بعد الملاسنات والإتهامات.. العنف يقتحم الحملة الإنتخابية
اعتبر سياسيون ومراقبون أن المواجهات العنيفة التي اندلعت وسط العاصمة الفدرالية يوم السبت 6 أكتوبر، لدى اعتراض مجموعات فوضوية ومن أقصى اليسار لمسيرة نظمها حزب الشعب السويسري، تمثل تطورا خطيرا.
وفيما أجمعت الطبقة السياسية على إدانة الانتهاك الذي تعرضت له حرية التعبير والتجمع من طرف المجموعات العنيفة، دعت رئيسة الكنفدرالية الجميع إلى الاعتدال.
قبل أسبوعين من موعد إجراء الانتخابات العامة في سويسرا، دعا حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، أكبر حزب في البلاد، أنصاره إلى تنظيم مسيرة تنطلق من المدينة القديمة في برن باتجاه الساحة الفدرالية، المقابلة لمقر الحكومة والبرلمان الفدراليين.
وكانت مؤشرات مؤكّـدة تجمّـعت في الأيام السابقة، أفادت بأن مجموعات من أقصى اليسار ومن التيارات الفوضوية والمعادية للعنصرية، اجتمعت تحت اسم “الخروف الأسود” (في إشارة للملصقات الانتخابية المثيرة للجدل، لحزب الشعب)، تعتزم بدورها تنظيم تظاهرة مناهضة، وهو ما أثار المخاوف من حدوث صِـدامات بين الطرفين.
وعلى الرغم من الاستعدادات الأمنية، لم يتمكّـن أعضاء ومؤيدو حزب الشعب السويسري، الذين كان يتراوح عددهم من بين 7 و10 آلاف شخص، من سلوك الطريق المقرر للمسيرة بعد أن اعترضت سبيلهم مجموعات أقامت المتاريس بوجههم وبدأت في إثارة أعمال الشغب.
قوات شرطة مدينة برن لم تنتظر طويلا وشنّـت هجوما على المتظاهرين، مستعملة القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، لكنهم ردوا عليها بإلقاء القوارير الفارغة والحجارة.
وفيما استمرت المواجهات عبر أزقة المدينة القديمة، توجهت مجموعات من المتظاهرين إلى ساحة القصر الفدرالي، (التي كان مقررا أن يُـعقد فيها اجتماع عام ضخم، يُـلقي فيه زعيم الحزب ووزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر خطابا انتخابيا في أنصاره)، حيث قامت بتحطيم المِـنصّـات التي أقامها المنظمون وألحقوا أضرارا متفاوتة بمطاعم وواجهات المحلات وأحرقوا بعض السيارات.
أنصار حزب الشعب عادوا أدراجهم إلى نقطة انطلاق المسيرة في المكان الذي يُـعرف بـ “حفرة الدببة” في المدينة القديمة، حيث ألقى كريستوف بلوخر ورئيس الحزب وعدد من قادته كلمات نددوا فيها بما حدث واعتبروا أن “هذا اليوم سيظل في التاريخ”، حيث “تمكّـنت عناصر فوضوية من منع الحزب الأول في سويسرا من الاجتماع في ساحة القصر الفدرالي”، على حد تعبير وزير العدل والشرطة.
اتهامات للشرطة
قادة حزب الشعب لم يترددوا في التنديد الشديد بما حدث وطالبوا الناخبين السويسريين بـ “تسديد الفاتورة يوم 21 أكتوبر” بمنح أصواتهم للحزب، كما وجهوا اتهامات لاذعة لشرطة مدينة برن واتهموها بالتقصير، وذهب بعض نواب الحزب إلى المطالبة باستبعاد المدينة من المشاركة في فعاليات كأس أوروبا للأمم، المقرر إجراؤها في سويسرا والنمسا في شهر يونيو 2008.
واعتبر النائبان طوني برونر وأولريخ شلوور أن شرطة وبلدية برن (التي يقودها تحالف بين الاشتراكيين والخضر)، قد فشلا في القيام بمهمتهما، حيث لم يتمكنا من ضمان الأمن.
هذه الاتهامات رفضها قائد الشرطة وعضو مجلس البلدية المسؤول عن الأمن، اللذان دافعا عن إستراتجيتهما، التي كان تهدف إلى الحيلولة دون حدوث مواجهات مباشرة بين الطرفين.
وأشار المسؤولان إلى أن النشطاء الذين يناهز عددهم 500 شخص، قدم معظمهم من خارج المدينة وأنهم استعملوا تقنيات حرب العصابات. فقد كانوا يتجوّلون على اعتبار أنهم مارة عاديون، ثم سرعان ما يتلثمون للقيام بعمليات التحطيم أو لمهاجمة قوات الأمن بالقوارير أو بالحجارة، قبل أن يعودوا مجددا في صفوف المارة.
