تعددت القراءات والخطاب واحد!
اعتبرت معظم الصحف الإسرائيلية أن بوش تبنى رؤية شارون في خطابه لكن عددا منها أعرب عن تشاؤمه فيما انتقدت الصحف الأمريكية نظرة الرئيس الأمريكي "آحادية الجانب"..
لم يسمح الوقت المتأخر (بتوقيت منطقة الشرق الأوسط) الذي ألقى فيه الرئيس الأمريكي خطابه لأغلب الصحف الإسرائيلية بالتعمق في التعليق عليه لكن الترحيب بما جاء فيه كان ملفتا.
فقد اعتبر آلوف بان في تحليل نشرته صحيفة هاريتز تحت عنوان “انتصار شارون” أن بوش تبنى الموقف الإسرائيلي باعتماد “الدعوة إلى استبدال القيادة الفلسطينية، مبدأ أولا في سياسته الإقليمية”. وهو ما يعني في نظره أن الرئيس الأمريكي الذي لم يذكر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بالإسم في خطابه قد “قبل بشكل كامل بالتفسير الإسرائيلي للنزاع”.
ويمضي المعلق السياسي ناحوم بارنايا في نفس الإتجاه في صحيفة يديعوت أحرونوت أوسع الصحف الإسرائيلية انتشارا حيث يقول: “إن الفم كان فم الرئيس بوش لكن اليد التي حررت الخطاب كانت يد شارون” لكنه يستخلص أيضا أن تصريحات الرئيس الأمريكي جاءت لتضع نقطة النهاية في ما عرف بمسار أوسلو أو العملية السلمية ذلك “أنه إذا كانت السنتان الماضيتان قد قتلتا اتفاقيات أوسلو فان خطاب الرئيس بوش قد دفنها في سجلات التاريخ” على حد تعبير بارنايا.
في المقابل قال داني روبنشتاين في نفس الصحيفة أن القيادة الفلسطينية لا يمكن أن تقبل بالشرط الذي وضعه الرئيس جورج بوش أي بإقالة عرفات من أجل إنجاز”رؤية لدولة فلسطينية”. واعتبر أن ما جاء في تصريحات وزير الحكم المحلي صائب عريقات من أن “ياسر عرفات انتخب في انتخابات ديموقراطية وعلى الرئيس بوش وغيره أن يحترموا هذا” سيكون على الأغلب الخط الرسمي الذي سيعتمده الفلسطينيون.
وأشار روبنشتاين إلى ردود الفعل الساخرة التي استقبل بها الصحافيون الفلسطينيون تصريحات بوش حين تساءل بعضهم عما إذا كان الرئيس الأمريكي “قد خطط أيضا لاستصدار توجيه حول نتائج الإنتخابات” في إشارة إلى أن قوة الدفع الأساسية لخطة بوش حول إنشاء قيادة فلسطينية جديدة “لا وجود لتطبيق عملي لها” حسب اعتقاد المحلل الإسرائيلي.
ولا يخفي عدد من المعلقين الإسرائيليين أن الأمور ليست بهذه السهولة فقد وصف هامي شاليف المعلق السياسي في صحيفة معاريف الخطاب بأنه ” غير متوازن بالمرة” وحذر من أنه لن يؤدي إلا إلى “مزيد من تعقيد الوضع”. وعلى الرغم من إقراره بأن ما جاء في خطاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قد يمثل “خطوة هائلة بالنسبة لأرئيل شارون” إلا أنه سيكون – حسبما يبدو- “خطوة صغيرة جدا لتوفير حظوظ لإقرار السلام” مثلما جاء في مقال شاليف.
أما باري روبين فقد رأى في صحيفة الجيروزاليم بوست أن المقترح الأمريكي المتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية يتضمن بعض “المخاطر لإسرائيل” لكنه استبعد أن يقبل الفلسطينيون بالعرض الأمريكي مثلما جاء على لسان الرئيس بوش لعدة أسباب.
أولا لأن الخطة تمثل تحديا لسلطة عرفات وللنخبة الحالية الذين سيرفضونها باعتبارها تدخلا غير مقبول في شؤونهم الداخلية. ثانيا لأنه سينظر إليها كتراجع عما تم التوصل إليه في كامب دافيد وعن مقترحات كلنتون التي تضمنت عرضا بإقامة دولة كجزء من خطة سلام بل إن فكرة تأجيل بعض القضايا (كالقدس واللاجئين والحدود) في سبيل تسريع الإعلان عن الدولة قد رفضت من طرف القيادة الفلسطينية في كامب دافيد.
