول الوسيلة    

رغم حصول إجماع حول تقييم خطورة ظروف عمل الصحفيين في مناطق النزاعات وضرورة توفير الحماية لهم، إلا أن المناقشات أظهرت تباينا حول الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك، إذ رأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مثلا أن “الصحفيين العاملين في مناطق الصراعات، يتمتعون بالحماية كباقي المدنيين وأن القوانين الحالية تقدم ما يكفي من الحماية وأن النقص الكبير الموجود، ليس في القوانين، بل في مسالة التطبيق والتحقيق ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات”.

الإتحاد الدولي للصحفيين اشار من ناحيته إلى أنه يعقد آمالا على الدور الذي يلعبه تدريب الصحفيين في المجالات الأمنية لمواجهة هذا الإرتفاع المسجل في عدد القتلى، واعتبر أن “منظمة اليونسكو، المسؤولة عن حرية الرأي والتعبير، لديها ما يكفي من المعاهدات والقوانين، سواء في مجال حقوق الإنسان أو القانون الانساني الدولي… التي تسمح باعتبار الصحفي مدنيا وتوفير الحماية له على هذا الأساس”.

على العكس من ذلك، ترى الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي أن القوانين الحالية (سواء في القانون الدولي أو في القانون الانساني الدولي)، لا تسمح بتوفير تلك الحماية للصحفي في مناطق الصراعات المسلحة والخطرة، وتطالب بإدخال إجراءات قانونية ملزمة جديدة لحماية الصحفي، وبتوحيد الآراء حول شارة مميزة معترف بها دوليا وملزمة قانونيا، وأوضحت الحملة أنه “لا توجد على المستوى الدولي أية قوانين تعالج موضوع  حماية الصحفي في مناطق الصراعات والمناطق الخطرة”.

ومع أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر شددت على أن البند 79 من البروتوكول الإضافي الأول لمعاهدات جنيف، المخصص لحماية الصحفيين، الذي نص على أن الصحفيين في مناطق النزاع “مدنيون”، إلا أن الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي رأت أنه “يسمح بالحماية في حالة إصابة الصحفي في مناطق النزاع أو اختطافه أو قتله أو في حالة إخلائه من منطقة النزاع. وفي كل هذه الحالات، يكون قد توقف عن أداء عمله كصحفي وتحول الى مدني مشمول بالحماية”، لذلك تطالب الحملة بـ “ضرورة إدخال معاهدة دولية جديدة تعنى بتحديد معايير حماية الصحفي أثناء تأدية عمله في الخطوط الأمامية للصراعات المسلحة، شأنه في ذلك شأن عمال الإغاثة الإنسانية”.

وبالنسبة لشارة حماية الصحفي، التي عارضتها عدة منظمات مهنية على اعتبار أنها “تشكل خطرا على الصحفي” أو أنها “قد تجعل الصحفي يتحول إلى هدف في منطقة الصراع”، كما جاء على لسان ممثل الاتحاد الأوروبي لهيئات البث الإذاعي والتلفزيوني، فإن الحملة الدولية لشارة حماية الصحفي تعتبر أن “الممارسة الميدانية اليوم، أظهرت بأن هناك عدة فرق تلفزيونية ومراسلين يجدون أنفسهم في بعض الصراعات مجبرين على رفع شارة توضح جليا بأنهم صحفيون، وأن كل واحد منهم  يبتكر عند الضرورة الشارة التي يرى أنها الأنسب، ولكن بدون أن يكون لتلك الشارة أي سند قانوني أو أي اعتراف دولي”.

والسؤال الذي تطرحه الحملة الدولية بالنسبة لشارة الصحفي (التي يجب أن يظل استخدامها من عدمه من اختيار الصحفي في نهاية المطاف) هو “هل الأجدى بنا أن نوحد تصوراتنا لهذه الشارة وأن نمنحها الإعتراف الدولي المطلوب والسند القانوني الملزم وآليات التطبيق والتحقيق الضرورية، أم أن نستمر في تشجيع الصحفيين على التوجه الى المناطق الخطرة والاحتماء بشارات لا قيمة لها من الناحية القانونية؟”.

توحيد بجهود قطرية  

رغم الإختلافات القائمة في وجهات النظر، يمكن القول أن الخطوة الهامة التي انبثقت عن مؤتمر الدوحة، الذي دعت إليه وسهرت على تنظيمه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر، تمثلت في تقريب وجهات النظر المختلفة والتوصل الى إقرار توصيات تشكل انطلاقا في الاتجاه الصحيح، إذ تم في المؤتمر بلورة توصيات موجهة إلى الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها من أهمها “تطوير وتحديث الأنظمة الحالية ومراجعتها، في سبيل الوصول الى الهدف النهائي، وهو وضع معاهدة عالمية تتيح للدول، القيام بمجموعة إجراءات جماعية وجذرية لتوفير حماية ذات مصداقية للصحفيين”.