من جهتها، وجهت لجنة “الخروف الأسود”، التي نظمت المظاهرة المعارضة، أصابع الاتهام إلى حزب الشعب السويسري، وقالت في بيان صادر عنها “إن على هذا الحزب أن يتوقع في المستقبل مقاومة ذات بال بسبب حملات ملصقاته الإشهارية وهجوماته على المبادئ المؤسسة للديمقراطية”.
ردود فعل سياسية
من جهته، ندّد أليكسندر شابات، عمدة العاصمة الفدرالية بشدة بهذه التجاوزات، معتبرا أن حرية التعبير مصانة للجميع في سويسرا وأوضح شابات (وهو من الحزب الاشتراكي) أن “هذا الحق الأساسي، يعتبر أحد ركائز الديمقراطية، التي لا يمكن لنا أن نسمح بتدميرها من طرف أية مجموعات، مهما كان انتماؤها”.
أهمية الحق في حرية التعبير كانت الجامع لردود الفعل، الصادرة عن كل التيارات السياسية، رغم الاختلافات والمواجهات الدائرة بينها هذه الأيام في إطار الحملة الانتخابية الحامية الوطيس.
حزب الشعب السويسري أصدر بيانا قال فيه “إن عنف اليسار يُـدمِّـر الديمقراطية”، واعتبره “فضيحة لسويسرا”، وأضاف البيان “لقد أمكن للشعب أن يشاهد كيف يزدري اليسار المتطرف الفاشي التوجه بالحريات المواطنية في بلادنا”.
من جانبها عبّـرت ميشلين كالمي – ري، رئيسة الكنفدرالية عن حزنها لما حدث وقالت في تصريح لصحيفة سونتاغس بليك “إن حريات التعبير والاجتماع، حقوق أساسية في ديمقراطيتنا. إنه من غير المقبول أن يقوم بعض المتطرفين بتحطيمها عن طريق العنف”.
ودعت كالمي – ري (وهي من الحزب الاشتراكي) الأحزاب السياسية إلى الاعتدال، وقالت “إن الاستفزازات والاتهامات في العمل السياسي تخلِّـف آثارا. يجب التوقف عن اللعب على وتيرة المخاوف لمجرد كسب بعض الأصوات”.
الحزب الاشتراكي اعتبر أن أعمال العنف المرتكبة، غير مقبولة، ومع أنه ندد في العديد من المناسبات بالحملة الانتخابية “المثيرة للأحقاد والتمييزية” لحزب الشعب، إلا أنه شدد على أن حريات التعبير والتجمع، مضمونة للجميع.
مكاسب مرتقبة لحزب الشعب
عدد من المراقبين للساحة السياسية ذهبوا إلى أن أقصى اليسار قد وفر بهذه التحركات العنيفة فرصة ذهبية لحزب كريستوف بلوخر، الذي “يقدم نفسه الآن على أنه ضحية”، على حد تعبير الخبير السياسي جورج لوتس.
واعتبر لوتس، الذي يعمل أستاذا بجامعة برن، أن منظمي المظاهرة المعادية قد ساعدوا حزب الشعب على الاستمرار في احتكار وسائل الإعلام، في حين أن الاجتماع الذي كان مقررا، لم يكن ليحتل أكثر من 10 سطور، لو دار بدون مواجهات.
من جهة أخرى، يرى جورج لوتس أن أقصى اليسار “الذي لا يفكر بطريقة انتخابية”، يخرج رابحا بدوره من العملية، في حين أن معسكر اليسار المعتدل هو الخاسر في أحداث يوم السبت 6 أكتوبر.
ولكن، هل سيستفيد حزب الشعب السويسري من كل ما حدث؟ الخبير السياسي تحفّـظ عن الإجابة في انتظار ما ستُـسفر عنه انتخابات 21 أكتوبر.
سويس انفو مع الوكالات
أدّت المصادمات التي دارت وسط مدينة برن يوم السبت 6 أكتوبر 2007 إلى إصابة 21 شخصا بجروح، من بينهم 18 شرطي ونُـقل ثمانية لتلقي العلاج في المستشفيات.
أوقفت الشرطة 42 شخصا أفرج عن جميعهم في اليوم الموالي.
قدرت شرطة مدينة برن الأضرار المادية، التي لحقت بالمحلات والممتلكات بعشرات الآلاف من الفرنكات.
يُـعتبر هذا الحزب اليميني المتشدد أهم الأحزاب الأربعة المشاركة في الائتلاف الحكومي.
في عام 2003، حصل على 26،7% من مقاعد البرلمان الفدرالي، وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه سيحتفظ بهذا الموقع يوم 21 أكتوبر القادم.
تميّـزت الحملة الانتخابية للحزب هذا العام بطابعها الهجومي، حيث تضمنت اتهامات للأحزاب الأخرى بالتآمر على كريستوف بلوخر، وزير العدل والشرطة وزعيم الحزب المثير للجدل.
من جهة أخرى، أثار الحزب جدلا واسعا في سويسرا بسبب حملة ملصقات إشهارية تُـظهر خرفانا بيضاء تُـطرد خروفا أسودا من التراب الوطني، اعتُـبرت عنصرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.