تحركات دبلوماسية .. وتهديدات .. وسباق تسلّـح
أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1720 حول تطورات تسوية نزاع الصحراء الغربية، دون أن يحمِـل جديدا يؤشِّـر على التعاطي الجدّي لإيجاد حل سلمي لنزاع متفجّـر منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، ما دام يوضع منذ 1991 في خانة النزاعات الخامدة.
وكعادته في مثل هذه الحالات، أعطى مجلس الأمن في قراره “الجديد – القديم” لكلا الطرفين (المغرب وجبهة البوليزاريو) ما يوحي لكل منهما أنه حقق مكسبا سياسيا ودبلوماسيا هو بحاجة إليه.
مثل هذا القرار سيؤدي إلى إقناع كلا الطرفين بالإستمرار في تعاطيه مع المنظمة الأممية باعتبارها الملجأ المتاح لتحقيق الهدف الذي يسعى إليه كل منهما، وهو ما شجّـع المغرب والبوليزاريو على الإعلان عن الترحيب بالقرار.
ويتضمن القرار الذي صدر يوم الثلاثاء 31 أكتوبر 2006، بإجماع أعضاء مجلس الأمن، التمديد حتى نهاية شهر أبريل 2007 لولاية قوات الأمم المتحدة المنتشرة بمنطقة النزاع المعروفة بقوات المينورسو، بعد أن أكد على قراراته السابقة المتضمنة مخطط السلام المقر منذ 1991 كترتيبات لإجراء استفاء يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب.
بهذه الصيغة أرضى المجلس جبهة البوليساريو، التي لا زالت متمسِّـكة بالاستفتاء خيارا نهائيا وحيدا لتسوية النزاع، آملة أن يؤدي إلى قيام دولتها الصحراوية، إلا أن المجلس أكّـد في قراره “الالتزام بمساعدة الأطراف على التوصّـل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من قبل الأطراف” لهذه القضية، ودعوته للأطراف ولدول المنطقة “لكي تواصل تعاونها التام مع الأمم المتحدة لوضع حد للمأزق الراهن ولإحراز تقدم نحو إيجاد حل سياسي”، وهو بهذا يُـرضي المغرب، الذي يرى أن الاستفتاء أصبح متجاوزا ويقترح إجراء مفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة تؤدّي إلى منح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.
وإذا كان القرار لا يحمل جديدا، فإن ما عرفته مختلف عواصم الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي من موفدين ومبعوثين مغاربة وصحراويين، يشير إلى احتمال أن يكون خلف الكواليس “جديد محتمل” في القرار 1720، إلا أن التباين الشاسع بين مقاربات أطراف النزاع أدى إلى العودة إلى ما سار عليه المجلس منذ قراره 1495 الصادر في يوليو 2003، وتبنّـى فيه مبادرة منح الصحراويين حُـكما ذاتيا مؤقتا تحت السيادة المغربية، تجري بعده الأمم المتحدة الاستفتاء للصحراويين لتقرير مصيرهم، وهو ما تحفَّـظ المغرب عليه في حينه، واعتبره بمثابة تكليف له لإقامة البنية التحتية للدولة الصحراوية، التي تطمح لها جبهة البوليساريو.
نقاط إيجابية
وكانت الحركية الدبلوماسية لأطراف النزاع قد انطلقت قبل إصدار مجلس الأمن الدولي لقراره الجديد بأسابيع، وتشير المعطيات المتاحة إلى أن كلا منهما قد حقق نقاطا ايجابية سجَّـلها في ملفه.
ففي هافانا، نجح المغرب في دفع قمّـة عدم الانحياز إلى تبنّـي توصية حول نزاع الصحراء الغربية، تدعو إلى إجراء مفاوضات بين أطراف النزاع، دون أن تتمسّـك كما في قرارات قممها السابقة بحق تقرير المصير للصحراويين وإقامة دولة مستقلة بالاندماج بالمغرب، وفي نيويورك في اللجنة الرابعة التابعة للأمم المتحدة، والمعروفة بلجنة تصفية الاستعمار، نجحت الجزائر في استصدار توصية تؤكِّـد على حق تقرير المصير وتستبعد المبادرة المغربة بمنح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية كحل نهائي للنزاع.
في المقابل، سجلت المكاسب الدبلوماسية المغربية وراء الكواليس في سياق المباحثات، التي أجراها مبعوثون في عواصم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، حيث نجحوا في استبعاد أية محاولة لإدخال تعديلات على مهمّـة بعثة المينورسو، لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وهي المطلب الذي سعت جبهة البوليساريو لتحقيقه، مستندة على تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان، الذي أعدّته بعثة لها زارت المنطقة في الربيع الماضي حول حقوق الإنسان بالصحراء الغربية، وتضمّـن ما اعتبره المغرب إساءة له، ووصفه باللا موضوعية والانحياز، وهو التقرير الذي كان من أهم المكاسب السياسية والإعلامية التي حققتها جبهة البوليساريو منذ التوقيع على اتفاقية هيوستن عام 1997.
