“جرأة ديمقراطية غير مسبوقة”
خف الفلسطينيون إلى صناديق الاقتراع فرادى وفصائل، وراحوا يدلون بأصوات غاضبة، وأخرى راضية على فسحة الديمقراطية في وضح الاحتلال.
فكانت النتائج على مقاس دولي إقليمي بهي، وآخر محلي تعددت ألوانه.
لما كانت حالة الديمقراطية الفلسطينية مفتوحة على أسباب شتّـى، ومكتوبة بأحرف من قهر وآمال معلّـقة، بدت الإطلالة على نتائج انتخاب خليفة للرئيس الراحل ياسر عرفات صالحة لمشهد معقّـد جديد.
وإذ تم اجتياز الشرط المهني لعقد الانتخابات في موعدها، دون تردد أو هلع، بل في سياق يقترب من أن يليق بتقاليد عريقة في الانتقال السلمي للملك والسلطة، ظلّـت صياغة الخاتمة رهنا باحتمالات خارج نطاق السيطرة الذاتية.
إنها مرحلة فلسطينية خالصة أو اختبار من قائمة طويلة من طقوس مفروضة عليهم، حتى يصار إلى فصل جديد من ترجمة النتائج التي تثير وتغضب، إلى واقع على الأرض الملتهبة بتداعيات السياسة والاحتلال.
وما أن راح الفلسطينيون يبدءون خطوة الخروج الأولى من إعلان النتائج، حتى راحت مطالب “إنهاء الإرهاب” و”ترجمة الأقوال إلى أفعال تغادر حناجر الإسرائيليين المتربّـصين خارج سور الديمقراطية”.
ربما كان جدول أعمال الرئيس المنتخب محمود عباس (أبو مازن) يضُـج بكتب التهاني العربية والدولية والإقليمية لعرس الديمقراطية الفلسطينية، لكن ثمة ما يؤشر على حواجز محلية وإسرائيلية في الطريق.
قد تكون الخطوة الفلسطينية، وإن لم تكن الأولى، إذ سبقتها انتخابات عام 1996، غير مسبوقة تماما، لاسيما وأن جل المسألة تأخذ شكلها في ظل غياب الأب المؤسس والزعيم التاريخي، ياسر عرفات.
ومن شأن هذه الخصوصية أن تقود إلى سبر أغوار النظام السياسي الفلسطيني في فترة يتعرّض فيه أساسه لاختبار لا مثيل له خلال العقود الأربعة الماضية.
الاختبار
ولعل حركة فتح، الفصيل الرئيسي على الساحة الفلسطينية، ومعها قدرة الفلسطينيين على الاستمرار، تشكّـل معيار الفحص الأولى لما أتت عليه نتائج الانتخابات الرئاسية، إذ دخلت فتح السباق وهي منشقّـة على نفسها بين ترشيحي محمود عباس، ومروان البرغوثي، أمين سر الحركة في الضفة الغربية، المعتقل في إسرائيل.
وإن كانت نتائج المواجهة الداخلية في الترشيح قد انتهت، بالرغم مما تركته من تأثيرات على خلاف الحرس القديم والحرس الجديد، فإن مجرّد عبور الحركة لحملة الانتخابات واجتيازه على هذا النحو، قد أفاد في منح الحركة المقبلة على تغييرات كبيرة، دفعة إلى الأمام.
ويُـمكن النظر إلى النتيجة التي حقّـقها مرشّـح الحركة (62,3%) على أكثر من وجه. فمجرد الإشارة إلى أنها فاقت بكثير صاحب الترتيب الثاني، المستقل مصطفى البرغوثي (19,8%)، يؤكّـد مدى تفوّق فتح على منافسيها.
وثمة قراءة أخرى على الوجه الآخر، تُـفيد أن نسبة الاقتراع كانت منخفضة جدّا، ممّـا يفتح الباب على طُـعون من حركة المعارضة الإسلامية حماس، أن الانتخابات لا تليق بتمثيل حقيقي لغالبية فلسطينية شرعية.
بيد أن حماس، التي شكّـكت في شرعية الانتخابات لحظة الإعلان عن نتائجها، ربّـما لا تكون الجهة المُـنصفة في إطلاق هذه الأحكام، لاسيما وأنها دعت إلى عدم المشاركة فيها.
غير أن ذلك لا يُـغيّـر من جوهر المسألة في شيء، لاسيما وأن الانتخابات قد انتهت دون أي طعن حقيقي في نزاهتها، شهادة شهود دوليين، وسيكون على حماس أن تجد أسبابا أخرى للانتقاد.
وفي قياس النتائج، تظهر مسألة ترتيب البيت الداخلي أو ما يُعرف بملف الفساد الذي يلفّ مختلف أجهزة ودوائر السلطة الفلسطينية، التي سيكون عليها مواجهة توجّـه شعبي، يبحث عن التغيير الحقيقي.
وفي هذا ما كان يلحّ عليه محمود عباس، الذي استطاع بتأكيده على مواقفه السابقة أن يحصل على تأييد شعبي أكثر بكثير من الذي استطاعت حركة فتح، المتهم الأول بالفساد، أن تمنحه إياه.
هكذا تبدو الحالة الفلسطينية غَـداة الانتهاء من إجراء انتخابات رئاسية وسط احتمالات لا تُـشير بالتأكيد إلى تغيير في مسألة النزاع المعقّـد مع إسرائيل، وإن كانت تحمل كل معاني جُـرأة ديمقراطية غير مسبوقة.
هشام عبد الله – رام الله
النسب التي حصل عليها مرشحو الرئاسة الفلسطينية وفقا لتسلسل النسب نقلا عن وكالة رويترز للأنباء:
محمود عباس (فتح): 62,3%
مصطفى البرغوثي (مستقل): 19,8%
تيسير خالد (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين): 3,5%
بسام الصالحي (حزب الشعب الفلسطيني): 2,69%
عبد الحليم الاشقر (مستقل): 2,68%
السيد بركة (مستقل): 1,27%
عبد الكريم شبير (مستقل): 0,8%
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.