برويز مشرف.. نهاية رئيس دولة آخر في باكستان
لم يكن من الممكن لرئيس دولة يحمل رُتبة "جنرال"، مثل برفيز مشرف، أن يُـنهي حياته السياسية بنفسه في دولة لا ترحم القادة، مثل باكستان، إلا إذا كان قد أدرك أنها انتهت بالفعل، وأنه لم يعُـد لديه بديل آخر سوى الرحيل، وأن ثمن البقاء في السلطة ليوم آخر إضافي، قد يكون حياته ذاتها، لذا، فإنه لم يستقل، وإنما أجبِـر على الاستقالة.
لقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية استهدافا واسعا لرؤساء الدول بأشكال غير تقليدية، فأحدهم – وهو منتخب ديمقراطيا – أطاح به انقلاب عسكري فى موريتانيا، وآخر قدّمت ضده عريضة اتِّـهام دولية بارتكاب جرائم حرب في السودان، لكن حالة “مشرف” تحمل نمطا يستحِـق الانتباه. فقد أقدَمت الحكومة الائتلافية على القيام بإجراءٍ لعزله من الرئاسة، وكادت أن تفعل ذلك في سابقة لم تحدث في باكستان.
لكن الدولة التي تأسست في موفى الأربعينات من القرن إثر انفصالها الدرامي عن الهند لم تشهد من قبل، على أي حال، خروجا هادئا لمُـعظم القادة الذين تولّـوا حُـكمها. فقد كانت السلطة تنتقِـل من حاكم لآخر عبر عمليات إقالة أو انقلاب أو قتل. وكاد برفيز مشرّف ذاته أن يفقِـد حياته عدّة مرات خلال محاولات اغتيال مُـحكمة تعرّض لها، بل إن من يخرج من السلطة حيّـا، يجد صعوبة أحيانا في البقاء داخل البلاد، وإذا قرّر العودة لن يجد الحياة سهلة، كما حدث لنواز شريف وبي نظير بوتو، فهناك مُـشكلة مُـزمنة بهذا الخصوص فى باكستان.
نظرية الدومينو
إن التفسيرات البسيطة هي التفسيرات الصحيحة غالبا في حالة مشرّف، ولا توجد أسرار. فما هو مُـعلن يكفى لتفسير ما جرى، والبقية تفاصيل، إذ كانت سلطة الرئيس تتآكل بانتظام مع الوقت، حتى وصل الأمر في النهاية إلى حدِّ أنه لم يعُـد قادرا، ليس فقط على الاحتفاظ بموقعه، وإنما الحفاظ على رأسه، وعندما وصلت التطورات المحيطة به إلى أغسطس 2008، كان قد أصبح في حالة انكشاف كاملة.
لقد بدأت نظرية الدومينو في العمل مع الرئيس الباكستاني بسرعة، بدا أنها تُـنبِّـئ بِـعدٍّ تنازلي لفترة حُـكمه منذ مارس 2007، عندما أقال رئيس المحكمة العليا، بما أثار ضده موجة احتجاجات غير مُـسيطر عليها، أدّت إلى مواجهة مع المحكمة العُـليا التي رفضت قراره، ثم وجّـهت إليه ضربة مضادّة برفض اعتماد فوزه بالرئاسة في أكتوبر من نفس العام، فيما يمثل درسا نموذجيا.
إن مشكلة المواجهة المكشوفة مع القُـضاة، هي أنها لم تكُـن تُـثير فقط احتمالات الصِّـدام مع فئة مدنية، لديها قاعدة تأييد واسعة بحُـكم حجمها كجماعة مصالح، اعتادت على أن يتم التعامل معها بنوع من التوقير أو تأييد الرأي العام لها، على نحو أثَّـر بالفعل على شعبية مُـشرّف بشدّة، لكن لأنها تمتلك “سلاح القانون” الذي يمكن أن يؤثر على شرعية الرئيس ذاتها، في ظل توازنات النظام الباكستاني، وهو ما حدث.
ما جرى بعد ذلك، كان يمثِّـل انهيارا لا مفرّ منه لسلطة الرئيس، الذي بدأ يتعرّض لضربات متلاحقة، كاضطراره للتخلي عن قيادة الجيش، الذي كان يمثل أهمّ عناصر قوته، قبل أن يؤدّي اليمين الدستورية كرئيس للبلاد، ثم فوز التحالف المعارض له بأغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات فبراير 2008، في نفس الوقت الذي احتدمت فيه المواجهة مع المتطرِّفين الإسلاميين في البلاد، إثر قرار الهجوم على المسجد الأحمر.