أما المكسب الثاني – والاهم للمغرب – في كواليس مباحثات موفديه، يتمثل في ما أبلغته وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس للوفد المغربي، الذي كان مكوَّنا من أربعة وزراء، بتفكير الإدارة الأمريكية، إذا ما قدم المغرب في أبريل القادم مشروعا جديا ومقبولا لمبادرته بمنح الصحراويين حكما ذاتيا بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية بعد أكثر من ثلاثين عاما من رفض واشنطن الإقرار بالسيادة المغربية على المنطقة، التي كانت تحتلّـها اسبانيا حتى عام 1976.
وقد اقتصر تعاطي مختلف الإدارات الأمريكية مع التواجُـد المغربي في الصحراء الغربية بالاعتراف بالإدارة المغربية للمنطقة، وليس بالسيادة المغربية عليها، رغم ما قدمته واشنطن من دعم عسكري ولوجيستي وسياسي للمغرب في نزاعه الصحراوي.
حملات وصفقات وتهديدات..
كل المكاسب التي حققتها المغرب وجبهة البوليساريو في النزاع بينهما تظل مرهونة بقدرة كل منهما على الحفاظ على هذه المكاسب من جهة وتطويرها من جهة ثانية، وهي مكاسب مُـرتبطة بما ستعرفه الصحراء الغربية خلال الأشهر القادمة من تطورات وما قد يطرأ على العلاقات الجزائرية المغربية المجمّـدة على خلفية النزاع.
جبهة البوليساريو، التي تجد صعوبة في العودة إلى العمل المسلح ضد القوات المغربية في الصحراء، تسعى لتحريك ناشطيها في المدن الصحراوية لتصعيد تحرُّكاتهم ضدّ السلطات المغربية، والدفع إلى مواجهات بين هؤلاء الناشطين وقوات الشرطة المغربية، لجلب الاهتمام الإعلامي الدولي بملف حقوق الإنسان، وهو محور يثير الاهتمام في القرن الحادي والعشرين.
كما قد تدفع جبهة البوليساريو ناشطيها من أجل لفت الاهتمام العالمي والتعاطي الجدّي مع تسوية النزاع إلى هجمات مسلّـحة وتفجيرات ضد أهداف عسكرية أو اقتصادية مغربية في الصحراء، وهو ما أشارت إليه صحف مغربية بعد تفجيرات استهدفت حزاما مطاطيا لنقل الفوسفات من مناجم بوكراع إلى ميناء العيون، وبعد تصريحات أدلى بها محمد عبد العزيز، زعيم جبهة البوليساريو حول “نفاذ صبر الشباب الصحراويين من مماطلة المغرب والمجتمع الدولي” في تسوية النزاع.
إلا أن العلاقات الجزائرية المغربية تبقى المحرار الحقيقي لقياس درجة التوتر أو الفتور في ملف النزاع الصحراوي، وفي ظل حملات إعلامية لا تهدأ أو أخبار ذات مؤشرات سلبية تقتنص وتُـبث في وسائل الإعلام الرسمية، تتحدث في تقارير صحفية عن “عودة الدولتين إلى سباق التسلّـح”.
ففي الوقت الذي تتحدث فيه صحف جزائرية عن تمويل سعودي لصفقة طائرات فرنسية من طراز “رافال” للمغرب، قالت تقارير نُـشرت في الصحف المغربية إن مقتنيات الجزائر من السلاح الأوروبي لعام 2005، تجاوزت المائة مليون يورو، في حين لم تتعدّ الخمسة عشر مليون يورو بالنسبة للمغرب.
وهكذا تستمر التحركات الدبلوماسية والتهديدات الصريحة والمبطنة وسباق التسلّـح (الذي لا يُعلن عن نفسه) في هذا الملف المزمن والمستمر سياسيا ودبلوماسيا، وهو نزاع لا يلج ميدان المواجهات المسلحة لكنه لا زال لم يعرف طريقه للتسوية النهائية.
محمود معروف – الرباط
1 – يؤكد القرار رقم 1720 مجددا ضرورة الاحترام التام للاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية بشأن وقف إطلاق النار.
2 – يدعو الدول الأعضاء إلى النظر في تقديم تبرعات لتمويل تدابير بناء
الثقة التي تتيح إمكانية زيادة الاتصال بين أفراد الأسر الذين تشتت شملهم، وخاصة زيارات لم شمل الأسر.
3 – يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرا عن الحالة في الصحراء الغربية.
4 – يطلب إلى الأمين العام أن يواصل اتخاذ التدابير الضرورية لكفالة الامتثال التام داخل البعثة لسياسة الأمم المتحدة القائمة على عدم التسامح مطلقا إزاء الاستغلال والإيذاء الجنسيين، وإبقاء مجلس الأمن على علم بذلك، ويحث البلدان المساهمة بقوات على اتخاذ إجراءات وقائية ملائمة تشمل التدريب لزيادة الوعي قبل مرحلة نشر القوات، وغيرها
من الإجراءات لضمان المساءلة التامة في حالات إتيان أفراد قواتها، مثل هذا السلوك؛
5 – يقرر تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية حتى 30 أبريل 2007
6 – يقرر إبقاء المسألة قيد نظره.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.