جطو والإعلام: فورة في المشاريع وتردد في التشريع
كان الصيف الحالي الأكثر سخونة في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية من جهة والسلطة الرابعة (الصحافة) في المغرب.
وعادت متابعة صحافيين ومصادرة صحف ملف الصحافة المغربية في عهد حكومة إدريس جطو إلى الواجهة بعد أن فتحت الحكومة آفاقا لهامش أوسع لهذا القطاع الحيوي في المشهد المغربي، وصورة مغرب محمد السادس التي بذلت جهودا لتقديمها مشرقة مفعمة بالأمل لمغرب الحق والقانون والحريات.
منذ يوليو الماضي وعلى مداره، وحتى النصف الأول من أغسطس الجاري، كانت متابعة الصحافيين قضائيا ومحاكمتهم الأبرز في المشهد السياسي المغربي، وكانت هذه المتابعات والمحاكمات حكاية صيف 2007 المغربي، ولتغطي على حكايات أخرى كان يمكن أن تكون الأبرز، مثل المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليزاريو حول الصحراء الغربية في ضاحية مانهاست النيويوركية (جولتي يونيو وأغسطس)، أو إعفاء فؤاد عالي الهمة، أقوى رجال عهد محمد السادس، من منصبه الرسمي كوزير منتدب في الداخلية، أو الإعداد لتشريعيات 7 سبتمبر القادم التي يحرص الفاعل السياسي على التعاطي معها كآخر حلقات المرحلة الانتقالية التي تعيشها البلاد.
لكن قبيلة الصحافيين نجحت في جعل قضيتهم الأبرز وصوتهم الأعلى، وفي اعتبارها مرجعية أو مقياسا لتقدم المغرب نحو دولة الحق والقانون أو التراجع عن مكتسبات تحققت على هذا الطريق خلال السنوات الثمان الماضية.
فلقد تابعت السلطات قيدوم الصحافيين المغاربة، مصطفى العلوي، بتهمة نشر إخبار كاذبة والإساءة بعد نشر أسبوعيته “الأسبوع الصحفي” تقريرا مختلقا حول رسالة من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى صديق له يتهم فيها بالكذب والسرقة والخداع الوفد المغربي الذي قدم له المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء، وتبعه عبد الرحيم اريري مدير أسبوعية “الوطن الآن”، ومصطفى حرمة الله المحرر بالأسبوعية بتهمة إخفاء أشياء متحصل عليها من جريمة على خلفية نشر الأسبوعية تعميم من المخابرات العسكرية إلى مختلف قطاعات الجيش المغربي للتأهب واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة تهديدات جماعات أصولية متشددة بشن هجمات انتحارية ضد أهداف ومصالح مغربية وأجنبية في المغرب، لتكتمل الحلقة بمتابعة احمد رضا بن شمسي مدير أسبوعيتي “نيشان” و”تل كيل” (TelQuel) بتهمة الإساءة للمقدسات، والإخلال بالاحترام الواجب للملك، ومصادرة الأسبوعيتين على خلفية افتتاحية تحت عنوان “فين غادي بيـا خويا” (إلى أين تأخذني يا أخي)، المأخوذ من أغنية لفرقة ناس الغيوان يعلق فيها على خطاب ملكي بمناسبة عيد العرش.
وإذا كانت المتابعات محل استنكار وإدانة هيئة الصحافيين وهيئات الحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان، ووضعت السلطة التنفيذية في البلاد موضع الاتهام بالتضييق على حريات الصحافيين، فإن الأحكام التي صدرت بحق أريري (ستة أشهر موقوفة التنفيذ) وحرمة الله (ثمانية أشهر نافذة) جعلت استقلال القضاء المغربي محل تساؤل، ودفعت إلى استعادة صورة غير مشرفة له سادت في العقود الماضية أو ما يعرف مغربيا بـ”سنوات الرصاص”، حين كانت السلطات القوية في البلاد تتحكم بالقضاء وتصدر أحكامها ولا يكون على القاضي سوى النطق بالحكم.
إنجازات وعقـبات
هذه الاحتكاكات بين السلطات الفاعلة في البلاد والصحافة تدفع المراقب لتقييم ما أنجزته حكومة إدريس جطو، وقبل أسابيع من نهاية ولايتها من أجل تطوير مهنة الصحافة وحمايتها وتوسيع هامش حرياتها كما وعدت في برنامجها الذي قدمته للبرلمان في نوفمبر 2002.
فلقد تولت حكومة إدريس جطو مهامها خلفا لحكومة عبد الرحمن اليوسفي. وإذا كانت قد حافظت على نفس مكوناتها الحزبية، فإنها أيضا تسلمت منها مشروعي قانون: الأول يتعلق بتحرير الميدان السمعي البصري، والثاني يتعلق بتنظيم مهنة الصحافة.
كان المشروعان مهيئان للنقاش مع المهنيين وعرضهما على السلطات المعنية دستوريا (مجلس حكومة ومجلس وزراء) قبل تقديمهما للبرلمان لمناقشتهما والمصادقة عليهما. وأسفرت النقاشات الأولية مع المهنيين إلى وصول الحكومة إلى قناعة بأن قانون تحرير ميدان السمعي البصري، رغم مخاطره قياسا مع الصحافة المكتوبة، أكثر بريقا وتجميلا، وأيضا أسهل في الوصول إلى توافقات من قانون تنظيم الصحافة.
نجحت حكومة ادريس جطو في بلورة صياغة نهائية لمشروع قانون تحرير السمعي البصري، وتقديمه للسلطات الدستورية للموافقة عليه، وإقراره. وكان المشروع ثورة في بلد مركزي مثل المغرب، وكتب عنه الكثير، وسجل إيجابا لصالح الحكومة وانتشرت في الفضاء المغربي موجات أثير متعددة. لـكن هذه الحكومة بقـيت عاجزة عن التوافق على الصيغة النهائية لمشروع قانون الصحافة، وإن كانت حققت تقدما في ربط دعمها المالي للمؤسسات الإعلامية بتحول المؤسسة إلى مقاولة ينطبق عليها قانون أية مقاولة للحفاظ على المهنة وحقوق الصحافيين.
وما وقف حجر عثرة في تقديم مشروع القانون للمصادقة حتى دورة الربيع الأخيرة للبرلمان الحالي، الذي تنتهي ولايته في أكتوبر القادم، مسألة العقوبات السالبة للحرية فيما يتعلق بقانون النشر الذي نص مشروعه على تشكيل مجلس أعلى يضم الفاعلين بالقطاع يتولى متابعة القضايا محل الخلاف.
ونجحت الحوارات بين وزارة الاتصال، كوزارة وصية، ونقابة الصحافيين وفيدرالية الناشرين إلى تقليص موجبات العقوبة السالبة للحرية من 12، كما في المشروع الأولي، إلى 4، كما في الصيغة النهائية. لكن ذلك لم يكن كافيا للمهنيين الذين طالبوا برفع كل العقوبات السالبة للحريات فيما يتعلق بالنشر.
نقاط سلبية هنا وفورة إعلامية هناك
وإذا كان مسار التنظيم القانوني للميدان الإعلامي أحد العلامات الايجابية لحكومة ادريس جطو، رغم عدم وصولها بمشروع قانون الصحافة إلى البرلمان، فإن مسار الحكومة في هذا الميدان عرف نقاطا سلبية عديدة كان القضاء شريكا لها فيها، حيث استعيضت العقوبات السالبة للحرية في القضايا التي توبع بها الصحافيون وأدينوا بالغرامات المالية الباهظة، والتي كان واضحا بعدُها التضييقي على الصحافيين ولتتوج مسارها بملف متابعات الصيف.
الاحتكاكات بين السلطتين الثانية والثالثة (التنفيذية والقضائية) من جهة والسلطة الرابعة (الصحافة) من جهة ثانية، التي عرفها صيف 2007 المغربي، قد يكون بمثابة تصادم سيارتين يقودهما سائقان متدربان. فالمغرب في عهد الملك محمد السادس شهد فورة في ميدان الحريات الصحافية قياسا مع عهد والده الملك الحسن الثاني، إن كان من ناحية القضايا التي تناولتها الصحف، أو التعابير المستخدمة. وشهد أيضا فورة في ولادات الصحف وقيادة صحف القطاع الخاص غير الحزبي لأول مرة قطاع الصحافة، بعد أربعة عقود من قيادة الصحف الحزبية.
وبغض النظر عن دواعي وموجبات هذه الولادات، وحاجة البلاد لهذه الفورة، فإن حداثة القطاع وأجهزة الدولة والتجربة مهنيا وديمقراطيا، وعدم وجود قانون بنص واضح ومقبول يتماشى مع ما عرفته البلاد والعالم من تطور في ميدان المهنة وميدان الحريات، فإن شكلا من أشكال العلاقة بين يافعين حكمت العلاقة بين السلطات والصحافيين الذين وجدوا أنفسهم، خاصة بالصحافة المستقلة، أنهم يلعبون دور المعارضة للحكومة بعد تغييب المعارضة السياسية إن كان في مشاركة الأحزاب الفاعلة في الحكومة، أو وهن أحزاب المعارضة البرلمانية، أو نهجها سياسة الابتعاد عن أية مصادمات، أو التغريد خارج المرحلة والمكان مما، أضعفها وجعل صوتها خافتا أو حبها في طاحونة الدولة.