في نفس الوقت، كانت الدولة ذاتها تتعرّض إلى مشكلة حقيقية تُـثير احتمالات فوضى أمنية خطرة. فعناصر طالبان تشُـنّ هجمات داخل البلاد، ويتِـم اغتيال بي نظير بوتو بصورة تطرح أسئلة مُـفزعة حول ما يجري داخل أجهزة الأمن، وتبدأ بعض المناطق الحدودية في الخروج عن نطاق السَّـيطرة، مع وجود قلق خارجي بشأن أمن الأسلحة النووية، ممّـا أدّى إلى تعرّض مُـشرف إلى ضغوط كبيرة للتخلي عن السلطة طوال الوقت.
حلفاء الخارج
وعلى الرغم من وجود مَـيل لدى تيارٍ كبير داخل الرأي العام لتحليل أسباب بقاء أو رحيل الرؤساء، استنادا إلى عوامل خارجية، لم يكُـن الأمر كذلك تماما في حالة مشرّف، إذ ساد توجّـه عام منذ فترة لدى الحلفاء الدوليين، بأن ممارسة أية ألعاب غير محسوبة في دولة “شديدة الخطورة”، مثل باكستان، يُـمكن أن يقود إلى كارثة ولن يغيِّـر شيئا في النهاية.
ومن المؤكّـد أن الجميع قد مارسوا دورا مؤثِّـرا في الأيام الأخيرة، لكن لا يُـمكن الجزم بأن أية دولة كانت تدفع بإصرارٍ في اتجاه الإبقاء على مُـشرف في السلطة، وانتهى الأمر على ما يبدو، بنصح الرئيس الباكستاني بأن اللُّـعبة قد انتهت وأن عليه أن يتنحى عن الحُـكم، مع ضمانات أو وعود بعدم تعرّضه للملاحقة القانونية.
إن التصريحات الأمريكية تُـشير بوضوح إلى أن هناك شعورا بالخسارة في واشنطن. فقد حملت بيانات البيت الأبيض وتصريحات رايس، تقديرا وامتنانا مُـعلنا للرئيس المستقيل، ولم تحمل أية معاني للترحيب بما حدث، كالتي خرجت من لندن على لسان وزير الخارجية ديفيد ميليباند، الذي أشار إلى أن “استقالة مشرّف، نهاية لحِـقبة حرجة في تاريخ باكستان”، رغم وجود تيار في واشنطن، لديه تحفُّـظات كُـبرى على سياسة مشرّف إزاء أفغانستان.
لقد أكّـدت الولايات المتحدة على استمرارها في تقديم المساعدات لباكستان واستعدادها للتّـعامل مع القادة الجُـدد، لكن المثير، أن رايس قامت على الفور بتذكير خُـلفاء مشرّف بما يجب عليهم القيام به، وهو – حسب تصريحاتها – التّـركيز على مستقبل باكستان واحتياجاتها الملِـحّـة، كاجتثاث التطرّف وحلّ مشكلة العجز في الغذاء والطاقة، وتدعيم الاستقرار السياسي، فهناك تقييم أمريكي بأن ما كان يمثِّـل علاقة إستراتيجية، قد يتحوّل إلى علاقة مصالح باردة.
ومن المؤكّـد أن السعودية كانت مُـتواجدة في خلفية الصورة أيضا، وربما مارست تأثيرا في تحديد شكل “شروط الاستقالة”، فلديها علاقات قوية مع السياسيين والمؤسسات في باكستان، وتمثل مقرّا شِـبه دائم لزعماء باكستان المخلوعين أو المنفِـيين، ويصعُـب أن تقوم أي حكومة باكستانية بتجاهل مطالبها، بسبب مسألة العمالة الباكستانية في الخليج على الأقل.
إن أحدا من الحُـلفاء الكِـبار لمشرف لم يدفع في اتجاه الإبقاء عليه في السلطة، لأنه كان قد انتهى، لكن معظمهم حاول إدارة خروجه من السلطة بصورة تحفظ له “ماء الوجه” أو توفِّـر له شبكة أمان خارجية، وهذا ما يبدو أنه سيحدث فى كل الأحوال التالية، التي قد يتعرّض فيها قادة آخرين لمُـشكلات مماثلة، فلم يعُـد من الممكن، أو حتى المرغوب فيه، مقاومة العواصف الداخلية، خاصة عندما تتحوّل إلى أعاصير عاتية.
