تركيا .. الإستقرار السياسي وسياسة تدوير الزوايا
سيدخل عام 2005 في تاريخ تركيا و.. حزب العدالة والتنمية. فهو الذي بدأت فيه مفاوضات العضوية مع الإتحاد الأوروبي، المشروع الأهم الذي انضوت تحت لوائه كل التيارات السياسية.
لكنه لم يبصر النور إلا على أيدي التيار الذي كان الأكثر عرضة للإضطهاد، أي التيار الإسلامي الذي يمثله اليوم، باعتدال، حزب العدالة والتنمية.
يطوي “العدالة والتنمية” العام المنصرم بهذا الإنجاز التاريخي، وهو تتويج لجهود ثلاث سنوات من “الثورة الثانية” الصامتة بعد ثورة أتاتورك المدوية قبل ثمانين عاماً.
ويدخل حزب العدالة والتنمية العام 2006، متأبطاً آخر الأرقام الاقتصادية، التي تشير إلى أقل نسبة تضخم منذ العام 1968، وبلغت 7.72 في المئة، وإلى تحطيم الصادرات رقماً قياسياً ناهز الثمانين مليار دولار، فيما بلغ حجم الواردات 124 مليار دولار، مع تحسن نسبة الدخل الفردي، وتسارع عمليات الخصخصة، ودخول خمسة مليارات دولار استثمارات أجنبية جديدة.
يتقدم حزب العدالة والتنمية اقتصادياً وأوروبياً، وذلك بفضل ما وصف بـ”الكلمة السحرية”، أي “الاستقرار السياسي” الذي لم تعرفه البلاد منذ أكثر من 15 عاماً، وعانت من غيابه اضطراباً سياسياً وتقهقراً اقتصادياً وارتباكاً في السياسة الخارجية.
والمفارقة أن الدفاع عن الاستقرار الذي جاء به حزب العدالة والتنمية، تولاّه كاتب علماني معروف، هو طه أقيول الذي رفض “أي مسّ بالاستقرار الحالي”.
والذي يقصده أقيول، هو دعوة رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض دينيز بايكال إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة قبل موعدها الطبيعي في خريف 2007.
نصائح لحزب العدالة والتنمية
إن أحد أهم عوامل الاستقرار السياسي في المرحلة المقبلة هو تفكيك العقبات التي تعترض جوانب من مسيرة الإصلاح السياسي. وإحدى هذه العقبات هي وجود أحمد نجدت سيزير في رئاسة الجمهورية الذي ضرب الرقم القياسي في استخدام الفيتو ضد عشرات القوانين الإصلاحية التي أصدرها البرلمان، في أكثر من قضية.
إنتخابات الرئاسة ستجرى في شهر مايو 2007، أي في عهد البرلمان الحالي. وحزب العدالة والتنمية يملك الغالبية الساحقة من عدد النواب وهو لن يفرط بهذه الفرصة لإيصال رئيس للجمهورية إن لم يكن من صفوفه (يطرح هنا اسم أردوغان، على أن يتولى عبد الله غول رئاسة الحزب والحكومة) فعلى الأقل متفهماً ومتعاوناً لمتطلبات المرحلة المقبلة. لذا من المستبعد إجراء إنتخابات مبكرة ستؤثر، بالاستعداد لها والحملة الإنتخابية، سلباً على وتيرة الإصلاح.
من جهة أخرى، لا يكفي في الحالة التركية أن تنال ثقة الرأي العام في إنتخابات نيابية. فمكوّنات السلطة في تركيا، كما الاعتبارات التي تتحكم في دور تركيا خارجياً، مرتبطة، حتى لا نقول مرتهنة، ولا سيما في هذه المرحلة من التاريخ الدولي، بطبيعة العلاقة مع الغرب بشقيه الأوروبي والأميركي.
لذا ينصح عمر طاشبينار، مدير برنامج تركيا في معد بروكينغز الأمريكي، سلطة حزب العدالة والتنمية، بتعزيز العلاقة مع الغرب وعدم الإنجرار إلى المشاعر التي تغذي النزعة القومية أو الدينية، داخل الحزب، ولدى الرأي العام.
تمرير الرسائل المهمة
وفي الواقع إن حزب العدالة والتنمية قد نجح، خلال العام 2005 في إعادة تدوير الزوايا في بعض القضايا الداخلية، كما في سياساته الخارجية.