كما نص المؤتمر على مطالبة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (مقره جنيف) بضرورة تعيين مقرر خاص بحماية الصحفيين وحث المفوضية العليا لحقوق الإنسان على متابعة الحالات الخاصة بانتهاك حقوق الإعلاميين.

وقد تم اختيار خمس منظمات، ستقوم تحت  إشراف اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر، بنقل هذه التوصيات وتسليمها إلى ئيس الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، لفتح نقاش حول موضوع حماية الصحفيين بالمناطق الخطرة. وفي سياق متابعة مصير هذه التوصيات، نص البيان النهائي الصادر عن مؤتمر الدوحة على عقد مؤتمر بعد عام من الآن لتحديد ما تم تحقيقه وم لم يُنجز منها. 

هذه الخطوات المحدودة، رأى فيها الاتحاد الدولي للصحفيين على لسان رئيسه جيم بوملحة “نجاحا كبيرا، ولو أن التوصيات لا ترقى الى المستوى المطلوب، نظرا لكوننا أثرنا هذه القضايا مرات تلو الأخرى”، واعتبر أن “ما تم اتخاذه في الدوحة، سيعمل على ممارسة بعض الضغوط على الحكومات”.

أخيرا، اعتبر الصحفي السويسري بليز لامبن، الأمين العام للحملة الدولية لشارة حماية الصحفي أن ما تم التوصل إليه في مؤتمر الدوحة، يُعتبر”خطوة تاريخية وبداية مسار نأمل في أن تُـسفر عن نتائج جيدة”.

انعقد  مؤتمر الدوحة لحماية الصحفيين في الحالات الخطرة يومي 22 و23 يناير 2012

بمشاركة ممثلين من حوالي 50 دولة، عن حوالي 100 منظمة حقوقية ونقابات صحفية وشبكات إعلامية ومنظمات دولية.

ناقش المؤتمر وضع الصحفيين في مناطق الصراعات المسلحة والحالات الخطرة، وما إذا كانت القوانين السارية المفعول، سواء في القانون الدولي او في قوانين حقوق الإنسان والقانون الانساني الدولي، كافية لتقديم الحماية الضرورية. كما تداول الرأي في كيفية تعاطي المؤسسات الإعلامية مع تكوين صحفييها، قبل إرسالهم الى مناطق الصراعات

أسفر المؤتمر عن تقديم 5 توصيات إلى منظمة الأمم المتحدة والوكالات الراجعة إليها بالنظر، منها: ضرورة تحديث وتطوير ومراجعة الأنظمة الحالية في سبيل الهدف النهائي، المتمثل في وضع معاهدة عالمية تتيح للدول القيام بمجموعة من الإجراءات الجماعية والجذرية، لتوفير حماية ذات مصداقية للصحفيين، ومطالبة مجلس حقوق الإنسان بتعيين مقرر خاص بمتابعة الانتهاكات المرتكبة في حق الصحفيين ودعوة المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى إنشاء وحدة خاصة بمتابعة حالات الانتهاكات المرتكبة في حق الإعلاميين.

أما بالنسبة للحكومات، فقدم المؤتمر 4 توصيات من بينها تعزيز القوانين الوطنية لكي لا تظل حالات الانتهاكات التي يتعرض لها الصحفيون عرضة للإفلات من العقاب وإقرار حق عائلات الضحايا في التعويض، إما مباشرة أو عبر المؤسسات التي كان يشتغل فيها الصحفي، وتاسيس صندوق تكافل لفائدة الضحايا من الصحفيين.

وفي توصيات المؤتمر للمؤسسات الإعلامية، تمت إثارة موضوع التكوين والتدريب على السلامة والتأمين في البيئات العدائية، سواء في وقت الصراع او خارجه، وتوفير معلومات عن المنطقة التي تكون تحت التغطية، وتوفير العلاج النفسي لمن يعود من مهمة في مناطق الصراعات المسلحة أو الخطرة وتوفير تدريب خاص بالنساء الصحفيات، يشمل جوانب التحرش الجنسي والهجمات الموجهة ضد النساء.

ومن التوصيات الموجهة إلى الصحفيين: الحرص على تلقي التدريب على إجراءات السلامة قبل السفر الى مناطق الصراع وتطوير المعرفة بالعمل العسكري والاستعداد للتعامل معه.

أقر المؤتمر أيضا توصيات للمتابعة تتمثل في:

– وضع موضوع حماية الصحفيين على جدول أعمال المؤسسات والمؤتمرات العالمية والإقليمية.

– الإجتماع مع كافة الشركاء، بما في ذلك ممثلي الحكومات بعد عام من الآن، لتقييم الوضع.

– تشكيل لجنة تحت إشراف اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر، تتركب من ممثلي الاتحاد الدولي للصحفيين والحملة الدولية لشارة حماية الصحفي واتحاد الصحفيين في أمريكا اللاتينية والكراييب واتحاد الصحفيين الإفريقيين واتحاد الصحفيين العرب والاتحاد الوطني للصحفيين في الفيليبين، لنقل هذه التوصيات إلى رئيس الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية