بعد ربع قرن.. جدل في مصر حول كامب ديفيد
تمر هذا العام 25 سنة كاملة على إبرام اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، ومع ذلك لا زالت معاهدة كامب ديفيد الحدث الأكثر إثارة للجدل بين القاهرة وتل أبيب.
سويس إنفو استطلعت آراء خبراء ومراقبين مصريين من مختلف التوجهات حول عودة بعض القوى السياسية والمدنية في مصر في الفترة الأخيرة إلى المطالبة بإلغاء الاتفاقية أو إعادة النظر فيها.
رغم مرور ربع قرن على توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 بمنتجع كامب ديفيد بولاية ميريلاند قرب العاصمة الأمريكية واشنطن، بحضور الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحم بيغن، والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، إلا أنها كانت وما زالت الحدث الأكثر إثارة للجدل بين الطرفين، المصري والإسرائيلي.
وفيما يرى خبراء ومراقبون سياسيون أن الاتفاقية لم تحقّـق شيئاً مذكورا لمصر، بينما حققت إسرائيل من ورائها مكاسب جمة، يحذر آخرون من الحديث عن إلغاء الاتفاقية، موضِّـحين أن هناك خط فاصل بين السلام كمبدأ وإستراتيجية وبين الاستسلام، إذ لا تعني اتفاقية السلام مع إسرائيل رضُـوخا أو تنازُلا أو قبولا، بما لا يجب من الناحية الوطنية والقومية.
ويبرر آخرون مطلب الإلغاء بأن هناك قضايا وملفات مازالت عالقة بين الدولتين دون حلّ وفي مقدمتها: امتناع إسرائيل عن التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وقضية الأموال المنهوبة نتيجة استخراج إسرائيل للنفط من سيناء لمدة 6 سنوات، ومسألة محاكمة مُـجرمي الحرب من الجيش الإسرائيلي المُـتهمين بقتل أسرى من الجيش المصري في حرب أكتوبر، وأخيراً مسألة مدينة “أم الرشراش” المصرية، التي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل التي تَـطلق عليها اسم “إيلات”.
وبمناسبة ذكرى مرور ربع قرن على الاتفاقية، ارتفعت أصوات مصرية من كافة أطياف المعارضة، تنادي بإلغاء الاتفاقية، لعل في مقدمتها مطالب برلمانية لنواب من كُـتلة الإخوان، المحظورة قانوناً، بإعادة عرض بنود الاتفاقية لمناقشتها من جديد أمام البرلمان، مُـشيرين إلى أن هذا الحق تكفّـله نصوص الدستور، فيما أطلقت الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، حملة إلكترونية عبر موقعها على شبكة الإنترنت، تستهدف جمْـع مليون توقيع للمطالبة بإلغائها.
وفي محاولة لتقييم الاتفاقية والوقوف على مكاسب الدولتين منها بعد ربع قرن من توقيعها وجدوى المطالبة بالإلغاء من الناحية القانونية، استطلعت سويس إنفو عيِّـنة من مختلف الآراء.
هل نلغي الاتفاقية؟!
يوضِّـح الكاتب والمحلِّـل السياسي عبد الله كمال، رئيس تحرير صحيفة روز اليوسف، أن الآثار العميقة لحرب لبنان لم تزل تتفاعل. ووفقا لتقديرات متنوعة، فإن هذه الحرب سوف تؤدّي إلى خلق أوضاع جديدة قد تستمر لسنوات، ولعل من أهم النقاط التي فجّـرتها في النقاش العام في مصر، ما تمّ طرحه من دعوات بشأن «إلغاء اتفاقية كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل.
وقال عبد الله كمال في تصريحات لـسويس إنفو: “خلال مؤتمر بما يُـعرف باسم (الجبهة الوطنية للتغيير)، دعت بعض قوى المعارضة في مصر إلى إلغاء الاتفاقية، بل أن مرشد الجماعة المحظورة المعروفة باسم الإخوان، محمد مهدي عاكف ذهب بعيدا، كما هي العادة في اتِّـجاهات تطرفّـه، واعتبر أن المعاهدة هي (أصل من أصول الحرب على الإسلام).