ثالثا إن الخطة تستبطن أن الفلسطينيين يرغبون في الحصول على دولة مهما كان الثمن بحيث أنهم سيضعون حدا للعنف من أجل الحصول عليها وهذا لو كان صحيحا لتم التوصل إلى اتفاق منذ فترة. وأخيرا فان هذه الخطة ليست من ذلك القبيل الذي يمكن لعرفات أن يحصل على التنازلات المعروضة فيها ويتجاهل الثمن الذي يتوجب عليه دفعه مقابلها.
ويختتم باري روبين تحليله بالتساؤل: هل يعني كل هذا أن بوش كان على خطإ؟ لا، أبدا. يجيب الصحفي الإسرائيلي الذي يرى أن الرئيس الأمريكي كان محتاجا لتقديم خطة “تغير الخطوط العريضة للمرجعيات” وتظهر أنه يشتغل حول الموضوع. ويختتم بالقول: لقد وضع الآن الكرة في ملعب الفلسطينيين في صيغة يفترض أن يكونوا قادرين على القبول بها لكنهم لن يفعلوا!
الصحافة الأمريكية ليست متفائلة
على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، وجهت العديد من كبريات الصحف الأمريكية انتقادات لما جاء في خطاب جورج بوش واعتبرت أن المقاربة التي تضمنها جاءت “آحادية الجانب” مثلما ورد في افتتاحية الواشنطن بوست.
وفيما أبدت الصحيفة تفهما لصحة موقف الرئيس الأمريكي القاضي بعدم تقديم جوائز للإرهاب (على اعتبار أن الرئيس الفلسطيني أظهر تقبلا لاستعمال الإرهاب من أجل تحقيق أهداف سياسية حسب قول الصحيفة)، ذكرت في المقابل بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا زال يرى أن الحل المتمثل في إقامة دولتين بعيد جدا، كما أن حكومته لم تظهر أي توجه لتغيير سياستها الإستيطانية.
وخلصت إلى أن بوش يظل “غير راغب في التطرق إلى هذا الجانب من المعادلة بأي قوة” كما أنه لم يقدم أية تفاصيل عما سيقوم به من أجل دفع عملية السلام إلى الأمام بل لم يتطرق إلى المؤتمر الدولي للسلام الذي أعلن عنه وزير الخارجية كولن باول، وهي نقائص ترى الصحيفة أنها تهدد في النهاية بتحويل خطاب الأمس إلى “مجرد إلقاء لأهداف جيدة” لكن أعمال العنف فسوف “تستمر وتتصاعد” حسب قول الواشنطن بوست.
أما صحيفة نيويورك تايمز فقد وصفت الخطاب بأنه “خطة بدون خارطة” وقالت في افتتاحيتها: “إن الإسرائيليين والفلسطينيين محتاجون لخريطة سير يُـتبع فيه التنازل الذي يقدمه طرف بتنازل من جانب الطرف الآخر” لكن خطاب الأمس أظهر أن الرئيس بوش ” لا يبدو أنه ينتظر شيئا من جانب الإسرائيليين على الفور كما بدا مستبعدا لتحسن في حياة الفلسطينيين ما لم يتم طرد ياسر عرفات” حسب ما جاء في افتتاحية الصحيفة.
وفيما اعتبرت صحيفة وول ستريت جورنال أن تصريحات الرئيس بوش تمثل “قفزة كبيرة إلى الأمام للديبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط” دعت واشنطن – إذا كانت ترغب في أن يتحول خطاب الرئيس بوش إلى واقع – إلى التشديد على ضرورة إجراء انتخابات حقيقية. لكن الصحيفة تعترف بأن هذا يعني “الدخول في مواجهة مع السعوديين والأوروبيين ومع وزارة الخارجية الأمريكية بوجه خاص التي تعتبر أن حلفاءها الرئيسيين في المنطقة هي الديكتاتوريات العربية والمملكة العربية السعودية بوجه خاص” على حد قول صحيفة المال والأعمال الصادرة في نيويورك.
ولعل صحيفة يو أس آي توداي الشعبية قد نجحت في تلخيص أغلب المواقف عندما اعتبرت أن المشكل الرئيسي في خطة بوش يتمثل في “فشلها في منح الفلسطينيين وصفة واقعية” وتساءلت عن احتمالات إدخال تغييرات عليها في المستقبل معتبرة أن “العلاج بالصدمة الذي اعتمده الرئيس بوش في خطابه قد يتحول شيئا فشيئا إلى خطوات براغماتية باتجاه إقامة الدولة التي يحلم بها الفلسطينيون وبوش!
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.