مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تحديات جمة في انتظار الرئيس الإيراني

تحديات داخلية وخارجية جسيمة تنتظر الرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد Keystone

جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية مُـخيِّـبة لآمال الإصلاحيين بشقّـيهم، المعتدل والمتطرف.

ومع أنها كانت متوقعة بالنسبة لأولئك الذين يعرفون بخطط المحافظين، إلا أن مهمة الرئيس الجديد لن تكون سهلة بالمرة.

إذن جاءت “المفاجأة”، ونجح المحافظون في خطتهم، وحالوا بين الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني والعودة مجدّدا إلى الرئاسة في إيران. وهاهم اليوم يُـسيطرون على السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، وباقي مفاصل النظام الاقتصادية والعسكرية. ولكن مُـهمَّـتهم، داخليا وخارجيا، ستكون صعبة جدا في ظل تحدِّيات خطيرة واستحقاقات عدة.

لقد فاز أحمدي نجاد وحقق بذلك “المفاجأة” التي لم يتوقّـعها إلا القلة فقط ممن خبَّـر دهاليز السياسة الإيرانية وتضاريسها المتعرجة، واستثمر نجاد سجّـله الخالي من سلبيات الحُـكم وأخطائه لإحراج منافس قوي من طِـراز رفسنجاني، المليء ملفّـه بأخطاء مرحلة إعادة البناء عندما كان رئيسا للفترة ما بين (1989 و1997). ونجحت خطة المحافظين الذين جعلوا رفسنجاني في موقع المدافع عبر سلسلة اتّـهامات ظلّـت تُـرافقه طِـوال الحملة الانتخابية.

ينتمي نجاد إلى أسرة فقيرة وإلى نسيج متديِّـن محافظ جدّا لا يرى ضرورة كُـبرى لموقع الرئاسة، ويعتقد أنه منفذ فقط لإرادة الولي الفقيه. بينما منافسه يعتبر نفسه شريكا في النظام، منطلقا من ثنائيته التاريخية مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الممتدة إلى عهد ما قبل الثورة الإسلامية، وأثناء قيادتهما معا البلاد طوال الفترة الماضية. وبذلك يرى المحافظون الذين عملوا ضد الرئيس السابق أن رفسنجاني سيكون منافسا قويا لخامنئي (وهذا ما لا يمكن تصوره)، ومن هنا، عملوا على أن لا يصل إلى الرئاسة من جديد.

كذلك، فإن اخفاقات الإصلاحيين المتكرّرة وفشلهم في تنفيذ وعودهم، وصراعهم المفتعل في أحيان عدة مع المحافظين حول الحريات الاجتماعية والسياسية، رفعت من أسهُـم أحمدي نجاد الذي جاء من بيئة الفقراء، واعدا بإنصافهم.

حبل الوصل بين الشعب والحكومة

لقد تعهد نجاد بمحاربة الفساد وبتقسيم الثروة بشكل عادل، لكنه إذا فشل ولم يُـحقق شيئا في هذا الاتجاه – وهو أمر متوقّـع بسبب تركيبة النظام المعقدة والتحدّيات الخطيرة التي تواجهه – فإنه سيكون سببا رئيسيا في قطع حبل الوَصل الممدود بين أغلبية الشعب والحكومة.

سكان القرى والأرياف يشكلون نحو 90% من سكان إيران، وهم يدينون في الغالب بالولاء لنظام الجمهورية الإسلامية، حتى وإن كانت لديهم ملاحظات على أداء رموزه والمسؤولين الحكوميين. وهؤلاء لعبوا دورا في ترجيح كفّـة أحمدي نجاد بعد أن تأكّـد للشارع الإيراني أن المحافظين قادرون على عرقلة جهود الإصلاحيين الرامية إلى تحسين أداء الاقتصاد الإيراني ومواجهة التحديات الأخرى، الداخلية والخارجية.

لقد شارك أهالي الريف والقرى في الحرب مع العراق وقدموا أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى فيها، ولكنهم انزعجوا كثيرا مما أصبح يُـعرف في إيران بـ”أبناء السادة”، أي أبناء المسؤولين الذين وصلوا قمة الثراء بعد انتهاء الحرب، وأمسكوا بمفاصل العديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية، لأنهم أولاد “الملوك”، وعلى رأسهم أبناء الخاسر في الانتخابات الإيرانية أكبر هاشمي رفسنجاني.