وأضاف كمال أن واقع الأمور يفرض عددا من الملاحظات الأولية، قبل أن نناقش هذه الفرضية، منها:
· تعدّد جذور هذه الاتجاهات إلى موعد توقيع الاتفاقية نفسه، بمعنى أن عمرها على الساحة من عمر الاتفاقية، 25 سنة كاملة. وبالتالي، نحن لسنا أمام اتجاه طارئ أو فكري عارض وعابر.
· حدث ترابط ما بين هذه الاتجاهات داخل مصر والاتجاهات الرافضة لمنطق السلام من الأصل في الدول العربية الأخرى، مع نشوء جبهة الصمود والتصدي، التي اتّـهمت مصر بالخيانة حين وقّـعت الاتفاق.
· هناك جانب سلبي جدا في المسألة، يتعلّـق بأن من يُـطالبون بإلغاء الاتفاقية – باستثناء حزب الوفد – عادة ما يتّـهمون من يُـدافعون عنها بأنهم “خونة” و”عملاء”.
· تستخدم المعارضة مسألة الدعوة لإلغاء الاتفاقية كأداة في الصراع السياسي الداخلي، وكنوع من أوراق الضغط للنيل من رصيد النظام العام.
· اتفاقية كامب ديفيد من ثوابت الدولة، ولم يحدث في أي وقت أن لَـوَّحت مصر بأي تراجع عنها، بأية صورة من الصور، منذ تم توقيعها.
وشدد كمال على ضرورة “الفصل بين أمرين: الأول، هو تمسّـك الدولة القانوني والسياسي. والثاني، هو الموقف السياسي الذي يمكن أن تتّـخذه الدولة تُـجاه إسرائيل تعبيرا عن رفضها أو حتى اعتراضها على سياسات إسرائيلية معينة.
خط فاصل وتنوير سياسي
ويشير رئيس تحرير صحيفة روز اليوسف إلى أن الدولة تحرِص “على إظهار مدى الفائدة التي يحقِّـقها بناء “السلام الثنائي” وآلياته للعملية الإقليمية في نطاقها الشامل، باعتبار أن هذا هو حائط الصدّ الأخير أمام أي انهيار إقليمي واسع وشامل”، معتبراً أن “هناك خطّ فاصل وواضح وأكيد ما بين السلام كمبدأ وإستراتيجية، وما بين الاستسلام، إذ لا تعني اتفاقية السلام مع إسرائيل رضوخا أو تنازلا أو قبولا، بما لا يجب من الناحية الوطنية والقومية”.
ويؤكِّـد كمال على أن الدولة لا تتعمّـد “في ظل السلوك الإسرائيلي الإقليمي المَـقيت، الدفع في اتِّـجاه إجبار الرأي العام على تفعيل السلام على المستوى الشعبي، حتى وإن كانت به جوانب أخرى غير سياسية”، مشيراً إلى أن “غالبية المصريين لا يريدون حرباً جديدة، وليس لديهم ميْـل للانغماس في قتال يؤدّي إلى انهيار التنمية، على عكس ما تُـحاول التيارات اليسارية والدينية المتطرِّفة أن توحي به”.
ويقول كمال: “ما دُمنا غير راغبين في الحرب ومُـصرِّين على التمسُّـك بإستراتيجية السلام، فمِـن الواجب التّـنبيه إلى ضرورة أن يكون هناك إطار قانوني لهذا المبدأ”، مشيراً إلى أن “الاتفاقية لم تكن اتفاق هُـدنة، ولكنها أيضا في مضمونها الشامل، اتفاق عدم عدوان وتعدٍّ، وهذا هو الإطار القانوني الذي تتحرّك فيه وعلى أساسه، تمّ بناء عملية التنمية في سيناء”.
ويختتم كمال تصريحاته قائلاً: “إن بقاء النِّـقاش حول الاتفاقية مفتوحا فيما بين القوى السياسية من حين لآخر، هو أمر له مميِّـزاته، غير أنني، وإن كنت أعارض هذه الاتجاهات المُـطالبة بإلغاء الاتفاقية، فإنني أنادي باستغلال تلك المناقشات حول هذا، في اتجاه إحداث عملية تنوير سياسي ومصلحي للرأي العام”.
