رغم الصعوبات.. المخترعون العرب يُـصـرّون على المشاركة في جنيف
شهدت الدورة 37 للمعرض الدولي للاختراعات في جنيف حضورا عربيا مكثفا من دول معتادة على المشاركة مثل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات، ولكن أيضا من بلدان أخرى كالجزائر والمغرب وليبيا رغم تحمل المخترعين القادمين منها أعباء مواجهة كل العراقيل لوحدهم.
رغم استفحال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية يرى الساهرون على المعرض الدولي للاختراعات في دورته 37 المستمرة من الفاتح حتى الخامس من أبريل 2009، أن “ميدان الاختراعات لا يعاني من تاثيرات هذه الأزمة”، ويستشهدون على ذلك بمشاركة 710 مخترع بحوالي 1000 اختراع من 45 بلدا من بلدان العالم.
ويعود السبب في عدم تاثر ميدان الاختراعات بتأثيرات الأزمة المالية والاقتصادية، كما يقول المسؤولون على المعرض إلى أن “هذه الفترات العصيبة وهذه الأزمات الحادة هي التي كانت دوما ملائمة لعملية الاختراع والإبتكار والدافع القوي لتطوير العلوم والتكنولوجيا”.
وإذا كانت مشاركة المؤسسات قد تراجعت بسبب تأثيرات الأزمة فإن نسبتها بقيت في حدود 74% . بينما يلاحظ ارتفاع في نسبة مشاركة الخواص لكي تصل الى حدود 26%. ولكن مشاركة هؤلاء الخواص من بلدان نامية تقترن بالعديد من الصعوبات والمشاكل عندما يتعلق الأمر بمخترعين يفتقرون إلى التأطير أو المساعدة المؤسساتية.
باستثناء السعودية والكويت
الملاحظ أن المملكة العربية السعودية والكويت هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان تشاركان بانتظام بأجنحة لمؤسسات وطنية لدعم الاختراعات تجمع تحت سقفها نخبة من مخترعي البلد. وهي بذلك تقدم وجها مشرفا عن وجه يجهل الجمهور الكثير عنه وهو عالم الاختراعات.
فقد كان للمملكة العربية السعودية حضور متميز هذه السنة أيضا في جناح مؤسسة الملك عبد العزيز اشتمل على أعمال عشرة مخترعين ومخترعات. كما كان للكويت حضور من خلال جناح مؤسسة الكويت لدعم العلوم. وبما أننا ركزنا في السنوات الماضية على هذا حضور هاتين المؤسستين، سنخصص تغطية هذا العام للمشاركين الخواص، لإلقاء بعض الضوء على جهود هؤلاء وعلى مشاكلهم وعلى طموحاتهم من وراء مشاركة مكلفة في هذا المعرض.
من الجزائر: محرك سيارة مقتصد
المخترع الجزائري عمر بن سيدهوم، شارك باختراع نظام محرك لا يستخدم الأدرع الميكانيكية الناقلة للحركة التي ظلت تقوم عليها المحركات منذ بداية محركات الآليات البخارية حتى اليوم. والسبب في تجنب ذلك كما يقول ” أن هذه المحركات التقليدية تتطلب الكثير من الصيانة وتغيير القطع التي تتعرض للكسر، كما أنها تحتل مكانة كبرى في السيارة ولها ثقل كبير يؤثر على سرعة واستهلاك السيارة”.
لذلك يعتبر أن ” اختراعه المتمثل في نظام محرك قائم على أساس أسطوانتين أفقيتين او أربعة متراصفة الواحدة فوق الأخرى او ثمانية سيسمح بإدخال ثورة في عالم الميكانيكا خصوصا وان وزنه لا يتعدى العشرين كيلوغراما مقابل 100 كيلوغراما لدى المحركات التقليدية”.
وما يراه أكثر أهمية في نظام المحرك الجديد هو أنه بدل استخدام ما بين 2500 الى 3000 قطعة ضرورية لتركيب محرك من نفس القوة بالمفهوم التقليدي، لا يتطلب الأمر سوى 300 قطعة في هذا المحرك”.
ولم يكتف السيد عمر بن سيدهوم بتصميم نموذج تجريبي بل قام بتصنيع المحرك بما أتيح لديه من إمكانيات في مصنع لصهر الحديد في وهران بالجزائر. ويرى أن التجربة “كانت مرضية رغم الوسائل البداية لعملية التصنيع”.
وعن ردود الفعل التي أثارها هذا الاختراع يقول السيد بن سيدهوم” أن الأوساط الجامعية التي مرت بالجناح أعربت عن التشجيع لهذا الاختراع “. وله أمل في الخروج من معرض جنيف باتصالات عملية مع شركات لصناعة السيارات، إذ يرى ” أنه لو وجد اختراع من هذا النوع من قبل، لكان اليوم، المحرك المتواجد في كل السيارات”.
من المغرب: عصا للمكفوفين تجنبهم البرك المائية
المخترع المغربي زغار أحمد شارك باختراع يطلق عليه إسم ” العصا المكتشفة للسوائل ” وهي العصا التي تجنب المكفوف او ضعيف البصر مشكلة المشي في أماكن بها برك مائية تفوق عمقها سمك أرضية الحداء.
وكما يشرح السيد أحمد ” الجهاز الحساس الموضوع في الطرف السفلي للعصا يسمح باكتشاف المناطق المبلولة بالماء بل يسمح حتى بقياس عمقها”. وفي التجربة العملية التي قام بها أمامنا تسمح هذه العصا بالضغط على زر في قسمها العلوي بقياس عمق البركة وإصدار إشعار صوتي في حال كون عمق البركة يفوق سمك أرضية الحذاء، أو عدم إصدار إنذار إذا كان العمق اقل. وهذا ما يسمح للمكفوف بالبحث عن ممر يمكنه المرور منه بدون أن تبتل أرجله.
وهذا الاكتشاف كما يقول نابع من ملاحظاته عند مرافقته لزميل له الى مكان العمل فقد بصره بعد أن بلغ 32 من العمر. ونظرا لكون هذا الصديق يحتاط كل مرة يكون فيها لوحده لتجنب المشي في تلك البرك، وما أكثرها في بلداننا، أطلق احمد زغار على اختراعه هذا ” الحارس ” لكون تلك العصا تتولى حراسة زميله من المشي فوق البرك المائية.
ويرى السيد زغار أحمد أن ردود فعل الجمهور في المعرض وبالدرجة الأولى ردود فعل بعض المنظمات والجمعيات المعنية بالمكفوفين في سويسرا أبدت اهتماما بالاختراع. كما أن مشرفا كوتيا على معرض للمخترعين طلب منه المشاركة في معرض بالكويت. وهو بذلك يرى أن المشاركة في المعرض مثمرة وأنه في بداية التجربة للترويج لاختراعات أخرى.
من الجزائر: جهاز لمنع المكالمات غير المرخص بها
الجزائري نجاري عبد القادر، المقيم في فرنسا وانطلاقا من تجربته الشخصية استطاع تطوير جهاز يمنع إجراء اتصالات هاتفية غير مرخص بها من جهاز هاتفي ثابت. التجربة التى مر بها هي أن موظفات في ورشته كن يبالغن في استخدام الهاتف المهني من أجل إجراء مكالمات خاصة على حساب الشركة. وبعد استفسار عن إمكانية الحد من ذلك بما هو متوفر لدى شركات الهاتف في مدينة ليون الفرنسية لم يحصل على ما يشفي غليله نظرا لكون ما هو متوفر إما يمنع كل المكالمات الدولية او كل المكالمات خارج الولاية او المقاطعة ولا يترك مجالا للاختيار.
وهذا ما دفعه لابتكار جهاز” إيكوفون” الذي يسمح بإدخال الأرقام المسموح بها عبر شفرة خاصة، وأي رقم خارج ما هو مسموح به لا يمكن الاتصال به إما في حالة اتصال او في حالة استقبال.
وهذا الجهاز يراه السيد نجاري عبد القادر ممكن الاستعمال سواء في البيت للسماح لمربية بالاتصال فقط بربة البيت او بالطبيب وعدم أجراء مكالمات في اتجاهات أخرى. وبالنسبة لشركة ترغب في السماح لموظفيها بالاتصال فقط بأرقام معينة أو في حيز جغرافي معين.
ورغم أن المشروع لم يمر عليه سوى ثلاث سنوات إلا أن السيد نجاري دخل في مرحلة التجربة الواسعة لمصداقية المشروع بحيث قام بتصنيع 100 وحدة لتجربتها في شتى المجالات. وعن تكلفة هذا الجهاز يرى انه من السابق لأوانه تحديد السهر نظرا لأن التصنيع كان بطريقة تجريبية وأن القطع تم شراؤها بالتقسيط . لكن السهر عند الدخول في مرحلة التصنيع لا يعتقد انه يتجاوز 100 يورو.
من الشارقة: حبر يسمح بالقراءة في أماكن مظلمة
مشارك سابق هو الدكتور عواد الخلف من جامعة الشارقة ساهم هذه المرة باختراع حبر يسمح بالرؤية والقراءة حتى بدون وجود مصادر كهرباء او نور.
ويقول الدكتور الخلف “إن هذا الحبر يقوم بعملية الإنارة الذاتية على خلاف ما هو موجود من أحبار اليوم في الأسواق مثل الفوسفور تعكس الإضاءة ، أو تلك التي تخزن الضوء لمدة ساعة مثلا ، أو مثل ما هو موجود في علامات المرور والتي تعكس ضوء السيارات”.
المبدأ الذي يقوم عليه هذا الاختراع “هو وجود مجال كهربائي وليس تيار كهربائي، كأن يتم إحداث مجال كهربائي عبر غلافي الكتاب أو في مخارج المسارح والجامعات وحتى في علامات المرور”.
وفائدة استعماله يراها الدكتور عواد خلف في “الدول الفقيرة التي تفتقر للكهرباء بحيث يمكن قراءة كتاب حتى في مكان مظلم، وهذا ما ينطبق حتى لمن يقرأ في قطار او غيره، أو بالنسبة لسيارة تعطلت فيها الإنارة لكن يمكن لصاحبها أن يواصل رؤية لوحات المرور رغم عدم وجود مصدر نور”.
هذا الحبر الذي يصلح أيضا لقراءة المصحف القرآني في أي وقت يسمح برؤية الحروف بلون أزرق في النهار بينما تصبح مضيئة عند سقوط الظلام.
وهذا الاختراع ، كما يقول الدكتور عواد الخلف، “هو ثمرة تعاون بين جامعة الشارقة والأمبريل كوليدج في بريطانيا، وثمرة تعاون مع مخترعين آخرين هما السيدة مريم الجلاف من الإمارات، والباحث أنس يوسف من الأمبريل كوليدج”.
من السعودية: جهاز لتفادي وقوع حوادث في المسابح
محمد مساعد المطرفي من مكة المكرمة ، شارك باختراع في معرض الاختراعات الدولي في جنيف، وخارج نطاق جناح مؤسسة الملك عبد العزيز، بنظام لتأمين السلامة في المسابح وذلك عبر أجهزة رصد على جوانب المسبح ترسل إنذارا في حال اجتياز شخص أو حيوان لحافة المسبح ، وتشغل أرضية المسبح التي ترتفع الى أعلى مما يسمح بتجنيب الشخص الغرق.
نظام سلامة المسابح ” نجاة” المزود “بكود سري” لا يسمح إلا لمن يُدخل الرقم الصحيح باستخدام المسبح بشكل عادي وذلك بفتح الغطاء المطاطي للمسبح.
وحتى في حالات غرق شخص بوجود أشخاص خارج المسبح او داخله لا يستطيعون مساعدته فهناك أزرارا يمكن الضغط عليها لتشغيل أرضية المسبح لترتفع إلى أعلى من أجل إنقاذ الغريق.
ويقول السيد محمد مساعد المطرفي ” أن البساط الرضي يمكن استخدام أجزاء منه لتسخين ماء المسبح كما يسمح بمسامه في المحافظة على صمامات المسبح بتفادي تراكم أوراق الأشجار وما إلى ذلك داخل الحوض”.
اختراع الأخ محمد المطرفي نابع كما يقول “من التعاطف مع الحالات التي قرأت عنها في الجرائد، والتي ذهب ضحيتها العديد من الأطفال في مسابح الرياض وغيرها “.
وإذا كان تسجيل الاختراع في مراحله الأولية بجامعة الملك عبر العزيز، فإن السيد محمد مساعد المطرفي يعقد آمالا كبرى على العثور على من يتبنى المشروع صناعيا، بعد الاقبال الذي حصل عليه من الجمهور في معرض جنيف.
جهاز يقطع الكهرباء والماء والغاز عند حدوث الزلازل
التقني الجزائري محمد علال ساهم في معرض جنيف الدولي للاختراعات باختراع عملي في الزلازل بحيث “يسمح هذا الجهاز حتى في حالة هزة أرضية بقوة 2 درجات على سلم ريختر، أوتوماتكيا بإغلاق حنفيات الماء وصنبور الغاز وزر الكهرباء”. وفي حال وجود تسرب للغاز في المنزل يمكنه إصدار إنذار صوتي بأربع لغات هي القبائلية، والعربية، والفرنسية، والانجليزية. كما يمكنه إشعار أربعة أشخاص بالحادث عبر شبكة الهاتف النقال او الثابت، وهو بذلك بمثابة الحارس ضد هذه الأضرار حتى في غياب صاحب المنزل.