من الواضخ أن قضية الحريات والديمقراطية تقع في رأس التحديات التي يواجهها الحزب في العام الجديد.
لقد نجح في تمرير رسائل مهمة في اتجاهات حساسة جداً. فسمحت الحكومة، بعد أخذ وردّ، بعقد مؤتمر في اسطنبول حول المسألة الأرمنية من وجهة نظر غير رسمية. وتحدث أردوغان عن “هوية عليا” للأتراك هي “المواطنية لجمهورية تركيا”، نسبة للمكان “تركيا” وليس للعرق “تركية”. وبذلك يلتقي أردوغان مع طروحات عبدالله أوجالان، الزعيم الكردي المعتقل في بحر مرمرة، كما إن أردوغان اعترف بوجود “قضية كردية” وإن لم يجسد ذلك بخطوات ملموسة.
لقد كسر أردوغان، في هاتين القضيتين، محرّمات يقدر عمرها بثمانين عاماً. هذا، من الناحية النفسية، في غاية الأهمية. قضية واحدة لم يستطع بعد أردوغان أن يقاربها بشجاعة، هي المسألة العلوية، التي لما تزل عصية على الإعتراف الأردوغاني بها، رغم أنها من شروط الإتحاد الأوروبي.
كذلك لا يزال حزب العدالة والتنمية “صابراً على ضيم” فشله في تحقيق اختراق في قضية الحجاب التي تزداد تعقيداً على ما يبدو.
تدوير الزوايا
تدوير الزوايا، كان أكثر وضوحاً في السياسة الخارجية. والعراق نموذج واضح لذلك. حيث اعترفت أنقرة للمرة الأولى بالواقع العراقي الجديد الذي فرضته واشنطن، وسعت – بنجاح – لدى سنّة العراق لإقناعهم بالمشاركة في الإنتخابات.
هذا أحد الدروب المؤدية إلى واشنطن، فيما دربه الآخر، استعادة العلاقات، من دون حساسيات، مع إسرائيل. الدرب الثالث هو التخفيف من الإندفاع القوي في العلاقات مع إيران وسوريا من انتقاد بعض المواقف الإيرانية، ومن تبريد العلاقات مع سوريا ولا سيما بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري.
إن سياسة تدوير الزوايا تقف عند هذا الحد، فتحسين العلاقات بين أنقرة وواشنطن وتل أبيب لا يذهب إلى درجة “الشراكة” في الموقف والعمل، من النظامين السوري والإيراني.
فلم تذهب أية حكومة تركية سابقة إلى سابقة استخدام الأراضي التركية للعدوان على إيران أو سوريا، فلهذا مضاعفات خطيرة.
يضاف إلى ذلك أن تركيا تخشى، أن يصيب سوريا أو إيران ما أصاب العراق من نتائج سلبية على تركيا لجهة تعزيز النزعات العرقية والمذهبية فضلاً عن ظهور ساحة جديدة لنشاط تنظيم القاعدة.
إن الاستقرار الإقليمي، بنظر أنقرة، يمر بعدم إسقاط النظام السوري، لأن البديل سيكون الفوضى وعدم الاستقرار. لذلك يمكن أن تقدم تركيا معلومات أمنية إلى واشنطن، لكنها لا يمكن أن تكون شريكاً لأميركا أو إسرائيل في عدوان على سوريا وإيران. ورغم الضغوط الأميركية الشديدة، لا يتوقع أن تتراجع أنقرة عن عناصر سياستها هذه تجاه سوريا وإيران. وواشنطن تدرك، ضمناً، أن تركيا غير قادرة على تحمّل مثل هذه المغامرة.
فقط في المسألة القبرصية يمكن أن تواجه أنقرة، وحكومة أردوغان تحديداً، بعض المتاعب. فالإتحاد الأوروبي سيضغط في اتجاه وضع البروتوكول الجمركي مع قبرص اليونانية موضع التنفيذ، فيما سيرى المشتددون من القوميين الأتراك أن ذلك خطّ أحمر وسيحمّلون أردوغان، إذا فعل، مسؤولية “التفريط” بـ”قضية قومية” مثل قبرص.
تبدو تركيا اليوم مرتاحة إلى وضعها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، كما يشعر حزب العدالة والتنمية بالغبطة من إنجازاته وبالثقة في تجاوز وتذليل التحديات المحتملة التي لا زالت تواجهه في قضايا الحريات والديمقراطية والأقليات.
د. محمد نور الدين – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.