كلمة الوداع
وهنا، لا يعلم أحد بالضّـبط ما الذي كان الرئيس الباكستاني يفكِّـر فيه، عندما أدرك أن عليه أن يتخلّـى أخيرا عن الحُـكم، فقد ذكَـر في كلمة الاستقالة، التي بثها التلفزيون الباكستاني أنه قرر التنحي عن السلطة، لتجنيب باكستان معارك سياسية وقانونية قد تضُـر بمصالح البلاد، وأقر بأنه ارتكب أخطاء في حُـكمه لباكستان، لكنه أيضا حقّـق إنجازات داخلية وخارجية هامة، وأنه سيترك الحُـكم عليه للشعب أو للتاريخ.
ومن الصّـعب إصدار أي حُـكم بأن الجنرال يعاني من حالة انفصال عن الواقع. فقد قال إن خصومه لم يفكِّـروا في عواقب التحرّك الذي قاموا به على باكستان، لكن ما حدث هو أن حالة من الارتياح التي وصلت إلى مستوى الاحتفالات، قد سادت في الشارع الباكستاني وانعكست تأثيرات استقالته بشكل إيجابي على البورصة الباكستانية، وتقبّـل كل حلفائه الخارجيين استقالته بهدوء شديد، إلا أن التعبير الذي ذكره يستحق الاهتمام. فمشرف لم يكن مجرّد رئيس آخر.
إن بعض قيادات الائتلاف الحكومي قد صرح بأن ما جرى لمشرّف سوف يُـلقِّـن درسا لأي عسكري أو أي ديكتاتور في المستقبل، وقد يكون هذا صحيحا، لكن مشكلة باكستان لم تكُـن تتعلق بطريقة حُـكم العسكريين فقط، وإنما ألعاب السياسيين المدنيين وتوجهات جماعات المتطرفين وميول قبائل الحدود واختراقات المؤسسات الأمنية وضغوط الأطراف الخارجية أيضا، لذا، لا تزال هناك شكوك حول مستقبل باكستان.
لقد كانت السنوات التِّـسع الماضية من أخطر الفترات التي مرّت بها باكستان، لكن الفترة القادمة لن تكون أقلّ خطورة، فإما أن تستقر باكستان في إطار حُـكم مدني، يُـفترض أن يكون رشيدا، وإما أن دورة عدم الاستقرار سوف تعود مرّة أخرى، كما حدث مِـرارا من قبل، وفي هذه المرة لن يكون النظام السياسي فقط هو الضحية، وإنما الدولة ذاتها، ولم يعُـد فشل الدول أو حتى انهيارها، بعيدا عن الأذهان، فالأمثلة موجودة في أماكن قريبة من باكستان.
إن مشكلة حُـكم مشرف هي أنه كان يتّـسم بالسُّـلطوية، لكن مشكلته الأهم هي أنه كان يتّـسم بعدم الكفاءة. فقد استغرق في التعامل مع مشكِـلات الحُـكم، ولم يتمكّـن من تخفيف مشكلات الدولة، وهي نفس مشكلة “النخبة السياسية المدنية”، التي سيكون عليها أن تُـواجه بعض الحقائق بعد أن تنتهي احتفالات الشوارع وصَـيحات الانتقام، لتُـثبت أنها أفضل بالفعل من الجنرالات.
وفي النهاية، هناك مؤشِّـرا بسيطا، لكنه قد يكون ذا دلالة كبيرة، فإذا تمكّـن الرئيس السابق “المُـدان” برفيز مُـشرف من البقاء في بلده حيا دون اللجوء إلى الخارج هذه المرة، ربّـما سيعني ذلك أن باكستان قد بدأت تسِـير في الطريق الصحيح.