ويقول السيد علال محمد ” ان المشروع في مرحلة التحسين “. ولكن ذلك لم يمنعه من الشروع في مرحلة الإنتاج حسب الإمكانيات المتوفرة بحيث ركب وحدات من هذا الجهاز في بيوت خواص. لكن المشكلة التي تعترض هذا المشروع هي كون الحنفيات والأزرار القابلة للتحكم إلكترونيا مازالت باهظة التكاليف في الأسواق.
والسبب في اهتداء السيد علال محمد الى هذا الاختراع كونه مسعفا شارك في إنقاذ ضحايا زلزال بومرداس بالجزائر. وقد شاهد كيف أن العديد من الضحايا كانوا يموتون بسبب تسرب الماء او الكهرباء او بسبب انفجار الغاز عقب الهزة الأرضية.
من البحرين: حل ذكي لزحمة المرور
نعود للدكتور عواد الخلف ليحدثنا عن اختراع آخر يتمثل في برنامج حاسوب معقد لقياس سرعة وكثافة تواجد هواتف نقالة على قطعة من الطرقات والتعرف على كثافة المرور . وهو الاختراع الذي طوره مع المركز البحريني غولف نوفيليتي سنتر.
إذ يقول الدكتور الخلف ” إذا كانت الأنظمة المستخدمة اليوم في اكتشاف زحمة المرور تعتمد على GPS وعلى أجهزة الاستشعار الموجودة في الطرقات مثلما هو في ألمانيا، او كاميرات التصوير التي تنقل ذلك الى حاسوب يقوم بدوره بنقلها الى شاشات معينة وبطريقة مكلفة جدا، فإن الطريقة الجديدة تقوم على مبدا أن جل، إن لم نقل كل من يقود سيارته، يوجد معه هاتف محمول واحد على الأقل”.
وعن طريق استخدام برنامج حاسوب معقد من قبل شركة الاتصالات يمكن التعرف على سرعة تنقل وكثافة الهواتف النقالة في القطعة المعينة حتى ولو كانت تلك الهواتف مغلقة. ويقوم البرنامج برسم خارطة لطرقات المنطقة بألوان خضراء بالنسبة للطرقات ذات الكثافة القليلة وبرتقالية لذات الكثافة المتوسطة وحمراء بالنسبة لذات حركة المرور الكثيفة، مما يسمح للسائق باختيار الطريق الملائم وتجنب تبذير الوقود وتفادي تلويث المحيط. وهذا كله كما يقول الدكتور الخلف ” باستخدام تقنية بدون تكاليف”.
ويقول الدكتور عواد الخلف ” إدراكا من ” الأمبريل كوليدج ” لأهمية هذا الاختراع ولفائدته تبنوه وبحثوا عن شركة لتسويقه في العالم”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
المشكلة التي تعترض المخترع هي كيفية التغلب على العراقيل الإدارية من أجل الترويج لاختراعه وتجاوز الصعوبات المالية للمشاركة في معرض باهظ التكاليف مثل معرض جنيف، وأضيف إليها الآن معضلة جديدة تتمثل في العراقيل المتعلقة بالحصول على التأشيرة.
فعلى سبيل المثال، حالت مسألة التأشيرات دون حضور خمسة مخترعين جزائريين إلى جنيف وبقيت أماكنهم شاغرة في المعرض. ولدى الإستفسار عن حالتهم، قيل لنا من قبل زملاء لهم إنهم لم يحصلوا على التأشيرة. وهذه من المشاكل الكبرى التي تعترض المخترع عندما يفتقر لإطار مؤسساتي يشرف على رحلته وإقامته وتأطيره أثناء مشاركته في مثل هذه المعارض.
في المقابل، اتضح أن هناك من يجهل وجود مؤسسات وطنية تعمل على مساعدة المخترع في شتى الميادين. إذ يقول السيد أحمد زغار من المغرب “بالتأكيد إنها موجودة ولكن قلة الترويج الإعلامي لنشاط هذه المؤسسات يجعلنا نجهل حتى وجودها من عدم وجودها في مدينتنا رغم أنني من العاصمة الرباط”.
جاره الجزائري محمد علال مخترع جهاز إغلاق صنابير الماء والغاز وأزرار الكهرباء في حالة الزلازل، ورغم ما هو معروف عن تكرار الهزات الأرضية في هذا البلد وأن الاختراع وليد مشاهداته في الزلزال الذي هزّ منطقة بومرداس، إلا انه يرى أن الاستقبال الذي خص به اختراعه في الجزائر غير مرضي. ويذهب الى حد القول “لو كان نفس الاختراع من صنع أجنبي لتم استقباله بحفاوة كبيرة، ولكن ما دام صاحبه جزائريا…”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.