مصر لم تجْـنِ شيئاً
يقول المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، العضو المؤسس بحركة “كفاية” ولجان المقاطعة: “مصر لم تجْـن شيئاً يُـذكر من هذه الاتفاقية، بينما حقَّـقت إسرائيل مكاسِـب كثيرة، ومن يقول إن الاتفاقية ساهمت في “استرداد سيناء وكامل الأراضي المصرية”، فإنني أردُّ عليه قائلا: الواقع بقول أن سيناء لم تُـسترَد كاملة. فسيناء اليوم مقسََّـمة إلى ثلاثة أجزاء، منها أجزاء ممنوعة على المصريين، وهناك فيتو إسرائيلي على أي تعمير حقيقي لسيناء، ما عدا بعض المشروعات السياحية التي تُـعتبر، من وِجهة نظر إسرائيل رَهينة”، مشيراً إلى أن “إسرائيل أعلنت أكثر من مرة أنها يُـمكنها إعادة احتلال سيناء في أي وقت”.
ويضيف بهاء الدين: “فإن قالوا إن “كامب ديفيد في جزء منها تستهدف حل المشكلة الفلسطينية”، فإنني أرد عليهم قائلا: المشكلة لم تُـحل، والوضع على الأرض يتدَهور، وهذا لا يحتاج إلى كلام”. فإن قالوا “إن كامب ديفيد كانت مقدِّمة لسلام شامل في المنطقة”، فإن هذا لم يحدث. فرغم مرور ربع قرن على توقيعها، فما تزال أيدي إسرائيل ملطَّـخة بدماء العرب والمسلمين في فلسطين ولبنان”.
ويواصل السيد بهاء الدين “ولمن كانوا يقولون إن “كامب ديفيد ستكون مقدِّمة لازدهار اقتصادي، وأن مصر ستُـصبح بعدها دولة متقدمة”، أذكرهم اليوم – وبعد 25 عاما من كامب ديفيد – أن مصر تشكو من انهيار اقتصادي، وأن أكثر من 50% من الشعب المصري يعيش تحت خط الفقر”! مشيراً إلى أن “هذه الاتفاقية سبّـبت تراجع دور مصر، إقليميا وعربيا، كما وضعت قيوداً على التَّـسليح وعدد القوات وأماكن انتشارها في سيناء”.
كفاية والمليون توقيع!!
ويقول بهاء الدين إن إسرائيل “تمكّـنت من تطوير وتسليح جيشها بمساعدات واضحة من الولايات المتحدة، كما انفتحت على عدد من الدول الكبرى، التي كانت واقفة بجوار الحقّ العربي، وفي مقدمتها الصين”، معتبراً أن “إسرائيل هي الرابح الوحيد من الاتفاقية، حيث نجحت في تحييد مصر عن الصِّـراع العربي الإسرائيلي، ثم انفردت هي بالدول العربية واحدة تِـلو الأخرى، فلسطين ثم العراق ثم سوريا وأخيراً لبنان”.
وحول الحملة التي أطلقتها حركة كفاية لجمع مليون توقيع من الشعب المصري، تمهيدا للمطالبة بإلغاء الاتفاقية، قال بهاء الدين: “في شهر واحد، جمعنا 150 ألف توقيع وسنستمر في حملتنا لتحقيق الهدف، والوصول للمليون توقيع”.
وحول جدوى هذه الحملات، قال: “من حقِّـنا أن نَـحشد الرأي العام خلف قضايانا، ونحن نعتبر أن التوعية بالقضية أمر على درجة من الأهمية، وسيأتي زمان يتعامل فيه الناس مع قضاياهم المصيرية باهتمام وإصرار، كما نستهدف من وراء هذه الحملة أن تعرف إسرائيل ومن يُـساندها أن الشعب المصري يرفُـض البطش الإسرائيلي”.