محمود معروف – الرباط
تعبّر مراسلون بلا حدود عن بالغ نقمتها وذعرها إزاء الحكم الصادر بحق الصحافي العامل في مجلة الوطن الآن مصطفى حرمة الله والقاضي بسجنه لمدة ثمانية أشهر. فلا يدل هذا القرار إلا على الازدراء بكل أعراف القانون الدولي الذي يرفض رفضاً تاماً سجن صحافي بسبب جنحة صحافة.
وفي هذا الإطار، أعلنت المنظمة: “تلاحظ مراسلون بلا حدود وتأسف للهوة التي تزداد عمقاً بين التزامات السلطات المغربية بتطبيق الديمقراطية في المملكة وممارسات هذه السلطات نفسها. وتذكّر بأنها المرة الأولى منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2004 التي يحكم على صحافي فيها بالسجن المطبق في المغرب. فيبدو أن الرباط اكتسبت امتياز الانضمام إلى نادي دول شمالي أفريقيا التي تعتقل الصحافيين مثل مصر وليبيا”.
وأضافت المنظمة: “لا يمكن تبرير احتجاز مصطفى حرمة الله بأي طريقة من الطرق. ومع أن مراسلون بلا حدود لم تقلل من خطورة هذه القضية التي تشهد على إدانة ثمانية ضباط، إلا أنه يستحيل القبول بحرمان صحافي من حريته إثر إجراءات قضائية غامضة. فقد قسم الملف الأساسي إلى شقين، أحدهما عسكري تم التحقيق فيه سراً، والثاني مدني أدين الصحافي بموجبه. الواقع أن هذا القرار يشبّه مصطفى حرمة الله صراحة بالمجرم. وقد تمت ملاحقته استناداً إلى القانون الجزائي وليس قانون الصحافة. إلا أنه لا يمكن لوم الصحافي على التصرّف وفقاً لما تمليه عليه مهمة الإعلام وعدم التقيّد بالالتزامات الواقعة على عاتق مخابرات الدولة”.
في 15 آب/أغسطس 2007، أصدرت محكمة الدرجة الأولى في الدار البيضاء حكمها في قضية مدير النشر في المجلة الأسبوعية الوطن الآن عبد الرحيم أريري والصحافي العامل فيها مصطفى حرمة الله الملاحقين بتهمة “إخفاء مستندات تم الحصول عليها بواسطة جريمة” (المادة 571 من القانون الجزائي). وقد حكم عليهما على التوالي بالسجن لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ ولمدة ثمانية أشهر فضلاً عن غرامة تبلغ 1000 درهم (أقل من 100 يورو) يتوجب على كل منهما تسديدها. وقد اقتيد مصطفى حرمة الله مباشرة إلى الزنزانة ليقضي عقوبته فيها. ومن شأن حيثيات الحكم التي يفترض توفرها قريباً أن تسمح بالاطلاع على الحجج الكفيلة بتبرير إدانة هذين العاملين المحترفين في القطاع الإعلامي.
استدعى رجال من الشرطة بلباس مدني كلاً من عبد الرحيم أريري ومصطفى حرمة الله للاستجواب في 17 تموز/يوليو واقتادوهما إلى مخفر الشرطة حيث خضعا للاستجواب. في العدد الأخير (رقم 253) الصادر في 14 تموز/يوليو، نشرت مجلة الوطن الآن ملفاً بعنوان “العلاقات السرية وراء حالة الذعر في المغرب” الذي تعاون عبد الرحيم أريري ومصطفى حرمة الله على إعداده. وقد استندت إحدى المقالات إلى مذكّرة صادرة عن المديرية العامة لمراقبة الأراضي تطلب من كل الأجهزة الأمنية التيقّظ إثر بث تسجيل عبر الإنترنت لجماعة إرهابية تطلق نداء إلى الجهاد ضد الأنظمة المغربية وبالتحديد المغرب. وقد افتتحت محاكمة الصحافيين في 26 تموز/يوليو 2007. وفي خلال الجلسة الأولى، قررت محكمة الدرجة الأولى في الدار البيضاء تمديد احتجاز مصطفى حرمة الله المعتقل في سجن عكاشة. أما مدير المجلة عبد الرحيم أريري فقد مثل حراً.
المغرب 16.08.2007
(المصدر: مراسلون بلا حدود)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.