تطبيق التتبع: صديق لصحتك أم تجسيم مُخيف لـ “الشقيق الأكبر” ؟
في مرحلة ما بعد الحجر الصحي، ستتم عملية تتبع فيروس كورونا المستجد بأدوات رقمية. في الخامس من مايو الجاري، قرر البرلمان الفدرالي أن التطبيق السويسري لرصد الإصابات يجب أن يستند إلى أساس قانوني. وفيما يرى البعض في الخطوة مؤشرا على العودة مجددا إلى حياة عادية، يحذر آخرون من تدابير قد تكون منتهكة للحريات وتحيط الشكوك بمدى نجاعتها.
تبدأ أوروبا في الخروج تدريجياً من غيبوبة اصطناعية كانت قد دخلت فيها من أجل احتواء جائحة كوفيد – 19. ولمرافقة مسار الخروج من وضع الإغلاق وتجنبا لحدوث موجة ثانية من الإصابات، يتم تطوير تطبيقات لتتبع الفيروس من خلال الهواتف الذكية للمواطنين في جميع البلدان. مع ذلك، فإنها تثير العديد من الأسئلة في صفوف السكان وحتى داخل الأوساط العلمية.
يوم الخميس 7 مايو 2020، كشف استطلاع للرأي أجراه معهد سوتومو للأبحاث بتكليف من هيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (التي تُعتبر swissinfo.ch وحدة تابعة لها)، أن ستين بالمائة من السويسريين مستعدون للموافقة على تثبيت تطبيق تتبع (أو تعقّب) فيروس كورونا المستجد على هواتفهم الذكية. وكانت نسبة الأشخاص المستعدين لاستخدام هذا التطبيق أعلى قليلاً في المناطق المتحدثة بالفرنسية (61٪) والمناطق المتحدثة الإيطالية من البلاد (72٪)، التي كانت أكثر تأثرًا بجائحة كوفيد – 19، مقارنة بالأنحاء المتحدثة بالألمانية (59٪). وأشار القائمون على إجراء الاستطلاع إلى أنه من غير المؤكد أن يقوم الأشخاص الذين يقولون إنهم يدعمون استخدام التطبيق بتنزيله على هواتفهم الذكية بالفعل. وقالوا: “إن النوايا الحسنة للسكان يجب أن تُدعم بحملة إعلامية ملائمة”.
خلال الأسبوع المقبل، سيتم إطلاق تطبيق DP-3T السويسري، الذي طوره المعهد التقني الفدرالي العالي في كل من لوزان وزيورخ في مرحلة تجريبية. إذا ما قرّرتَ تحميله طوعيا على هاتفك الذكي، فسيعتمد على تقنية “بلوتوث” لقياس المسافة الفاصلة بينك وبين المستخدمين الآخرين. كما لن يتم تحديد الموقع الجغرافي لتواجدكَ وستكون العملية برمتها بهوية مجهولة. بكل بساطة، سوف تتلقّى إخطارًا إذا اتضح أنك كنتَ على اتصال وثيق (أي على مسافة أقل من مترين لمدة 15 دقيقة على الأقل) مع شخص تم اختباره إيجابيًا بمرض كوفيد – 19، خلال الفترة المُعدية. كما يعمل النظام بطريقة لامركزية، أي أن البيانات التي يتم تجميعها لا يجري تخزينها على خادم واحد.
لا مجال لاعتماد تطبيق بدون أساس قانوني
في البرلمان، أعرب البعض من النواب عن شكوك بشأن حماية خصوصية مستخدمي التطبيق. ففي يوم الثلاثاء 5 مايو الجاري، وفي إطار الدورة غير العادية المُخصصة للجائحة وتداعياتها، وافق البرلمانيون على التماس يُطالب بإنشاء أساس قانوني لمرافقة إطلاقه والحد من المخاطر. وحاجج داميان كوتييه، النائب الليبرالي الراديكالي (يمين) قائلا: “يجب أن نتجنب، على سبيل المثال، أن تشترط متاجر أو مؤسسات استخدام التطبيق من طرف عملائها أو زوارها”.
لكي يكون التطبيق فعالًا، يجب أن يتم استخدامه يوميًا من قبل عدد كبير من الأشخاص. وفي هذا الصدد، غالبًا ما تتم الإشارة إلى معدل اختراق بنسبة 60 ٪، المماثل لمعدل “واتساب”، التطبيق الأكثر شيوعًا في سويسرا. وأضاف داميان كوتييه: “”لذا فمن الأهمية بمكان إيجاد قاعدة صلبة يُمكن أن تبني عليها ثقة السكان”. مع ذلك، يعتبر بعض علماء الأوبئة أن معدل استخدام للتطبيق يتراوح بين 20 و30٪ سيساعد بالفعل في كبح جماح الوباء.
“يجب أن نتجنب أن تشترط متاجر أو مؤسسات استخدام التطبيق من طرف عملائها أو زوارها”
النائب داميان كوتييه
إيمانا منها بضرورة المضي في المسألة “بأسرع ما يمكن”، اعتبرت الحكومة أنه من الممكن إنجاز المشروع دون توفر أساس قانوني محدد. وفي معرض تعليل موقفها، أشارت الحكومة الفدرالية إلى أن “الطبيب المُعالِج والمركز الكانتوني الذي يتتبع الاتصالات هما الوحيدان اللذان يعرفان هوية الشخص المُصاب. بالإضافة إلى ذلك، فهما الوحيدان اللذان بإمكانهما تمكين شخص مُصاب من الإبلاغ عن الإصابة إلى النظام بطريقة مجهولة (أي دون الكشف عن الهوية)، من خلال القيام بإرسال (رمز ترخيص أو تفويض) إليه”.
“من الأفضل التخلي عنه”
مع ذلك، فإن حجج الحكومة ليست كافية لإقناع بعض المتخصصين في هذا المجال. من بين المشككين، نجد سولانج غرناوتي، الأستاذة في جامعة لوزان والخبيرة الدولية في مجال الأمن السيبراني التي أعربت عن ترحيبها بقرار البرلمان إنشاء أساس قانوني من أجل “وضع حماية ضد إساءة استخدام التطبيق” على حد قولها. وهي تأمل في أن “بلورة قانون سيسمح بفتح نقاش مواطني حول الدور الذي تلعبه التكنولوجيا الرقمية لإيجاد حلول لمشاكل ملموسة”.
“لم تتوصل أي دولة للعثور على التطبيق السحري أو إلى إثبات فعاليته. في ظل هذه الظروف، سيكون من الأفضل التخلي عن استخدامه”
سولانج غرناوتي
رغم كل شيء، تحذر سولانج غرناوتي من أن إيجاد أساس قانوني (للتطبيق) ليس بالضرورة حلا سحريا، وتضيف “ليس هناك ما يضمن لنا عدم تعرض النظام للاختراق. إضافة إلى ذلك، سيكون هناك إغراء لمحاولة القيام به، لأننا نعلم أن البيانات المتعلقة بالصحة ثمينة جدا”. ومع أن كسر الحواجز الموضوعة والكشف عن الهويات يتطلب توفر مهارات معينة، لكنها واثقة من أن أولئك الذين سيسعون للقيام بذلك سينجحون في تحقيق هدفهم من خلال إجراء تقاطع بين المعلومات. وتشير الأخصّائية إلى أن علامة “صنع في سويسرا” ليست ضمانة لتوفر الأمن أيضًا، مُذكرة بأن النظام السويسري تم تطويره من قبل تجمّع دولي. وتقول: “لم تتوصل أي دولة للعثور على التطبيق السحري أو إلى إثبات فعاليته. في ظل هذه الظروف، سيكون من الأفضل التخلي عن استخدامه”.
بعيدا عن الإشكالات الأمنية، لا تُخفي الخبيرة قلقها من السرعة التي يتم بها تهيئة المنظومة للبدء في العمل وتقول متأسفة: “لن يكون لديه الوقت الكافي للاختبار والتحقق منه بشكل صحيح، ولكن سيتم منحه ثقة هائلة. يبدو أن الوقت المُخصّص للتفكير من أجل ترتيب شيء جيّد غير متوفر”. إذ يتمثل الخطر في الموافقة في أوقات الأزمات على اعتماد أنظمة للمراقبة قد لا يتم إلغاء تثبيتها بعد ذلك وإنشاء عالم شمولي (أي يخضع فيه كل شيء تقريبا للرقابة والمتابعة) أكثر من أي وقت مضى. وتخلص سولانج غرناوتي إلى أن “المساهمة في مساعدة علماء الأوبئة في السيطرة على الأوبئة؟ بطبيعة الحال، ولكن ليس بأي ثمن”.
هذه الإنتقادات الصادرة عن الخبيرة في مجال الأمن السيبراني يشاطرها فيها علماء آخرون، بل إن بعض الأصوات المنتقدة ارتفعت داخل المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان للتنديد بالمخاطر المترتبة عن تطبيقات التتبع، كما يظهر ذلك تحليل المخاطر هذا.
إخفاء الهوية مضمون
منذ عدة أسابيع، يعمل باحثو المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان المشاركون في المشروع خمس عشرة ساعة في اليوم لاستكمال تطوير التطبيق. ويوضح إيمانويل بارّو، المتحدث باسم المؤسسة: “من الناحية الفنية، نحن نوشك على بلوغ الهدف. نحن جاهزون لإطلاق التطبيق عندما تقرر السلطات ذلك”.
ومع تفهمه للمخاوف المتعلقة بأمن النظام، يحرص بارّو على الطمأنة ويقول: “لقد تم تصميم التطبيق لضمان عدم الكشف عن الهوية”. ويبدو أن السر يكمن في طريقة تشغيله اللامركزية، حيث “تتم كل الأمور على مستوى هواتف المستخدمين وليس على خادم مركزي، وهو الذي قد يكون هدفًا لمحاولة قرصنة”، على حد قوله.
ويشدد المتحدث على أنه حتى في صورة تمكن شخص سيء النية من التسسل إلى داخل النظام، فلن يتحصل منه إلا على معلومات مشفرة. وأوضح إيمانويل بارّو أنه “سيتحصل على قائمة من الرموز التي لا تتعلق بأي شخص محدد. وهي المعلومات الوحيدة التي يتم تداولها بين هاتفين”.
في الواقع، قد يتطلب الأمر تكييف الآمال العريضة المعلقة على التكنولوجيا. ففي مقابلة أجرتها مع مجلة “L’illustré” الأسبوعية، أقرّت كارميلا ترونكوزو، المسؤولة عن العنصر المعلوماتي في المشروع بأنها كبيرة جدًا، وأسرّت الباحثة للمجلة الأسبوعية بأن “تقنية بلوتوث المستخدمة ليست مثالية، وأنها ستُغفل بعض الأشخاص. كما أن مجرد تنبيهك إلى أنك كنت على اتصال بشخص مُصاب لا يعني أن هذا الشخص هو الذي نقل إليك الإصابة”. لذلك، فهي لا تعتبر أن التطبيق هو الحل، ولكنها ترى أنه “مُكمّل للتتبع اليدوي”.
استخدمت معظم الدول الآسيوية تقنيات لتتبع المُصابين بمرض كوفيد – 19 تعتمد على تحديد الموقع الجغرافي للهواتف الذكية. وقد تم تطوير تقنيات مختلفة، تستند بشكل عام إلى البيانات المرسلة مباشرة من قبل مُشغّلي شبكات الهواتف المحمولة. لذلك، فلا توجد للمستخدمين أي وسيلة للإفلات منها.
في المقابل، فضلت الدول الغربية أن تستلهم من التطبيق الذي طورته سنغافورة في شهر فبراير 2020، وهو أقل تدخلاً في الخصوصية كما يتم تنزيله على أساس طوعي. وبما أنه لا يستخدم تحديد الموقع الجغرافي، ويقتصر على شبكة “بلوتوث” الخاصة بالمسافات القصيرة، فإنه لا يسمح بمعرفة مكان تواجد المستخدمين.
مع ذلك، تتمركز في سنغافورة المعلومات المتعلقة بالاتصالات في قاعدة بيانات تُدار من طرف الحكومة، وهو حل لا يُناسب السياق الأوروبي. لذلك، اتجهت العديد من الدول الغربية إلى إجراء تكييف لهذا النظام.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.