ليس مُـهمّـا من فاز من مرشحي التيار المحافظ في هذه الانتخابات، بل المُـهم بالنسبة للمحافظين ولعامة الشعب الإيراني، أن يخسر رفسنجاني ويفشل في الوصول مجدّدا إلى سدّة الرئاسة، حتى وإن غيّـر جِـلده ولبس لباس الاعتدال وأعلن عن تشكيل جبهة لهذا الاعتدال.

قبل ثلاث سنوات، وجّـه قادة الحرس الثوري الإيراني رسالة لها مغزى إلى الرئيس محمد خاتمي، ولمّحوا فيها إلى عزمهم على فتح مواقع الإصلاحيين وقِـلاعهم، ووضعوا لتحقيق هدفهم خطة طويلة الأمد، بدأت بالتحضير للانتخابات البلدية في عام 2003، والتي جاءت بالرئيس الجديد محمود أحمدي نجاد، وأعلنوا للانتخابات التشريعية عن تأسيس حركة إعمّار إيران (آبادكران) ليخوضوا بها انتخابات مجلس الشورى (البرلمان)، ويسيطروا عليه، عندما عرضوا لغة مرنة أظهروا فيها وجههم “الاصلاحي”.

الطريق غير مفروش بالزهور

لن يكون طريق نجاد نحو قصر الرئاسة الواقع في شارع فلسطين بجوار منزل ومكتب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي مفروشا بالزهور، على الرغم من الفوز المريح الذي حققه في هذه الانتخابات، في ضوء الاتهامات المكرّرة والجاهزة له عن ضُـلوعه في عملية اقتحام السفارة الأمريكية بطهران في نوفمبر من عام 1979، واحتجاز رهائن أمريكيين لمدة 444 يوما، وفي اغتيال عبدالرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران في يوليو عام 1989.

الظاهر أن هذه الاتهامات لن تتوقف حتى يتم الانتهاء من حل العُـقد المستعصية لبرنامج إيران النووي، بما ينسجم مع الموقف الأمريكي المطالب بتخلي إيران كلياً عن التكنولوجيا الذرية ودورة الوقود النووي، مع علم واشنطن الأكيد أن نجاد لم يكن ضالعا بالفعل في تلك الحوادث، خصوصا وأنه ينتمي إلى تيار محافظ يكِـنّ على الدوام عداءً شديدا للشيوعية ويجد نفسه قريبا من أعدائها!

ونذكر هنا أن نجاد كان أثناء أزمة السفارة الأمريكية (1979)، منشغلا في عمله كمحرر في صحيفة “جيغ وداد” (وتعني “الصراخ”)، وقيل إنه كان يميل إلى احتلال سفارة الاتحاد السوفيتي السابق، بدلا من سفارة واشنطن.

كما تنبغي الإشارة أيضا الى أن خارطة القوى السياسية داخل الجمهورية الإسلامية كانت موزعة آنذاك على “يسار ديني” يعادي الولايات المتحدة، ونفذ عملية اقتحام السفارة الأمريكية، و”يمين ديني” لا يعارض الانفتاح على الغرب والولايات المتحدة بشرطها وشروطها، ونجاد لم يكن من القسم الأول.

الإيرانيون، وخصوصا الاصلاحيين الذين لا يحملون ودّا لنجاد، نفوا هذه الاتهامات ووصفوها بالمزاعم التي تُـمارس في سياق حرب نفسية تشنّـها الولايات المتحدة وإسرائيل ضد بلادهم، ونصحوا الدول الأوروبية ووسائل إعلامها بأن لا تخضع للضغوط الأمريكية و”الصهيونية”، وأن لا يصدقوا حملة التشهير التي لا تستهدف نجاد وحده، بل النظام برمته.

