مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تثبيتُ الحكم على دوغو بيرينشيك المُنكر لإبادة الأرمن

Keystone

قضاء كانتون فو لم يُـخطئ في حُـكمه على السياسي التركي دوغو بيرينشيك، المنكر للإبادة الأرمينية والمتهم بالتمييز العنصري؛ هذا ما أكَّـدته المحكمة الفدرالية - أعلى هيئة قضائية في سويسرا - يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2007.

وقد تعهد زعيم حزب العمال التركي، الذي حُـكم عليه بتسعين يوما مع وقف التنفيذ وبغرامة مالية قدرها 3000 فرنك سويسري، بعرض قضيته على المحكمة الأوروبية بستراسبورغ.

تعود هذه القضية إلى شهر مارس الماضي، حينما أصدرت محكمة الدرجة الأولى بعاصمة كانتون فو حُـكمها السابق، ثم تقدّم المعني بالأمر بطعْـنٍ أمام المحكمة الفدرالية، وكان يريد بذلك إبطال الحكم وإجراء تحقيقٍ تكميلي على المذابح التي ارتُـكبت ضد الشعب الأرميني سنة 1915.

وفي المرحلة الأولى، اعتبرت محكمة الدرجة الأولى أن “مراجعة أحداث التاريخ” لا تعود إلى بيرينشيك، وأن الإبادة الأرمينية حقيقة تاريخية ثابتة. وبالنسبة للقُـضاة، فليس هناك أدنى شك في أن بيرينشيك قد تصرّف بسابق إصرار عندما أعلن سنة 2005 أن إبادة الأرمن لم تكُـن سوى “كذبة دولية”، وأن دوافعه في ذلك كانت عنصرية.

وفي مرحلة لاحقة، أقرّت محكمة الاستئناف ما ذهبت إليه محكمة الدرجة الأولى، مبرِّرة مُـحاكمة بيرينشيك في سويسرا، بكون عبارات إنكار الإبادة التي أطلقها المعني بالأمر سنة 2005، قد حصلت على أراضي سويسرية.

نموذج “كلاسيكي” لجرائم الإبادة

وقد رفضت المحكمة الفدرالية العُـليا بدورها دعاوى بيرينشيك، وبرّرت قرارها بأن المادة 261 مكرر من قانون العقوبات، لا تقتصر فقط على جرائم النازية، بل تشمل جرائم الإبادة الأخرى.

ويقول القُـضاة إن أحداث 1915 تدخُـل ضِـمن جرائم الإبادة، بحسب عددٍ من المؤرّخين، وهو أيضا رأي البرلمان الأوروبي والعديد من البرلمانات الوطنية في البلدان الأوروبية. والمذبحة التي تعرض إليها الشعب الأرميني، بالنسبة لهم إذن، هي إحدى حالات الإبادة بالمفهوم (الكلاسيكي).

“عنصري وقومي”

وحول دوافع دوغو برينيشيك، أكَّـدت المحكمة الفدرالية أنها ذات طبيعة عُـنصرية وقومية، ولا تمت إلى المناقشة التاريخية بصِـلة. وتضيف المحكمة في حَـيثِـيات حُـكمها أن بيرينشيك صرّح، وهو على وعي تام بما يقول، أنه لن يُـغيِّـر موقفه، حتى وإن أثبتت لجنة محايِـدة يوما ما أن “إبادة الأرمن” قد حصلت فعلا.

ودائما بحسب المحكمة الفدرالية، هذا الحُـكم لا يتعارض مع حرية التعبير التي تضمنها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان؛ وكان على المدَّعي معرفة أن تصريحاته تعرِّضه إلى المتابعة القضائية في سويسرا.

وبالنسبة للمحكمة، فإن هذا الحُـكم يهدِف إلى حماية الكرامة الإنسانية والمجموعة الأرمينية، وهذا يعني أن المحكمة الفدرالية لم تنظُـر في مضمون الدّعوى من الناحية التاريخية ولم تُـجرِ تحقيقا إضافيا فيما يتعلق بطبيعة ما حدث سنة 1915، وإن كان يدخل في إطار الإبادة أم لا، لأنه ذلك ليس من صلاحية القضاة، وإن كانت في النهاية قد أقرّت استنادَ محكمة الدرجة الأولى إلى الرأي الشائع بين المؤرخين حول تلك الأحداث.

طعن آخر

لكن هذا لن يمنع دوغو بيرينشيك من التقدّم بطعنٍ أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو ما كان أعلنه فعلا منذ صدور قرار محكمة الدرجة الأولى.

ويوم الأربعاء 20 ديسمبر، قال لوران مورايون، محامي برينشيك: “المُنازلة لم تنته وسنرفع القضية إلى ستراسبورغ. فالقضية بالنسبة لنا، قضية مبدئِـية”.

أما السفير التركي بسويسرا، فلم يعلِّـق على الحُـكم واكتفى الناطق باسمه بالقول “أن السفير يرغب في الاطِّـلاع على حيثِـيات الحُـكم قبل إصدار أي موقف”.

“إشارة إلى الدول الأخرى”

أما جمعية سويسرا – أرمينيا فقد استقبلت باستبشار كبير قرار المحكمة الفدرالية ورأت فيه “إشارة يمكن أن تقتدي بها بقية الدول”، مؤكدة أنها “المرة الأولى على المستوى العالمي الذي تُـصدِر فيه محكمة عليا متخصِّـصة في قانون العقوبات حُـكما على منكِـر للإبادة الجماعية الأرمينية”. ويعزز هذا الحكم بالنسبة للجمعية جهود مكافحة العنصرية، كما يُـثبت أن مبادرة وزير العدل والشرطة السابق كريستوف بلوخر الداعية إلى مراجعة المادة 261 مكرر ” لا مبرِّر لها”.

من جانبه، يرى جورج كرايس، رئيس اللجنة الفدرالية لمكافحة العنصرية أن هذا الحُـكم القضائي يثبت مضمون القانون نفسه. كما عبَّـر عن رضاه لتأكيد المحكمة الفدرالية للدّلالة المباشرة للقانون، والتي مفادُها، أنه لا يمكن إنكار الإبادة الجماعية.

سويس انفو مع الوكالات

كانت الإمبراطوريتان، العثمانية والروسية، تتقاسمان أراضي الشعب الأرميني خلال الحرب العالمية الأولى.

ومنذ شهر أبريل 1915، قام الأتراك بتهجير جماعي للأرمن نحو الصحراء العراقية.

وتقول المصادر الأرمينية إن هذه الكارثة الإنسانية قد تسبَّـبت في إبادة مليون ونصف مليون من الأرمن، لكن الأتراك لا يعترِفون إلا بمائتي ألف ضحية.

تم إقرار قانون مكافحة العنصرية في سويسرا بنسبة 54.7% من الأصوات في اقتراع شعبي سنة 1994، ومنذ غرة يناير 1995 تَـحظُـر المادة 261 مكرر من قانون العقوبات، التمييز العنصري والإساءة إلى كرامة الأشخاص أو مجموعة أشخاص، بدافع الانتماء العرقي أو العنصري أو الدِّيني، كما تعاقب هذه المادة الأصوات المُـنكرة للإبادة الجماعية.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية