“تحسين صورة أمريكا قد يحتاج إلى جيل كامل”
أظهرت أحدث استطلاعات الراي العام في عدد من الدول العربية أن سياسات الولايات المتحدة وخاصة تلك التي انطوت عليها سنوات بوش الست في البيت الأبيض هي "السبب الرئيسي" في مشاعر العداء للولايات المتحدة في العالم العربي.
هذه النتيجة دفعت بسفير أمريكي سابق إلى التعليق على محاولات تجميل صورة أمريكا في إطار ما يسمى بالدبلوماسية العامة بالقول “لا يمكنك تجميل خنزير باستخدام أحمر الشفاه” (!).
لقد أظهر استطلاع للرأي العام في ست دول عربية هي مصر والأردن ولبنان والمغرب والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أن نسبة تصل إل79 في المائة من العرب يعتقدون بأن الولايات المتحدة وإسرائيل يشكلان أكبر تهديد للأمن القومي العربي.
ووصفت نسبة وصلت إلى 39 في المائة ممن استطلعت آراؤهم الرئيس بوش بأنه يحتل المرتبة الأولى بين الزعماء الأجانب المكروهين في العالم العربي تلاه رئيس وزراء إسرائيل السابق شارون ثم الحالي إيهود أولمرت.
وكان من الملفت للنظر في الاستطلاع الذي صممه الدكتور شبلي تلحمي، أستاذ كرسي السادات للسلام بجامعة ميريلاند وأجرته مؤسسة زغبي إنترناشيونال أن نسبة وصلت إلى 67 في المائة من العرب أعربوا عن اعتقادهم بأن “الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للولايات المتحدة تحسين صورتها في العالم العربي هي أن تتمكن من إنجاز تسوية سلمية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي”. بينما أعربت نسبة 33 في المائة ممن استطلعت آراؤهم عن اعتقادهم بأن صورة أمريكا في العالم العربي “يمكن أن تتحسن إذا انسحبت قوات الاحتلال الأمريكي من العراق”.
الأغرب من ذلك هو أن استطلاعا آخر للرأي العام أجرته هيئة الإذاعة البريطانية في 25 دولة معظمها دول غير عربية أظهر أن نسبة 71 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون بأن الولايات المتحدة “لا تقوم بدور إيجابي في العالم” وأعربت نسبة 68 في المائة عن اعتقادهم بأن “الوجود العسكري الأمريكي في العراق يؤدي إلى اشتعال بؤر أخرى للصراع”. وبذلك لم يعد العرب ولا المسلمون وحدهم هم الذين يكنون مشاعر مناهضة للولايات المتحدة.
محاولات تجميل الصورة
وقد اعترفت السيدة كارين هيوز وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية لشئون الدبلوماسية العامة والمكلفة بتحسين صورة أمريكا في العالم مع التركيز على العالم العربي بأن ذلك قد يحتاج إلى جيل كامل على الأقل مع استمرار جهود مكثفة للدبلوماسية العامة ومنها إذاعة سوا وتليفزيون الحرة الذي قالت إنه يحاول الوصول إلى المشاهد العربي رغم وجود منافسة قوية من أكثر من مائتين وخمسين قناة فضائية عربية.
ولا تحمل أرقام المشاهدة ما يثلج صدر السيدة هيوز حيث أن الاستطلاع الأخير أكد ما أظهرته استطلاعات أخرى في السنوات الأخيرة وهو أن نسبة من يشاهدون قناة الحرة في العالم العربي لا تتعدى الواحد في المائة. كما أن التحقيقات التي أجراها الكونجرس حول مدى كفاءة تلك القناة أسفرت عن الإطاحة بصاحب فكرة راديو سوا وقناة الحرة البليونير اليهودي الأمريكي نورمان باتيز ثم تم الاستغناء عن مدير قناة الحرة موفق حرب واستبداله بمدير امريكي كان يعمل في شبكة سي إن إن لعله يوفق فيما لم يوفق فيه موفق حرب.
غير أن السفير الأمريكي السابق في سوريا تيد قطوف يري أن المشكلة ليست في أن الحكومة الأمريكية لا تملك من كفاءات الدبلوماسية العامة من هم قادرين على إدارة برامج التبادل الثقافي وتعريف المواطنين العرب بالحياة الأمريكية والقيم المشتركة وإنما المشكلة هي في السياسات الأمريكية وقال: “لا يمكنك تجميل خنزير باستخدام أحمر الشفاه، فالسياسة الأمريكية الخاطئة ألحقت الأذى بالكثيرين في العالم العربي وخارجه، وما لم تتعدل تلك السياسة فلن تجدي الدبلوماسية العامة ولا غيرها في تحسين صورة أمريكا.”
ويقر السيد ألبرتو فرنانديز، مدير مكتب الصحافة والدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية الأمريكية، بأن الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق أثارت الكثير من المشاعر المعادية للولايات المتحدة وبذلك أصبح الموقف في العراق من أكبر العوامل التي تسهم في إذكاء تلك المشاعر. وقال: “ما يعقد الصورة هو أن الولايات المتحدة تواجه متطرفين مما يجعل حرب كسب العقول تجري في كل ما يعتمل في الفكر، لذلك يجب خوض تلك الحرب في الجامعات والكتابات والصحف والمجلات والكتب والحياة الثقافية ومحاولة الوصول إلى المستمعين والمشاهدين في العالم العربي”.
ولكن المسئول الأمريكي وإدراكا منه لعدم كفاءة راديو سوا وقناة الحرة الأمريكيين قال: “نحن بحاجة إلى أن يكون لدينا أكفأ وسائل الإذاعة والتليفزيون الموجهة من الولايات المتحدة إلى العالم العربي، ونحتاج كذلك إلى التحاور مع الجمهور العربي أينما كان. فإذا كان ذلك الجمهور يتابع قناة الجزيرة فيجب أن نتواجد للحوار في قناة الجزيرة”.
تغيير السياسة وتحسين الرسالة
سألت سويس إنفو الدكتور جون زغبي رئيس مركز زغبي إنترناشيونال لأبحاث الرأي العام عما يراه السبب الأساسي لتدهور صورة أمريكا في العالم العربي وخارجه فقال: “لقد أصبحت الحرب هي السمة المميزة لدبلوماسية أمريكا العامة وقد أظهرت أسوأ ما يعتقده الناس في الخارج عن أمريكا وهو أنها تتبع دبلوماسية رعاة البقر، وتسعى لإقامة الإمبراطورية الأمريكية باستخدام القوة المسلحة”.
ويرى الدكتور زغبي أن السياسة الخارجية الأمريكية هي السبب الأساسي في المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم العربي ولذلك فإن تحسين صورة أمريكا يقتضي أولا أن تقود واشنطن مساعي عقد مؤتمر إقليمي للتعامل مع الوضع في العراق وتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتهدئة الوضع في لبنان، وبعد ذلك يمكن أن تسهم الدبلوماسية العامة في تحسين الصورة ليس بادعاء أن أغاني مادونا التي يبثها راديو سوا هي التي ستغير المشاعر المعادية لأمريكا وإنما بإدراك أن الشعوب العربية والإسلامية بل والأفارقة والآسيويين لا تحركها الدعاية ولا الأغاني الشعبية وإنما نوع ومستوى العلاقة مع الآخرين وبكل أسف فإن ما لا تفعله الولايات المتحدة هو أن تتحاور مع الشعوب وتستمع لاحتياجاتها بل ومظالمها وشكاواها.
ويلخص الدكتور جون زغبي نصائحه للولايات المتحدة لتتمكن بالفعل من تحسين صورتها فيقول:”يجب أن تثبت أمريكا حسن نيتها بالأعمال وليس بالأقوال، ويجب ألا تنسى أصدقاءها، ويمكن أن تستغل فرصة رحيل الرئيس بوش وانتخاب رئيس جديد في عام 2008 لتبدأ صفحة جديدة مع العالم”.
انتقادات للأسلوب
وتوجهت سويس إنفو إلى الدكتورة هيلي ديل، مديرة مركز آليسون لدراسات السياسة الخارجية بمعهد هيريتدج الأمريكي فقالت: “إن تدهور صورة الولايات المتحدة في العالم العربي يعود إلى بعض السياسات الخارجية الأمريكية وكذلك القصور في جهود الدبلوماسية العامة، وبينما قد لا يمكن تعديل بعض السياسات التي تثير المشاعر المناهضة للولايات المتحدة باعتبار أنها سياسات تم اتخاذها لخدمة الأمن القومي الأمريكي، فإنه من الممكن تحسين الصورة من خلال شرح أسباب إتباع الولايات المتحدة هذه السياسات وتوصيل صورة واضحة عن الجوانب الأخرى التي تظهر ما تقدمه الولايات المتحدة من مساهمات طيبة لدول وشعوب العالم.
وانتقدت الدكتورة هيلي ديل الأسلوب السطحي الذي تقدم به أمريكا نفسها للعالم العربي من خلال إذاعاتها الدولية الموجهة للعالم العربي فقالت: “فيما يتعلق براديو سوا وقناة الحرة لا أظن أن الولايات المتحدة تقدم أفضل ما لديها، فالتركيز على استهداف أعداد أكبر من الشباب العربي من خلال تقديم الثقافة الشعبية الأمريكية قد يحقق هدف زيادة عدد المستمعين أو المشاهدين ولكن السؤال هو: هل نبث لهم رسالة هامة أم لا، ولذلك يتعين تحسين الرسالة الإعلامية لتشمل برامج جادة تقدم المعلومات عن أمريكا وثقافتها وتاريخها وشرح وجهات نظرها إزاء القضايا التي تهم المستمع والمشاهد وهو ما لا يحدث حاليا”.
ويتفق معها في هذا التحليل السيد بوب رايلي، المدير السابق لإذاعة صوت أمريكا الذي يقول: “لقد أخطأ مجلس أمناء الإذاعات الدولية الأمريكية حينما أغلق القسم العربي بإذاعة صوت أمريكا في 2003، ليبدأ بعد ذلك راديو سوا الذي يذيع الأغاني لمدة خمسين دقيقة من كل ساعة، مما جعل المستمع العربي يتساءل هل يذيع الأمريكيون لنا هذه الموسيقى لأنهم خائفون من أن يقدموا لنا الحقيقة، أم أنه ليس لدى الأمريكيون ما يقولون؟”. وتساءل السيد رايلي هل أفلحت أغاني بريتني سبيرز من راديو سوا في تغيير تفكير الراديكاليين في العالم العربي”؟
عندما تفلح الأغاني العربية
أما الكاتبة الصحفية الأمريكية هيلينا كوبان فأدلت بدلوها في قضية تأثير الأغاني في تغيير الصورة وقدمت نموذجا لما استطاعت أغنية عربية واحدة أن تفعله في أوساط الشباب العربي من ترسيخ لكراهية سياسات الرئيس بوش وهي أغنية “أهلا إزيك” والتي صورتها المطربة الكويتية شمس بطريقة الفيديو كليب وباللهجة المصرية وتصاحب فيها الرئيس بوش على منصة الخطابة أمام البيت الأبيض وتقول له أنها كمواطنة عربية ملت من أعماله ولا تطيق رؤيته.
وتصف الكاتبة الأمريكية الأغنية فتقول: “برشاقة وحيوية تتتابع اللقطات التي تصور جوانب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال عهد الرئيس بوش بل واستخدام وسائل الإعلام في الترويج لتلك السياسات ومنها لقطة عن سياسة ترويجه للديمقراطية في الشرق الأوسط والتي سخرت منها الأغنية بكتابة حروف كلمة ديمقراطية برمال الصحراء وقبل أن تقدم الولايات المتحدة على دفع مسيرة الديمقراطية أحاطت بحروف الكلمة خطى جنود الاحتلال الأمريكي المدججين بالمدرعات والرشاشات، وفي لقطة أخرى كتبت حروف معتقل جوانتانامو سيئ السمعة أمام البيت الأبيض ورقدت شمس الكويتية علي الحروف مرتدية لوحة تحمل أحد أرقام المحتجزين هناك!
بل وتصدت الأغنية للهوان العربي بتصوير أعضاء الإدارة الأمريكية يحركون الزعماء العرب بخيوط مثل العرائس وهي تسعى لقص تلك الخيوط.
وتخلص الكاتبة الأمريكية هيلينا كوبان إلى أن الأغنية العربية التي أخرجها المخرج الفرنسي كوستاس مارودي شكل من أشكال الإبداع الفني يرقى إلى مستوى يمكن وصفه بفيديو لمقاومة السياسات الأمريكية في المنطقة ويعيد التعلق بآمال الماضي حيث تنتهي الأغنية بشمس تجلس إلى عراف ينبئها بمستقبل أكثر إشراقا حين تستطيع أن تمشي مع القومية العربية مجسدة في شخصية الطفلة هندالا التي جسدها ناجي العلي في أعماله الفنية.
محمد ماضي- واشنطن
أكد استطلاع جديد للرأي العام العربي نشرت نتائجه مساء الخميس 9 فبراير 2007 الاستياء العربي العميق من الولايات المتحدة ولكنه أشار الى إمكانية إصلاح هذه الصورة السلبية إذا توسطت الولايات المتحدة في اتفاقية شاملة بين العرب والإسرائيليين.
وصنف الاستطلاع الذي شمل 3850 شخصاً في ست دول عربية الرئيس جورج بوش على انه أكثر زعيم غير محبوب في العالم في حين اعتبر ان الولايات المتحدة وإسرائيل تشكلان تهديداً أكبر من إيران.
وقال 67 في المائة ممن شملهم الاستطلاع إن الولايات المتحدة يمكن أن تحسن صورتها من خلال التوسط في اتفاقية سلام شاملة بالشرق الأوسط.
وقال عدد أقل بلغ 33 في المائة ان تغيير هذه الصورة يمكن أن يحدث إذا سحبت واشنطن قواتها من العراق.
وصرح شبلي تلحمي من مركز “سابان” لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكنجز بأن هذه النتائج تظهر ان الصراع العربي – الإسرائيلي “ما زال العدسة المحورية التي يقيم الناس من خلالها الولايات المتحدة” حتى عندما يكون التركيز الدولي على حرب العراق والأزمة النووية مع إيران.
وأيدت القوى الكبرى في الآونة الأخيرة جهداً أمريكياً لإحياء المحادثات الإسرائيلية – الفلسطينية مع اعتزام كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السفر الى المنطقة الاسبوع المقبل.
وبناء على مقابلات مباشرة أجراها معهد زغبي الدولي للاستطلاعات لحساب مركز “سابان” في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول، تم استطلاع المواقف في مصر والسعودية والأردن ولبنان والمغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وطلب ممن شملهم الاستطلاع تحديد اسم أكثر زعيم عالمي خارج بلادهم يمقتونه.
وقال 38 في المائة انه بوش و11 في المائة ارييل شارون رئيس وزراء “إسرائيل” السابق وسبعة في المائة ايهود أولمرت رئيس وزراء “إسرائيل” الحالي وثلاثة في المائة توني بلير رئيس الوزراء البريطاني.
وجاء حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني في المركز الأول كأكثر زعيم محبوب وحصل على 14 في المائة.
وجاء في المركز الثاني الرئيس الفرنسي جاك شيراك وحصل على ثمانية في المائة ثم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وحصل على أربعة في المائة ثم الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز وحصل على ثلاثة في المائة.
وحزب الله وأحمدي نجاد وشافيز كلهم من خصوم الولايات المتحدة، في حين ان شيراك كان على خلاف مع واشنطن خلال فترة الاستعداد لحرب العراق.
وأشار 79 في المائة ممن شملهم الاستطلاع الى إسرائيل بوصفها أكبر تهديد في حين جاءت الولايات المتحدة في المركز الثاني وحصلت على 74 في المائة. ولم يقل سوى ستة في المائة فقط إن إيران تشكل أكبر تهديد.
وعلى الرغم من ان بوش وبعض الساسة الأمريكيين يصرون على عدم إمكانية سحب القوات الأمريكية الآن من العراق من دون أن يخلف ذلك حالة أسوأ من الفوضى قال 44 في المائة ممن شملهم الاستطلاع ان العراقيين سيجدون وسيلة لتجاوز خلافاتهم وقال 33 في المائة ان انسحاب أمريكا لن يكون له تأثير في الوضع الحالي.
ولم يتوقع سوى 24 في المائة فقط أن يؤدي انسحاب أمريكا الى توسيع نطاق الحرب الأهلية العراقية بشكل سريع.
(المصدر: يومية الخليج بتاريخ 10 فبراير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.