د. محمد عبد السلام – القاهرة
كروفورد (تكساس) (رويترز) -أشادت الولايات المتحدة بالرئيس الباكستاني برويز مشرف، الذي اعلن استقالته يوم الاثنين 18 أغسطس كشريك ملتزم في الحرب ضد الارهاب، وتعهدت بالحفاظ على علاقات طيبة مع الحكومة الجديدة ومكافحة التطرف معا. وقال البيت الابيض إن الرئيس جورج بوش يتطلع للعمل مع باكستان في مجابهة التحديات الاقتصادية والسياسية والامنية التي تواجهها. وقال إن بوش يقدر لمشرف جهوده في مكافحة القاعدة والتطرف وإنه ملتزم بأن تكون باكستان قوية تعزز الديمقراطية وتحارب الارهاب.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض غوردون غوندرو “الرئيس بوش يقدر للرئيس مشرف جهوده في التحول الديمقراطي لباكستان، وكذلك التزامه بمحاربة القاعدة والجماعات المتطرفة”. وتابع متحدثا في تكساس، حيث يقضي بوش بعض الوقت في مزرعته “الرئيس بوش يتطلع للعمل مع حكومة باكستان في مجابهة التحديات الاقتصادية والسياسية والامنية التي تعترض سبيلها”. وقال غوندرو “الرئيس بوش ملتزم بأن تكون باكستان قوية وتواصل جهودها للنهوض بالديمقراطية ومحاربة الارهاب”.
واستقال مشرف يوم الاثنين لتفادي مواجهة اجراءت لعزله في البرلمان بعد نحو تسع سنوات من توليه السلطة في انقلاب. وكان مشرف حليفا مُـهما لواشنطن في الحرب الامريكية المعلنة “ضد الارهاب” وحصلت باكستان خلال سنوات حكمه على مليارات الدولارات في صورة معونات امريكية لمكافحة الارهاب.
وفي الشهر الماضي، زار رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني البيت الابيض وسعى لطمأنة بوش ان حكومته ملتزمة بتأمين الحدود مع افغانستان، حيث تمثل القاعدة وطالبان تهديدا. وقال غوندرو “نحن واثقون اننا سنحافظ على علاقة طيبة مع حكومة باكستان”.
لكن مسؤولين امريكيين اعربوا في الاونة الاخيرة عن احباطهم فيما يتعلق بجهود باكستان مع اعادة تجميع طالبان والقاعدة لصفوفهما في المناطق القبلية النائية، حيث يقول بعض المسؤولين الامريكيين والمحللين إن اسامة بن لادن زعيم القاعدة مختبئ. وأشادت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس بمشرف “لاختياره الحاسم” بالانضمام الى المعركة ضد القاعدة وطالبان ومتشددين اخرين. وقالت إنه كان صديق الولايات المتحدة وواحدا من اكثر الشركاء في العالم التزاما في الحرب ضد الارهاب. وقالت “لهذا.. نحن ممتنون جدا له”. وقالت رايس في بيان “سنواصل العمل مع الحكومة الباكستانية والزعماء السياسيين وحثهم على مضاعفة تركيزهم على مستقبل باكستان وحاجاتها الاكثر الحاحا، بما فيه وقف تنامي التطرف والتعامل مع مشاكل نقص الغذاء والطاقة وتحسين الاستقرار الاقتصادي”.
وقال باراك اوباما، المرشح الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الامريكية الذي يأمل ان يخلف بوش في البيت الابيض في نوفمبر القادم، إن تنحي مشرف ينتظر ان يحقق مزيدا من الاستقرار السياسي في باكستان. وقال اوباما “يجب ان تركز السياسة الامريكية على ضمان ان كل اطراف حكومة باكستان حاسمون في القضاء على الملاذات الامنة للقاعدة وطالبان”. وقال منافسه الجمهوري جون مكين “باكستان ساحة مهمة في مجابهة تهديد القاعدة والتطرف الاسلامي العنيف، وانا اتطلع الى زيادة تعاون الحكومة في المستقبل”.
وتزايدت التكهنات بان مشرف سيستقيل منذ قال الائتلاف الحاكم هذا الشهر إنه ينوي مساءلة مشرف امام البرلمان. ويقود الائتلاف حزب الشعب الذي كانت تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة التي اغتيلت بي نظير بوتو. وفي نوفمبر الماضي، قال جون نجروبونتي، نائب وزيرة الخارجية الامريكية امام الكونغرس، إن مشرف حليف “لا غنى عنه” في الحرب على الارهاب.
وردا على سؤال حول ماذا ستفعل واشنطن الان بدونه، قال روبرت وود، المتحدث باسم وزارة الخارجية “الحرب ضد التطرف اكبر من اي شخص”. وقال غدوندرو، إن بوش لم يتحدث مع مشرف منذ اعلان استقالته، وإن الولايات المتحدة ليست منخرطة في اي محادثات تتعلق باللجوء مع الزعيم الباكستاني.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.