وحتى يتم اتخاذ موقف أوروبي وأمريكي موحّـد إزاء هذه الاتهامات، يُنظر إلى أداء إيران في عهد الرئيس المنتخب إزاء العراق تحديدا، بأنه سيشكل الأساس الذي ستُـبنى عليه احتمالات زيادة الضغوط على نجاد وفتح ملفات أخرى على ضوء خلفيته السابقة في الحرس الثوري…

على أية حال، فالذين يمسكون بمقاليد الأمور في إيران لديهم مخاوف جدية من أمريكا، ولديهم شكوك أيضا من موقف أوروبا، ولا يثقون بجيرانهم في الشرق الأوسط، ولديهم مخاوف من المُناخ المفتوح نسبيا في البلاد ومن التوجه نحو الديمقراطية الذي أوجده الرئيس الحالي محمد خاتمي، الذي اعتقد أنه قادر على دمقرطة “الثورة”، فيما يرى نجاد عكس ذلك تماما، أي أن الثورة الإسلامية لم تنتصر من أجل الديمقراطية الغربية التي يمكنها برأيه أن تؤدي إلى “انهيار الثورة وسقوط النظام”.

من هنا، يؤمن المعارضون لنجاد أنه سيكون الواجهة لتعزيز سلطة المحافظين. والسؤال المطروح هذه الأيام بقوة: هل سيستخدم نجاد الحرس الثوري والجيش والاستخبارات وباقي أجهزة الدولة لقمع الشعب إذا أراد الديمقراطية؟

مهما يكن من أمر، فإن الاختبار المهم أمام نجاد هو عندما تجلس إيران مع الاتحاد الأوروبي على طاولة المفاوضات، لأن أي تغيير في الفريق المفاوض سيُنظر إليه من قبل الأوروبيين بحذر يزيد من شكوكهم، ولن يساعد على نهج بناء الثقة الذي مضى عليه خاتمي. ومع ذلك، فالنظام ما يزال يملك القدرة على التعاطي بمرونة ولا يريد المواجهة مع الولايات المتحدة.

تحديات داخلية…

أثار انتخاب محمود أحمدي نجاد مخاوف من أن تشهد إيران عزلة دولية وإقليمية على ضوء تصريحاته المثيرة أثناء الحملة الانتخابية، وخلفيته في الحرس الثوري، الجيش العقائدي لنظام الجمهورية الإسلامية.

وسيواجه الرئيس الإيراني المنتخب، الذي سيتسلم الرئاسة عمليا في شهر أغسطس القادم، تحديات أهمها داخليا: ملف القوميات، حيث تتألف إيران من ست قوميات قد تثير قلقا للحكومة المقبلة بعد موجة الاضطرابات التي شهدتها الأهواز، مركز إقليم خوزستان.

وتعد التنمية الاقتصادية وحل مشكلات البطالة والتضخم، وتحديث البنى التحتية، خصوصا ما يتعلق بجذب الاستثمارات الأجنبية لتطوير المنشآت النفطية، تحدٍّ مهم أيضا يواجه نجاد.

وحسب الأرقام الرسمية، يعيش حوالى ستة ملايين إيراني تحت خط الفقر، ويبدو أن الرقم يزيد عن ذلك كثيرا، حسب تقارير غير رسمية.

ويتعيّـن على نجاد الاستعانة بفريق من الخبراء الاقتصاديين لترجمة شعاراته التي تصطدم كثيرا بمفردات الواقع الإيراني، وللاستمرار في تطوير المنشآت النفطية وجذب الاستثمارات التي تقدر بـ 100 مليار دولار خلال أربع سنوات، رغم أنه شخصيا لا ينسجم كثيرا مع تحرير الاقتصاد، وفتح أبواب إيران الخارجية. لكنه بالتّـأكيد لن يتمكّـن من مواجهة رغبة الاقتصاديين من حلفائه، مثل أحمد توكلي، المؤمنين بقوة بأهمية الاستعانة بالاستثمارات الأجنبية.

لقد أصاب انتخاب نجاد الاقتصاد الإيراني بحالة من الذهول وعدم الاستقرار والاضطراب. فنجاد أطلق في حملته الانتخابية شعارات من قبيل “يجب ولا يجب” دون أن يقدم برنامجا محدّدا. ولكنه بعد انتخابه قدّم برنامجا واضحا لا يختلف كثيرا عن غيره من الرؤساء الإيرانيين، عدا طريقة العرض وأولويات المرحلة.