واختتم بهاء الدين تصريحاته قائلاً: “لدينا لجنة قانونية تتولّـى الملف من الزوايا القانونية، وهي المَـنُـوطة بإعداد التقرير القانوني، تتكوَّن من الدكتور عاطف البنّـا والدكتور إبراهيم درويش والمحامي عصام الإسلامبولي”.
التغيـيـر من حق مصر
ومن جهته، يرى الدكتور علي الغتيت، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة ورئيس مجمّـع التحكيم الاقتصادي الدولي، أن اتفاقية كامب ديفيد لا تُـعيق مصر من التزاماتها تُـجاه العالم العربي، وأن كامب ديفيد لا تُـلغي اتفاقية الدِّفاع العربي المشترك، معتبراً أن “اعتداء إسرائيل علي لبنان، إخلال صريح ببُـنود الاتفاقية التي نصّـت على إقامة سلام في الشرق الأوسط”.
وأوضح الغتيت، نائب رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولي في تصريحات خاصة لـسويس إنفو، أن “من حقّ مصر أن تطلب تغيير بعض بنود الاتفاقية، خاصة بعد مرور ربع قرن على إبرامها”، مشيراً إلى أن “مصر لم تنبِّـه إسرائيل بما ارتكبته من إخلالات ببنود الاتفاقية، بالاعتداء على الفلسطينيين والشعب اللبناني”.
وقال الغتيت، عضو اللجنة الدولية للتحكيم بباريس: “اتفاقية كامب ديفيد لها شقان، شق يتّـصل بالمنظومة القانونية لكامب ديفيد، والتي يتعيّـن بموجبها على إسرائيل الالتزام بتعهُّـداتها بعدم الاعتداء على أي دولة عربية، وهو أمر وارد في نصّ المعاهدة وفي معاهدة الإطار”، مذكراً بأن “إسرائيل، حتى اليوم، لم تلتزم بتعهداتها، ومن ثم، فإنه يجب عليها أن تُـعوِّض كل من أخلت ناحيتهم”.
وبيَّـن الغتيت أن “هناك بنود في الاتفاقية لا يمكن لمصر أن تخلّ بها، لأنها دولة مُـلتزمة بتعهُّـداتها الدولية، وخاصة ما يتعلّـق منها بالحرب والسلام. أما الجزء الخاص بأمن الحدود والإجراءات الأمنية، فهي إجراءات يُـمكن مراجعتها، خاصة في ضوء تغيير الظروف الدولية وما يستتبعها من تغييرات في إطار السيادة الإقليمية”، مؤكداً أن “الالتزامات المتبادلة، يجب أن يلتَـزم بها كل طرف في مواجهة الطرف الآخر، (إسرائيل في مواجهة مصر والدول العربية)، و(مصر في مواجهة إسرائيل)”.
إسرائيل أخلت بالتزاماتها
وحول الجدوى والقيمة القانونية لمطالبات بعض قوى المعارضة المصرية بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، قال الغتيت: “هناك قيمة قانونية فيما يتعلّـق بتفعيل الأحكام التي لم تُـفعَـل، مثل محاسبة ومقاضاة إسرائيل على عدم التزامها، وكذا بخصوص الجزء الخاص بإعادة النظر في أمن الحدود، أما الحديث عن الإلغاء النهائي للاتفاقية، فإنه قرار سياسي أكثر منه قانوني، وذلك لأن قانون المعاهدات، حسب اتفاقية فيينا لعام 1958، يقرِّر أحكاما عامة لإعادة النظر في الاتفاقية”.
وأوضح الغتيت أن “المبدأ القانوني يشير إلى أن إلغاء الاتفاقيات لا يكون إلا عن طريق رضا الطرفين أو الأطراف، وإذا ضرب أحدهما عرض الحائط بالالتزامات المقرَّرة، عليه في نصر الاتفاقية، وفي حال إعلان أحد الطرفين للآخر رغبته في فسخ الاتفاق وإبلاغه رسمياً بذلك”.
وبيَّـن الغتيت “الأصل، أن قرار أي دولة إبرام اتفاقية أو الانضمام إليها أو إلغائها والانسحاب منها، هو قرار سياسي بالدرجة الأولى، وليس قانونياً، غير أنه عند الخِـلاف حول أحكام الاتفاقية، يختصّ التحكيم الدولي بالفصل في النزاع. فإذا رفض أحد الطرفين قبول التحكيم، فعندها يتمّ اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للفصل في النزاع”.
ويختتم الغتيت تصريحاته قائلاً: “العُـدوان اليومي والمستمر من إسرائيل على الشعب الفلسطيني وعدوانها الأخير على لبنان، هو إخلال صريح بنصوص شرطية دستورية واردة – صراحة – في اتفاق الإطار، الذي أدمِـج في مقدمة اتفاقية كامب ديفيد”.
همام سرحان – القاهرة
اتفاقية كامب ديفيد عبارة عن اتفاقية تم التوقيع عليها في 17 سبتمبر 1978 بين الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحيم بيغن، بعد 12 يوما من المفاوضات في المنتجع الرئاسي “كامب ديفيد” في ولاية ميريلاند، القريب من عاصمة الولايات المتحدة واشنطن.
تمت المفاوضات والتوقيع على الاتفاقية تحت إشراف الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
نتج عن هذه الاتفاقية حدوث تغييرات على سياسة العديد من الدول العربية تجاه مصر، بسبب ما وصفه البعض بتوقيع السادات على اتفاقية السلام دون المطالبة باعتراف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
تم تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989 نتيجة التوقيع على هذه الاتفاقية.
كما حصل الزعيمان السادات وبيغن مناصفة، على جائزة نوبل للسلام عام 1978 بعد الاتفاقية، حسبما جاء في مبرر منح الجائزة «للجهود الحثيثة في تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط».
أدت عدة عوامل منها: حرب أكتوبر، وعدم التطبيق الكامل لبنود القرار رقم 338، والنتائج غير المثمرة لسياسة المحادثات المكوكية التي انتهجتها الخارجية الأمريكية، إلى تعثر وتوقف شِـبه كامل في محادثات السلام ومهّـدت الطريق إلى نشوء قناعة لدى الإدارة الأمريكية المتمثلة في الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر، بأن الحوار الثنائي عن طريق وسيط سوف لن يغيّـر من الواقع السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.
في إسرائيل، طرأت تغييرات سياسية داخلية متمثلة بفوز حزب الليكود في الانتخابات الإسرائيلية عام 1977، وكان حزب الليكود يمثل تيارا أقرب إلى الوسط من منافسه الرئيسي حزب العمل الإسرائيلي، الذي هيمن على السياسة الإسرائيلية منذ المراحل الأولى لنشوء دولة إسرائيل، وكان الليكود لا يعارض فكرة انسحاب إسرائيل من سيناء، ولكنه كان رافضا لفكرة الانسحاب من الضفة الغربية.
تزامنت هذه الأحداث مع صدور تقرير معهد بروكنغس، التي يعتبر من أقدم مراكز الأبحاث السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة، والذي نصّ على ضرورة إتباع “منهج حوار متعدد الأطراف” للخروج من مستنقع التوقف الكامل في حوار السلام في الشرق الأوسط.
كما بدأ الرئيس السادات – تدريجيا – يقتنع بعدم جدوى القرار رقم 338، بسبب عدم وجود اتفاق كامل لوجهات النظر بينه وبين الموقف الذي تبنّـاه حافظ الأسد، والذي كان أكثر تشددا من ناحية القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع إسرائيل بصورة مباشرة.
هذه العوامل إضافة إلى عدم ثقة السادات بنوايا الولايات المتحدة بممارسة أي ضغط ملموس على إسرائيل، مهّـد الطريق للسادات للتفكير بأن على مصر أن تركِّـز على مصالِـحها، بدلا من مصالح مجموعة الدول العربية. وكان السادات يأمل في أن أي اتفاق بين مصر وإسرائيل سيؤدّي إلى اتفاقات مُـشابهة للدول العربية الأخرى مع إسرائيل، وبالتالي، ستؤدي إلى حلّ للقضية الفلسطينية.
انتهز مناحيم بيغن – حسبما يرى محللون سياسيون – جميع هذه العوامل، وبدأ يقتنع بأن إجراء مفاوضات مع دولة عربية كبيرة واحدة، أفضل من التفاوض مع مجموعة من الدول، وإن أي أتفاق سينجُـم عنه، ستكون في مصلحة إسرائيل، إما عن طريق السلام مع أكبر قوة عسكرية عربية أو عن طريق عزل مصر عن بقية العالم العربي.
وصل الوفدان المصري والإسرائيلي إلى كامب ديفيد يوم 5 سبتمبر 1978 . في اليوم الأول من المحادثات، قدم السادات أفكاره عن حل القضية الفلسطينية بجميع مشاكلها متضمِّـنة الانسحاب الإسرائيلي من الضفة وغزة وحلول لقضية المستوطنات الإسرائيلية.
حاولت الإدارة الأمريكية إقناع الجانبين أن يتجنّـبوا التّـركيز على القضايا الشائكة، مثل الانسحاب الكامل من الضفة الغربية وغزة، وأن يبدأوا المناقشات على قضايا أقل حساسية مثل الانسحاب الإسرائيلي من سيناء.
1- الضفة الغربية و قطاع غزة:
استند هذا المحور على أهمية مشاركة مصر وإسرائيل والأردن وممثلين عن الشعب الفلسطيني في المفاوضات حول حل هذه القضية، التي اقترحت الولايات المتحدة إجراءات انتقالية لمدة 5 سنوات لغرض منح الحُـكم الذاتي الكامل لهاتين المنطقتين، وانسحاب إسرائيل الكامل بعد إجراء انتخابات شعبية في المنطقتين، ونصّ الاقتراح أيضا على تحديد آلية الانتخابات من قِـبل مصر وإسرائيل والأردن على أن يتواجد فلسطينيون في وفدي مصر والأردن.
وحسب الاقتراحات في هذا المحور، كان على إسرائيل، بعد الانتخابات المقترحة، أن تحدد في فترة 5 سنوات مصير قطاع غزة والضفة الغربية من ناحية علاقة هذين الكيانين مع إسرائيل، والدول المجاورة الأخرى.
2- علاقات مصر وإسرائيل:
استند هذا المحور على أهمية الوصول إلى قنوات اتصال دائمة من ناحية الحوار بين مصر وإسرائيل، وعدم اللّـجوء إلى العنف لحسم النزاعات، واقترحت الولايات المتحدة فترة 3 أشهر لوصول الجانبين إلى اتفاقية سلام.
3- علاقة إسرائيل مع الدول العربية:
حسب المقترح الأمريكي، كان على إسرائيل العمل على إبرام اتفاقيات سلام مشابهة مع لبنان وسوريا والأردن، حيث تؤدّي في النهاية إلى اعترافات مُـتبادلة وتعاوُن اقتصادي في المستقبل .
شروط الاتفاقية:
في 26 مارس 1979 وعقب محادثات كامب ديفيد، وقّـع الجانبان على ما سُـمي معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، وكانت المحاور الرئيسية للاتفاقية هي:
1- إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودّية بين مصر وإسرائيل.
2- انسحاب إسرائيل من سيناء، التي احتلتها عام 1967، بعد حرب الأيام الستة.
3- وتضمنت الاتفاقية أيضا، ضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة، ممرات مائية دولية.
4- البدء بمفاوضات لإنشاء منطقة حُـكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242.
5- مفاعل ديمونة في إسرائيل (الذي لم يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيشها لحد هذا اليوم، ويرى بعض المحللين السياسيين أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تؤد على الإطلاق إلى تطبيع كامل في العلاقات بين مصر وإسرائيل، حتى على المدى البعيد، فكانت الاتفاقية تعبيرا غير مباشر عن استحالة فرض الإرادة على الطرف الآخر، وكانت علاقات البلدين، ولحد الآن، تتّـسم بالبرودة والفتور).
كانت الاتفاقية عبارة عن 9 مواد رئيسية، منها اتفاقات حول جيوش الدولتين، والوضع العسكري، وعلاقات البلدين، وجدولة الانسحاب الإسرائيلي، وتبادل السفراء.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.