فبينما كان رفسنجاني في عهدين رئاسيين (1989-1997) تبنّى إعادة الإعمار بعد توقف الحرب مع العراق، طرح خاتمي (1997-2005) فكرة حوار الحضارات وإزالة التوترات. وهاهو نجاد ينادي بالعدالة الاجتماعية في الداخل، دون أن ينسى تحدّيات الخارج ماضيا على خطى سلفيه لأنه ملتزم بنظام ولاية الفقيه وبالنهج العام للنظام.

الرئيس المقبل يواجه أيضا مهمّـة الاستمرار في البناء العسكري وتطوير قدرات إيران العسكرية، وتحديدا الصاروخية لحماية المنشآت النووية والمرافق الحيوية الأخرى في ظل تصاعد التهديد بتوجيه ضربة عسكرية تطول هذه المرافق.

ويقول المحافظون إنهم ينتظرون من رئيسهم الجديد أن يضع حدّا لما يسمّـونه بالغزو الثقافي الغربي، والتراجع عن قيم الإسلام والثورة. ويريدون من رئيسهم فرض قوانين صارمة ضد أوجه الانحراف في المجتمع، ويتّـهمون الرئيس الإيراني محمد خاتمي بأنه منح حريات كثيرة للشباب.

…وأخرى خارجية

أما أهم التحدّيات الخارجية، فتتمثل في ملفات عدّة تنتظر أن تفتح بعد الاستحقاق الرئاسي، منها الملف النووي وطبيعة ماستؤول إليه العلاقات مع الأطراف المعنية: الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا التي تتلكّـأ في تحويل الوقود النووي لتشغيل محطة بوشهر النووية.

وهناك أيضا الأداء الإيراني في العراق الذي سيختلف عن عهد الإصلاحي خاتمي، وآلية التعاطي مع الحكومة المقبلة، وكذلك مستقبل العلاقة مع سوريا والمنظمات الأصولية وأهمها حزب الله في لبنان، والموقف من نزع سلاحه في ضوء التطورات الأخيرة في لبنان، والضغوط على سوريا، والموقف من عملية التسوية مع إسرائيل، والعلاقات مع دول الخليج العربية… كلها ملفات تنتظر على طاولة الرئيس الذي سيُـظهر تشدّدا حيالها، لكن دون أن يخل بالمضمون، وهو أن السياسة الخارجية لا يصنعها الرئيس، بل يشارك في بلورتها.

عموما، ستولي الحكومة الإيرانية المقبلة أهمية خاصة لتطوير علاقات إيران مع الدول العربية والاسلامية وباقي دول العالم عدا المعادية، وهي إشارة إلى الولايات المتحدة.

وبعد أن دعا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أكبر هاشمي رفسنجاني مرشح الرئاسة المهزوم إلى البقاء منخرطا في السياسة، يصبح من نافلة القول إن سياسة إيران الخارجية لن تشهد تغييرا كبيرا لأن رفسنجاني هو رئيس مجمّـع تشخيص مصلحة النظام، أعلى هيئة ترسم السياسات الاستراتيجية للبلاد.

عربيا، فإن المحافظين يجدون أنفسهم الأقرب إلى أشقائهم في الدين، دون أن يعني ذلك تقديمهم تنازلات في قضايا قومية في الخلاف مثلا مع الإمارات العربية المتحدة حول الجزر الثلاث. وأما عن العلاقة مع الغرب، فستواصل إيران حوارها النووي مع الاتحاد الأوروبي لأن المحافظين الممسكين بالسلطتين، التنفيذية والتشريعية، سيقودون مفاوضاتهم بموقف موحد.

وتظل العُـقدة الأصعب التي ترتبط أساسا بأسلوب الرئيس وبموقف النظام برمته هي العلاقة مع الولايات المتحدة. وحسب المقربين منه، فإن نجاد لن يغلق الباب نهائيا أمام حوار مفقود مع العدو اللدود لإيران، ولن يفتحه هو رغم أن رفاقه المحافظين في الحكومات السابقة كانوا أول من دعا لهكذا حوار لحل الخلافات تمهيدا لإعادة العلاقات.

نجاح محمد علي – دبــي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية